يفتقد المخزون الثقافي العربي الى العديد من المساهمات العربية الفعلية في شتى ميادين العلوم الانسانية والطبيعية ويبدو ان العرب يصرون على بقائهم كمستهلكين لا كمنتجين لتلك المعارف الموردة اليهم من الغرب والشرق حيث لم يسجل للعرب حتى اليوم باستثناء مساهماتهم العلمية في العصور الاسلامية الاولى أي مساهمات حقيقية تذكر في الانتاج العالمي للمعرفة بشتى اشكالها الانسانية والطبيعية, ولا شك ان حقل العلوم السياسية كغيرة من شتى العلوم الانسانية لا زال يعاني قصورا واضحا في حجم المساهمات العربية في هذا الحقل الذي بات يضاهي من حيث الاهمية باقي المجالات العلمية, فالعرب حتى اليوم لم يسجل لهم أي محاولة فعلية في اخراج فكر سياسي عربي يُنظر اليه على انه مدرسة سياسية مستقلة تُراعي الخصوصية العربية. ايعقل ان يستمر العرب في نقلهم عن الفكر السياسي الغربي الذي استقرت معالمه ابان الثورات الاوربية في اواخر القرون الوسطى ام من الاجدر بهم ان يذهبوا فعليا الى العمل الجاد والدءوب على خطى انتاج فكر سياسي عربي مستقل يراعى فيه الخصوصية الثقافية العربية بكل ابعادها التاريخية والدينية واللغوية والاجتماعية ؟. اذا كان هذا القصور واضحا عند العرب في حقل العلوم السياسية بشكل عام فلا ريب ان يكون القصور قد امتدت جذوره الى اطراف الفكر السياسي العربي والذي تعتبر الاغنية السياسية احدى أدواته فالأغنية السياسية العربية لا زالت تفتقر الى الابحاث والدراسات العلمية التي تقوم بتحليلها وتفريغ محتواها الفكري, من هنا جاءت الفكرة في الانطلاق من الاغنية السياسية العربية على اعتبارها ظاهرة تستحق الدراسة نحو تأصيل فكر سياسي عربي نضاهي به ذات يوم مدراس العلوم السياسية الغربية والعالمية. ظهرت الاغنية السياسية العربية بقوة كظاهرة فنية بعد الحرب العالمية الاولى تماشيا مع تنامي ظاهرة الاستعمار الاوروبي لدولنا وشعوبنا العربية وان كانت بعض الدول قد سقطت تحت اجنحته قبل الحرب العالمية الاولى بعشرات السنين, فقد كانت الاغنية السياسية العربية تحمل في كلماتها قضية وطنية ولطالما كانت تلك الاغاني تواكب في ظهورها المناسبات او الاحداث الوطنية حتى اصبحت ارشيفا تاريخيا بحد ذاتها لتلك الاحداث الوطنية, ونحن هنا لسنا بصدد التوقف عند التفاصيل بقدر ما اردنا ان نحمل على عاتقنا فكرة ربما تتحول ذات يوم الى محاولة جدية لدى العرب في الذهاب نحو تأصيل فكر سياسي عربي. اذن المكتبة الغنائية العربية ثرية جدا بالأغنيات السياسية وخاصة ما شهده النصف الثاني من القرن العشرين فأغاني ام كلثوم وعبد الحليم وفيروز والكثير من رموز الغناء العربي اغاني تستحق الدراسة وتستوجب التوقف عندها والعمل على تحليلها وانتقادها من منظور سياسي فكري لما كانت تحمله تلك الاغاني من قيم ثورية واجتماعية, من هنا فإننا ندعو المهتمين والمشتغلين بحقل العلوم السياسية الى السير بهذه الفكرة نحو الامام والعمل على اعداد الدراسات والأبحاث العلمية وعقد المؤتمرات التي تتناول تحليل الاغنية السياسية العربية من منظور سياسي فكري كخطوة من خطوات الانتقال بثقافتنا نحو تأصيل فكر سياسي عربي مستقل وخاصة في هذه الظروف السياسية الصعبة التي تمر بها شعوبنا العربية على امتداد رقعتها الجغرافية المترامية من المحيط الى الخليج.