الصمت يغمر هذه الجنة والطيور فوق أغصانها ساكنه ، والأشجار تترنح في انتظار ندى الصباح ، لكي ترتوي هذه الجنة الخلابة بملائكة الرحمن من الإنس،الأشجار تبعث من نسائم الصباح تغريِدَه فى آذان هؤلاء الحوريات الطفولة، والرقة ، الطبيعة والمستقبل، النضاره ، والصبا ، كل تلك وذاك أوصافهن زهور ( اللوز ) ترنو الطبيعة لجنتهن تفتحت النوافذ وتشرفت النسائم بوجوههن النضرة تداعبهن يبتسمن ابتسامة عذرية تنطق بالخجل يتقلبن فى مضجعهن وأحلام الصبا لا تتركهن لواقعهن ثانية واحدة ، ضوء الشمس أضحى على وجه جهاد المشرق يدعوها للنهوض من رحلتها فى الأفق أشاحت بوجهها عن نوره ، ثمة ضجيج المنبه مترام فى أنحاء الغرفة أعادها من رحلتها ، نهضت نازعة الغطاء رافعة ذراعيها تستمد من أمل الصباح رشاقة وحيوية ،ليست مثيلة بوسي التي وضعت يدها على زر المنبه وأغلقته ، مندسة فى الفراش مستسلمة لغلبة النوم حدقت نحوها جهاد بنظرة غاضبة وحاجبين مقطبين وأمسكت بالمنبه وأدارته ووضعته صوب أذنيها لتخلصها من هذا الكسل العنيد ، تقلبت فى الفراش واضعة الوسادة على أذنها ؛ من أثر الضجيج لا تبالي لاستيقاظ شىء ، فى حين استيقظت سارة منتفضة وأمسكت الشوكة والسكينة من على المنضدة تضرب بهما على الصحاف الألمونيوم وتدق فى أذن ريهام التى نهضت فى لهفة وارتباك عيناها تدور عما حولها وشعرها منسدل على وجنتيها طرحته إلى الوراء وأدارت المنبه حتى حاكتها باقي الغرفة الواحدة تلو الأخرى يتبادلن تحية الصباح وترتيب السراير وينشدن أغانى ، فى بهجة ونشوى وكأنهن ورودا، تتأهب لاستقبال عيد الربيع ، وكعادة كل يوم انطلقن من الغرفة تسبقهن أعينهن بابتسامة مليئة بالأمل ، والفرحة لاستقبال يوم من العام الجديد ، وقفن صفا واحدا فى الممر الفاصل بين الغرف بأيديهن بعض من أدوات تناول الأطعمة يضربن بها على الصحاف الألمونيوم ويدرن المنبة فبعث ضجيجا قويا حتى استيقظت باقي الزميلات واندفعن جميعا نحو الأحواض ليغسلن أيديهن ووجوههن حتى تنظيف الأسنان 0 فى هذه اللحظات المليئة بالسعادة لا تخلو من مداعبات بوسى وريهام حيث تحظى زميلاتهن بمقالبهما الطريفة، وكانت سارة هى المستهدفة هذه المرة حيث صنعت بوسى خطوطا من معجون الأسنان على وجهها، وانتهزت ريهام الفرصة وفتحت نحوهما خرطوم المياه ضحك الجميع وصرخت سارة ودوى صراخها فى المكان حتى أمسكت بأرداف بوسى وقرمت إحداها فعلا صوت بوسى مندمجا مع ضحكات زميلاتها المتراميات فى جميع أنحاء الدار ، ولم يلزمن السكون إلا عندما أشارت جهاد بالصفير المعتاد علامة بدء تمارين الصباح ، خرج الجميع إلى حديقة الدار ، وبدأن التمارين تتقدمهن جهاد المعروف عنها اللياقة البدنية ، وفور سماع دقة الساعة منبعثة من الراديو عدن مسرعات إلى الغرف وبدأن اختيار الملابس تأهبا للذهاب إلى الجامعة تتقدمهن "جهاد" بالطبع فهى تتمتع بوفرة فى الجدية والنشاط البدنى والذكاء والحكمة والبلاغة الذهنية لذلك تحتل المركز الأول فى كل شىء حتى فى دراستها ملتزمة حقا ولكن ثمّة أمراً محيرً تباطؤها فى الذهاب إلى الجامعة فى المواعيد المحددة بدأت تهندم ملابسها دون مرآة مما تضفي عليها روح الشخصية العملية، وتوضح وجهها الخمري الملائكي الذي يعكس صفاء قلبها النقي الفياض بالحب والامل والعقل المشغول بالنهوض وبثقافة هذا البلد , تقرأ كثيرا عن اليوتوبيا وتري نفسها في حلم اليقظة في ثياب أبيض علي عرش بجوار كارل ماركس أو فلاديمير لينين يأخذها علي سجادة ساحرة ويطوف بها البلاد ولعل هذا هو سر انشغالها الروحي والفكري عن كيانها الإنساني، بعدما قامت بإحضار مستلزماتها واتجهت للخروج تدور حول نفسها في حيرة تتذكر ما لهاها عنه فكرها, أخذت مستلزماتها دون اكتراث وانطلقت نحو الدرج مهرولة وجلست لربط الحذاء ولكن أين الحذاء ؟ إن انشغالها الذهني أخذها بعيدا عن كيانها الحسي كإمرأة من المقبول تمتعها بشيء من الاهتمام بالمظهر والأناقة التي تمثل بالنسبة لبوسي كل شىء , تقف أمام المرآة تتأمل جمالها في ثوبها البني الملتصق يكشف ساقيها ومعالم بدء أنوثتها وأكمل دليل علي أناقتها وتقبل مرآتها عدة مرات , ترمز بلونها القمحي وخفة دمها عن روعة فاتنات النيل وتتحدث مشيتها عن سر شخصيتها المرحة المنطلقة الحالمة بمستقبل كبير في عالم الفن وتتمتع بقدر كبير من الثقة بالنفس التي تفتقدها سوزان أكثرهن جمالا وأكثرهن إطراباً ظلت تختار ملابسها بما يتناسب مع جمالها الذي لم تشهده هي أكثر من ثلاث ساعات وتأخذ رأي أخدانها في حيرة عن زي يناسبها علي الرغم أن جميع ملابسها تتلاءم مع مفاتنها الخلابة، الوجه الأبيض، والشعر الأسود الداكن المسترسل إلي خصرها، والثغر الصغير الفتان ،وعينيها اللتين يلوح فيهما سمة البراءة ولكن رغم كل هذا الجمال والدتها زعزعت فيها الاحساس بالثقة وتشعرها دائما بعدم اقترانها للجمال بأي صلة لماذا ؟ هل حتي لا تغتر بجمالها ؟ أم حرصا ألا تتعرض للخطأ ؟ ولذلك فهى دائما شاردة تحاول البحث في كل سمة حولها عما يعيد لها احساسها بثقتها كامرأة مرغوبة حتي استقرت علي ثياب يعطيها الاستقرار والهدوء النفسي والاتزان الذي تتسم به "سارة" الزهرة اليانعة متعددة الألوان ثمة فيها مختلفة في جوهرها متنوعة في صفتها متميزة بمعالم أنوثتها تنم عيناها الفيروزيتان وشعرها المذهب المنسدل علي وجنتيها البيضاء المنبعثة منها أضواء حمراء اكتسبتها من جنس والدتها الفرنسية من أصل جزائري , وتأخذك قامتها الممشوقة وخصرها النحيل في رحلة نحو نجمات هوليود، وهل يجمع جمال كهذا مع شخصية متزنة , ملتزمة جدا جدا في دراستها بكلية الهندسة وهي كلية معروف إنها تحتاج إلى مجهود مضاعف ولكن ارتباطها بجهاد يساعدها في ذلك، ويؤكد فيها الثقة بالنفس خاصة أنها تسير رافعة الرأس مما أعطي انطباعا لدي زملائها من شباب الجامعة بأن لديها بعض الكبرياء مما يدعوهم للبعد عنها، تتميز بسمة الانضباط والجدية ولا تنشغل بأي نواح اجتماعية حيث دخلت غرفتها لا تلوي علي شيء أخذت مستلزماتها دون اكتراث وانطلقت إلي الدرج مهرولة ولكن قلبها الطفل البرىء المغمور بالأحاسيس والمشاعر والدقة في اختيار ملابسها بين الأبيض والأزرق تغفر لها بعضا من الصفات غير المرغوبة وعلي الرغم من هذا لا تخلو طبيعة كونها امرأة غيورة وهذا ما يفصل بعض الشىء بينها وبين ريهام , أصدقاء بلا شك لكن في هذا الأمر غيرة المرأة هي الغالبة التي لا تمثل بداخل ريهام شيئا معروف عنها استغلال المواقف ورغبتها في المادة، هل هذا لاحتياجها ؟ أنها ترتدي ملابس بسيطة ولكنها أنيقة تعكس وجهها المستدير الجامع بين اللون القمحي والخمري ويضفى جلالة علي شعرها الكستنائي وعيونها العسلي وعلي الرغم إنها لا تحظي بجمال سوزان وسارة إلا أن خفة دمها والمرح , والضحك والانطلاق , في اشد ظروفها تجعلها مصدر تسابق بين الأصدقاء والزملاء بمن يحظي بصداقتها , خرجت في صحبة بوسي صديقتها الأقرب إلي قلبها يشتركان في كثير من الصفات وسوزان الزميلة في نفس كلية الآداب , يضربن في الطرقات وأعين الرجال تتبع خطواتهن إلى الجامعة , ريهام تزداد تألقاً بكل نظرة تقابلها تسير شاردة الذهن في أصدقائها وبوسي تدور حول نفسها تترنح بينهما قائلة : يا رب مخرج او منتج يكتشفني . وسوزان تغضي بصرها عن أعين الرجال وترسم ابتسامة مغتصبة مليئة بالوجد ومازالت علي بعد خطوات من محل بيع أجهزة محمول خلف الجامعة، وتوقفت ريهام وامتلك القلق صفحات وجهها عندما شاهدت فتاة تهمس في أذن بائع المحل يمثل لها صديق وما أكثر أصدقائها، تقدمت في خطي ثابتة لتتأكد من الحسناء نتجة تمتمة ترددت علي مسمعها تأكد أنها سارة توقفت لحظة تسترد ثقتها طرحت شعرها إلي الوراء فبرزت ملامح وجهها وازدادت نورانية فاردة كتفيها تنظر إلي الأمام في ثقة بالنفس وبوسي وسوزان بجوارها يتغامزان في بسمة مستنكرة , تقدمت حتي بدت علي مشارف المحل , تقابلن , فاستشعرت سارة ضيقا في صدرها تمنت اندلاع خلاف بينهما , ونظرت نحوها نظرات الغيرة المعتادة وبادلتها ريهام نظرة ثقة وكبرياء وانصرفت داخل المحل , استقبلهن رامي بوجه مشرق يفرك يده مسرورا ويرنو نحو ريهام بأعين لامعة باسما تشرق بأجمل معاني الإعجاب تركت واقعا في نفس ريهام بأنها المنتظرة قائلا : أهلاً أهلاً بزهور الجامعة . اختلست بوسي نظرة خاطفة نحو ريهام ، وقالت : احنا برضه . وألفت هي وسوزان يتجولان حول الفترينات , وجلست ريهام في مقعد مرتفع أمام رامي بينهما فاترينة زجاجية بها بعض أجهزة المحمول يلمس يدها في حنان حتي تاهت كفاها الصغيرتان في يده فصعد إلي وجهها حمرة الخجل ولكن سرعان ما سيطرت علي مشاعرها وسحبت يدها في هدوء , ورامي مازال يحدث بوسي قائلا : أين أنتن لم أراكن منذ فترة طويلة؟ سوزان : نحن أمامك وأنت لا تدير بالك . رامي : لا تأخذن فكرة خطأ أنا اسأل عليكن بشكل مستمر . بوسي تعدل ياقة الجاكت وتقول بلهجة كبرياء ساخرة : أنت عارف يا روميو مشاغل الشركات والعقارات وخلافة. رامي: مفهوم مفهوم شغل سيدات أعمال. ضحكوا ضحكة دوت فى المكان، وبوسي وسوزان يمعنان النظر في أجهزة المحمول خلف الزجاج حيث أشارت بوسي نحو جراب محمول قائلة : جراب قيم . نهض رامي واتجه نحو الفترينة وأخذ الجراب وقدمه إلي بوسي , أخذته في ابتسامة هادئة تقلب فيه وقالت : كم سعر هذا الجراب يا رامي ؟ رمقها بنظرة رضا واختلس نظرة نحو ريهام قائلا : الهدية لا يسأل عن ثمنها . فأشرق وجهها باسما في حين حدقت سوزان نحو الساعة واعتذرت بالانصراف للحاق بموعد المحاضرة علي أن تقابلها في الكافتيريا بعد المحاضرة وعاد رامي الي مقعده ثانية , دنا من ريهام يرتوي من عينيها الأثيرتين قائلا : أنت ما اختيارك ؟ ظلت تدور عما حولها بأعين ماكرة حتي استقرت عيناها نحوه ثابتة وقالت : اخترتك أنت نظر إليها باسماً يروح ويغدو حول أجهزة المحمول علي مكتبه الأنيق المصنوع من المعدن وحوله الفترينات في حيرة واضعاً يده علي جبينه, يتذكر شيئاً وفتح درج مكتبه وأخرج جهاز تليفون ( محمول ) قيم وقدمه إليها في ابتسامة هادئة وقال : ما رأيك في هذا الجهاز ؟ نظرت نحوه في انبهار قائلة : رائع يا رامي ! تقدمت بوسي نحوهما تحدق في المحمول وأخذته وراحت تقلب فيه قائلة : ياله من جهاز قيم جدا . شاحت ريهام وجهها صوب بوسي حتي سيطرت علي ملامحها النابعة بالمكر وأخذت المحمول من يدها قائلة : ولكن هذا كثير جدا يا رامي أنا لا استطيع قبوله . رامي : هذا أبسط شىء أعبر به عن شعوري نحوك لا تحرميني من هذه الفرصة , أم أنت لا تعرفين مقدار حبي لك . بوسي أخذت الجهاز في لهفة من المنضدة وقالت : لا ، تعرف طبعا طبعا . وقبضت علي يد ريهام واتجهتا نحو الباب لكن ريهام لا تعطيها اكتراث ومازالت تنظر نحو رامي فبادرته بوسي قائلة : نراك بعد المحاضرات يا رامي . وانصرفتا خارج المحل متجهتين نحو الجامعة تترنح بوسي في مرح وتضحك ساخرة محاكية ريهام عندما اعتذرت عن هدية رامي قائلة : أنا لا استطيع أن آخذها يا رامي ( مااقدرش مااقدرش وأنت هتموتي عليّه ) . تنظر ريهام إليها في رزانة وبأعين مليئة بالخبث , وضعت يدها تحت ذقنها وهما علي مشارف باب الجامعة وقالت : ما زلت صغيرة أنت علي هذه الأمور صغيرة طبعا ما أنت مدرسة , سلام يا أستاذة دلفت بوسي نحو كلية الفنون التطبيقية إنها تهوي الفن و تدرسه من نوع خاص وانصرفت ريهام داخل الجامعة نحو كلية الآداب حيث ينتظرها شاب وسيم في كامل أناقته ببدلته السوداء يختص بالخجل والانطواء وهو طبع غير مرغوب عند الرجال خاصة مع شخصية لا تضيع لحظة بدون الحديث الجذاب واللبق ووفرة الرقة والذكاء تقدمت نحوه بوجه ملئ بالنضارة والجاذبية وجسد يتمتع بالرشاقة والحيوية وصافحته بيدها البرونزية , فأشرق وجهه وارتبك , فرج ثغرها بابتسامه رقيقة حريصة ألا تحدث انفعال في الضحك جلست أمامه برهة عيناها تتألق ببريق ساحر تتأمل ملامحه ربما يبادرها بكلمة تخرجه من صمته هذا وتشعرها بكيانها كأنثي تستحق المداعبة ولكن استمر في صمته الممل علي الرغم من وقع نظراتها جعلت كل خلجة من خلجاته تناجي حبها , معذور ليس لديه تجارب سابقة يحتاج تمارين ولكن في ماذا ؟ وهو عيناه تنطق بديوان من الشعر عجز عنه اللسان إنها أحسته ولكن لم يمل إليه القلب وبعد مرور ساعة ونصف في رتابة بدأت ريهام تختنق وتحدق في الساعة , نظر إليها نظرته المعتادة وقدم إليها أجندة وكاب وبعض المستلزمات الدراسية قائلاً: أكون مسروراً لو قبلت الأشياء البسيطة هذه . شكراً قبلتها ولكن هذا كثير جداً ! أنا نفسي أجبلك الدنيا كلها . ريهام تعض علي شفتيها في غيظ وتقول ساخرة : ياه لهذه الدرجة أنا أهمك . يقول متلعثماً : تهميني أنت أنت غالية عندي أوي أوي يا ريهام . ترنو إليه ماكرة رافعة حاجبيها وتنظر نحو مشارف باب الكافتيريا تشاهد بوسي وسوزان يتقدمان نحوها يتمتمان ويتغامزان ببعض الكلمات تقول سوزان : لا ترحم نفسها ابداً كيف تلاحق علي كل هؤلاء أليسوا كثير ؟ بوسي : لا تقلقي ريهام تقدر عليهم جداً جداً . تقدمتا , وما بدت بوسي علي بعد خطوة من هذا الشاب الواسيم وانحنت بوجهها نحوه وهو لا يعيرها أى جدوى ، وألقت السلام ، ريهام تحدق نحوه كاتمة الضحك, هب واقفاً واربد وجهه ناطقا بالاحمرار ونظر نحو الأرض واعتذر بالانصراف , انفجرت بوسي وسوزان في ضحكة عالية وبادرت بوسي بالقول : لو أتزوج واحد مثل هذا فهو مضمون . تقول سوزان باسمة : لا تخافين غير من هؤلاء الوجه بريء والقلوب ماكرة بوسي : لا يمكن واضح أنه شخصية مهذبة ريهام تدور بعينيها بينهما وفي يدها الهدايا قائلة : احرجتوه بوسي تبادرها ساخرة : أحرجناه من فضلك يا أستاذة أحرجناه وهل يوجد مواعيد أخري؟ تشرد ريهام لحظة بأعين لامعة تبادرها بوسي قائلة : عمر طبعاً . ريهام تهز رأسها ما زالت شاردة , وما لبثن واتجهن نحو باب الجامعة للانصراف كانت الشمس محرقة والعرق يتصبب من كل مسام أجسامهن تقدمت جهاد علي مشارف باب الجامعة تخف مهرولة للحاق بموعد المحاضرة وقع نظرها نحوهن توقفت برهة متسائلة : قد انتهت المحاضرات . بوسي تبادرها وهي تزيل العرق من جبينها : لا أبدا ريهام عندها ميعاد . جهاد تنظر إلي ريهام في ازدراء قائلة : آه آه مفهوم مفهوم ميعاد . فتتساءل ريهام عن إيمان تبادرها جهاد باسمة : أنت عارفة إيمان لا تستطيع الخروج قبل ساعتين من أمام المرآه . وهرعت جهاد نحو كلية الحقوق , وخرجت الفتيات من باب الجامعة وقفن ينتظرن الباص في وسط حشد من الناس يهرعون للتسابق نحو السيارات من لهب الشمس المحرقة سحبت بوسي من بين جموع الأناس دون إرادتها نحو ميكروباص ولكنها بالفعل حاولت التسلق للركوب ولكن الفرصة لم تكن متاحة للصعود , البشر فوق بعضهم يصرخون وجدت جسدها متراميا علي الأرض وريهام تمد يدها تساعدها علي النهوض وقفت تهندم ملابسها وتزيل الاتربة وحاولت تسترد ثقتها التي تناثرت إلي حد ما وبدأت تنظر إلي السيارات والمارة في كبرياء وهي تتأبط ذراع ريهام , وبدون مقدمات تصرخ, وانطلقت نحو سيارة في ضحكة مجلجلة وفرحة عارمة قائلة خالد يوسف خالد يوسف , إنها تعشقه من المخرجين المميزين في عصره وبما أن الفن يمثل كل أحلامها يصبح خالد يوسف مجسداً لحلامها وعلى أي حال فالموقف محرج حقاً حاولت ريهام الاعتذار مبتسمة للأناس من حولها وضعت يدها علي فم بوسي لتكتم صوتها , وانصرفت سوزان معتذرة عن الوقوف بالطبع حياؤها كأنثي ملأ أحشاءها خجلا من هذا التصرف الذي يجب أن يتمتع بشىء من الرزانة أكثر من هذا , لفتاة جامعية في سنها , أما ريهام وقعت عيناها علي عمر شردت لحظة , وتقدمت وعبرت الطريق في خطا ثابتة وهي تتأبط ذراع بوسي , إنه الدنجوان الثالث كل الدار يعرفونه تخرج معه في نزهة يوم الجمعة وتعود لزميلاتها بالحلوي وما بدت علي بعد خطوة وصافحها في ابتسامته المعتاده وخلع نظارته السوداء وضعها في قميصه الأسود الذي يعكس شخصيته إلي حد ما ورحب ببوسي في نظرة المداعبة دائماً وإلا تكون مداعبة فعيناه تكفي لتتحدث بأحلي الكلمات ودنا بقامته الممشوقة . ولا يعلو ريهام الكثير قائلاً : إلي أين تريدين الذهاب ؟ فرج ثغرها باسما وقبل أن تنبس لحقته بوسي قائلة : بصراحة أنا جائعة جداً . بادرها عمر : وأنا أيضا يالا بينا . واستدارت ريهام للجلوس بجواره , وبوسي بالخلف وانطلقوا متجهين نحو مطعم علي النيل وبعد دقائق رن جرس تليفون ريهام . ريهام : أيوه يا إيمان أنت ما زلت في الدار . إيمان : نعم ببحث عن العقد الأزرق . ريهام : هو في الشفونيرة حاولي أن تسرعي في ارتداء ثيابك لم يعد من الوقت غير نصف ساعة علي المحاضرة الأخيرة . أغلقت إيمان التليفون وفتحت الشفونيرة وأخذت العقد ووضعته حول رقبتها البيضاء متنسقة مع القرط الذي يتدلي من أذنيها فيعكس علي وجهها صفاء وعلي مظهرها الأناقة انطلقت نحو الدرج مهرولة لكي تلحق بموعد المحاضرة رأته في كامل أناقته وجاذبيته عطره يقابلها من مقدمة الشارع ولكن من هو ؟ إنه صديقها وزميلها في الجامعه وأيضا جارها يشارك عمر صديق ريهام في الشقة المطلة نوافذها علي شرفات الدار ينتظرها كعادة كل يوم حتي في يوم تأخرها علي المحاضرات إطلت عليه كوردة تتفتح من تلقي قطرات الندي تقترب منه رويداً رويداً في أبهي أنوثتها حتى أصبحت أمامه فأشرق وجهها بابتسامهَ سحرت قلبه ونبتت شوقاً بين جوانحه صافحها وسار بجانبها يتفرس هذا المولوع هالات حسنها , حقاً إنها دقيقة في اختيار ملابسها , تظهر أنوثتها الطاغية الصدر الناهد , الساقين الممتلئتين البيضاء وخصرها النحيل الذي تستحق عليه جائزة وملامح وجهها التي تأخذك عبر التاريخ الي الوراء آلاف السنون وتتجول بين فتيات الأسرة الثامنة عشرة ويعيش في حلم مع ألوان ثيابها التي تبعث دفئاً وحناناً لا يستيقظ منه إلا حينما وجد نفسه علي مشارف الدار عائدين من الجامعه في الليل الساكن يموج جوه بنسائم الصيف وتتلألأ في سمائه الكواكب وترنو الطبيعه نحوهما وهو مطوق خصرها ويرشف الرضاب من ثغرها الفتان تحت الشجيرات تداعبهما الغصون,وتهذى الطيور شاهدة علي هذا الحب الملتهب الذي يطل من بين شفاههما تبتعد بعد برهه في هدوء ونشوي يدنو اليها هامساً : سوف أراك غداً . تهز رأسها بالرضا , انطلق الي مسكنه صاعداً سلالم الدرج، قلبه يرقص علي دقات قلبها , أما هي دخلت الدار كالفراشة تترنح في سعاده رائحة عبيرها تفيض بالحب والألفة في قلوب أخدانها , والفرحة التي تطل من عينيها عندما دخلت الغرفة جعلت ريهام تفكر في موعدها غداً مع عمر كيف ستقضي اليوم ؟ ماذا تحدثه ؟ وترتدي ماذا ؟ وتأخذ رأي سوزان وإيمان وهي ممدة علي السرير تحدق في سقف الغرفة، وإيمان في نفس الحال علي السرير المجاور قائلة : أنت دائماً ترتدين بنطلون . تنظر إليها ريهام مندهشة : ماذا أرتدي ؟ إيمان تبادرها : البنطلون ترتديه في الجامعه أما في مقابلة الحبيب ارتدي ما يظهر مفاتنك كأنثي حدقت نحوها ريهام واعتدلت علي جانبها الايمن : أنا لست رومانسية مثلك ! اعتدلت إيمان هي الأخري صوب وجهها تلمس بأناملها أطراف شعرها قائلة : بما أنك تحبينه الحب يصنع المعجزات . ضحكت ريهام ضحكة عالية دوت فى المكان واخرجت من حقيبتها خاتم ذهب قيم وناولته لإيمان أخذته تقلب فيه في إعجاب قائلة : واضح انه يكن نحوك معزة خاصة ولكن المهم شعورك أنت تجاهه ( القلب مدقش ) . ريهام : لا أنا لا يصل عندي هذا الأمر أكثر من ذلك غير إني لا أعرفه إلا من فترة قريبة . بادرتها إيمان : هذا لا يمنع من تنفيذ نصيحتي يمكن الأمر يصل إلي زواج . وسوزان شاردة لا تبالي في ماذا يتحدثان تحلم بمن سوف يعيد إليها إحساسها المفقود في حين جهاد وسارة رمز الاجتهاد أخذتا مستلزماتهما الدراسية وانصرفتا من الغرفة وجلستا علي سلالم الدرج مشعلتين مصباحا من مضايقات بوسي , تنزع دائما النظرة من علي وجه جهاد قائلة في سخرية : كفاك دح يا طه حسين . ولكن لم يستطيعا التواصل في المذاكرة وما لبثنا وعادتا مسرعتين عندما أدارت بوسي المسجل لترقص كعادة كل يوم، ارتدت قميص نوم أحمر ووقفت علي المنضدة المقابلة لنافذة ترفع القميص وتترنح في دلال وتبادر ريهام وهي في غاية البهجة : ارتدي له هذا القميص غداً لا يفارقك لحظه واحدة . وبدأت الرقص , ترنت ضحكات ريهام في أنحاء الغرفة واتجهت صوب النافذة وفتحتها وأخرجت صوت صفير , وعيناها تحدقان في الشرفة المقابلة ولكن لمن هذا الصفير وهي لا ترقص , علي أي حال ما لبث أن مرت لحظات نشوي واستمع الجميع لخطوات في الممر فاسرعت بوسي واغلقت المسجل وهيهات واندس الجميع في الفراش , وإذ هي المشرفة تطرق الباب وبجوارها اثنتان من الزميلات الجدد دخلت الغرفة ترنو نحو الفتيات , فرج ثغرها بابتسامه هادئة وقالت في ارتياح : انظرن زميلاتكن غاية في السكون والهدوء ملائكة يحددن مواعيد المذاكرة ومواعيد النوم أريدكما مثلهن . كشفت بوسي الغطاء عن وجهها وأخرجت لسانها صوب المشرفة ولكنها لم تبال شيئاً واتبعها باقي الفتيات الواحدة تلو الاخري في حرص ويبتسمن ابتسامة ساخرة صوب المشرفة وعندما تعود بالنظر نحوهن يسرعن في تغطية وجوههن , والزميلتان بجوار المشرفة يكتمان الضحك، وتقدمت المشرفة في خطوات ثابتة في جدية وحزم قائلة : استيقظن يا بنات لاستقبال زميلاتكما . نهضت الفتيات مسرعات واتجهن نحو أخدانهما علي شفاههن ابتسامة صافحن الزميلتين مرحبات , وبدأت المشرفة في تسليم السراير والمكاتب الخاصة بهما وتركتهما منصرفة بعد إعطائهما بعض النصائح وبدأت الفتيات بالتعرف ببعضهن البعض وتتساءل جهاد عن اسميهما بادرتها الجالسة في السرير المقابل : أنا مى من الإسكندرية يلوح في عينيها بعضا من الغموض نحيفة جداً بيضاء جداً جداً أما ملابسها تمثل لهن شخصية عادية ترتدي بنطلون من الجنز وبدي وحجاب بسيط جداً إنها أقرب إليهن من الزميلة الأخرى أمينةالتى ترتدي خماراً الي خصرها ممشوقة القد خمرية اللون وتقول أن هذه الملابس عادات وتقاليد بلدتها في قنا، بدأت سارة وريهام وجهاد يساعدنهما في ترتيب السراير ووضع الملابس في الصوان وأثناء ترتيب جهاد مع أمينة الصوان وجدت في ملابسها نقاباً تساءلت : أنت ترتدين نقاباً . نعم وللأسف من اليوم لا أعاود ارتداءه . لماذا ؟ المشرفة قالت من بدأ تقديم أوراقي إنه ممنوع . من الواضح أنك متأثرة للغاية . طبعاً النقاب فرض علي كل بنت لابد أن ترتدي . ضحكت جهاد ضحكة عالية وقالت : النقاب ليس له علاقة بالفرض ولا بالسنه إنه فضيلة شيء مستحب ولكن في هذه الأيام ومع هذا الفساد المنتشر في المجتمع أصبح من يرتدي النقاب هم أصحاب النفوس الضعيفة في أغراض قبيحة ويضعنه ستاراً للرذيلة وأنا لست أجمع ولكن الغالبية . اربدّ وجه أمينة قائلة : عموماً الآراء ما هي الا وجهات نظر لا أكثر . علي رأيك لا تشغلي بالك . وجلست الفتيات يتسامرن ويتعارفن أكثر ودلفت بوسي تحضر الطعام, أحضرت صينية عليها بعض الأقداح والصحاف المليئة باللحوم قائلة : تفضلا ولكن أديرا بالكما هذه اللحمه ليست متواجده كل يوم هذه المرة صدفة . ضحك الجميع، وتناولن الطعام ،حتي مر الوقت في الضحك، والنشوي، والتسامر، وفي صباح اليوم التالي يوم الجمعة والفتيات في أماكنهن مع أحلامهن في سكون لا يبدين حراكاً يرسلن في الهواء تنهدات رقيقة عذبه تضفي جوا من الجلالة والشاعرية نحو ريهام الحالمة بموعدها تحدق نحو الشرق فإذا الأفق متورد والشمس قد خلعت قميص الليل وارسلت شعاعها تغمر هذا الوجود الذي ينتظرها لتتأهب لخروج ما يعنيه هذا الوجود هل يصبح منافساً لحبيبها ؟ ولكن من هو حبيبها صاحب ميعاد اليوم ؟ علي العموم بدأت تتأهب بالفعل للخروج وجاء عمر في كامل أناقته ينتظرها أمام الدار في سيارته الحمراء , ضرب تلكس ارتبكت وتجمعت الأفكار إلي رأسها منها , كيف تقابله ؟ في أي شيء تحدثه ؟ ولكن لماذا تفكر مع أنها أستاذة ريهام مدرسة اللباقة والمداعبة والكلام ؟ خرجت من الدار في ثوب غاية في الجاذبية هل صدفه أنه نفس لون ثيابه لونه بيج وبه بعض الورود الحمراء الصغيرة جداً وحدد خصرها حزام أحمر من الجلد يكشف صدرها وساقيها ويتدلى من أذنيها قرط بلون الثياب، أطلت عليه تفض بوجهها نوراً اندلع في قلبه شوق لا يطفئه قليلاً ألا عندما صافحها ضغط على يدها في حنان ولم ينبس بكلمة التقت خلالها عيناه بعينها ، فقرأت فيهما حبا لم يراودها به نطقاً خفق قلبها وأحست رهبة تسير في أحشائها هل أحببته حقاً ؟ فتح باب السيارة بجانبه ودعاها للركوب في جراءة ومال نحوها هامساً : أين تريدين الذهاب . قالت في صوت متهدج على غير عادة : إلى أحب الأماكن إليك وانطلق بسيارته وبادرها في ابتسامة هادئة وقال : إلى الأهرامات . قضيا بعض الوقت في ركوب الخيل والتقطا بعض الصور الخاطفة إليهما أمام أبي الهول وبدأا يسيران في خطاً وئيدة .قال لها : أنا عرضت صداقتي من قبل ولم تردي حتى الآن . وجودي اليوم معك أكبر دليل على موافقتي . على العموم أنا لا أمدح في نفسي علاقاتي كثيرة بفتيات ولكن لسن مثلك شخصيتك جذبتني للتقرب منها يلوح في عينيك شيء وكأنه لغز لا استطيع الاستقرار له على إجابة . ضحكت ضحكة عالية دوّي بها المكان و دلفت مسرعة في الخواء كالطيف قائلة : انطلق ورائي لكي تفك لغزك فألفى نفسه ينطلق وراءها كالمسحور مفعماً بالسرور ، حتى جلست على صخرة تمدد ساقيها من شدة التعب وهو يجلس أمامها على صخرة منخفضة يتفرس جمالها الذي لم يجعله يهدأ لحظة اشتعلت نار الرغبة بين جوانحه فاقترب منها ليطفئ لهيب لوعته ويعانقها واقتربت هي أيضا حتى كاد شفاههما تلتصقان ولكنها أنبرمت مرة واحدة لا تعطي القبول لمن يقترب من جسدها هل صدقت مقولة يتمنعن وهن الرغبات ؟ نار الشوق تدب في أوصاله ، دقات قلبه الناعمة تدوي أرجاءه دفعته يلمس يدها فأسرعت مبتاعدة والدموع تفيض من عينيها كالأنهار حتى بدأت تهدأ و تجمع أشتات نفسها التي تبعثرت والدم الحار متدفق بين وجنتيها وقالت بلهجة مطربة : أني أصم أذني عن همسات الشباب لكي أصبح طاهرة إلى من سوف يشرفني بحمل أسمه . نظر إليها في ابتسامة هادئة وطلب أن تقبل اعتذاره وهو في غاية الأسف قائلاً : أنت يا ريهام شخصية حساسة ورقيقة وجذابة . حاول مداعبتها ليخرجها من هذا الجو الذي قتل البهجة في أعماقها حتى صفحات وجهها البرىء ، سارا نحو مطعم وكانت أضواؤه خافتة فأمدت وجهه بسحر جديد فأخذ يرمقها ببريق الرغبة جلسا يستمعان لألحان عذبة أضافت على المكان شاعرية وجاء الجرسون في انحناءه بسيطة ، وقال : تحت أمركما ماذا تطلبان ؟ قالت : أريد لحم مشوي ! قال : مثلها تمام . ابتسمت في وجد حدق نحوها وبادرها قائلاً : لا استطيع أن أضع رأسي على وسادتي وأنت تكّنين نحوي أي نوع من الغضب لا تشغل بالك أنا سرعان ما أنسى كل شيء . وراحت تتلفت وتحدق في وجه من حولها وتعود النظر إلى الساعة قائلة : أتأخرت الوقت مَرّ سريعاً . بادرها باسما: لم أشعر بالوقت معك على الإطلاق تحبين أن ننصرف ! هزت رأسها راضية ، وضع بعض النقود على المنضدة وانصرفا عائدين إلى السيارة تجولا بعض الوقت في شارع الهرم ، حيث الأضواء المتألقة المنبعثة من نوادي السمر والحانات والمحلات الفخمة ، ضجيج حياة تنبض بالفرحة والسرور انعكست على وجهها وصمم أن يشتري إليها حلوى ثم دلفا إلى الدار مؤكدا على موعد غداً بعد المحاضرات أنطلقت نحو الدرج كل خلجة من خلجاتها تنطق بالفرحة ، هل استطاع أن يضرب على الوتر الحساس في قلبها حتى يصل إلى منتجه ؟ على أي حال دخلت الغرفة اتجهت بوسى نحوها وخطفت الحلوى من يدها وضعتها على المنضدة قائلة فى بهجة : أنا سوف أرقص لحلوى عمر . واتجهت نحو المسجل وأدارته لكن أمينة سرعان ما أغلقت المسجل منزعجة من أثر الضجيج ، يوجد امتحان عندها غداً ،وأن كانت أيضا أغلب الغرفة مشغولة جهاد في المذاكرة وريهام ارتمت على السرير مجهدة وحولها سارة وإيمان تحدثهما عن يومها مع عمر وسوزان مشغولة في التحدث مع شاب في التليفون حاول أن يتعرف عليها ولكنها لم تعطه اهتمام وقالت : لا تحاول الاتصال بهذا الرقم مرة أخرى . تردد قولها على مسامع الفتيات فانتبهن لحديث وضحكن ضحكة عالية وتقدمت منها سارة قائلة في سخرية . من هذا يا سوزان أهذا دنجوان . نظرت سوزان إليها في ازدراء ولم تنبس بينما ريهام باردتها قائلة : لماذا لا تحدثيه يمكن يفيدك أو يصبح من نصيبك . قالت سوزان في صوت متهدج يلوح فيه شرود : أتكلم أقول إيه ..؟ اقتربت منها بوسي واضعة يدها على كتفها تشير إلى التليفون قائلة : التليفون كان زمان والمقابلات كمان الحكاية بسيطة خالص تكلمي وتتعرفي عليه وممكن يخطبك من غير مقابلات ولا مواعيد . قالت سوزان في دهشة : ... كيف ... ؟ ابتسامة ريهام قائلة: أعطيها درس يا بوسي . بوسي مسكت ذراعها قائلة : كل الموضوع أنك ترسليه عبر الإيميل ولو لم يتواجد عندك ولا يهمك أنا سوف أعملك وبعد مكالمة وثانية يجي البيت ولو خاب ظني ولم يات نبحث عن غيره أكيد ... !! سوزان باردتها قائلة : أنا لا أستطيع أن أفعل هذا الأمر . وضعت ريهام يدها تحت ذقنها وتحدق نحوها قائلة : لا يوجد غير حل واحد ابتسامة .. فلقاء .. ثم قبلة .. سوف تضعيه خاتما في إصبعك . وفي تلك اللحظة قد فاح في الدار رائحة شيء محروق ، صاحت سارة قائلة : الحلوى حرقت . لطمت الفتيات على وجوههن واتجهن نحو المرآة ينظرن إلى ساقهن بوجه مكفهر من تكدس الشعر بها واتجهت سَارة وأخرجت كريم إزالة الشعر من الصوان ودلفت بوسي وسوزان و سارة و ريهام الواحدة تلو الأخرى يزلن الشعر من ساقهن ، وأمينة تحدق نحوهن بوجه عابس مقطبة الحاجبين قائلة : انتن متزوجات عرفي ... صرخت الفتيات صرخة واحدة قائلات : لماذا ....؟ بادرتهن أمينة : لا يوجد بنت في بلدتي تفعل هذا الأمر إلا في حالة الزواج . .. قالت الفتيات في استهزاء : زواج ! واتجهت بوسى و أدارت المسجل ثانية ووقفت على المنضدة وبدأت ترقص والفتيات يلتففن حولها في مرح ونشوى يصفقن وكأنها نجمة ساطعة وهن المعجبات ، وأمينة تحدق نحوهن بامتعاض وقد اندلعت الثورة بداخلها قائلة : كفاكي رقص وسطك مَتعبش . قالت بوسي : أنت تغارين . بادرتها أمينة ساخرة : ... منك أنت ! بوسى: حينئذ هيا نريد أن نشاهدك ! أمينة تقول بلهجة استهزاء .. أنا سوف أرقص لزوجي فقط . تبادرها ريهام : ولكن زوجك المنتظر واحد فقط لا يستطيع وحده أن يحكم بوسي ترنو نحو النافذة ، فطنت ريهام لنظراتها واتجهت تفتح النافذة وتصفر كالعادة في حين خرج شاب أسمر اللون من نافذة العمارة المقابلة (شقة عمر) يدعى ريكو صديق لبوسي ، وفي يده كاميرا مكبرة ينظر نحوهن ولكن أمينة لم تشعر بالارتياح لهذا الموقف المعتاد بدأ الشك يدب في أوصالها وقررت أن تقطع الشك باليقين ودلفت نحو النافذة تنظر رأت هذا الشاب لطمت على وجهها في صياح وأغلقت النافذة في حدة واتجهت مهرولة نحو بوسي أمسكت شعرها وطرحتها على الفراش واضعة الوسادة فوق وجهها لتكتم أنفاسها قائلة: أنت كان لابد تدخلي كبارية مش جامعة ... حاولت بوسي أن تنزع الوسادة قائلة بصوت مرتفع : يعني الجامعة تعملنا إيه نتخرج ونقعد على الرصيف عينينا رايحة جاية على الرجالة الحلوين ومش طيلين لان سعادة البي عاوز عروسة بشقة ومصروف للبيت . وفي تلك اللحظة استيقظت سوزان من أحلام اليقظة قائلة : مصروف وبيت والحب راح فين . ريهام تضحك قائلة : عيشي يا جوليت مع روميو الأحلام إنه في الواقع أبيدو في ميدان عام لأنهم لم يجدوا معه ثمن تذكرة الأتوبيس . تبادرها جهاد وهي ممددة على الفراش : لا تيأسي يا سوزان الحب في تمويه ولكنه موجود أكيد . ضحكت بوسى ضحكة عالية و قالت : على العموم يا سوزان وصية لو عنده صديق يقوله عندي صحبتي حلوة ومتروشنة وح توفرك كثير من الرقص والغنى . وبعد عدة دقائق عاود التليفون الرنين أمسكت به سوزان ودفعته بعيدا عنها تنظر إليها سارة فى دهشة قائلة : ردى أنت (عبيطة) بوسي تلاحق حديثها قائلة في تأكيد : ردي بدل ما يطير مع العصافير فرصتك دلوقتي الحقي واحجزي أي واحد بعد الجامعة لا تجدي ولا واحد اسمعي كلامي ح تعنسي . ريهام تضحك ساخرة : تعنس مين سوزان لا أطمني .. أول ما يعرف أن والدك في الكويت يجي جري أكيد ... سوزان تلعثمت في الحديث قائلة : يعني عمر يتقدم ويخطبك .. ريهام تدوي المكان بضحكة مجلجلة قائلة : لا طبعاً لأن أول ما يعرف ظروفي المقندلة يهرب على طول أو ويجي على سلحفاه يكون سناني وقعت .. ومشيت على عكاز .. وأصبحت عروسة مكحكة عشان كده لازم ألحق أستفيد وأعطيه مقلب قبل ما يسبنى ويهرب سوزان تقول فى تعجب : لا لا مش معقول يقدملك كل هذه الهدايا ومايكونش بيحبك وبعدين أنت جميلة وكفاية خفت دمك ... ريهام تقول ساخرة : ولكن أي واحد كل اللي يهموا كم تملكي في بلدك ... وسحبت ريهام الغطاء على وجههاً، واندس الجميع في الفراش لحقن بها مستسلمات للنوم، أما سوزان مازالت تجلس على حالها والتليفون مستمر في الرنين الواضح أنه شخصية عنيدة جداً على أي حال آخر الأمر أراحته وتحدثت معه وحددت ميعاد غداً لمقابلة بجوار الجامعة