حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أوكسفام: أرباح مليارديرات مجموعة العشرين في عام واحد تكفي لانتشال جميع فقراء العالم من براثن الفقر    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    ترامب يعلن عن لقاء مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب في البيت الأبيض    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    تضرب الوجه البحري حتى الصعيد، تحذير هام من ظاهرة تعكر 5 ساعات من صفو طقس اليوم    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    منى أبو النصر: رواية «شغف» تتميّز بثراء نصّها وانفتاحه على قراءات متعددة    ياسر ثابت: واشنطن تلوّح بضغط سريع ضد مادورو... وفنزويلا مرشّحة لساحة صراع بين أمريكا والصين وروسيا    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف يكاد يجهض الربيع العربي
نشر في شباب مصر يوم 13 - 06 - 2011

(إن الحراك المحموم لتكرار السيناريو الليبي في سوريا يجعل من المنطقي الاستنتاج بأنه تجري حاليا في ليبيا وسوريا محاصرة عربية للتجربة السلمية الناجحة في مصر وتونس قبل الانقضاض مباشرة على التجربتين في عقر دارهما)
بقلم نقولا ناصر*
عندما تكون "علمانية" أو عدم علمانية الدولة السورية بندا رئيسيا على جدول الأعمال كاد يشق "مؤتمر انطاليا" الذي استضافته تركيا مؤخرا لمن نصبوا أنفسهم ممثلين عن "المعارضة" للحكم في سوريا، ويخرج رجل دين سوري كردي في هذا المؤتمر على شاشة فضائية الجزيرة مطالبا بالفصل بين الدين وبين الدولة، يدرك المراقب على الفور مدى انقطاع التواصل بين مثل هذه المعارضة وبين الواقع على الأرض حيث خرجت قطاعت كبيرة من الجماهير السورية إلى الشوارع احتجاجا على تأخر الحكم في الوفاء بما وعد به من إصلاح وتغيير يخرجها من أزمتها الاقتصادية، دون أن تقتنع بالأسباب "الخارجية" للتأخير التي ساقها الرئيس بشار الأسد على وجاهتها، تحت ضغط البطالة وتدهور مستوى معيشتها وتدني دخلها وتآكل قوتها الشرائية أمام الارتفاع القياسي في أسعار المواد الأساسية ومحدودية فرص العمل امام الأجيال الشابة من أبنائها.
وقد كان الأميركي من أصل إيراني ولي نصر، أحد مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط، محقا عندما قال في لندن يوم الخميس الماضي إن "الكثير مما يحدث في الشرق الأوسط الآن سببه الاقتصاد لا الديانة"، دون الاجحاف طبعا بدور الدافع الديني في مقاومة عملية التغريب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الهوية العربية الاسلامية في مواطنها الأصلية وبين أهلها، بقدر ما كان كولن كال، مساعد وزير الدفاع الأميركي محقا عندما قال في أوائل الشهر الجاري: "نحن لسنا وراء الأحداث، ولا الايرانيين، فلا يمكن لدولة واحدة أن تفعل ذلك"، لكن طبعا دون إغفال التدخل الأجنبي السافر والمستتر، العسكري وغير العسكري، الذي يكاد الآن يحرف الاحتجاجات الشعبية العربية عن حصد ما زرعه شهداؤها من بذور كانوا يريدون نموها إلى ثورة حقيقية تغير الوضع الراهن البائس الذي يعيشون فيه تغييرا سياسيا واقتصاديا على حد سواء.
فالعنف المسلح ووقوف الدولة على شفا الانهيار والانقسام وانشغال الملايين بالاحتجاجات لأشهر على حساب الانتاج يكاد يدفع الأقطار التي نجحت فيها هذه الاحتجاجات في إسقاط أنظمتها الحاكمة إلى أحضان البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين قادت إصلاحاتهما وسياساتهما إلى انفجار هذه الاحتجاجات في المقام الأول، وبالتالي إلى أحضان الهيمنة الأميركية – الغربية المسؤولة عن الأوضاع التي تفجرت غضبا شعبيا. إن النتائج العكسية للربيع العربي تنذر حقا بأن يكون ربيعا لا يزهر ثورة.
حسب "معهد الاقتصاد والسلام" الدولي في استراليا تكبد الاقتصاد العالمي خسائر بلغت (8.1) تريليون دولار أميركي بسبب العنف خلال عام 2010 الماضي، وفي تقرير المعهد لعام 2011 الجاري قال المعهد إن "الربيع العربي" الذي بدأ "سلميا" كانت نتائجه عكسية بعد أن انقلب عنفا ينذر ب"التغيير الأكبر على الاطلاق" في ترتيب البلدان العربية المعنية في "مؤشر السلام العالمي"، أو كما قال مؤسس المعهد ورئيس مجلس إدارته التنفيذي ستيف كيلليليا: "إذا أخذنا الربيع العربي فإننا رأينا هبوطا لها في المؤشر أكبر مما شهدته أي دول أخرى في تاريخ السنوات الخمس الماضية لمؤشر السلام العالمي".
فهل "علمانية" أو عدم علمانية دولة التجزئة العربية هي حقا التي أخرجت ملايين الفقراء والشباب العرب العاطلين عن العمل إلى الشوارع مسالمين بالملايين من المغرب غربا إلى سلطنة عمان شرقا، في مواجهة أجهزة أمنية تستهلك ميزانياتها الضخمة حصة غير عادلة من الدخل الوطني على حساب التنمية ولا تتردد في القتل؟
أليس مثل هذا الادعاء محاولة لتزييف إرادة هذه الجماهير المليونية ومحاولة لركوب موجة احتجاجاتها لأغراض لا علاقة لها البتة لا بالجماهير نفسها ولا بمصالحها ولا بالدافع الذي أخرجها إلى الشوارع مطالبة "سلما" بالاصلاح والتغيير في المقام الأول؟ إن حرف الحراك الجماهيري العربي عن أهدافه الحقيقية هو جزء لا يتجزأ من "الثورة المضادة" التي تحاول أدلجة هذا الحراك دينيا كمدخل لشق صفوفه طائفيا مما قاد حتى الآن إلى سد قنوات الحوار الوطني وكاد أن "يعسكر" هذا الحراك ويدفن "سلميته" في أتون حروب أهلية هي المدخل الأمثل للتدخل العسكري الأجنبي حيث لم تعد أطراف في المعارضة تجد أي حرج في التناقض مع ايديولوجيتها المعلنة للاستنجاد بالأجنبي والاستقواء به.
إنها وصفة مؤكدة ل"ربيع عربي" لن يزهر أي ثورة للخلاص لا الاقتصادي ولا الديموقراطي، ليتضح أن "الثورة المضادة" لا تقتصر على الدول عربية كانت أم أجنبية بل لها امتدادات "شعبية" أيضا.
ويتضح في المحصلة اليوم أن هذه الامتدادات في سوريا، على سبيل المثال، كانت لها مثل هذه النتائج العكسية المتوقعة، إذ شوهت الصورة السلمية للاحتجاجات الشعبية، وفرضت على الحكم أولية تحييدها بدلا من الاهتمام المباشر بالمطالب الشعبية، وربما منحت معارضين للاصلاح والتغيير في أوساط الحكم حجة لتوفير ذريعة "داخلية" تضاف إلى الأسباب "الخارجية" لتأجيل الاصلاح والتغيير، مما يؤيد الاستنتاج الذي يذهب إليه محللون من الحكم ذاته بأن الهدف من المظاهر المسلحة العنيفة لهذه الامتدادات إنما تستهدف تعطيل أي حوار بين الحكم وبين المحتجين عليه لمنع أي إصلاح حقيقي قد يتمخض عنه تقوية النظام وردم "الفجوة" بين الحكم وبين الشعب التي اعترف بها علنا الرئيس الأسد نفسه، مما يوضح بدوره شعار "إسقاط النظام" الذي ترفعه هذه الامتدادات.
وهذه هي خلاصة تحليل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين التي دعت إلى "ايقاف استخدام العنف نهائيا ومحاصرة كل من يرفع السلاح في أوساط المدنيين وتسليمه إلى السلطات القضائية وعودة الجيش إلى مواقعه الطبيعية" لأن "الحل الأمني البحت غير قادر على حل الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد".
لكن الشيوعيين السوريين وغيرهم من القوى الوطنية والشعبية التي تشاركهم التحليل لم يتوصلوا بعد إلى الاستنتاج بأن الحكمة والمصلحة الوطنية باتت تقتضي الفصل الكامل بين الاحتجاجات الشعبية وبين تفاقم تصعيد العنف الذي طغى عليها مما يقتضي جرأة وطنية كافية للمطالبة بوقف الاحتجاجات باعتبار وقفها بات الوسيلة الوحيدة لعزل العنف ووقف خلط أوراقه بأوراقها ووقف استخدام العنف لجماهير المحتجين كدروع بشرية يتستر بها ليعود الحراك شعبيا سلميا كما بدأ، قبل أن تتفاقم الأزمة على الطريقة الليبية فيصبح منع تدويلها أكثر صعوبة بكل ما ينطوي عليه التدويل من مخاطر.
وهذه الظاهرة الواضحة اليوم في ليبيا يجري تأجيجها وتضخميها إعلاميا وتسمينها بالتسليح والدعم العسكري الأجنبي بحيث تخلق حقائق على الأرض تستهدف أن تجعل من الصعب حد الاستحالة التوصل إلى حلول أو مخارج سلمية وطنية بالحوار المباشر أو بالوساطة، مع ملاحظة الحرص على إجهاض أي وساطات دولية عديدة متوفرة، روسية وصينية وإفريقية وبعضها أوروبي، مما يجعل أي وساطات وطنية محكوما عليها بالفشل المسبق بينما الوساطات العربية غائبة تماما بعد أن قطعت عليها الطريق جامعة الدول العربية بمنحها غطاء شفافا لا يستر عورة من "الشرعية العربية" للتدخل العسكري الأجنبي، بحيث يظل "الحسم العسكري" هو الحل الوحيد المتاح.
إن الحراك الفرنسي - البريطاني – الأميركي المحموم لتكرار السيناريو الليبي في سوريا يجعل من المنطقي الاستنتاج بأنه تجري حاليا في ليبيا وسوريا محاصرة عربية للتجربة السلمية الناجحة في مصر وتونس اللتين لم تشهدا مثل هذه الظاهرة المدمرة لأي تغيير أو إصلاح، بينما التطورات العنيفة الأخيرة في اليمن التي تكاد تعسكر الصراع بين النظام وبين الملايين الثائرة عليه تشير إلى أن الحصار العربي للتجربتين المصرية والتونسية على وشك أن يمتد إلى اليمن أيضا.
والخطوة التالية المتوقعة طبعا هي الانقضاض مباشرة على التجربتين الناجحتين في مصر وتونس في عقر دارهما، بحيث يستتبع المنطق السليم الاستنتاج بأن دفن هذه الظاهرة في سوريا بخاصة يتحول واقعيا الآن إلى شرط مسبق كي تنتقل الثورة المصرية من المراوحة عند مرحلة إسقاط النظام فحسب إلى ربيع عربي يزهر ثورة حقا سوف تعم عربيا بالتأكيد بحكم واقع الدور القيادي التاريخي لمصر عربيا، وواقع أنها القلب الثقافي للوطن العربي، وواقع أن عدد سكانها يزيد على تعداد سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة والأردن والعربية السعودية واليمن والبحرين والكويت وليبيا وتونس مجتمعة.
إن الجدل الدائر مؤخرا في مصر حول إلغاء المادتين (32) و(35) من الدستور بشأن النص على أن يتكون نصف مجلسي الشعب والشورى من العمال والفلاحين، بعد توصية لجنة النظام الانتخابي في مؤتمر الوفاق الوطني بإلغاء حصة ال50% للعمال والفلاحين،
وتفعيل الحكومة المصرية في الثامن من الشهر الجاري لقانون كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أقره في نيسان / أبريل الماضي وتعارضه النقابات العمالية وكثير من الأحزاب السياسية لأنه يمثل "عودة إلى العهد الماضي" حسب بعض خبراء القانون المصريين و"يجرم" ويعاقب الاعتصامات والاضرابات التي من شأنها تعطيل العمل في المصالح "العامة أو الخاصة"، أي في القطاعين العام والخاص، منعا ل"الاضرار بالاقتصاد الوطني" و "حتى لا يتعرض اقتصاد البلاد لمزيد من المخاطر"، كما قال بيان مجلس الوزراء المصري،
ومعارضة جماعة الاخوان المسلمين ل"جمعة الغضب" المليوينة في السابع والعشرين من أيار / مايو الماضي بحجة درء "أي وقيعة أو فتنة" بين "الشعب المصري ... وقواته المسلحة"،
ثم لجوء مصر وتونس مؤخرا إلى قمة الدول الثمانية الأغنى في العالم وإلى البنك وصندوق النقد الدوليين مجددا بعد أن وعد وزير المالية المصري د. سمير رضوان في ذروة الثورة المصرية في السابع من شباط / فبراير الماضي بأن مصر لن تلجأ لهما، لا بل ان محافظ البنك المركزي بعث برسالة للمؤسستين يبلغهما فيها "بعدم الحاجة" إلى مساعداتهما "النقدية أو المالية"،
وما تسرب مؤخرا عن وجود نية لدى عمر سليمان نائب الرئيس السابق حسني مبارك الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة ... إن كل هذه وغيرها مؤشرات سلبية خطيرة تنذر بأن "الربيع العربي" لم يزهر ثورة بعد في مصر، وهو إذا لم يزهر في مصر فإنه لن يزهر في غيرها من الأقطار الشقيقة.
وهنا لا بد من وقفة لا مناص منها مع حركة مخضرمة عريقة ومجربة مثل جماعة الاخوان المسلمين التي رفدت الاحتجاجات الشعبية العربية بتجربتها وزخمها الشعبي بدعم حاسم، بعد أن باتت هي القوة السياسية الوحيدة المنظمة في "المعارضة" العربية بعد عقود من الزمن كانت خلالها تتمتع ب"الشرعية" الرسمية دون الأطياف القومية واليسارية للمعارضة الأخرى مما قاد إلى تآكل المعارضة اليسارية وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والمنظومة الاشتراكية الدولية وتآكل المعارضة القومية العربية وبخاصة بعد الاحتلال الأميركي للعراق والحصار والعقوبات الأميركية على سوريا التي اتسعت الآن إلى أوروبية.
وإذا كان المؤتمر القومي – الاسلامي في أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي مؤشرا إلى أن الجماعة قد صوبت اتجاه بوصلتها في توحيد صفوف المعارضة العربية فإن دلائل كثيرة ظهرت خلال "الربيع العربي" تشير إلى أن الجماعة تكاد تفقد بوصلتها مجددا، لسبب رئيسي عاصر الجماعة منذ نشأتها، وهو فقدانها لأي برنامج محدد وواضح للخلاص الاقتصادي، مما يذكرني بمقابلة مع الشيخ الجليل عباسي مدني في الجزائر العاصمة عشية الانتخابات التشريعية وبعد فوز جبهة الانقاذ في الانتخابات البلدية سألته فيها عن برنامج الجبهة الاقتصادي دون أن أحصل على جواب شاف غير حديثه عن مشروع لاعمار حزام الفقر المحيط بالعاصمة الجزائرية.
ففي مصر اليوم، يكاد غياب البرنامج الاقتصادي الواضح يوقع الجماعة في " وقيعة أو فتنة" مع قوى ثورة 25 يناير والجماعة قوة أو القوة الرئيسية بينها، ويوقع الجماعة في شبهة الانحياز إلى نظام النخبة الاقتصادية التي أفرزتها سياسات البنك والصندوق الدوليين ضد جماهير الطبقات التي سحقها هذا النظام وكانت عماد الثورة ووقودها، وفي شبهة الانحياز إلى "العسكر" الذين لم يحسموا بعد موقفهم من معاهدة الصلح مع دولة الاحتلال الاسرائيلي وما انبثق عنها من علاقات وثيقة مع الراعي الأميركي لهذه الدولة.
وإذا كانت مشاركة الجماعة في "العملية السياسية" التي هندسها الاحتلال الأميركي في العراق لا تحظى بما يكفي من الجدل والحوار حولها فإن اصطفاف الجماعة في ليبيا تحت مظلة حلف شمال الأطلسي "الناتو" عمليا لا يخفف من آثاره السلبية على موقف الجماعة معارضتها المعلنة القوية للتدخل الأجنبي.
أما المظلة السياسية التي توفرها الجماعة لاختطاف العنف المسلح للاحتجاجات الشعبية في سوريا مدفوعة ربما بثأر تاريخي فإنه يوقع الجماعة في شبهة التنسيق بوعي أو دون وعي مع أهداف معلنة لفك ارتباط تاريخي بين سوريا وبين حركات المقاومة العربية للاحتلال والهيمنة الأجنبية مما يتناقض مع الأهداف المعلنة للجماعة نفسها، مما يستدعي موقفا مختلفا نوعيا للجماعة بين سوريا وبين مصر لا يكفي التذرع بدعم الاحتجاجات الشعبية "على اطلاقها" لتفسير عدم التمييز بينهما.
وفي اليمن لم يستطع تعتيم قنوات فضائية رئيسية على حقيقة أن التجمع الوطني للاصلاح هو القوة الرئيسية المحركة للاحتجاجات الشعبية وحقيقة أن شيخ قبائل حاشد واللواء علي محسن الأحمر المنشق عن النظام هما من قيادات التجمع الذي لا يعرف أحد حتى الآن ما هو البرنامج الاقتصادي البديل الذي لديه لحل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تهدد البلاد والعباد في اليمن، والتي يهدد عدم حلها بانفصال الجنوب حيث هذه الأزمة مضاعفة بعد رحيل النظام الحالي الذي يكاد يكون رحيله مسألة وقت فحسب.
إن هذه المؤشرات وغيرها تكاد توقع الجماعة في شبهة الانجرار إلى فخ دول الثورة المضادة اقليميا ودوليا. ومن المؤكد أن التعميم يوقع المراقب في خطأ التحليل، إذ لا يوجد ما يشير على سبيل المثال أن حركة النهضة في تونس وحركة حماس في فلسطين قد فقدتا البوصلة لتختلط الأوراق عليهما كما اختلطت على إخوانهم في الأقطار الأخرى.
لكن من المؤكد ايضا ان التناقض بين المواقف المعلنة للاخوان وبين الاصطفاف الحالي لعدد من جماعتهم سوف يخلق ان عاجلا او آجلا جدلا ساخنا بين ظهرانيهم ربما يقود الى انقسامات هامة وانحسار في الالتفاف الشعبي الراهن حولها كما حدث في جمعة الغضب المصرية الأخيرة في السابع والعشرين من أيار/مايو الماضي، غير انها في ضوء المسار التاريخي للجماعة سوف تظل حركة سياسية فاعلة ونافذة في المشهد العربي العام الى فترة طويلة مقبلة.
مما يؤكد كذلك أن الجماعة تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي يستدعي منها وقفة نقدية صارمة توضح مسارها توضيحا ينفي نفيا قاطعا ما يروجه محللون عرب ومسلمون وأجانب عن مشروع تحالف أمر واقع بين الجماعة وبين الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وتحالفاتها وصداقاتها. ومن المؤكد أيضا أنه لن يكون في مصلحة الربيع العربي أن يخسر طاقة جماعة الاخوان الايمانية والشعبية والتاريخية، فدورها بحكم الأمر الواقع قد يكون حاسما في أن يزهر الربيع العربي ثورة أو لا يزهر.
* كاتب عربي من فلسطين
* [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.