بات من المؤكد ان البطالة داء خطير اذا اصاب اقتصاد اي بلد فانه حتما سوف يصيبه في مقتل فيما لو غض الطرف عنه وتباطئ وتعثرت جهود الحد من انتشاره ومعالجته بشكل علمي مدروس. وليس من المنطقي والعدل ان تلقي تبعات وتكاليف المعالجة على قطاع ما بعينه دون بقية القطاعات الاخرى حيث انه كما معروف في علم الاقتصاد ان جميع القطاعات المنتجة للسلع والخدمات بشقيها العام والخاص ترتبط بمصير مشترك تؤثر وتتاثر فيما بينها. وعليه فان طرق معالجة البطالة تتقاسمها جميع القطاعات دون استثناء لان الجميع تقع عليه واجبات والتزامات كما لهم من حقوق. إن مشكلة البطالة هي من اخطر المشكلات التى تواجه اقتصاديات العالم النامي عموما واقتصاديات البلدان العربية خصوصا نظرا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الأمة عنصرا هاما من عناصر التنمية ألا وهو عنصرالموارد البشرية وذلك سواء من خلال تعطيل قدراتهم نتيجة البطالة أو من خلال هجرتهم إلى الخارج أما على المستوى الاجتماعي فان البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعية وجرائم العنف والسرقة والقتل والاغتصاب والانتحار . وفيما يلي اهم التوصيات التي من شانها ان تجعل من عملية مكافحة البطالة امرا ممكنا فيما لو خلصت النية وتوفر القابلية على التضحية من اجل الجميع دون التركيز على المنافع والعوائد الخاصة ومنها: 1) يقوم علاج مختلف صنوف البطالة على إيجاد فرص عمل كافية يوظف فيها العاملون قدراتهم لأقصى حد بما يحقق كفاءة إنتاجية عالية ومتزايدة من ناحية ويوفر كسباً مرتفعاً ومتنامياً يكفل إشباع الحاجات الأساسية للناس فى المجتمع وارتقاء مستوى الرفاه البشرى مع الزمن من ناحية أخرى. ويعنى هذا الهدف المركب خلق فرص عمل أفضل من المتاح حاليا على جانبي الإنتاجية والكسب على حد سواء وأكثر بكثير من المطلوب لمجرد مواجهة البطالة السافرة بحيث يمكن للمشتغلين فعلاً فى أى نقطة زمنية الانتقال لأعمال أعلى إنتاجية وأوفر كسباً. 2) يتعين الارتقاء بنوعية رأس المال البشرى من خلال الاستثمار المكثف فى التعليم والتدريب المستمرين وفى الرعاية الصحية مع إيلاء عناية خاصة للمستضعفين الفقراء والنساء حتى يتأهل الأفراد فى سوق العمل لفرص العمل الأفضل. وهذه مهمة تاريخية ليس لها إلا الدولة وعلى حد وفائها بهذه المهمة سيتحدد مدى خدمتها لغاية التقدم. 3) وحيث لا يُتوقع أن يتمكن رأس المال الكبير من خلق فرص العمل الكافية لمواجهة تحدى البطالة نظراً لتركيزه على الأنشطة الاقتصادية كثيفة رأس المال وخفيفة العمالة فيتعين توفير البنية المؤسسية المواتية لقيام المشروعات الصغيرة بدور مهم فى خلق فرص العمل مع تخليق تضافر فعال بين المشروعات الصغيرة وقطاع الأعمال الحديث. ويطلب تحقيق ذلك الهدف، تمكين عموم الناس خاصة الفقراء من الأصول الإنتاجية بالإضافة إلى رأس المال البشرى. ويأتى على رأس القائمة الائتمان بشروط ميسرة والأرض والماء فى المناطق الريفية حيث يعيش اكثر الفقراء. كذلك يتعين توفيرالبيئة القانونية والإدارية لتسهيل قيام المشروعات الصغيرة ورعايتها حيث تتسم هذه المشروعات بالضعف وارتفاع احتمال الفشل. ويمثل ذلك التوجه - إن قام - تحولاً جذرياً فى بيئة الاستثمار الحالية التى توفر الحوافزكل الحوافز لرأس المال الكبير بينما تترك المستثمر الصغيرقليل الحيلة بالتعريف يرزح تحت ثقل أقسى العوائق التمويلية والإدارية والتسويقية. 4) وقد تتطلب مكافحة البطالة - خاصة فى البداية - توفير فرص عمل من خلال الإنفاق الحكومى على مشروعات البنية الأساسية مما يحقق غرضاً مزدوجاً: أ. تشغيل مكسب للفقراء. ب. تحسين البنية الأساسية والتي هى بحاجة لتطوير ضخم ومستدام. 5) ويتضح من التوجهات الموصى بها ضخامة العبئ الملقى على الدولة ولن يقوم به طرف آخر مما يثير مفارقة قوية بين الحد من دور الدولة فى سياق إعادة الهيكلة الرأسمالية فى إطار سياسات التكيف الهيكلى من ناحية وبين مهام الدولة فى حفز التنمية المولدة لفرص العمل الكافية لمكافحة فعالة للفقر من ناحية أخرى. وفى النهاية فإن بلوغ التوجهات الاستراتيجية السابقة غاياتها فى مكافحة البطالة يتطلب تغييرات مؤسسية بعيدة المدى فى البنية الاقتصادية والسياسية تشمل: أ. زيادة كفاءة سوق العمل فى سياق تدعيم تنافسية الأسواق عامة وضبط نشاطها فى إطار من سيادة القانون التامة. ب. استقلال للقضاء استقلالاغيرمنقوص. ت. إصلاح الخدمة الحكومية وإقامة نظم فعالة للضمان الاجتماعى. ث. إصلاح نظم الحكم لتصبح معبرة عن الناس بشفافية ومسؤولة أمامهم بفعالية. ج. تمكين وتقوية مؤسسات المجتمع المدنى الجماهيرية بحق حتى يصبح لعموم الناس وللفقراء خاصة صوت مسموع فى الشأن العام. ح. دعم وتشجيع القطاع الخاص المحلي ليأخذ دوره في المشاركة في تقليل نسب البطالة عن طريق مساهمته في خلق فرص عمل تتاسب وقدراته. خ. التوسع في برامج التدريب واعادة التدريب والتاهيل للقوى البشرية العاملة وتلك التي تقف في طابور البحث عن فرصة للعمل. د. الارتقاء بمستوى التعليم والصحة والاسكان والرعاية الاجتماعية من خلال الاستثمارات الموجهة والمدروسة باتجاه البنية التحتية. ذ. اصدار القوانين الخاصة بجذب الاستثمار الاجنبي مع مراعاة تحديد سبل ووسائل الاستثمار الاجنبي بحيث لاتؤدي الى نتائج ضارة وسلبية على الاقتصاد حيث ان راس المال الاجنبي لايهتم الا بتحسين مستويات عوائده الربحية سواءا عن طريق الاستفادة من الامتيازات الممنوحة له او من خلال مساهماته في تهريب رؤوس الاموال الى الخارج دون اعادة استثمارها من جديد في اقتصاد الدولة المضيفة. فضلا عن دور راس المال الاجنبي الذي يعمل وفق اجندته التي تكفل له حماية عوائده المتحققة فضلا عن سياساته التشغيليه من خلال استخدام العمالة الخارجية التي تتسم بالكفاءة المتطورة والابتعاد عن استخدام العمالة المحلية الا في حدود العمل الغير ماهر الامر الذي يضعف من امكانية استفادة العمالة المحلية من تطوير امكانياتها. ر. العمل على وضع قاعدة معلومات حديثة للقوى العاملة تشتمل على التصنيفات والتفريعات الأساسية، وذلك نظراً لأهميتها في تسهيل عملية البحث العلمي، ولدعم دقة نتائجه في تمثيل الواقع ووصفه وتقييمه. ز. نظراً لارتفاع نسبة تمثيل المرأة في التركيبة السكانية ومحدودية خيارات العمل المتاحة لها في الوقت الراهن يتعين إتاحة الفرصة أمامها بشكل أكبر للإسهام في قوة العمل وذلك من خلال توسيع مجالات نطاق عمل المرأة وتنويعها وعدم حصرها في مهن محددة. س. إتخاذ الاجراءات المناسبة لتسهيل حركة انتقال الأيدي العاملة من مهنة الى أخرى ، وإزالة ما يعترض هذه الحركة من صعوبات تتعلق باعتبارات اجتماعية أو نفسية معينة أو إدارية ، و تحقيق نمو متوازن في نسب العمالة الوطنية في جميع المناطق باتباع سياسة مناسبة لتوطين الصناعة وفق ظروف كل منطقة . ش. إتخاذ الاجراءات والوسائل لزيادة عائد الصادرات و تجنب التقلبات العنيفة في هذا العائد و تشجيع الاستعانة برأس المال الأجنبي ووضع التسهيلات المناسبة له حتى لا تتعرض سياسات العمالة الى صعوبات تؤدي الى فشلها نتيجة اختلال في ميزان المدفوعات في الدولة . ص. وأخيرا فان مستوى حجم الاستثمارات و بالتالي مدى سرعة التغلب على البطالة أو مدى امتصاص العاطلين يتوقف على مدى كفاية رأس المال اللازم لحجم الاستثمارات المطلوبة و اتخاذ الوسائل الكفيلة بتقييد الاستهلاك واعادة توزيعه بحيث تتجه كل زيادة ممكنة من الناتج القومي الى الاستثمار ، و في مقدمة هذه الوسائل اتباع سياسة مالية فعالة و سياسة هادفة للأجور وسياسة إدارية حازمة . مكافحة البطالة إذاً، كما ألمحنا سابقاً ليست شأناً قطاعياً خاصا بل هوهم مجتمعى شامل. والواقع أن هذا هو حال كل القضايا المهمة فقد صار الحل الجذرى الشامل حتمياً إن أُريد حل ناجع على الإطلاق.