تتجه الانظار حاليا صوب مدينة شرم الشيخ حيث بدأ العد التنازلي لانعقاد مؤتمر قمة مصر الاقتصادية بنهاية الاسبوع الحالي والتي يعلق عليها الكثيرون آمالا عريضة وتوقعات كثيرة، فى ظل ما يمر به المجتمع حاليا من تطورات وتغيرات.ومع تسليمنا الكامل بأهمية المؤتمر وضرورته، خاصة فى هذه الآونة ، الا اننا لاحظنا ان هناك مغالاة شديدة فى التوقعات الخاصة بما سيترتب عليه من نتائج وآثار، وتصور البعض انه بمجرد انعقاد المؤتمر فإن الخير والرخاء سيعمان البلاد، وهو ما يلقى على عاتقه مهام ليست من ضمن المهام المنوطة به اصلا، من هنا تأتى اهمية وضعه فى سياقه الطبيعي والاهداف المرجوة منه فلا يجب التهويل ولا التهوين ايضا من النتائج المتوقعة.إذ يأتي انعقاد المؤتمر فى ظل اوضاع اقليمية ومجتمعية غاية فى التعقيد والصعوبة. فالاقتصاد المصري يمر منذ فترة، ليست بالقصيرة، بحالة من الضَعف والوَهَن، انعكست بالسلب على كافة المتغيّرات والمؤشرات الاقتصادية خاصةً مع تراجع وتدهور البنية الإنتاجية في المجتمع في كافة المجالات، مما انعكس بالسلب على معدلات الإنتاج والإنتاجية، وعلى الرغم من بوادر التحسن التى تظهرها المؤشرات الاقتصادية خلال الفترة الحالية حيث حقق الاقتصاد معدلا للنمو بلغ 5.6% خلال النصف الاول من العام الحالى وتوقعات بان يصل هذا المعدل الى 3.5% خلال العام باكمله الا انها مازالت معدلات ضعيفة للغاية ومتواضعة جدا خاصة فى ضوء الاهداف المطروحة على المجتمع. وهو ما يلقى بأعباء جسيمة على المستقبل من حيث امكانية دفع الطاقات الإنتاجية لتوليد فرص العمل المستهدفة في ظل انخفاض معدلات الاستثمار إلى مستويات حرجة، حيث تصل الى 14% خلال العام المالى 2013/2014 مقابل 19.5% عام 2009/2010 أى ان هناك تراجعا ملحوظا فى حجم هذه الاستثمارات. وهنا تجدر بنا الاشارة الى ان الاستهلاك النهائي كان ومازال هو المحرك الأساسي للنمو خلال الفترة الماضية وحتى الآن، ، وكذلك تحول صافى الطلب الخارجى من مساهمة سلبية الى مساهمة ايجابية. وعلى النقيض من ذلك فقد ساهمت الاستثمارات بالسالب. وبعبارة اخرى فإن التراجع فى معدلات النمو الذى حدث خلال الفترة الاخيرة يعود بالاساس الى تراجع معدلات الاستثمار. وبالتالى فإن اعادة دوران عجلة الانتاج من جديد يتطلب المزيد من الاستثمار الجاد والبناء، وهو ما لن يتأتى الا عن طريق تعبئة الموارد المحلية والاجنبية واستخدامها في بناء القواعد الإنتاجية، وهنا تُشير الإحصاءات إلى تراجع معدلات الادخار المحلية بصورة كبيرة حيث تصل الى 5.2% خلال العام المالي 2013/2014 ومع تسليمنا الكامل بان الجانب الاكبر من هذا التراجع يرجع الى العجز الكبير فى الموازنة العامة للدولة، الا ان هذا المستوى يظل دون المأمول ويؤدى الى اتساع فجوة الموارد المحلية بصورة كبيرة. وبالتالي تلجا الدولة الى مصادر عديدة لسد هذه الفجوة، على رأسها الاستثمارات الاجنبية من هنا تأتى اهمية القمة الاقتصادية بشرم الشيخ حيث تهدف الى وضع مصر على خريطة الاستثمارات العالمية مما يجعلها من البلدان الجاذبة لهذه الاموال وليس العكس. وهنا تجدر الاشارة الى ان الاستثمارات الاجنبية المباشرة قد انخفض حجم تدفقها للداخل من 17.8 مليار دولار عام 2007/2008 الى 10.9 مليار عام 2013/2014 ، وقد تزامن مع ذلك ازدياد حجم التدفق للخارج ليرتفع من 4.6 مليار دولار عام 2007/2008 الى 6.8 مليار دولار عام 2013/2014. ومن ثم انخفض صافى الاستثمارات الاجنبية المباشرة من 13.2 مليار دولار الى 4.1 مليار خلال نفس الفترة. وهى مسألة يجب ان تحظى بالاهمية القصوى عند دراسة هذه الاستثمارات ومعرفة اسباب الزيادة فى تدفقات الاستثمارات للخارج ، جنبا الى جنب مع العمل على جذب المزيد من الاستثمارات الجديدة. وذلك مع العمل على توجيه الجزء الاكبر منها الى القطاعات الاكثر قدرة على توليد فرص عمل جديدة اواضافة قيمة مضافة حقيقية الى الاقتصاد . هنا يصبح من الضروري الإسراع باتخاذ سلسلة من السياسات والإجراءات التي تساعد في اخراج الاقتصاد القومي من عثرته. ولا ينبغي بأى حال من الأحوال التركيز على إحدى الأدوات باعتبارها الوحيدة القادرة على هذه العملية، إذ أن الأمور أضحت من الأهمية بمكان بحيث يجب ان تعالج في إطار منظومة متكاملة من الإجراءات والسياسات تضمن علاج الاختلالات الأساسية فى بنية الاقتصاد القومي. لكل ما سبق يجب العمل على تسهيل بناء القواعد الإنتاجية وتعبئة الموارد المحلية واستخدامها افضل استخدام ممكن من خلال التوسع المنظم والفعال في بناء القواعد الإنتاجية وتطبيق سياسات عاجلة لتحفيز الاستثمار(الخاص والعام والاجنبى) والنشاط الاقتصادي عموما ، وذلك عن طريق إيجاد بيئة اقتصادية قوية ومستوى صناعي معقول ونمو زراعي يساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية. والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة بغية امتصاص البطالة ورفع مستوى المعيشة. وذلك من خلال منظومة تنموية متكاملة تهدف إلى الارتفاع بمعدلات التنمية وتحقيق الرفاهية والارتقاء بمستوى معيشة الأفراد،وتحديث المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا معتمدة على قراءة علمية ودقيقة للإمكانات، وعلى وعى وإدراك بالمتغيرات العالمية والإقليمية للاستفادة من مزاياها واكتشاف مخاطرها ومنعها أو على الأقل الحد من تأثيراتها السلبية. وحجر الزاوية هنا هو زيادة التشغيل ورفع الإنتاجية. وهذا لن يتم إلا عبر تفعيل آليات السوق الاجتماعية وتنشيط جهاز الأسعار وتدعيم القطاع الخاص مع رفع كفاءة الدولة فى إدارة العملية الإنتاجية. وكلها امور لن تتم الا عبر العمل على إحداث التغييرات الهيكلية التي تساعد على زيادة القدرة على خلق فرص عمل وتوليد الدخول لجميع فئات المجتمع. وتدعيم القواعد الإنتاجية القائمة وإزالة المعوقات التي تحول دون تفعيلها. مع مراعاة الفئات الاجتماعية الضعيفة ومحدودي الدخل عن طريق زيادة قدرتهم على الكسب واصلاح سياسة الدعم. ومحاربة الفساد بجميع اشكاله وتحقيق الاصلاح الادارى المنشود. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالي