«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع على الأولويات الاقليمية: فلسطين أم إيران؟
نشر في شباب مصر يوم 22 - 08 - 2011

الصراع على الأولويات الاقليمية: فلسطين أم إيران؟
(التناقض – المفارقة في المسعى الفلسطيني لدى الأمم المتحدة في ايلول، والذي ينذر بفشله، يكمن في اصطفاف المفاوض الفلسطيني الساعي الى منح الأولوية لمواجهة مخاطر استمرار الاحتلال الاسرائيلي الى جانب من يمنحون الأولوية لمواجهة "الخطر الايراني")
بقلم نقولا ناصر*
بينما لا يتوقع أحد بمن في ذلك الفلسطينيون أن يتمخض ذهاب منظمة التحرير الفلسطينية الى الأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر المقبل عن أية نتائج مادية على الأرض تقلص مساحة الاحتلال باتجاه تعزيز السيادة الفلسطينية نحو الاستقلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، تظل الفائدة الملموسة الوحيدة لهذا المسعى هي إبقاء القضية الفلسطينة في صدارة اهتمامات المجتمع الدولي حتى لو لم تتحول الى بند أول على جدول أعماله الاقليمي، بعد أن نجحت دولة الاحتلال الاسرائيلي في فرض أولوية أن "إيران هي الخطر الأكبر الذي يقف أمامنا اليوم" على الادارة الأميركية وأفشلت مساعي الرئيس الأميركي باراك أوباما في مستهل ولايته لاستئناف "عملية السلام" كأولوية اقليمية في سياسة إدارته الخارجية من أجل التوصل الى تسوية سياسية متفاوض عليها للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي كشرط مسبق للنجاح في بناء جبهة أميركية – اسرائيلية – عربية ضد إيران، مما قاد الى تهميش "عملية السلام" ومفاوضاتها ومفاوضيها وسقوط أي صدقية باقية لاستراتيجيتها في الأوساط الفلسطينية والعربية والاسلامية، ودفع المفاوض الفلسطيني باتجاه الأمم المتحدة في محاولة لقلب سلم الأولويات الأميركي – الاسرائيلي من أجل وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال الدولي في الشرق الأوسط مرة أخرى.
والتناقض – المفارقة في المسعى الفلسطيني لدى الأمم المتحدة في ايلول، والذي ينذر بفشله، يكمن في اصطفاف المفاوض الفلسطيني الساعي الى منح الأولوية لمواجهة مخاطر استمرار الاحتلال الاسرائيلي الى جانب من يمنحون الأولوية لمواجهة "الخطر الايراني".
وفي ضوء الحملة الدبلوماسية المشتركة التي تديرها دولة الاحتلال الاسرائيلي مع راعيها الأميركي على الصعيد الدولي لاجهاض المسعى الفلسطيني، مقرونة بتهديدات صريحة معلنة بالحصار المالي والسياسي، دون أي مؤشر مؤكد الى أن منظمة التحرير يمكن أن تتراجع عن مسعاها حتى الآن، يبدو أن الحليفين قد توصلا الى الاستنتاج بأن "الحل العسكري" هو الرادع الوحيد المجدي للتخلص من الأقلية العربية التي ترفض سلم الأولويات الأميركي – الاسرائيلي في سورية والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية.
لقد أثبتت "الحياد" الايراني أثناء الغزو فالاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ثم تقاطع المصالح الايراني الأميركي في العراق تحت الاحتلال بعد ذلك وما آل اليه النفوذ الايراني المهيمن على النظام السياسي – الأمني المنبثق عن الاحتلال في بغداد الآن أن المخاوف التي دفعت النظام الوطني الذي أطاح به الاحتلال الأميركي الى منح أولوية تكتيكية لدرء الخطر الايراني على القضية الفلسطينة التي كانت تحتل الصدارة في استراتيجيته كانت مخاوف مشروعة لا تبدو طهران حتى الآن معنية بتبديدها مما فرض على جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي العربية أولوية تكتيكية مماثلة.
لكن الصراع على الأولويات العربية الاقليمية بين فلسطين وبين إيران الذي جعل "الرفاق البعثيين" في العراق وسورية يقفون آنذاك في خندقين متقابلين عسكريا وسياسيا قد استفحل بعد أن تحول "الخطر الايراني" من مجرد تهديد متوقع كما كان في عهد الراحل صدام حسين الى حقيقة ماثلة على الأرض في العراق اليوم، ليقود استفحاله الى انهيار المحور السوري السعودي المصري الذي أنجز الانتصار العربي المنقوص في حرب تشرين عام 1973 لينتهي المطاف بهذا الصراع الى ما يبدو اليوم معركة فاصلة في سورية تقرر نتيجتها لمن تكون الأولوية على جدول الأعمال العربي: لمواجهة الخطر الاسرائيلي بالتحالف العربي مع إيران أم لمواجهة الخطر الايراني ضمن جبهة عربية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي تقودها الولايات المتحدة.
والدور المصري حاسم في حسم نتيجة المعركة الفاصلة في سورية الآن. ويبدو المدافعون عن أولوية الخطر الايراني في سباق مع الزمن لحسم هذه المعركة قبل أن تنتهي المرحلة الانتقالية في ثورة 25 يناير المصرية وتتسلم السلطة في القاهرة قيادة منتخبة تتبنى مطالب الثورة. ان مطالبة الثوار المصريين بعودة مصر الى ممارسة دورها القيادي في محيطها العربي والاقليمي، والمؤشرات الواضحة التي صدرت عنهم حتى الآن باتجاه "تطبيع" العلاقات مع ايران، وتحويل مقاومة التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي من موقف شعبي الى سياسة رسمية بعد أن فشلت أكثر من ثلاثة عقود من زمن التطبيع الرسمي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك في القضاء على المناهضة الشعبية للتطبيع، وانهاء الدور المصري السابق في إدامة الانقسام الفلسطيني، الخ، انما هي مؤشرات ترجح تبني مصر الثورة لأولوية مواجهة الخطر الاسرائيلي، مما يوفر أرضية مشتركة لاحياء التنسيق المصري السوري كقاعدة لحد أدنى من التضامن العربي في مواجهة المخاطر الخارجية على الأمن القومي العربي، وفي رأس هذه المخاطر طبعا خطر التوسع الاقليمي والاستيطاني لدولة الاحتلال الاسرائيلي.
لكن ثلاثة محاذير يمكنها أن تمنع هذا التوجه المصري المرتقب والمأمول من التحول الى واقع، أولها أن تنجح الجهود الأميركية – الاسرائيلية المدعومة من الحلفاء الأوروبيين في "الناتو" في "اقناع" القوات المسلحة المصرية بأن يقتصر دعمها لثورة 25 يناير على التغييرات الداخلية التي تطالب الثورة بها فحسب، دون أن تطال السياسة الخارجية للنظام السابق وبخاصة العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في اطار معاهدة السلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.
وثاني هذه المحاذير يتعلق بالموقف الذي سوف تتخذه جماعة الاخوان المسلمين وحزبها "الحرية والعدالة" من تطور الأوضاع في سورية. فالجماعة وحزبها سوف يكون لهم قول فصل في صنع القرار المصري بحكم وزنهم الشعبي وتمثيلهم الكبير المتوقع في أي انتخابات مصرية حرة ونزيهة. فإذا غلبوا أجندتهم الحزبية على المصلحة الوطنية لمصر والمصلحة العليا للأمة فإنهم عندئذ سوف ينحازون الى "اخوانهم" في سورية، على طريقة حزب العدالة والتنمية التركي، وبذلك يصبون الزيت على نار الأزمة السورية، فيطيلون أمدها، ويتحولون الى عقبة كأداء أمام اي تنسيق سوري مصري مأمول.
وثالث هذه المحاذير هو أن تنجح الدوائر الأجنبية في تنسيق تدخل عسكري خارجي - - غربي طبعا حتى لو كانت واجهته اقليمية بعنوان تركي كما يتوقع كثير من المراقبين والمحللين- - في سورية من المؤكد أنه سيقود الى حرب متطاولة توصف ب"الحرب الأهلية" على الطريقة الليبية، أو تنجح هذه الدوائر في تصعيد "حرب العصابات" ضد النظام التي تركب موجة الانتفاضة الشعبية السورية وتتخذ منها دروعا بشرية الى ما سوف يوصف كذلك ب"الحرب الأهلية"، قبل أن توصل اي انتخابات حرة ممثلي الثورة المصرية الى السلطة في القاهرة، أو بعد وصولهم لا فرق، فأي "حرب اهلية" كهذه سوف تجعل من المستحيل عمليا أي تنسيق مصري سوري يعزز أولوية الخطر الاسرائيلي على الخطر الايراني.
وأولوية الخطر الايراني هي سياسة رسمية معلنة لدولة الاحتلال الاسرائيلي. ومن الواضح أن قادة هذه الدولة قد أوكلوا مهمة تعزيز هذه الأولوية عربيا الى الولايات المتحدة، بينما تفرغوا هم عسكريا لاحتواء المقاومة اللبنانية والفلسطينية المعارضة لها. إن التصعيد العسكري الاسرائيلي الأخير ضد قطاع غزة موجه ضد المقاومة، لكنه يستهدف أيضا أجهاض مسعى مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية للاستقواء بالأمم المتحدة من أجل أن يعود "حل الصراع العربي – الاسرائيلي" هو الأولوية التي تتصدر جدول الأعمال الاقليمي وكذلك الدولي في المنطقة، بارسال رسالة الى المجتمع الدولي بان الرئيس محمود عباس الذي سوف يخاطب الجمعية العامة للهيئة الأممية الشهر المقبل للمطالبة باعترافها بدولة فلسطين وبعضوية هذه الدولة في الأمم المتحدة لا يستحق أي دولة كهذه لا يستطيع ضبط الأمن فيها بينما يسعى الى المصالحة مع منظمة "ارهابية" تدعمها سورية وايران مثل حركة المقاومة الاسلامية "حماس".
وبينما لا يفوت الرئيس الفلسطيني محمود عباس فرصة لتكرار تأكيده على أن منظمة التحرير كانت "مضطرة" للذهاب الى الأمم المتحدة في ايلول / سبتمبر المقبل، وأن"القيادة ما كانت لتلجأ الى تلك الخطوة لولا اصطدامها" ب"الحقائق" الناجمة عن فرض سلم أولويات دولة الاحتلال على جدول الأعمال الدولي في المنطقة ومنها "عجز القوى الدولية الراعية لعملية السلام عن اقناع" دولة الاحتلال بأولوية "السلام" على أولوية الحرب التي تحرض عليها ضد إيران، وتاكيده المتكرر على أن "الذهاب الى الأمم ليس برنامجا" بديلا للمفاوضات وأن "المفاوضات هي الخيار"، لكن هذه المفاوضات و"جهود تحقيق السلام فشلت بعد أن جاء الى الحكم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو"، كما كرر عباس القول لمحرري الصحف اللبنانية في بيروت يوم الأربعاء الماضي، فإن نتنياهو قد أنهى استعداداته "العسكرية" لمواجهة استعدادات عباس ومفاوضيه "السلمية" لدعم مسعاهم لدى الأمم المتحدة.
فقد دعا عباس الى مظاهرات سلمية لدعم مسعاه، وأصدر أمرا مباشرا صريحا لقادة أجهزته الأمنية بأنه لا يريد أن يرى "اية أعمال عنيفة في ايلول"، وقد اتخذت أجهزته الأمنية فعلا "كل الاجراءات الضرورية لمنع هذه المظاهرات من التحول الى العنف" كما قال الناطق بلسان هذه الأجهزة اللواء عدنان الضميري، ووضعت هذه الأجهزة خطة تفصيلية قالت الأسوشيتدبرس في الحادي عشر من الشهر إنها حصلت على نسخة منها تحصر المظاهرات ضمن حدود المدن الفلسطينية، وتبعدها عن المستوطنات والحواجز ونقاط التفتيش الاسرائيلية، انسجاما مع إعلان عباس المتكرر لمعارضته أي "انتفاضة" فلسطينية جديدة خشية انزلاقها الى العنف. وفي منتصف الشهر نسبت الواشنطن بوست الى استطلاع حديث للرأي أن ثلثي الفلسطينيين تحت الاحتلال يعارضون اندلاع انتفاضة ثالثة. لا بل ان كبار المسؤولين العسكريين الاسرائيليين يدرسون الآن السماح للسلطة الفلسطينية بشراء المزيد من الأسلحة لأجهزتها الأمنية كجزء مما وصفه أحدهم ب"اجراءات لتعزيز الثقة" كما نقلت شينخوا عن الجروزالم بوست يوم الأربعاء الماضي.
ومع ذلك فإن نتنياهو وحكومته، منذ إعلان عباس نيته الذهاب الى الأمم المتحدة، يشنون حملة تضليل إعلامي هستيرية تهيء الرأي العام الاسرائيلي والعالمي لعدوان عسكري شامل ضد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، حملة ضللت حتى عضو مجلس النواب الأميركي جيسي جاكسون الابن الذي زار دولة الاحتلال والمناطق الفلسطينية المحتلة على رأس وفد من الكونغرس لتقصي الحقائق كي يستنتج بأن "التوترات عالية في كلا الجانبين وهي تزداد قوة، وكلاهما يستعد الآن لمواجهة حتمية تقريبا، كما يبدو، مواجهة عنيفة تشمل كحد ادنى اسرائيل والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة، وعلى الأرجح أيضا دولا أخرى"، على ذمة الجروزالم بوست في السابع عشر من الشهر الجاري. والنائب جاكسون هو ابن داعية الحقوق المدنية الأميركي الشهير القس جيس جاكسون. وقد اعلن جاكسون الابن أنه يؤيد تقليد المقاومة غير العنيفة التي تبناها المهاتما غاندي الهندي ومارتن لوثر كينغ الأميركي، لكن النائب جاكسون لم يذكر بأن أمثال نتنياهو من دعاة العنف والحلول العسكرية قد اغتالوا غاندي وكينغ وياسر عرفات وأن تحريضا مضللا مماثلا لحملة التضليل الهستيرية التي يقودها نتنياهو الآن خلقت بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 البيئة المناسبة لاغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحق رابين بعد عامين ثم الى اغتيال شريكه الفلسطيني في اتفاق أوسلو الراحل ياسر عرفات بعد تسع سنوات.
إعلاميا، يرى وزير خارجية نتنياهو، أفيغدور ليبرمان، في ذهاب عباس الى الأمم المتحدة دليلا على أنه ليس "شريكا" في السلام ولا يريد المفاوضات ويتهم السلطة الفلسطينية التي يقودها بأنها تحضر ل"سفك دماء غير مسبوق على نطاق لم نشاهد مثله بعد"، وحث على "سحق الفلسطينيين" لفرض السلام عليهم و"تلقينهم درسا لن ينسوه" كي ينسوا تماما فكرة الدولة. وبدأ عضو الكنيست داني دانون حملة "للضغط" على نتنياهو لضم الضفة الغربية من جانب واحد بتأييد واسع حتى من نائب رئيس الوزراء موشى يعالون. وسياسيا، مهد نتنياهو نفسه لعدوانه العسكري المرتقب برسالة بعث بها الى أكثر من رئيس دولة في العالم يحث فيها على معارضة المسعى الفلسطيني. وفي هذه الأثناء كانت كل الاستعدادات الاسرائيلية للمظاهرات الفلسطينية المتوقعة استعدادات عسكرية أكثر منها شرطية تم فيها انفاق عشرات الملايين من الشيقلات لشراء تجهيزات لتفريق الحشود الجماهيرية وتزويد قوات الاحتلال بأسلحة "غير مميتة"لكن أيضا بتعليمات "باطلاق النار للقتل كملاذ أخير" كما نسبت رويترز لقادة عسكريين القول في الرابع عشر من هذا الشهر. وحسب موقع ديبكا الاسرائيلي المعروف بصلاته الاستخبارية في الثاني عشر من الشهر فان أجهزة المخابرات الثلاث في الجيش والشرطة والأمن الداخلي أنشأت "مراكز قيادة أيلول" للتنسيق بينها وذكر المصدر ذاته أن رئيس الأركان بني جانز اشرف على تدريبات طوارئ "عطلت حركة السير لساعات في الطرق السريعة" وضاعفت شرطة الاحتلال حجم قواتها في الضفة الغربية (الأسوشيتدبرس) بينما تستعد قوات الاحتلال "لامكانية الاشتباك مع القوات المسلحة السورية في ايلول" (هآرتس في 11/8/2011) وتبني جدارا فاصلا لمنع عبور متظاهرين سلميين لخط وقف اطلاق النار في الجولان كما حدث في ذكرى النكبة الفلسطينية الماضية، مع استعدادات مماثلة على الحدود مع لبنان ومصر وقطاع غزة. لا بل إن ضابط المخابرات المركزية الأميركية السابق، روبرت باير، توقع في أواسط تموز / يوليو الماضي بصورة "مؤكدة تقريبا" بأن يكون نتنياهو "يخطط لهجوم" على ايران "ربما في ايلول قبل التصويت على دولة فلسطينية" في الجمعية العامة للأمم المتحدة "آملا ان يجر الولايات المتحدة للدخول في الصراع"، وكان مئير داغان الرئيس السابق للموساد الاسرائيلي قد حذر قبل باير بحوالي شهرين من خطط مماثلة لنتنياهو.
ومن الواضح أن التصعيد العسكري الاسرائيلي الأخير ضد قطاع غزة يأتي في سياق استعدادات دولة الاحتلال للحرب باعتبارها الوسيلة الاسرائيلية المألوفة الأفضل لتغليب أولية "الخطر الايراني" على أولوية أية جهود سلمية تعيد خطر استمرار الاحتلال الاسرائيلي فلسطينيا وسوريا ولبنانيا كبند أول على جدول الأعمال الدولي للشرق الأوسط،، واجهاض المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة باعتباره أحدث جهد في هذا الاتجاه.
* كاتب عربي من فلسطين
* [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.