أكد الدكتور المرسى حجازى وزير المالية أن عجز الموازنة خلال العام المالي 2011/2012 بلغ نحو 167 مليار جنيه بنسبة بلغت نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي، كما بلغ إجمالي الدين العام نحو 1310 مليار جنيه بنسبة بلغت 85% إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتبلغ فوائده فقط ما يعادل 25% من إجمالي المصروفات العامة وبقيمة بلغت 104.4 مليار جنيه في نهاية العام المالي السابق 2011/2012. كما ورثت الحكومة الحالية تركة ثقيلة من الأعباء المالية، تمثلت في بلوغ مديونيات عدد من الهيئات الاقتصادية إلى حد أثر على ملاءتها المالية. فقد بلغت جملة مديونية الهيئة العامة للبترول في 30 يونيو 2012نحو 125مليار جنيه، إضافة الى مديونية اتحاد الإذاعة والتليفزيون البالغة نحو 17 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2012 لصالح بنك الاستثمار القومي. إضافة إلى مستوى متدني من الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي والذي سجل 15 مليار دولار في يونيو 2012، منخفضا من نحو 36 مليار دولار في شهر ديسمبر 2010. وأشار وزير المالية إلى أن الاقتصاد المصري شهد منذ ثورة 25 يناير 2011، حالة من التراجع العام انعكست على العديد من مؤشرات الأداء الاقتصادي، حيث شهدت معدلات النمو الاقتصادي الحقيقية تراجعا ملحوظا حيث انخفضت من 5.1% في العام المالي 2009/2010 إلى نحو 2% في المتوسط خلال العامين الماليين السابقين وإن تحسنت خلال النصف الأول من العام المالي الحالي لتصل إلى 2.4% في المتوسط، ولكن يظل الأداء والنمو الاقتصادى أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب لدفع عجلة النشاط الاقتصادي وتوليد فرص العمل للمتعطلين الحاليين، وكذلك لاستيعاب الداخلين الجدد سنوياً إلى سوق العمل. وقد ترتب على ذلك ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 13% في نهاية عام 2012مقارنة بنحو 9% في نهاية عام 2010. وفي ظل المحاولات المستقرة لخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي، وتزامن ذلك مع الإضرابات العمالية المتكررة، فقد شهد النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص تراجعاً كبيراً، حيث انخفضت مساهمة القطاع الخاص في نمو الناتج المحلي الإجمالي وشهد النشاط الاقتصادي تباطؤ ملحوظ وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث تباطؤ ملحوظ بالنشاط الاقتصادي. ومن المنظور القطاعي، فقد شهد العامان الماضيان انخفاضاً واضحاً في نشاط اهم القطاعات القائدة والمحركة للنمو. حيث تراجع معدل نمو قطاع الصناعات التحويلية ليسجل انكماشاً بنحو 0.2% في المتوسط خلال العامين السابقين مقابل معدل نمو بلغ 5.6% في المتوسط خلال الثلاث أعوام السابقة عليهم، وكذلك تأثر قطاعى التشييد والبناء (3.5% مقارنة بمعدل 13.4% خلال نفس الفترتين)، وقطاع السياحة (انكماش بمقدار 1.8% مقارنة بمعدل 13.4%) بالأحداث المصاحبة للفترة الانتقالية. وفى الوقت نفسه، فقد تأثرت باقى القطاعات إما بشكل مباشر نتيجة للاضطرابات الأمنية أو الاعتصامات أو الاضرابات، أو بصفة غير مباشرة نتيجة انخفاض الطلب الكلي، المحلي منه والخارجي. ولم تقتصر على الطلب المحلي فقط بل امتدت إلى القطاع الخارجي أيضاً، والذي ظل ولعدة سنوات أحد نقاط القوة الرئيسية في تقييم أداء الاقتصاد المصري. حيث أدت الاضطرابات الأمنية الداخلية وحالة التراجع في النشاط الاقتصادي لدى أهم شركاء مصر التجاريين إلى العجز الذي شهده ميزان المدفوعات المصري، بشقيه الجاري والرأسمالي، والذي انعكس في انخفاض حصيلة مصادر النقد الأجنبي والتي اعتمد عليها الاقتصاد بشكل رئيسي في تكوين احتياطاته من النقد الأجنبي خلال العقد الماضي. فبالرغم من استمرار تحقيق حصيلة الصادرات من السلع بالنقد الأجنبي لمعدلات نمو وصلت إلى 7.3% خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، إلا أن معدل نمو الواردات، وخاصة البترولية منها سجلت نحو27% خلال العام المالي السابق و24.5% خلال النصف الأول من العام المالي الحالي والتي أدت إلى تراجع الميزان التجاري بشكل عام ليسجل عجزا بمقدار 32 مليار دولار خلال العام المالي 2011/2012، مقابل عجز بنحو 27 مليار دولار في عام 2010/2011. ومن ناحية أخرى، فقد تراجع أداء الصادرات الخدمية لتسجل انكماشاً بنحو 5% خلال العام المالي السابق، وهو الاتجاه الذي بدأ منذ عام 2008/2009 مع ظهور الأزمة المالية العالمية وضعف الطلب الخارجي. وعلى الرغم من النمو الملحوظ في تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وبشكل استثنائي، خلال العامين الماليين السابقين (حيث ارتفع من 9.5 مليار دولار إلى 17.8 مليار دولار)، إلا أن عجز الميزان الجاري قد تضاعف تقريبا خلال نفس الفترة ليسجل نحو 8 مليارات دولار خلال عام 2011/2012 مقابل عجز بلغ 4.3 مليار دولار قبل ذلك بعامين. ومع تراجع التدفقات الرأسمالية، فقد استلزم الأمر القيام بتمويل الأنشطة الجارية بالعملة الأجنبية (والتي ترجع معظمها إلى القطاع الخاص) عن طريق السحب من رصيد الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي. فبالرغم من حصول مصر على مساعدات اقتصادية بنحو 9 مليارات دولار منذ شهر فبراير من عام 2011 وحتى نهاية شهر مارس من عام 2013، إلا أن رصيد الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي ظل في تناقص مستمر لينخفض بأكثر من 50%عن مستواه في شهر ديسمبر من عام 2010 والذي سجل 36 مليار دولار. حيث بلغ رصيد الاحتياطي في 30 يونيو 2012 نحو 15 مليار دولار، وهو ما يعني أن إجمالي استخدامات النقد الأجنبي في الاقتصاد المصري خلال العامين السابقين وصلت إلى نحو 30 مليار دولار. وقد انعكس ذلك بوضوح على ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى مقابل الجنيه المصري، وكذلك في ظهور سوق صرف أجنبي موازية بالرغم من الجهود المبذولة من قبل البنك المركزي لضبط سوق الصرف الرسمية والحد من الضغوط المتكررة بها. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من التحديات التي تواجه القطاع الخاص وعلى الرغم من تراجع أداءه بشكل كبير خلال العامين الماضيين وهو صاحب النصيب الأكبر في النشاط الاقتصادي، إلا أن تزايد الإنفاق الحكومي بشكل غير مسبوق قد حد من الأثر الانكماشي لتراجع نشاط القطاع الخاص،على النحو الذي جنب معظم المواطنين الشعور بالقدر الحقيقي لحدة الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد بصفة عامة والقطاع الخاص بصفة خاصة. فمع تزايد الإنفاق الجاري الحكومي لاسيما على الأجور والتعويضات للعاملين والذي من المتوقع أن يحقق معدل نمو تراكمي يصل إلى أكثر من 73% في خلال ثلاث سنوات تنتهي مع نهاية العام المالي الحالي، وكذلك مع إقرار زيادات متتالية لأصحاب المعاشات وصلت تكلفتها إلى نحو 29 مليار جنيه منذ يناير 2011، فقد ساهم الإنفاق الحكومي المتزايد بصفة عامة فىالحفاظ على دخول نحو 14-15 مليون موظف وصاحب معاش بالإضافة إلى أسرهم، بل وفى العديد من الأحيان إلى زيادتها بشكل حقيقى وهو ما انعكس على الأداء الجيد لمعدلات الإنفاق الاستهلاكى خلال الفترة السابقة. وبالرغم من الأثر الإيجابي المؤقت لهذا الإنفاق على النشاط الاقتصادي، إلا أن استدامته باتت غاية في الصعوبة نتيجة لعدة أسباب أهمها: أولاً: تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة بشكل غير مستدام وبما يفوق قدرة المدخرات القومية والمساعدات الأجنبية مجتمعة على تمويله. فقد تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة في خلال ثلاثة أعوام ليسجل 134 و167 ونحو 200-205 (متوقع) مليار جنيه على التوالي خلال الفترة من 2010/2011 حتى 2012/2013، وهو ما يمثل 9.8%، و 10.8% ، و11.5-11.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفوق بكثير كل معايير استدامة المالية العامة والحفاظ على سلامة الإطار الكلي للاقتصاد. ومن الجدير بالذكر أنه من المتوقع أن يصل إجمالي الدين العام لأجهزة الموازنة العامة إلى 1553 مليار جنيه مع نهاية العام المالي الحالي (89% من الناتج المحلي الإجمالي)، مقابل 1310 مليار جنيه (85% من الناتج المحلي الإجمالي) في نهاية عام 2011/2012. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الخزانة العامة قد اعتمدت بصفة رئيسية خلال الثلاث أعوام السابقة على القطاع المصرفي، سواء من خلال البنك المركزي أو البنوك التجارية، لاستيفاء احتياجاتها التمويلية. وقد كان من شأن ذلك أن قامت الحكومة باقتراض النصيب الأكبر من الزيادة في الودائع والمدخرات لدى الجهاز المصرفي، وهو ما يعرف بالمزاحمة والتي تنشأ نتيجة استحواذ الحكومة على التمويل المفترض توجيهه إلى القطاع الخاص. ومن ناحية أخرى، فقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة الدين العام الحكومي وإعادة تمويله بشكل كبير، ما ألقى بظلاله على مدفوعات الفوائد على الدين العام والتي تضخمت بشكل غير مسبوق حيث من المتوقع ان تصل إلى نحو 147 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري، مقابل نحو 72 مليار جنيه في عام 2009/2010، أي بزيادة بنحو 104% خلال ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي لا يقتصر أثره السلبى على الحاضر فقط بل تمتد أعباءه إلى المستقبل. ثانياً: عدم قدرة البنك المركزي على إتاحة المزيد من التمويل المباشر للخزانة العامة نظراً لما يصاحب ذلك من مخاطر تضخمية قد يكون لها بالغ الأثر على الاقتصاد الكلي. ومن الجدير بالذكر أن البنك المركزي المصري كان قد تمكن من إتاحة قدر كبير من الائتمان المباشر للحكومة خلال سنوات الثلاث الماضية دون أن يكون لذلك أثر تضخمي واضح نتيجة تزامن زيادة ذلك الائتمان مع خروج قدر كبير من الأصول الأجنبية من الاقتصاد المحلي، مما عاد لأثر الزيادة في الأصول المحلية وأبقى على معدلات زيادة السيولة في الحدود الآمنة. ثالثاً: تركز معظم الزيادة في الإنفاق الحكومي على المصروفات الجارية والتي لا تسهم في زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي، لاسيما مع تقلص الإنفاق الاستثماري الحكومي والخاصوهو ما صاحبة زيادة كبيرة فى حجم ونسبة الإنفاق الجاري من الأجور والدعم، وهى مجالات انفاق لا تساهم فى تحقيق زيادة حجم الإنتاج ولا القدرة الإنتاجية المستقبلية للاقتصادالمصرى، مما يعضد من مخاطرها التضخمية. رابعاً: مع استمرار الأزمة، وفي ظل عامين من تراجع النشاط الاقتصادي وتقلص معظم تدفقات النقد الأجنبي، فقد بات الاقتصاد مهدداً بالمزيد من التراجع نتيجة عدم توافر الموارد اللازمة لمواصلة النشاط الإنتاجي في القطاع الخاص، والذي يعاني من ناحية نتيجة عدم توافر موارد النقد الأجنبي المطلوبة لتمويل احتياجاته من مدخلات إنتاج مستوردة من الخارج، ويعاني من ناحية أخرى نتيجة تقلص الاقتراض المحلي المتاح لتمويل استثماراته وتنمية نشاطه الإنتاجي، حيث يذهب هذا المورد حالياً لتمويل الإنفاق الجاري للحكومة كما سبقت الإشارة. وشدد وزير المالية أن السياسة المالية ستواجه ثلاثة تحديات رئيسية في إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة خلال المدى القصير والمتوسط: 1. ضرورة العمل بشكل سريع نحو إعادة دوران عجلة النشاط الاقتصادي ورفع معدلات النمو الاقتصادي، لاسيما من خلال تهيئة المناخ لتحفيز نشاط القطاع الخاص. 2. وجوب خفض العجز الكلي للموازنة العامة للدولة بشكل تدريجى وبما يتلاءم مع حجم التمويل المتاح للحكومة، وبما يحافظ على التوازنات الأساسية على صعيد الاقتصاد الكلي ويتيح التمويل المناسب لتمويل احتياجات باقى القطاعات غير الحكومية. 3. أهمية الحفاظ على البعد الاجتماعي ومراعاة عدالة توزيع ثمار النمو الاقتصادي، وكذلك مراعاة توزيع الأعباء المصاحبة للإصلاح الاقتصادي على طبقات المجتمع المختلفة بما يتناسب مع ثروات ودخول كل منها.