ألمانيا تواجه موجة حارة خلال الأيام المقبلة    مصرع عامل وإصابة 17 آخرين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بأسوان    دنيا سمير غانم تكشف سبب ترددها في تقديم فوازير رمضان    لهذا السبب.. نجوى كرم تتصدر تريند "جوجل"    الصحة تنظم زيارة لوفد منظمة الحكماء الأممية لتفقد الخدمات المقدمة لمرضى فلسطين بمستشفى العريش العام    درة تنعى الصحفي الفلسطيني أنس الشريف: «جرحهم جرح الإنسانية كلها»    تحرك الدفعة ال 13 من شاحنات المساعدات المصرية إلي معبر كرم أبو سالم    رابطة الأندية تعلن عقوبات الجولة الأولى من الدوري اليوم.. ترقب داخل الأهلي والزمالك    «هلاعبك وحقك عليا!».. تعليق ناري من شوبير بشأن رسالة ريبيرو لنجم الأهلي    بعد خروجه من حسابات يانيك فيريرا.. جون إدوارد يتحرك لتسويق نجم الزمالك (تفاصيل)    رابط نتيجة المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025 عبر موقع التنسيق الإلكتروني    أسعار الذهب اليوم في السعوديه وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 12 أغسطس 2025    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بعد الارتفاع العالمي.. قائمة ب10 بنوك    أسعار الفراخ اليوم الثلاثاء 12-8-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    محذرا من النصب والاحتيال.. أمن السواحل في طبرق الليبية يوجه بيانا لأهالي المصريين المفقودين    رئيس إسكان النواب: مستأجر الإيجار القديم مُلزم بدفع 250 جنيها بدءا من سبتمبر بقوة القانون    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي تل الهوا بمدينة غزة    ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما    "كلمته".. إعلامي يكشف حقيقة رحيل الشناوي إلى بيراميدز    مبلغ ضخم، كم سيدفع الهلال السعودي لمهاجمه ميتروفيتش لفسخ عقده؟    من هو الفرنسي كيليان كارسنتي صفقة المصري الجديدة؟ (فيديو صور)    الخارجية الروسية: نأمل في أن يساعد لقاء بوتين مع ترامب في تطبيع العلاقات    غارات واسعة النطاق في القطاع.. والأهداف الخفية بشأن خطة احتلال غزة (فيديو)    بطل بدرجة مهندس، من هو هيثم سمير بطل السباقات الدولي ضحية نجل خفير أرضه؟ (صور)    مصرع شخص تحت عجلات القطار في أسوان    لتنشيط الاستثمار، انطلاق المهرجان الصيفي الأول لجمصة 2025 (فيديو وصور)    نتيجة تنسيق المرحلة الثانية أدبي.. الموقع الرسمي بعد الاعتماد    نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق مبادرة "أمل جديد" للتمكين الاقتصادي    4 أبراج «في الحب زي المغناطيس».. يجذبون المعجبين بسهولة وأحلامهم تتحول لواقع    من شرفة بالدقي إلى الزواج بعد 30 عاما.. محمد سعيد محفوظ: لأول مرة أجد نفسي بطلا في قصة عاطفية    24 صورة لنجوم الفن بالعرض الخاص ل"درويش" على السجادة الحمراء    بالصور.. أحدث جلسة تصوير ل آمال ماهر في الساحل الشمالي    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    اليوم، إعلان النتيجة الرسمية لانتخابات مجلس الشيوخ والجدول الزمني لجولة الإعادة    تحارب الألم والتيبس.. مشروبات صيفية مفيدة لمرضى التهاب المفاصل    فاركو: ياسين مرعي سيصنع تاريخا مع الأهلي    حزب شعب مصر: توجيهات الرئيس بدعم الكوادر الشبابية الإعلامية يؤكد حرصه على مستقبل الإعلام    قرار هام بشأن البلوجر لوشا لنشره محتوى منافي للآداب    التحفظ على أموال وممتلكات البلوجر محمد عبدالعاطي    خلاف جيرة يتحول إلى مأساة.. شاب ينهي حياة آخر طعنًا بكفر شكر    CNN: واشنطن تزداد عزلة بين حلفائها مع اقتراب أستراليا من الاعتراف بدولة فلسطين    موعد مباراة سيراميكا كيلوباترا وزد بالدوري والقنوات الناقلة    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يعقد اجتماعاً موسعاً لمتابعة الأداء وتحسين الخدمات الصحية    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    19 عامًا على رحيل أحمد مستجير «أبوالهندسة الوراثية»    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    محافظ الأقصر يبحث مع وفد الصحة رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية بالمحافظة    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربيع المرأة العربية لم يحل بعد
نشر في شباب مصر يوم 08 - 08 - 2011


ربيع المرأة العربية لم يحل بعد
(إذا لم يقد انصهار المرأة في بوتقة النضال الجاري الآن من أجل الحرية والكرامة الى ما يحفظ حريتها ويصون كرامتها فإن حرية الرجل وكرامته سوف تظل منقوصة وسوف لن يزهر أي ربيع عربي إذا لم ينل نصف المجتمع حريته وكرامته)
بقلم نقولا ناصر*
لقد أثبت دور المرأة الحاسم في الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح الوطن العربي أن للمرأة العربية ما للرجل من مصلحة حيوية في التغيير والاصلاح، غير أن كل الدلائل في التاريخ الذي تجري كتابته الآن تشير الى أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن تصاب المرأة العربية بخيبة أمل عندما تكتشف بأن ربيع المرأة العربية لم يحل بعد وأن وضعها الراهن لم يطرأ عليه أي تغيير جوهري سواء في الأقطار العربية التي نجحت في التغيير أم في تلك الأقطار التي لم تنجح، ليكون المصير الذي آلت اليه المجاهدة الجزائرية الشهيرة جميلة بوحيرد التي أصبحت من الرموز العالمية لمقاومة الاحتلال الأجنبي رمزا لخذلان الثورات العربية للمرأة. وكانت بوحيرد رئيسة اتحاد المرأة الجزائري بعد الاستقلال قبل أن تستقيل وتحتجب عن الأضواء بعد عامين بعد أن أعجزتها قيادة الثورة عن العمل. وبعد أن كاد يطويها النسيان مزقت بوحيرد الصمت الاختياري الذي فرضته على نفسها عندما وجهت نداء استغاثة قبل عامين الى "الشعب الجزائري" لمساعدتها في العلاج من عدة أمراض أصابتها.
في تقرير لها عن "موسم الانتفاضة" في الوطن العربي نشرته في الرابع والعشرين من نيسان / أبريل الماضي قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن دور المرأة العربية في هذه الانتفاضة أنهى الصورة النمطية السلبية عنها في الغرب الذي شاهد "بحرا من الوجوه النسائية المجلببة بالسواد والغاضبة، في عواصم شمال افريقيا وشبه جزيرة العرب والريف السوري يزحف من أجل تغيير النظام ووضع نهاية للاستبداد والافراج عن الأحبة، أو شاهدها وهي تخاطب الجموع أو تعالج الجرحى أو تطعم المعتصمين في القاهرة والمنامة وشبه الجيش في شرقي ليبيا". وقد لخصت الناشطة المصرية المخضرمة في الدفاع عن حقوق المرأة نوال السعدواي مشاعر المرأة العربية بقولها بعد خمسين عاما من العمل النسوي: "في ساحة التحرير، شعرت لأول مرة بأن المرأة مساوية للرجل". إن مشاركة المرأة العربية في ساحة التحرير المصرية وساحة التغيير اليمنية وشارع بورقيبة التونسي ودوار اللؤلؤة البحريني وغيرها من عناوين الانتفاضة الشعبية العربية المستمرة كانت مشاركة على قدم المساواة مع الرجل، مع أن تقارير التنمية البشرية العربية المتتالية توثق مشاركتها السياسية والاقتصادية باعتبارها الأدنى في العالم حتى الآن.
في يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار / مارس الماضي، ظهر مؤشر لافت للنظر الى نكران جميل الرجل العربي لملايين العربيات اللواتي تدفقن الى الشوارع مطالبات بالحرية والكرامة جنبا الى جنب معه، فقد دعت المرأة المصرية الى مسيرة مليونية بهذه المناسبة، لكن بضع مئات منهن شاركن في المسيرة ليواجهن بسخرية الرجال والمطالبة بعودتهن الى بيوتهن. وقالت إحداهن لمفوضة الاتحاد الاوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن كاثرين آشتون أثناء زيارة لها لساحة التحرير: "كان الرجال حريصين على وجودي هنا عندما كنا نطالب برحيل (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك. لكنه رحل والآن هم يريدون مني أن أعود الى البيت". وكانت مكافأتهن على دورهن الرئيسي في ساحة التحرير هي حرمان حتى امرأة واحدة منهن من تمثيلهن في اللجان الوطنية التي أنشئت لترتيب الأوضاع في المرحلة الانتقالية، ولا توجد الا سيدة واحدة في حكومة عصام شرف التي تضم 27 وزيرا ولا توجد كذلك سوى سيدة واحدة بين عدد مماثل من المحافظين بعد تبدليهم مؤخرا تحت الضغط الشعبي. وقالت إسراء عبد الفتاح، إحدى قيادات الثورة المصرية، "علينا أولا أن نحارب من أجل أن تتضمن برامج الأحزاب الجديدة مطالب النساء، ثم علينا أن نعبئ وسائل الاعلام والمنظمات غير الحكومية. لقد تمت تهيئة الناس فكريا ونفسيا ودينيا للتمييز ضد المرأة. وتغيير ذلك سوف يكون أصعب كثيرا من التخلص من مبارك". لذلك فإن وجود مرشحة للرئاسة المصرية، هي السيدة بثينة كامل، لأول مرة في تاريخ مصر ليس كافيا للاقناع بأن الثورة المصرية قد أحدثت تغييرا جوهريا في وضع المرأة المصرية.
ولم يكن الحال أفضل في تونس بعد سقوط النظام. فمع أن وضع المرأة في تونس تحسدها عليه شقيقاتها العربيات، وبالرغم من اشتراط وجود عدد متساو من الرجال والنساء في القوائم الانتخابية التي سوف تتنافس في الانتخابات القريبة المقبلة، فإن المرأة ما زالت مهمشة في المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وما زال الرجل هو المسيطر. ولا تضم حكومة رئيس الوزراء السيد باجي قائد السبسي المؤلفة من 23 وزيرا سوى سيدتين، وبين قادة 51 حزبا سياسيا توجد امرأة واحدة فقط هي السيدة مية جريبي التي تقود الحزب الديموقراطي التقدمي. وتجد المرأة التونسية نفسها اليوم في وضع المدافع عن حقوقها الموجودة كاستحقاق له أولوية على الكفاح من أجل نيل حقوق جديدة، ولذلك أصدرت المنظمات النسوية في تونس في العشرين من نيسان / ابريل الماضي بيانا ضد "الأصوات التي تهدد حقوق المرأة بسبب عوامل دينية أو ثقافية". وكان صوت ليلى بوعزيزي أخت محمد بوعزيزي الذي اشعل إشعاله النار بنفسه حتى الموت ثورة الياسمين التونسية من الأصوات الأولى لهذه الثورة، وكان صوتها هو "الأقوى بين كل من تحدثوا الى وسائل الاعلام" لأنها "دافعت بقوة عن المساواة السياسية" بين الجنسين كما قالت خديجة شريف الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات.
وفي ليبيا لم تشغل المرأة الا موقعين من أكثر من أربعين منصبا رئيسيا في حكومة المجلس الانتقالي في بنغازي وقد استقالت ايناس الدراسي من المجلس تاركة المحامية سلوى بوقعيقيص عضوة وحيدة فيه قائلة: "عندما بدأت الثورة كان للمرأة دور كبير. والآن انحل هذا الدور. اختفى. ولا أعرف لماذا". وفي اليمن أظهرت دراسة اجرتها مؤخرا منظمة "نساء بلا حدود" بأن "التحديات ذاتها التي تواجهها المرأة اليمنية في دخول سوق العمل تعيق مشاركتها في المجال السياسي".
وإذا استمر هذا التوجه فإن المرء لا يسعه الا التساؤل عن المصير الذي ينتظر، على سبيل المثال لا الحصر، أسماء محفوظ ونوارة نجم ومنى سيف في مصر وتوكل كرمان في اليمن وسهير الأتاسي وناهد بدوية وسيرين خوري في سورية ومنيرة فخرو وآيات القرمزي في البحرين ومنال الشريف في السعودية، إذ بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معهن حول آرائهن السياسية، وحول القضايا التي أدخلتهن التاريخ باعتبارهن أخوات الرجال في التوق الانساني الخالد الى الحرية والتحرر والكرامة والحريات والحقوق المدنية والسياسية، فإن الحرص على أن لا يغيبهن النسيان الذي كاد يطمس الى الأبد الرمز النسائي للثورة الجزائرية، جميلة بوحيرد، هو حرص على نجاح التنمية في الوطن العربي التي قاد غيابها أو عدم توازنها بين المناطق الجغرافية وبين الطبقات الاجتماعية الى انفجار الانتفاضات الشعبية العربية الراهنة لأنه حرص على إشراك نصف المجتمع في جهود التنمية.
وإذا كانت هذه الانتفاضات تبشر حقا ب"ربيع عربي" فإن من العار التاريخي أن يزهر هذا الربيع دون أن تكون عين المرأة حرة في التنقل بين ألوان أزاهيره، وأنفها حرة في استنشاق رحيقها، وأذنها حرة في الاستماع الى زقزقة عصافيره ورفيف أجنحة فراشاته، أما إذا انتهى الربيع العربي واستمر الحجر على عيونها وانوفها وآذانها بحيث لا يلامس هواؤه وجهها فإن رياحا سموما لا بد وأن تكون قد لوثت مناخ فصل الربيع السياسي العربي المفترض. وهذا الربيع العربي لم يقل كلمته بعد للمرأة والرجل على حد سواء، فأعداء الحرية والكرامة الانسانية ما زالوا مصممين على ديمومة الخريف السياسي العربي، لكن "يبقى أن نرى ما إذا كان الربيع العربي سوف يمد المرأة بأسباب الحياة" كما أمدته المرأة بأسباب الاستمرار كما استنتج تقرير الغارديان.
إن ربيعة نصيري عضو اتحاد النساء الديموقراطيات في المغرب لم تبد متفائلة، ف"في تقديري وتقدير رفيقاتي في عدد من البلدان أنه لا يوجد الكثير من التفاؤل في الطريقة التي تجري بها الأمور" لأنه "من الممكن إسقاط الأنظمة السياسية، لكن المرء لا يستطيع إسقاط نظام أبوي"، مضيفة أن "المساواة بين الجنسين وإزالة التمييز بينهما" ليست على جدول الاصلاحات والتغيير بعد، وأن التغيير المنشود في هذا المجال يعتمد "على قدرة المجتمع على التغيير". ويمثل وضع المرأة في الكويت حيث يبدو الحكم متقدما على المجتمع في تفهمه لقضاياها تصديقا لتحليل نصيري. ففي دورتين انتخابيتين متتاليتين لم تفز امرأة واحدة من 27 سيدة رشحن أنفسهن لمجلس الأمة الكويتي، وعندما عوضت الحكومة خسارتهن بتعيين امراتين في مناصب وزارية انسحب تسعة نواب يمثلون تيارات "اسلامية" وقبلية من جلسة المجلس احتجاجا على عدم ارتدائهن ملابس شرعية. وفي هذا السياق لا تبشر بالخير ظواهر سلبية ترافق الانتفاضات الشعبية العربية الآن.
وكان "عدم الاختلاط" في رد الفعل على الانتقاد العلني الذي وجهه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ل"الاختلاط" بين الجنسين في ساحات الاعتصامات والاحتجاجات المطالبة برحيل نظامه مؤشرا الى اتفاق الحكم والمطالبين بتغييره على "الأعراف الاجتماعية عميقة الجذور والدور القوي للرجال في الأسرة" كما قالت ربيعة نصيري. فالصفوف الطويلة المجلببة بالسواد التي لا وجوه لها التي خرجت بمئات الآلاف الى الشوارع دعما للحرية والكرامة الانسانية وهي مصطفة منفصلة عن رجال سافري الوجوه وحاسري الرؤوس وكثير منهم كاشفو الصدور في شوارع العواصم العربية لم يكن فيها ما يشير الى المرأة سوى العيون العربية التي زادها جمالا توقها الى الحرية والغضب الذي كان يشع منها على الوضع الراهن حتى يكاد يحرق النقاب الذي ينفتح على الأعين فقط، في إشارة واضحة الى أن أي تغيير في النظام السياسي لن يكون مصحوبا باي تغيير في الفصل بين الجنسين، مما يقترح، في اليمن على سبيل المثال، أن منظمي مسيرات الاحتجاج النسائية التي لا وجه لها ربما يتجهون على الأرجح نحو نظام اجتماعي تظل المرأة فيه بلا وجه ليظل وجه المجتمع ذكوريا فحسب.
والمفارقة أن البحرين والسعودية قد شذتا عن هذا السياق العام، إذ تعاملت السلطات مع المرأة على قدم المساواة مع الرجل في تطبيق القوانين، فالبحرين سجلت سابقة عندما أدانت لأول مرة في تاريخها امرأة لدورها في احتجاجات "غير قانونية" تحرض ضد النظام الحاكم فأصدرت إحدى محاكمها حكما بالسجن لمدة أربع سنوات ضد السيدة فضيلة مبارك أحمد، حسب مركز البحرين لحقوق الانسان. وفي السعودية اعتقلت السلطات منال الشريف بتهمة تشويه سمعة البلاد في الخارج وإثارة الرأي العام، لأنها تجرأت على تحميل شريط فيديو على اليو تيوب يصورها وهي تقود سيارتها بنفسها، حسب منظمة هيومان رايتس ووتش. فعسى ان تنسحب هذه المساواة بين الجنسين في تطبيق القوانين على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل الأقطار العربية وليس في هذين البلدين فقط!
فهل من أجل ذلك وضعت المرأة العربية كتفها الى كتف الرجل في ما يسمى "الربيع العربي"؟ وهل الديموقراطية العربية ممكنة بينما يتم حصر مشاركة المرأة فيها من وراء حجاب؟ إن التذرع بكون "الربيع العربي" قد تفجر مظاهرات واحتجاجات واعتصامات "لأسباب وطنية" لا "لأسباب نسائية" هو حجة واهية متهافتة ل"تاجيل قضايا المرأة"، فالوطن لن يعرف الخلاص بتحرير نصف المجتمع وتأجيل حرية نصفه الاخر الى أجل غير مسمى، وإذا لم يقد انصهار المرأة في بوتقة النضال من أجل الحرية والكرامة الآن الى ما يحفظ حريتها ويصون كرامتها فإن حرية الرجل وكرامته سوف تظل منقوصة وسوف لن يزهر أي ربيع عربي لا حرية ولا كرامة إذا لم ينل نصف المجتمع حريته وكرامته، فهاتان القيمتان الانسانيتان كل موحد لا يعرف التجزئة على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو غير ذلك من ضروب التمييز ضد الآخر.
إن رسالة التهديد بالموت التي تلقتها الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان مديرة المركز المصري لحقوق المرأة ممن اسمتهم ب"جماعات متطرفة" من شخص يدعى "سيف الاسلام" بسبب بعض آرائها المتعلقة بحقوق المرأة في قانون الأحوال الشخصية تشير الى ظاهرة التطرف الديني الذي يسعى الى العمل العلني بصورة "قانونية" مستفيدا من "الربيع العربي". في الثالث من الشهر الجاري وفي مقال له بعنوان "مخاوف لم يبددها الاخوان المسلمون"، ناشد الكاتب المصري علي عبد العال الاخوان المسلمين أن يبددوا مخاوف "تظل مشروعة" من عدم حرصهم على "وحدة الصف الاسلامي"، في حال اختارت الجماعة "العمل بمفردها أو سعت لاخضاع الاخرين لشروطها الخاصة". وهذه المخاوف تصبح مضاعفة عندما تتجاوز الحسابات الحزبية والانتخابية.
إن "حزب الحرية والعدالة" الذي أسسته الجماعة في السادس من حزيران / يونيو وشارك في تأسيسه 100 قبطي و 900 امرأة ضمن 9000 عضو مؤسس قد اختار المسيحي رفيق حبيب نائبا لرئيسه وكان يمكنه أن يختار امرأة كنائبة ثانية للرئيس حتى يبدد المخاوف الوطنية التي تنفخ في رمادها مصالح أجنبية طامعة لأغراض ليست خافية على أحد. ووصف الحزب نفسه بأنه حزب "مدني" و"ليس حزبا دينيا" مفتوح لكل المصريين بغض النظر عن الديانة وأكد برنامجه على التعددية السياسية، لكن برنامج الحزب ظل غامضا حيال المرأة. وكان الإخوان المسلمون أكدوا مرارا معارضتهم لترشيح امرأة للرئاسة. وقد اعترض عضو التنظيم الدولي للاخوان، كمال الهلباوي، على استبعاد المرأة من رئاسة الدولة في برنامج الحزب باعتبار مصر اقليما وليس خلافة اسلامية وقال لصحيفة "المصري اليوم" هاتفيا من لندن: "على الاسلاميين أن يراجعوا أنفسهم ويمنحوا المرأة الحق في الرئاسة لأنها أمور غير محرمة على الأقاليم".
والقبلية التي يسارع الى الاستقواء بها الآن الحكام المتشبثون بالسلطة والمعارضة المطالبة برحيلهم على حد سواء هي ظاهرة سلبية أخرى أفرزها الربيع العربي. إن التطرف الديني والطائفية والقبلية تتناقض جميعها مع الحرية والديموقراطية، وعندما تطل برؤوسها باسم "الربيع العربي" فإنها توقظ فتنا نائمة سوف تكون نتائجها عكسية بالتأكيد على اي طموح شعبي مشروع للتغيير والاصلاح، وبخاصة في كل ما يتعلق بحرية المرأة وتحررها وكرامتها. ويقف النموذج الأميركي للتغيير "الديموقراطي" في العراق بكل عناوينه الدينية والطائفية والقبلية شاهدا حيا على الوضع الذي آل االيه حال المرأة العراقية بعد الاحتلال الأميركي الذي خصص "كوتا" للمرأة تتراوح بين 25% وبين 33% في البرلمان المنبثق عن الاحتلال مما يجعل تمثيل المرأة هو الأعلى في العالم كافة الذي تتصدره كندا بنسبة تمثيل للمرأة وصلت الى أكثر من 21%، ومع ذلك ربما تحتل المرأة العراقية المرتبة الأولى عالميا في تسارع وتيرة انتشار الأمية والاتجار بالبشر والبطالة وتدني التمثيل في السلطة التنفيذية وإعادتها الى "تعددية" الطوائف في مجال الأحوال الشخصية ناهيك عن ملايين الأرامل واليتامى واللواتي فقدن معيلهن واللاجئات خارج العراق وداخله، وهو النموذج الذي تجري حاليا محاولة فرض استنساخه في سورية.
* كاتب عربي من فلسطين
* [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.