يبدو - في الغالب -أن هذه البقعة التي نعيش فوقها ولا ندرك منها إلا كل ما هو قبيح و منفر .. لا يعرف قدرها هؤلاء الأقزام الذين يتصورون أن مصر لن تصبح مصرا إلا عندما تكون (الزعيمة) و تضع يديها علي ما حولها من أقطار وبشر،مسيطرة عليهم إما بدجل حواة العقائد والأديان كما يتخيلها الإخوان والسلفيين .. أو بحكايات الأطفال عن الأخوة العربية و الوحدة و تكثيف تكامل الإمكانيات لترقية استخدامها كما يحلم الناصريون و القوميون و من علي شاكلتهم من وحدويون. هذه الأرض جعل منها سكانها مداسا لكل نفايات البشر و شذاذ الآفاق يتعاملون معها كما لو كانت مصر(منفردة) لن يقوم لها قائمة و لن تصمد في مواجهه السوق العالمي .إلا بسحق وجودها و تمييعة وذوبانه في أطر أكثر تخلفا من وجودها الحالي . المشكلة أن السادة الكسالى يريدون حلولا جاهزة كالمعجزات بمعني أنه لو توفرت لهم مصادر تمويل لتدفق الأموال في خزانات بيت المال .. ( المهترئة) .. و (المنفسة) من كل جهة فسيكون هذا هو الحل الأمثل في عرف( بتوع) التوسع بالدين و طز في مصر .. أو التوسع بالقومية وطز أيضا في مصر. كتب ابن عبد الحكم في(( فتوح مصر وأخبارها)) إصدار مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر 1974(( لما ملكت دلوكة مصر أرسلت خلف امرأة ساحرة من (أنصنا) يقال لها (تدوره) فقالت لها إنا قد احتجنا إلي شيء من سحرك يمنع عنا من يقصد بلادنا بسوء .. فعملت تلك المرأة بربا من حجر الصوان (معبد) في وسط مدينة منف وجعلت لها أربعة أبواب إلي الجهات الأربعة ونقشت علي كل باب منها صور الرجال والخيل والإبل والحمير والسفن وقالت لدلوكة قد عملت لكم عملا تهلكون به من أراد لكم سوء من بر أو بحر ، فكان إذا قصد إليهم أحد من سوء وعجزوا عن قتاله دخلوا إلي تلك الصور وقطعوا الرؤوس أو فقئوا العيون فمهما فعلوا في تلك الصور التي في البربا فيؤثر في معسكر العدو فامتنعت عنهم الملوك لأجل ذلك، فأقامت دلوكة علي ملك مصر نحو مائة وثلاثين سنة (استمرت ملكة و عمرها 230 سنة)، ولم تزل مصر ممتنعة من العدو ستمائة سنة بما دبرته دلوكة من سحر عظيم، لما خربت البربا طمع فيها العدو وزحف بخت نصر البابلي علي البلاد فقتل صاحب مصر وسبي أهل مصر وأخرب ما كان في مصر من برابي والحكم التي كان بها طلسمات ونهب الأموال فأقامت مصر بعد ذلك أربعين سنة خرابا ليس بها ساكن ولا متحرك فكان النيل إذا زاد يفرش الأرض ثم يهبط ولا يستنفع به ولم تزل مصر بعد ذلك مقهورة من العدو)). بالطبع لا يوجد من يصدق مثل هذه الأساطير .. وحواديت العجز عن فهم تاريخ (كيميت ) وأثارها وأسباب سقوطها تحت نير محتليها .. لكن الواقع أيضا لا يمكن تصديقة ...فخراب مصر لم يكن بسبب خراب (البربا) المدعي وانما جاء بعد فقد الشعب للغته ودينه وتحوله بانتمائه للغات وأديان الغرباء التي مع الزمن أطاحت بخصوصية احتفظت بها شعوب قديمة غيرنا مثل اليابان، الصين، الهند وحتى فارس، تركيا واليونان فعاشت شعوبها متصلة الحاضر بالماضي تفخر به وتوقره وتحافظ علي آثاره ومنجزاته ..بينما جاءت مصر استثناءً يجعل من ولدها عدوا لتاريخ أجداده يسعي إلي تدمير وهدم ما بقي من بقاياه في انفصام منحاز لصالح ثقافة المحتلين والغرباء . في بلدنا ثروات لم تمس (بكر ) لا حصر لها .. لن أتكلم عن ما هو معروف منها ولكن قرأت حديثا عن من يتعجب من كون بحيرة ناصر تعج بالتماسيح و لا نستخدمها ((بالبحيرة حوالي 80000 تمساح .. جلد التمساح (البالغ) ثمنه 4000 دولار .. بمعني أنه يسبح في البحيرة ما يوازى (ملياران و نصف مليار جنية ) قابلة للتجديد و تحويل مصر إلي المصدر الأول لجلد التمساح في العالم ))!!.. تستهلك التماسيح أسماك البحيرة فلا ننقصها ونسمح للثروة السمكية بالنمو .. وإنما نستبدل هذا بفكر مريض يجمع ويبيع السمك النافق بسبب تفريغ الصرف الصحي في البحيرات و تحويلها إلي جبانات سمكية ثم ممرضات بشرية. سمعت أن لدينا علي شواطئ الدلتا ((الرمال السوداء كنز من كنوز مصر المهدرة على شواطئ البحر المتوسط، وهى مشروع قومي يتحتم تنفيذه الآن أكثر من أي وقت مضى)) .. لو تم حفظها و استخراجها لدرت المليارات .. و سمعت أيضا أن جبل (الدكرور) في سيوه يتكون من الملح الصخري الذي شكلوا منه هناك فندقا كاملا بأثاثاته .. وأنه أصبح مزارا يمكن استغلاله سياحيا واستخدامه في تقديم منتجات(ملح ) صحية أفضل من تلك التي تجمع من السباخات و تتسبب في الفشل الكلوي للأغلبية . و سمعت عن مناجم الذهب ((أثبتت الدراسات التعدينية أن (60) موقعاً لتعدين الذهب توجد بمنطقة جبيت، بالإضافة لوجود مليارات الأطنان من الحديد ومعدن الألمنيت ومعدن الروتيلي الذي يستخدم في صناعة أجسام الطائرات والطلاء عالي الجودة.فيما بدأ إنتاج مشروع تنقيب الذهب في الثمانينات كمشروع اقتصادي قومي بطاقة إنتاجية 5 آلاف كيلوجرام من الذهب بنسبة نقاوة عالية بلغت 90% من الكمية المنتجة في المساحة البالغة 60 ألف كيلومتر مربع في المنطقة التي تسمى منطقة وادي بروث والتي تعتبر من أشهر المناطق التي توجد بها عروق الذهب ووادي بروث وادي أخضر تكثر به الماشية وهو محاط بجدار ترابي وتوجد به مادة السينايد بأعلى الوادي حيث توجد به ثلاثة خزانات لحفظ مياه الأمطار)) و الغاز و البترول .. في طول مصر وعرضها لدينا الآلاف من الكيلومترات سواحل ندمرها ونهملها .. ونتركها لنعيش ..محشورين في إحقاق العشوائيات . أسوأ ما في مصر هم البشر الذين تلوثوا علي مدى ألاف السنين .. لينتجوا في النهاية هؤلاء الكسالى المتواكلين .. الذين ينجبون بالعشرات دون عقل أو تمييز ..المنتظرين من (أنصنا) الساحرة (تدوره) لتمنع عنا (من يقصد بلادنا بسوء) مصر لن( تصلح وتنمو بالتمني او السحر ) ولكن عندما تتعلم كيف تستخدم ثرواتها الاستخدام الأمثل .. و أهمها تعليم و تدريب و تثقيف البشر .. ثم بعدها نتكلم عن ما فعله الأجداد من المسلمين أو القبط أو اليونانيين أو القدماء منذ العصر الحجري حتى اليوم . المصريون (متزعلوش مني ) أصبحوا في العموم جهله يحفظون و لا يفهمون .. كسالي متواكلين ( وكأني أنظر بين العمائم واللحى فأرى رؤوسا .. قد أينعت وتأخر قطافها ) ..يريدون من ينفق عليهم وهم جالسون يتفلسفون عن الجانب القومي تارة و التطوير الديني أخرى .. و لا يعرفون أن بلدهم جنه حقيقية لو عاش علي أرضها اى من شعوب العالم فستصبح خلال سنين معدودة .. (عملاقا ).. إيه رأيكم تهاجروا يا مصريين؟؟ شوية منكم علي الشرق مطلقين اللحى و ممسكين بالسبحة و السواك .. وشويه برضه علي الشرق رافعين صور عبد الناصر حبيبنا !!.. بصراحة حاجة تمرض وتحزن . عندما يهاجر أبناء مصر الكسالى و في المقدمة بالطبع أعضاء الجهاز البيروقراطي الاسن العفن .. محدود القدرات الذي يدير البلاد ..فماذا سيفعل القادم الجديد . حتي لو كان مالطيا أو يونانيا .. او نيجيريا . سيبدأ بالعقول .. التي تحصر التركة .. ثم تفكر في كيفية استخدامها .. سيستغرق هذا فترة محدودة لن تزيد عن ستة شهور .. ثم تبدأ الخطة العاجلة ..رفع كفاءة الموجود .. و تحسين الأداء .. ثم خطة طويلة المدى للاعمار تتوخي التدفق النقدي السليم .. بمعني الاستثمار في المشاريع الهامة ذات العائد الذي يمكن تدويره بعد ذلك في مشاريع أكثر تعقيدا .. بالتأكيد لن يبدأوا بعمل مدن و عواصم جديدة .. ولكن سيبدأوا بتشغيل مناجم الذهب .. و الزراعة المميكنه .. لا .. بالمصايد والقرى السياحية .. لا سيبدأ بالصناعات الثقيلة .. ثم سيصر كل فريق منهم علي راية ف يكونوا أحزابا لكل منها إستراتيجية و سياسة و أساليب عمل ليس من بينها نشر الدين الإسلامي أو تقليص عدد المسيحيين أو الإصرار علي أن مصر دولة إسلامية . الأحزاب التي لها وجهات نظر في التطوير والاستثمار و القوانين .. و العلاقات الخارجية وتوزيع الثروة .. ستكون أدوات القادم الجديد الذي سيحول ارض مصر إلي جنة مستفيدا بكل حبة رمل أن توضع في مكانها الصحيح . الأحزاب الجديدة .. ستتفق علي عدة نقاط .. حمراء لا يقترب منها .. .. نحن جميعا مصريون لا فارق بين شخص وأخر بسبب النوع أو اللون أو الدين أو العقيدة .. كلنا لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات ..... هذه الأرض لا دين لها .. وهي رحبه تسع جميع العقائد و الملل و الطقوس ( التي لا تنتهي بنفي الأخر أو الإضرار به ).. لن يوجد علي أرضنا جائع أو جاهل .. أو مريض .. فنحن جميعا نعمل لصالحنا جميعا .. حتى هؤلاء الذين يعجزون منا لهم نصيب عادل . العمل حق العمل واجب العمل حياة للقادر وغير القادر ومن يعمل سيجد مردودة حياة إنسانية عصرية محترمة و نظيفة في المقابل . مصر قادرة علي صنع نفسها بنفسها دون حاج لاستيراد شعب جديد أو الاعتماد علي تهاويم تحالفات القومية و الدين .. لو أزاحت الكابوس الرابض علي أنفاسها بأشكاله المتلونة المختلفة . لن أتكلم عن الماضي البعيد وأشتاق أو الماضي القريب و ابصق .. و لكنني أرى أنه قد آن الأوان لنأخذ حياتنا بأسلوب أكثر جدية .. نافضين كل الأحمال المعوقة عن كاهلنا .. خصوصا السكون الديني و النعرة القومية التي لا يوجد لها سبب إلا أن أصحابها يحلمون في يقظتهم بأحلام كابوسيه عن تفوق موهوم .. لأمة منهكة .. ومدمرة بصراعاتها الداخلية . --------------------- بقلم / محمد حسين يونس كاتب وباحث مصري كبير