انفراجة شهدها الاقتصاد المصرى أخيرا بعد أن أعلن البنك المركزى عن أن الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية ارتفع لأول مرة منذ 15 شهراً، وبداية أحداث الثورة بنحو 100 مليون دولار. فهل تنقشع سحابة التشاؤم رويدا رويدا ؟ وهل يعتبر هذا المؤشر بمثابة القطرة التى هى أول الغيث؟ فقد أعلن البنك المركزى المصرى عن ارتفاع صافى احتياطى النقد الأجنبى لأول مرة منذ بداية ثورة يناير بنسبة 0.6 فى المائة خلال إبريل الماضى ليصل إلى 15.2 مليار دولار مقابل 15.1 مليار دولار فى مارس الماضي. علاوة على أنه إذا أخذنا فى الاعتبار أيضا أن إجمالى ما فقده الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى بعد ثورة 25 يناير بلغ نحو 21.6 مليار دولار. و يرى الخبراء أن هذا التحسن لم يكن وليد المصادفة. ولكن بسبب الإستراتيجية التى اتبعتها الحكومة المصرية فى المرحلة الماضية لتنمية مواردها الدولارية. علاوة على ترشيد معدلات الاستيراد وتشجيع التصدير ووضع إستراتيجية جديدة لجذب استثمارات من المغتربين المصريين سواء من خلال قيامهم بشراء شهادات إيداع التى طرحتها الحكومة المصرية أو من خلال بيع أراض. بالإضافة إلى النشاط النسبى فى معدلات الجذب السياحى إلى جانب زيادة فى الموارد التى وفرتها الدولة من خلال اتفاقيات مبادلة الديون وطرح أذون خزانة دولارية. كما أشار الخبراء إلى حصول مصر على 408 ملايين دولار، مستحقات المصريين العاملين بالعراق، وقام البنك المركزى بتحويلها إلى الجنيه المصرى، وهو ما ساهم فى توفير سيولة دولارية للبلاد، والتوزان النسبى الذى حدث فى مدخلات السيولة الدولارية لمصر من إيرادات قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج، والمخرجات التى تستخدم فى توفير احتياجات البلاد من الاستيراد. وكان الدكتور كمال الجنزوى رئيس الوزراء المصرى، توقع ارتفاع الاحتياطى النقدى خلال المرحلة المقبلة، كما توقع أن يتعافى الاقتصاد المصرى خلال الأيام المقبلة، مع زيادة احتياطى النقد الأجنبى وتراجع الدين الخارجى، والحصول على قروض ومنح خارجية. وذلك بأن يبدأ احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى فى الزيادة اعتبارا من مايو بسبب الإجراءات التى اتخذتها الحكومة لترشيد الإنفاق وتشجيع الممولين على سداد الضرائب إلى جانب التعاون مع الدول الصديقة. وكان قد كشف عن تناقص الدين الخارجى من 35 مليارا و200 مليون دولار إلى 33 مليارا و400 مليون دولار فى مارس الماضي. كما أوضح أن مصر ستحصل على مساعدات تبلغ ثلاثة مليارات و200 مليون دولار من صندوق النقد الدولى ومليار دولار من البنك الدولى ونصف مليار دولار من بنك التنمية الأفريقى علاوة على حزمة تمويلية من السعودية بقيمة 2.5 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصرى تتضمن تقديم مليار دولار كوديعة لدى البنك المركزى المصرى لتدعيم احتياطى النقدى المصرى، وتقديم نصف مليار دولار من الصندوق السعودى للتنمية لتمويل مشروعات تنموية بالإضافة إلى تقديم 750 مليون دولار لتمويل مجموعة من الصادرات السعودية إلى مصر، منها 250 مليون دولار لتغطية صادرات شحنة غاز منزلى إلى مصر و200 مليون دولار منحة لا ترد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وكانت صحيفة “فاينانشال تايمز" البريطانية قد أشارت إلى أن المصريين تلقوا أنباء اقتصادية سارة بعد أن كشفت أرقام البنك المركزى النقاب عن ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية بشكل طفيف ووصفته بأنه تغيير مفاجئ قياسا بالهبوط المستمر الذى يشهده الاقتصاد المصرى منذ ثورة 25 يناير. وذكرت الصحيفة أن الاحتياطيات الأجنبية فى مصر انخفضت لأكثر من النصف خلال ال(16 شهرا الماضية) من 36 مليار دولار فى بداية 2011 إلى 1.15 مليار فى نهاية مارس الماضى. وأشارت إلى أن هذا الانخفاض الحاد عزز من تكهنات بخفض وشيك لقيمة الجنيه المصرى إذا لم تجد مصر مصادر جديدة للتمويلات الأجنبية بما فى ذلك إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولى، إلا أن الأرقام الأخيرة تشير إلى وجود ارتفاع طفيف خلال إبريل الماضى، حيث زاد الاحتياطى الأجنبى إلى 2.15 مليار دولار. ولفتت إلى آراء بعض خبراء الاقتصاد أن الزيادة قد تعود إلى تحويل 408 ملايين دولار من العراق إلى العاملين المصريين فى العراق الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ عام 1990 عندما اضطروا للفرار مع بدء حرب الخليج الأولى، فيما ذكرت أنها لم تتمكن من الحصول على الأرقام الجديدة الخاصة بقطاعى التجارة والسياحة. ومن الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التى تكون فيها أخبار طيبة عن تعافى الاقتصاد المصرى. فقد سبق أن أكدت دراسة اقتصادية حديثة أعدها بنك الإسكندرية أن هناك مؤشرات إيجابية لتعافى الاقتصاد المصرى وعودة الانتعاش فى المستقبل القريب وبناء احتياطات نقدية جديدة تعتمد على مصادر متنوعة ترتبط بالاقتصاد الحقيقى ولا تعتمد على الاقتراض الخارجى والأموال الساخنة. وقالت الدراسة إن التراجع الشديد لأرصدة الاحتياطات من العملات الأجنبية من نحو 34 مليار دولار فى نهاية 2010 إلى نحو 17 مليار دولار نهاية 2011، أى بنسبة 50 بالمئة من قيمة الاحتياط النقدى. وقد توقف التراجع منذ ثلاثة شهور وبدأ مرحلة التصاعد من جديد. وأن هناك العديد من المؤشرات الإيجابية التى قد تخلق نوعا من التوازن النسبى. وتشير البيانات إلى استدامة نمو العديد من مصادر الدخل القومى بالعملات الأجنبية مع وجود مؤشرات اقتصادية وسياسية. تشمل زيادة قيمة تحويلات المصريين العاملين بالخارج لتسجل 12.6 مليار دولار فى نهاية عام 2011 مقابل 9.8 مليار دولار نهاية عام 2010 بمعدل نمو 28.6 بالمئة. وتواصلت زيادة معدلات نمو الأصول والقروض والودائع للبنوك. حيث زادت خلال الفترة من أول يوليو 2011 إلى نهاية عام 2011 بمعدلات 2 بالمئة و1 بالمئة و1.3 بالمئة على التوالى للتأكيد على صلابة ومتانة القطاع المصرفى والثقة فيه من الداخل والخارج.وأضافت الدراسة أن إيرادات قناة السويس ارتفعت لتسجل 5.2 مليار دولار. وبمعدل نمو 11.8 بالمئة وزيادة الصادرات البترولية وغير البترولية لتصل إلى 27 مليار دولار بمعدل نمو 13.1 بالمئة. وقالت إن المؤشرات جاءت لتخفف من حدة التوقعات التشاؤمية بشأن التعافى الاقتصادى اثر تراجع معظم المؤشرات الأساسية للاقتصاد المصرى على خلفية الأحداث التى صاحبت الثورة. حيث تراجع معدل النمو الاقتصادى ليسجل 1.8 بالمئة وتحول رصيد ميزان المدفوعات من فائض بنحو 3.36 مليار دولار فى العام المالى 2009 - .2010 إلى عجز بنحو 9.75 مليار دولار. ومن ناحية أخرى، كانت مؤسسة ميريل لينش العالمية بنك أوف أمريكا قد أصدرت تقريرا عن بدء تعافى الاقتصاد المصرى وقرب انتهاء الفترة الحرجة. وكان يمثل أول تقرير من جانب مؤسسة تصنيف دولية، يفتح المجال أمام آمال واسعة لوقف منحنى مؤشرات الأداء الاقتصادى الكلى، وبصفة خاصة أوجه العجز فى الموازنة العامة بعد أن وصلت إلى نحو 74 مليارا فى النصف الأول من العام المالى الحالى، لتتجاوز بذلك العجز المخطط الذى كان يستهدف 134 مليار جنيه خلال العام المالى بأكمله، وميزان المدفوعات الذى بلغ 10 مليارات دولار بنهاية العام الماضى، وبالطبع نزيف الاحتياطى من النقد الأجنبى الذى سجل 16.4 مليار دولار. والسؤال الذى يطرح نفسه: هل بالفعل يمكن الوثوق فى هذه التقديرات؟ خاصة فى ظل تراجع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى أقل من 1.8 بالمئة العام الماضى، وتوقع استمرار هذا المعدل عند هذه النسبة العام المالى الحالى 2011- 2012 إلى نحو 2.4 بالمئة وفق توقعات صندوق النقد والبنك الدوليين مما تترتب عليه إضافة عدد كبير من الداخلين الجدد إلى سوق العمل إلى مخزون البطالة، حيث يتطلب استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل توفير 800 ألف فرصة عمل سنويا أى تحقيق معدل نمو ما بين 7 و8 بالمئة.