في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن بداية تعاملات الجمعة 9 مايو 2025    ترامب يطالب بوقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يوما بين أوكرانيا وروسيا    باكستان والهند تجريان اتصالات على مستوى مجلسي الأمن القومي    فلسطين.. استشهاد طفل وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على منزل شرق مخيم النصيرات    محافظة الجيزة: إجراء غلق جزئي بكوبري 26 يوليو بالإتجاهين    السيطرة على حريق شب داخل مقر الشركة القابضة للأدوية بالأزبكية    حبس 5 متهمين لسرقتهم السيارات والدراجات النارية بالتجمع    «الأسقفية الأنجليكانية» تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب بابا الفاتيكان    رينو تكشف عن Boreal SUV جديدة تستهدف أكثر من 70 سوقًا عالميًا    مقربون من ترامب: الرئيس الأمريكي يقطع الاتصال مع نتنياهو لهذا السبب    موعد نهائي دوري المؤتمر الأوروبي بين تشيلسي وريال بيتيس    ملف يلا كورة.. فوز الأهلي.. رسائل الرمادي.. وتأجيل حسم أزمة القمة    أموريم: الدوري الأوروبي يختلف عن بريميرليج.. ومواجهة توتنهام ستكون رائعة    تسلا تضيف موديل «Y» بنظام دفع خلفي بسعر يبدأ من 46.630 دولارًا    «فورد» ترفع أسعار ثلاثة طرازات مصنعة بالمكسيك في يوليو    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    عهد جديد من النعمة والمحبة والرجاء.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ بابا الفاتيكان    اجتماع بين الهيئة القومية لسلامة الغذاء المصرية واللجنة الوطنية للمستهلك بجنوب إفريقيا لتعزيز التعاون في حماية المستهلك وسلامة الغذاء    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    متحدث الكنيسة الكاثوليكية: البابا الجديد للفاتيكان يسعى لبناء الجسور من أجل الحوار والسلام    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    ب«زفة روحية».. تطييب رفات القديس مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية ب«كاتدرائية الإسكندرية»    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    موعد مباراة بيراميدز ضد البنك الأهلي في الدوري    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    موجة شديدة الحرارة .. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الجمعة 9 مايو 2025    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    تفحم سيارة نقل أعلى "صحراوي الجيزة"    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    حدث في الفن- انهيار كارول سماحة ونصيحة محمود سعد بعد أزمة بوسي شلبي    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    مطاردات ولغز غرفة الهرم السرية.. طرح الإعلان التشويقي لفيلم "المشروع X"    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. انتخاب الكاردينال الأمريكى روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان.. إعلام عبرى: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو.. وقيمة عملة "بتكوين" تقفز ل100 ألف دولار    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوق قمة جبل تشينغ إلتقيت بكبير ألهة الطاوية
نشر في شباب مصر يوم 02 - 04 - 2015


د. أحمد عبد الهادى
لما الدنيا فيها المناظر المبهرة دى أمال الجنة هيكون شكلها إزاى ؟
قلناها ونحن فاغرى الأفواة مدققين النظر فى كل شئ هنا ... وهنا تجعلك تشعر بأنك هربت من سفينة نوح بعد إنتهاء الطوفان وهربت لإحدى الجزر البكر التى لم تلوثها يد البشرية ... هنا أنت أول إنسان يطأ بأقدامه تلك السهول والجبال ... كل الآلاف من حولك تأكد أنهم لايشعرون بك وأنت أيضا ثق تماما أنك لن تشعر بهم نهائيا ... لأن الأراضى هنا مترامية الأطراف وتتلاشى كل معالمك هنا وسط الأراضى الغارقة فى الزهور والحشائش الخضراء والألوان المبهجة طوال أيام السنة ... فنحن كنا فى عز أيام الشتاء ورغم ذلك كانت كل أراضى مقاطعة تشنغدو الصينية غارقة فى الزهور ذات الألوان المبهجة التى لاتجد مثيل لها فى مصر فى عز أيام الربيع ... ورغم أن تشنغدو عاصمة لمقاطعة سى تشوان إلا أنك لاتشعر بأنها عاصمة أوأن لها علاقة بالمدنية من شدة جمالها الطبيعى ... فما إن وطأت أقدامنا أرض المطار حتى واجهتنا الشمس المشرقة ... وزخات المطر التى تغسل وجهك من أى متاعب ... والمطر هنا أرق من هيفاء وهبى وهى تتمايل بجسدها الطرى وعينيها اللى تندب فيها مليون رصاصة ورغم ذلك لاتملك إلا أن تغمض عينيك خجلا من حالات الدلال والميوعة التى تناديك من خلالها بألف معنى ... لاتشعر بحبات المطر الرقيقة التى تتساقط عليك فى شهر الشتاء فى هذه المدينة بأنه مطر ... بل هو ترحاب من فتاة صينية ذات جسم فتان مصنوع ببراعة ودلال مثل تلك الفتاة التى إلتقيت بها فى الفندق الذى غادرناه منذ ساعة والتى كانت قطعة صلصال نجحت يد فنان ربانى فى إبداعها بطريقة لايمكن أن أوصفها لك ... وعبر هذه المنظومة الطبيعية المدهشة كنا نسير فى طريقنا لجبل تشينغ qingeheng ... هذا الجبل الذى ما إن تقترب منه وتراه من بعيد حتى تكتشف إنك إنتقلت لكتاب صينى قديم ملئ بآلاف الحكايات ... طبيعة مدهشة ... جبل يحتضنك من بداياته ... يضع نفسه فى خدمتك وأسفل أقدامك ويقول لحضرتك تفضل أنا جاهز ؟ ... تطأ أقدامك أرضه فتخاف عليه من أن يصاب بحساسية .. قيمة هذا الجبل أنه يمتد لمئات الأميال وداخله تمارس الطبيعة أروع صورها ... وداخل أحراشه وأشجارة الكثيفة التى تغطى أرضيته تنتشر عشرات من معابد الديانة الطاوية ... وهناك فوق قمتة بامكانك أن تلتقى بالإله الكبير الذى يعبده الطاويين ... والطاوية ديانة صينية معاصرة للكونفوشيوسية و البوذية و يعتبر الداو دي تشنغ هو كتابها الاول المقدس وينسب الكتاب الى لاو تسي ومعنى إسمه المعلم القديم . وتحكى كتب السير والتاريخ أن لاو تسى عندما راى الفساد في زمانه قرر السفر على ظهر جاموس و ترك البلاد و لكن عند خروجه عرفه احد حراس الحدود فأوقفه وطلب منه ان يكتب كتابا في الحكمة قبل ان يمضي فكتب كتاب الداو دي تشنغ . هذا الكتاب عبارة عن مقطوعات قصيرة تصف الداو أى الطريق . وسبب وجود المعابد الطاوية فى مثل هذا المكان تحديدا أنها ديانة تدعو للرجوع للطبيعة الأم فى كل شئ . وهى ديانة لا تكترث كثيرا للطقوس والأعراف الاجتماعية. وقد أنتشرت الديانة الطاوية فى الصين وتبنتها بعض السلالات الحاكمة و لكن مع الزمن قل نفوذها واحتلت مكانها البوذية و لكنها الان تعتبر من الديانات المعترف بها في الصين
وقد ظهرت الطاوية في القرن الثاني الميلادي في الصين، وتبنت بعض أفكار عبادتي الطبيعة والأسلاف اللتين كانتا منتشرتين في قديم الزمان بالصين . وتنتشر الطاوية بشكل رئيسي بين أبناء قومية هان . وبسبب عدم وجود مراسم دينية محددة ولوائح صارمة للطاوية من الصعب إحصاء عدد معتنقيها . ويوجد في الصين الآن حوالي 1500 معبد طاوي بها 25 ألفا من الطاويين والطاويات. ونمت الطاوية فى مناطق طبيعية مثل هذا الجبل .
والقيمة الحقيقية أيضا لهذا الجبل الذى نزوره الآن أنه جزء من حكايات وأساطير الصين ... وحولك هناك آلاف من الشباب الصينى يتحركون ويتلوون مع الطريق الصاعد لقمة الجبل ... ولكى تصل فقط إلى بداية الصعود الكبرى عليك أن تقطع حوالى خمسة أميال كاملة كجزء بسيط من هضبتة السفلية ... وتأكد تماما أنك لن تشعر بأى نوع من الملل فحولك هناك الآلاف من الشباب كما ذكرت لك ... الغريب أن غالبية الذين يسيرون حولنا وبدأوا فى قطع رحلة الصعود لقمة الجبل هم فتايات فى مقتبل العمر ...
هيجبوا عرسان منين دول يا أخويا ؟
ضحكنا جميعا من كلمات أخونا أحمد السجينى ... الفتايات يرتدين الجينز ... يسرن فرادى وجماعات ... حتى الفرق الموسيقية الشعبية جميعها فتايات ... ظاهرة غريبة فعلا ... تحتاج وقفة لكن بعدين نتكلم فى الموضوع ده أونسيبه لوقته خلينا فى روعة المكان .. فبعد أن قطعنا الطريق للهضبة الأولى للجبل توقفت السيارة ... هنا آخر مكان للمدنية والتقدم .. هنا جزء من هضبة الجبل السفلى ... إمتدت لها يد المدنية والعمران فقامت بوضع أحجار جرانيت لكى يستريح الجميع قليلا فوقها ... وينتشر على حوافها مئات المحلات التى تبيع لك الحكايات والأساطير فى شكل تماثيل وعقود يمكنها أن تتدلى من صدرك ومن يديك . وتماثيل تنتظر قرارك بوضعها أمامك على المكتب كذكرى لأحلى مكان فى الطبيعة زرته ولن تستطيع زيارته بعد الآن لأن الطريق إليه يحتاج أيام وليالى من السفر فى قلب الصين ... والمحلات الموجودة لم تكن خصما من رصيد طبيعة الجبل ... فهى مبانى مشيدة على الطراز الصينى القديم الذى تكتشف أنه أضاف للمكان مناخ أسطورى تستكمل معه عبق التاريخ ...
وقلت لصديقنا محمد الجباوى :
تفتكر المكان اللى نزل فيه سيدنا آدم وأمنا حوا كان أحلى من اللى احنا شايفينه هنا ؟
قال لى وهو يضحك :
بلاش فلسفة وخلينا فى الرحلة اللى مش عايزة تكمل لأنى بدأت أقع من طولى
لكى تبدأ رحلة الصعود للجبل عليك أولا أن تجتاز بحيرة أشبه بالبحيرات المقدسة ... ليست شاسعة جدا ... بل تمتد لحوالى كيومتر واحد ... تغطيها الأشجار الكثيفة من حوافها ... توكلنا على الله وركبنا القارب الذى يحمل ملامح الصين القديمة هو الآخر ... ومعنا ركب عشرات الشباب الصينى ... دقائق فقط لكى نصل للشاطئ الآخر .. المشهد من هنا أكثر بهاءا وروعة من المشاهد السابقة .. تجمعات الشباب الموجودة فى قلب المركب لم تخدش هدوء المكان فشباب الصين أضاف للمشهد حيويه ... وتألق ... فهم يتحدثون هنا بهمس والهمس ليس نتيجة الحفاظ على قدسية البحيرة وبكارة المكان فحسب بل لأن هذه هى طريقتهم فى التعامل مع بعضهم وفى أحاديثهم الجانبية ... الشباب هنا مثقف جدا وحريص على أن يعرف كل شئ ويستغل أيام الأجازة حتى لو كان يذاكر طوال أيام الأسبوع أويعمل طوال أيام الأسبوع ... لاتجده يستغل أيام الأجازة فى النوم حتى مساء اليوم التالى ... بل تجده منتبها ومتيقظا متوجها لمكان جديد ... تجمعاتهم دائما لاتشعر بها إلا عبر تحركهم فى هدوء وإبتسامة جميلة تظهر على وجه الجميع ... ملابسهم لاتنم عن شبابهم وحيويتهم ... بل الملابس جزء من كيانهم الصينى ... لاشعر طويل معقوف أويتهدل على الوجه ... بل شعر بسيط وتسريحة أبسط ... نزلنا جميعا خلف بعضنا ... صعدنا درجات وصلت بنا إلى محطة التلفريك الذى سينقلنا مرحلة أخرى من عملية الصعود ... هذه المرحلة تبلغ حوالى عشرين كيلو متر ... فى كل تلفريك جلس ستة أفراد معا ... تحركنا ...
تخيل كده لو البتاع ده وقع بينا هنا هنعمل إيه ؟
نهاية إسطورية جميلة تتفق وروعة المكان
والنبى ياشيخ الله يخليك بلاش فلسفة هنا وامسك جامد فى أم الحديدة اللى جنبك دى بدل ماتلاقى نفسك تحت
تخيل أن كل الروعة التى حدثتك عنها ترصدها من هنا ... وهنا تعنى مئات الأمتار ... فوق ... وأنت معلق فى الهواء ... أعلى جبل تشينغ ... ومن هنا ظهرت الطبيعة الأم ... تحولت الزهور والحشائش الخضراء إلى أشجار ضخمة تغطى كل بقعة فى الجبل ... وبجوارنا يعبر تلفريك آخر موازى لنا ويلوح لنا ركابه فى سعادة طفولية وكلهم جميعا صينين ... الشعب الصينى بطبيعته لديه رغبة مجنونة فى معرفة كل شئ فى أرضه وعلى أرضه ... وعن تاريخه ... فى مصر مثلا تجد الأجانب فقط فى قلب المعابد والمتاحف لدينا بينما شبابنا وشعبنا لايفكر إلا قليلا فى زيارة أماكن وطنه التاريخيه التى يحضر لها الأجانب من كل بقاع الدنيا ... لكن هنا الوضع عكسى ... الشعب الصينى وبالذات الشباب لايتوقف عن معرفة كل شبر فى أرضه ... و ... مش قادر أواصل الكتابة وأنا هنا فالمشهد حقيقى غير معقول ... أعاود النظر فى المكان ... وفى المرافقين لى داخل التلفريك والذين كلبش بعضهم فى المقاعد ... بينما أسفل هناك عشرات من الشباب الصينى الذين حملوا جزء من ملابسهم وحاجياتهم فوق الأكتاف ويقومون بمغامرة خطرة لصعود الجبل وبعضهم فى طريق العودة بعد أن قرر بدأ مغامرتة من من قمة الجبل ... يشقون طريقهم وسط الأحراش ... لكن مايميز هذه الأحراش أنه لايوجد بها حيوانات خطرة أوأفاعى ... أما السبب فلأن الجبل نفسه مقدس وتحمية ألهة الطاوية ...
أخيرا وصلنا نهاية المرحلة الثانية من رحلة الصعود ووطأت أقدامنا أرض الجبل من جديد بعد أن طرقعت عدسات الكاميرات مئات المرات أعلى ...
هى العيال دى مابتخافش من أم البتاع اللى كنا راكبينه ده ؟
قالها رائد إبراهيم وهو يعدل من ملابسه
فرد عليه مشرق عبود قائلا :
طيب سيبك من ده وإستعد يابطل للصعود على الأقدام
وبدأنا رحلة الصعود الباقية على الأقدام ... آلاف الأمتار قطعناها ... الطريق الصاعد عبارة عن درج صناعى من الجرانيت غرسته اليد البشرية فى قلب هذه الكتلة الطبيعية التى إنفصلت فى غفلة من الزمن عن الكرة الأرضية ونستها منذ آلاف السنين حتى الآن ... الدرج يستوعب ثلاثة افراد معا فقط ... ويتلوى كالأفعى وسط الجبل ... وفى الأماكن الخطرة هناك درابزين من الخشب لحماية الصاعدين من خطر السقوط .. وبعد كل حوالى مائتى متر تجد هناك إستراحة يلتقط الجميع داخلها الأنفاس .. وفى أحد هذه الإستراحات كان هناك بائع آلات موسيقية صينية .. البائع شخص غير عادى ... بل وغير طبيعى ... يعزف على أكثر من آله باحتراف والأغرب من كل ذلك أن عزفه يدخل قلبك بسهولة فهو يعبر بحق عن الصين ... تجمعنا حوله .. ظل يعزف فى حب تلاحظه من النغمات التى تخرج فى عذوبه لاتعرف مصدرها ... نكتشف أن الرجل يعزف من خلال نوتة موسيقية وضعها أمامه .. نتركه بعد أن نصفق له ..ثم نواصل رحلة الصعود والتى نجد خلالها نبع مياه صافية .. حوله رجل وإمرأة وطفلهما ... الأم تغرف باليد من النبع المتفجر ثم تضعها أمام شفتى الطفل ليشرب منها ... وقبل أن تندهش من المشهد مثلنا عليك أن تعرف السبب أولا ؟ والسبب أن هذا النبع يعتبره البعض مقدسا وأن من شرب منه ودعا ثمة دعاء قبلها تتحقق له دعواه ... وانحرفت عن الدرج وشمرت عن يدى وإتجهت للنبع ... وغرفت منه ودعوت بالكثير من الأمنيات طبعا لم يتحقق أى منها بعدها مش عارف ليه يمكن عشان لازم تؤمن بالبهائية أولا لأن النبع يخصهم تقريبا وحدهم ... لكن الغريب جدا أن طعم المياه كان لذيذا جدا .. كانت أطعم مياه شربتها فى حياتى ... لا أعرف هل السبب أن رحلة الصعود طالت وبدأ التعب يأخذ نصيبه من جسدى أنا أيضا ؟ أم لأننى كنت أشعر بالعطش ... أم لأن المياه فعلا حلوة وهى جزء من مياه الطاويين المقدسة التى تنبع من قلب السماء العليا كما يقول بعضهم ؟ لا أدرى ...
ظللنا نواصل رحلة الصعود وكلما صعدنا كلما قلت درجات الحرارة ... لكن الغريب أنها لاتقل بالنسبة المنطقية ... يعنى قطعنا آلاف الخطوات سيرا على الأقدام لأعلى والكثير من الأميال عبر التلفريك ورغم ذلك فالطقس دافئ ... وكلما إقتربنا من القمة كلما تزايدت أعداد الذين بدأوا فى التساقط على جانبى الطريق ... الطريف فى الأمر أننى إكتشفت أن كل الذين تساقطوا على جانبى الطريق من الوفد العربى المرافق لنا أما الصينين كبارا وشبابا فلم يتساقط منهم أحد
ربما هو فعل الشاى الأخضر والإبتعاد عن المحشى والمسبكات
قالتها زميلتنا ولاء عزت وهى تعدل من غطاء الرأس الذى أثار إنتباه عشرات الفتايات حولها وألححن من أجل إلتقاط الصور التذكارية معها وهن يدققن النظر فى الحجاب الذى ترتديه ولاء .
وبعد جهد وتعب وطفح دم وإنتظار آلاف السنوات التى قضيناها فى الصعود .. وعندما هلل أخونا محمد الجباوى قائلا :
هييه ياشباب احنا وصلنا القمة
إكتشفنا أنها ليست القمة إنما هى نهاية رحلة الصعود لأن القمة لايزل بيننا وبينها عشرات الأميال ولم يتم تمهيد أى طريق صناعى لها حتى الآن ... قيل لنا أنه وحفاظا على قدسية شعائر الديانة الطاوية وإحتراما لهم رفضت الحكومة الصينية شق أى طريق لأعلى لأن الطاويين يقولون أن إلههم الكبير هناك فوق قمة جبل تشينغ حيث يحكم العالم ويراقب تصرفاته ويتخذ قراراته ...
توقفت رحلة الصعود هنا عند تلك المنطقة ... وهنا يوجد معبد الطاويين الرئيسى أوالمركزى ... مركزى على أساس لا أفهم فهو صغير الحجم وليس كبيرا ... ويبدو أنه أحد معابدهم الرئيسية لأن الديانة الطاوية وأتباعها إنطلقوا من هنا ... من قلب هذا الجبل ... كما أن الإله الكبير هو الآخر هنا فوق القمة فالأله يجب أن يستقر فى أعلى قمة جبل لاتصله الأقدام بسهولة ... وليس أى جبل عليه أن يستقر فيه ... دخلت المعبد ... صورة وتماثيل الإله الطاوى تطل من خلف زجاج بلورى نقى تم وضعه بعناية فوق منضدة .. وأسفل الصورة تم وضع قطع حجرية صغيرة يمتد عمرها لبداية تأسيس الديانة الطاوية . وحول قطع الحجر تلتف قطعة قماش وجزء من تاج ملكى ... وبجوار هذه القطعة الحجرية تم وضع عدد من أطباق الفاكهة النضرة تقربا للإله وتيمنا بالخير والبركات الذى يتحقق على يديه .. أما الطاويين فهم لايتوانون عن القدوم للمعبد فالدقائق التى مكثتها داخل المعبد صلى فيه العشرات منهم ... الصلاة تتم على حشية لينة موضوعة أسفل المنضدة التى يتمدد أعلاها الإله الكبير ... الحشية يركع عليها المصلى بركبتية فى خشوع ضاما يديه أسفل ذقنة مغمضا العين متمتما بما تيسر له من الدعاء ... ثم ينحنى ويركع ثم يسجد أسفل تماثيل وصور الإله الكبير ... وقبل أن ينهض يمد اليد ببعض النقود ثم يضعها فى الصندوق الزجاجى الموجود أمامه والذى ما إن يمتلأ حتى يفرغة أحد الموجوديين بالمعبد ... وخارج المعبد هناك مئات الشموع التى يحرص المصليين على أن يشتروا بعضها من بائع موجود داخل المعبد ثم يقومون باشعالها ووضعها فى مكان مخصص لهذا الغرض ... ورغم دهشة المرافقيين لى من دخولى المعبد وتدقيقى فيما يحدث داخله زادت دهشتهم عندما إشتريت شمعة من معبد الطاويين المقدس ... ثم قمت باشعالها بالنار المقدسة ... وظللت أدور حول تلك الشموع ... الشموع المشتغلة أمام المعبد موضوع أسفلها جميعا حوض يستقبل تساقط الشمع من الشموع المضاءة فهو ليس أى شمع بل هو من النوع المقدس لأن نيرانها مختلفة عن كل النيران ... تصور بعضهم أننى واحد من الطاويين ... كنت حريصا على على أن أعيش تلك اللحظات التى يعيشها كل شخص يؤمن بالديانة الطاوية ... هى لحظات لن تأتيك فى العمر مرة ثانية ... وهى لحظات فريدة فى التاريخ ... أن تكون هنا فوق قمة جبل تشينغ ... جبل نشأت فيه الديانة الطاوية ... ويعيش فيها الإله الكبير لهم ويعيش فيه عدد من الألهة والشخصيات المقدسة لهم لهم ولاتستغلها لتعيش تلك اللحظات ....
فى كتاب له بعنوان التوحيد عند الصينيين القدمان يقول البروفيسور رون ويليامز أن الحضارة الصينية القديمة مرت بمراحل ثلاث فى عملية التوحيد : الأولى كان الاعتقاد بالتوحيد سائدًا وفي المرحلة الثانية طغت المادية على التوحيد وفي المرحلة الثالثة المتأخرة سادت المادية بشكل تام . وهو أمر تأثرت به الديانة الطاوية مثلها فى ذلك مثل ديانات أخرى آمن بها الشعب الصينى وإنطلق أغلبيتها من تقديس الإمبراطور الذى كانوا يعتبرونه إبن السماء .
وظللت أدور حول مكان الشموع المقدس بالشمعة التى أشعلتها من المعبد ... كان حولنا المئات من البشر ... شباب صينى زى الورد ... مرافقين عرب ... مترجميين وقيادات من الحزب الشيوعى الصينى ... كانوا جميعا يدققون النظر ناحيتى ... كل قيادات الحزب الشيوعى الصينى يعرفون أننى مسلم وهم والحق يقال يحترمون كل الديانات بلا إستثناء .. وهم أعنى بها جميع الصينيين ... وطالما أنك آمنت بأى ديانة أرضية أوسماوية فلك كل الإحترام بشرط أن تحترم خصوصية وديانات الجميع وإياك أن تستغل الدين كستار لتحركات مجتمعية أوسياسية ... ستجد الدستور الصينى يتصدى لك بقبضة حديدية .
وبعد أن وضعت الشمعة المقدسة فى مكانها المخصص بها أمام المعبد ... رحت أجوب المكان بحثا عن بقية آلهة وشخصيات الطاويين المقدسة ... وقابلتهم جميعا ... قابلت الإله المقدس للطاويين المسئول عن العمر ... والإله المقدس المسئول عن حماية الجبل ... جبل تشينغ ... لكن يظل الإله الكبير لهم مخفيا فوق قمة هذا الجبل . وهو أعظم شخصية فى الديانة الطاوية . ويبدو أن ذلك كله مستمد من تاريخ الصين القديم نفسها حيث يقول إدوارد شيفر في كتابه الصين القديمة إن أقدم وأعظم الآلهة عند الصينيين كان إله السماء لكنه تجرد فيما بعد من شخصيته وصار يُرمز له بالطاقة المسيرة للكون
وقد عثر العلماء على أكثر من عشرين ألف قطعة عظمية في منطقة آن يات في هونان الشمالية وهي تعود لعصور قديمة حيث كانت سلالة شانج الحاكمة وقد حُفرت على هذه العظام أسئلة من المَلِك وتقابلها الإجابة من الكاهن وقد احتوت اسم الإله شان تاي السابق ذكره، ولا يوجد ذكر لأي إله آخر عليها .
وصاح صديقنا يانج :
أستاذ أحمد حان موعد العودة
وبدأنا رحلة العودة للنزول من على جبل تشينغ ...كنت سعيدا فقد إلتقيت بالإله الكبير للطاويين ... وعشت مع بقية الآلهة لحظاتهم المقدسة ... وإلتفت لداخل المعبد ... ولوحت بيدى دون أن يشعر أحد نحو الجالس داخله ... والذى يقبض على جزء كبير من تاريخ الصين القديم ... لقد إستأذنت الإله الكبير فى أن أكتب عنه كما شاء لى الهوى وطلبت من أصحاب الديانة الطاوية السماح والمغفرة فقد قررت أن أفشى جزء من أسرارهم المقدسة .. وها أنذا قد فعلت ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.