فوتنا الفرصة منذ قيام الثورة وحتى الآن على المحاولات الدؤوبة لضمور العصب الحساس لهذا الوطن وهو وحدته الوطنية ولعلنا تلمسنا هذه المحاولات منذ حادث كنيسة إمبابة وكتبنا فى جريدة شباب مصر هذا الكلام بتاريخ 11/5/2011 " إذا كانت الاتهامات الموجهة لمشعلى الفتنة الطائفية فى إمبابةمنحصرة فى بلطجية النظام السابق وبعض السلفيين ,فإننا نكون بعين واحدة عوراء لا ترى أبعد مما يراد لها رؤيته ؛حيث يراد تصدير الأدوات التى ارتكبت هذه الجريمة باعتبارها المخطط والمدبر ودون أن ندرك أنها مجرد أدوات نفذت طبقا لتعليمات غير مباشرة من جهات تنظيمية لها مصلحة فى تخريب البلاد وتعطيل مسيرة نهضتها السياسية فى طريق الديمقراطية والتعددية .ولا نحاول أن نوحى بنظرية المؤامرة كلما استعصى علينا الاتفاق على متهم وحيد وظاهر وضالع مباشرة فى الجريمة نلقى عليه الاتهام تهدئة للرأى العام .....والواقع إن المعطيات -سواء قبل الحادث أو بعده-تمنح بلطجية الوطنى وبعض السلفيين النصيب الأكبر فى المشاركة إلا أن السؤال المهم الذى يطرح نفسه :هل كان من الممكن أن تتفق إرادتان مختلفتان على الفعل نفسه إلا اذا كان هناك طرف ثالث خفى يعمل على توحيد الأضداد -أعداء الأمس- تحت أجندة خاصة عنوانها (الفتنة الطائفية أقصر الطرق لضرب استقرار مصر).بينما السؤال المنطقى الثانى : من هو هذا الطرف الثالث الذى يشعل عود الكبريت ثم يختفى لنجد النار قد أحاطت بنا من كل جانب ,فنحاول إخمادها -بعد أن تكون قد أكلت جزءا من زرعنا الأخضر(وحدتنا الوطنية)- باتهام عود الكبريت وتقديمه للمحاكمة ؟! السؤال الثالث المنطقى الذى تقودنا إجابته على السؤالين السابقين هو:من هو صاحب المصلحة الأولى فى ضرب استقرار مصر بطعن وحدتها الوطنية-عنوان الأجندة-وتمزيق النسيج المصرى لإلهائها داخليا بعد أن ظهرت بوادر أولية على نهج سياسية خارجية تسير ضد رغبات صاحب المصلحة فى إعلان المصالحة الفلسطينية ؟أظنّ أن إجابة هذا السؤال هى أسهل الإجابات.إسرائيل إن تمّ استبعادها من معادلة (الشعب والجيش إيد واحدة)نكون قد تناسينا الموقف الرائع -الذى أذهل اسرائيل ذاتها -للجيش المصرى العظيم فى احتضان سريع ومفاجىء تناسى فيه الجيش كل مقدرات البلاد السابقة التى كانت موضوعة فى يد حاكم مطلق وانحازت للحق المحشور فى زور كل مواطن مصرى منذ 30عاما ,حتى إذا بدأت تتشكل ملامح دولة ديمقراطية أخذ الجيش على عاتقه أنه لن يذهب إلى سكناته إلا بوجودها -أليس هذا مرعبا لإسرائيل إن أصبحت مصر دولة مدنية؟! ألم يصرّح عمرو موسى أحد مرشحى الرئاسة ومؤيدى النظام المدنى إلى إمكانية مراجعة معاهدة السلام مع إسرائيل؟!- فإذا ما نظر الجيش لخارج البلاد ينجح فى مصالحة رائعة فشل فيها النظام السابق,ولا أدرى إن كان فى عدم إتمامها ما يحقق مصلحة الأخير أم لا,ليبدأ الأرق و الانزعاج الاسرائيلى فتصدر تصريحات نارية بشأن هذه الممصالحة التى رعاها جيشنا الباسل فى اختبار حقيقى مع بداية آلية مختلفة فى النظر للقضية الفلسطينية. إذن عدم استبعاد إسرائيل على إحداث إشاعة الفتنة الطائفية فى مصر لإرباك الداخل المصرى الذى أظهر صفاؤه مشهدا مختلفاللخارج فانعكس على إسرائيل بالوجع. وما يؤكده تنظيمية أحداث الفتنة التى نجد أنفسنا بنهايتها وكأننا لا نحمل سوى إصعين فى اليد فنشير إلى بلطجية النظام الوطنى بواحد ونشير بالآخر للسلفيين.ولا أدعى أنهما لم يشاركا فى الأحداث بقدر ما أدعى أنهما استخدما كأداتين -باعتبار الحس الانتقامى للأول والسخونة التى تسكن السلفى بعد أن زال كبت30عاما مع العزلة -من خلال عمل مخابراتى تنظيمى يعتمد فكرة عود الكبريت التى تحدثنا عنها فى بداية المقالة .كما لا يمكن هنا أن أغفل ما يمكن أن يقوم به القائمون فى حكومة ليمان طره الذين يحملون غلا وحقدا صافيا لهذا الوطن الذى كشف عيوبهم الإنسانية وهى أقصى ما يحاول إنسان إخفاءه.كما لا يمكن أن أغفل دور الإخوان فى القيام بدور الصامت رغم إنهم موكّلون بتبنى دورأكبر بوصفهم تنظيما قابلا -بحكم مدنية الدولة والتى تخشاها إسرائيل-للوصول للحكم,فعليهم بذل الجهد فى وأد هذه الفتنة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا,ولا أغفل هنا أن أشير إلى ما اشرت إليه فى مقالة سابقة ,أن السلفيين هم مشتل الورد الذى سينزح منه الإخوان لفرش طريقهم إلى الحكم.فصورة السلفى المتشدد تغيم أمام صورة الإخوان الذين كان أول خطابهم- لمااستشعروا قربهم من (الولاية)-عن الدولة المدنية. لعلنا بذلك قد أوضحنا أن ثمة جهات فئوية تضرب لمصالح وأسباب خاصة وثمة جهات خارجية تمسك بعود الكبريت قد تتعدى إسرائيل لتخدم مصالح خاصة يعطّل وجودها مسيرة مصر على طريق الإصلاح.فمصر هى المقصودة فى صميمها أيها الجيش الباسل وأعداؤها كثيرون فما عليك الآن إلا أن تضرب -وتتحول إدارتك إلى حكم فعلى يضبط إيقاع الداخل ليرتدع الخارج -وإلا فسوف يضربون. " ونضيف هنا استخدام العنصر المحب والوديع فى كيمياء الوحدة الوطنية وأعنى العنصر القبطى ,ولا أنفى تماما عدم تلوث بعضهم بدماء خارجية وداخلية تعيد مفهوم عيدان الكبريت ,الذى استخدمناه فى مقالنا السابق,بإدخال عنصر مسالم تماما ضمن حزمة الأدوات المستغلة لتقزيم مصر وإجهاضها أوعلى أقل تقدير وضعها لجنين مشوه يرث نصيبا هائلا من التشرذم والتشتت والتناحر فى صورة حرب أهلية يعقبها مناداة بعون خارجى لن يرضيه- بعد تقديم العون اللعين- إلا تطويع البلاد لخدمة الانقسام المحتمل أو الذهاب بها فى ظل وجود العدو العبرى على قضم عظمة من جسد البلاد المعرض للنهش ما لم ندرك حقائق مهمة فى هذا السياق. ينبغى وضع الأمور فى نصابها الطبيعى ,وهو المنطق البديهى - إن تمسكنا بعقولنا فى لحظة قد يرعوى فيها العقل-الذى يشير إلى فرضية جدلية مؤداها تساؤل مطلوب. هل الأقباط يضارعون -إن كانوا أصحاب قتل جنودنا الأبرار-فى فعلتهم هذه بالعدو الاسرائيلى وقتل جنودنا على الحدود؟ولو استمرت معنا عقلانيتنا فستكون الإجابة بالنفى لأسباب عديدة يدركها القاصى والدانى وهو أن قيام الأقباط بالمظاهرة مبنى على عناصر دينية وإذا ما قتل أحد جنودنا الأقباط -إن حدث- تنتفى خلفية مقصدية تعنى تصور رغبة الأقباط لدوران هذا البلد لما يراد له من قبل عناصر خارجية تستقطب وبشدة عناصر داخلية أكثر خطرا من فلول الوطنى وازدواجية الإخوان وعصبية السلفيين وتعطل القوميين واليساريين والليبراليين واندياح المواطن المصرى بين العسكر والساسة والاحزاب ولقمة العيش الضالة. الأقباط هنا هم نفسهم السلفيون وفلول الوطنى قبل ذلك ..عيدان الكبريت التى يتم تحريكها بإرادتها أحيانا وبغير إرادتها كثيرا ودون أن نغفل أخطاء الداخل فى التعاطى مع القضية القبطية بما لها من حقوق وما عليها من واجبات .إضافة إلى الخوف الحقيقى-الذى يعترى الأقباط- من مصيرهم فى بلد قابل لاحتمالات عدة لتعديل بنيانه,وبعض طوب هذا البنيان (السلفيون والإخوان تحديدا)لا يفسح لهم مجالا مريحا للمشاركة فى هذا البناء! فلتحكمنا العقلانية فى لحظة فارقة من تاريخ هذا البلد حتى لا تتبدد أروع ثورة فى تاريخ الأمم ,لأن الكلمة هنا معناها عود كبريت فعلى فى يد كل مواطن وليس فى يد العدو الخارجى فقط.الكلمة هنا من شيخ أو قسيس ستحدد مصير هذا البلد .الكلمة هنا من فم السلفى والليبرالى ستفصح عن مدى حرصنا على هذا البلد وعدم الانسياق وراء توسيع عملية عيدان الكبريت لتتلبس روح كل مواطن مصرى جراء الكلمة التى سنجهر بها والفعل الذى سيستخدمه العسكر والساسة لمجابهة اللحظة وتثبيت نطاق الدولة بكل محتوياتها فى مساحة آمنة لحين استخدامها مرة أخرى لحياكة ما يلائمها من ثياب يرتضيها كل فرد على أرض هذا البلد.الكلمة هنا باختصار قد تقيم بلدا وقد تدمره! العسكر هم من قتلوا وهم أيضا المسؤول الأول عن حماية هذا البلد بعد الله( هل يمكن لله أن يحكم على بلد بالخراب بعد أن آمنها؟!) لأنهم هم الذين يديرون الآن-وكنا نحن من طلب منهم هذه الإدارة بعد الثورة مباشرة- وعليهم أن يلبوا احتياجات هذا الوطن وإصدار القوانين والمراسيم التى تؤهل البلد لاختيار مصير لا يرضاه أعداؤه ويفشلوا أعمال متربصو الخارج والداخل بتقوية روح العدل والنزاهة فى الشارع بما يخرج عنهم من فعل -لا أقول يطلبه- يتمناه المواطن(الطوبة الأصيلة فى هذا الوطن). يجب أن نبتعد ونحن نتدارك الموقف عن تقليص الحريات بداعى الأمن وتفهم حقيقى لموقف الأقباط فى مصر لأنهم الحلقة الأرهف فى سلسلة بناء هذه الدولة بما لهم من حقوق يجب النظر إليها من منظور أكثر وعيا بتغيرات المرحلة من ناحية ولعدم استخدام قضيتهم ذريعة تقوض نسيج هذا الوطن.فلنكن مدركين أننا فى موقف لانحسد عليه وإن لم يتم احتواؤه بكل المنعة والصدر الرحب وعقلنة الأمور فالبلد سيساق بعيدا عن عصانا!