المتابع للشأن السورى سيجد أن هناك معضلة عند التعامل مع المعطيات الموجودة على الأرض هناك ، فسوريا و كسابقاتها من الجمهوريات العربية تتطلع الى استنشاق الياسمين فى ظل ربيع للثورات العربية لم ينته بعد ، لكن ثمة أشياء كثيرة مختلفة عن الوضع فى البلدان العربية التى نهضت شعوبها كى تثور فى وجه حكام طغاة تخلو عن أمانة الرئاسة و تحولوا إلى لصوص ينهبون مال الشعب و يسمحون لقلة قليلة حولهم تعاونهم فى جرائمهم بحق أوطانهم ، و هو ما أدى إلى إضعاف الاقتصاد وتخريبه و توقف عجلة التنمية وخططها إذا كان هناك خطط للتنمية بالأساس وهو ما كرث الجهل و الفقر و البطالة فى تلك البلدان ، صحيح أن سوريا لا تختلف فى ذلك و أكثر عن مثيلاتها العربية ، لكنها تختلف و تتفرد بأشياء عجيبة فى ثورتها . فالنظام السورى دفع بالجيش متسلحاً بألياته الثقيلة نحو القرى والبلدات السورية التى خرج فيها سكانها مطالبين بحرية وعادلة وكرامة .. و أشياء من هذا السبيل ، تلك المصطلحات التى لا تفقهها الأنظمة العربية المستبدة ولم تعطيها بالاً على مر عقود طويلة مرت ، وفى نفس الوقت كانت الأنظمة الأمنية تقوم بحملاتها المكثفة للاعتقال و الضرب و القمع لكل من تسول له نفسه و ينطق أو يهتف بسقوط النظام ، غريب حقا أن تجد الجيش فى دولة ما يخرج مدججا بالسلاح ليصوبه نحو شعبه ! ، والأغرب أن هذا الجيش لم يفعلها على مر عقود مضت نحو عدو مجاور له و يحتل جزء من تراب وطنه ! ، فسوريا التى لطالما تفاخر نظامها بأنه (ممانع) و أنه يحمل لواء الممانعة العربية لم نراها يوما تقوم بأى عمل يدل أو يبرر أنها تنوى إستعادة الأرض ، ونظامها الغارق فى إحداث إشكاليات مع دول الغرب وتقوية تحلفاته مع إيران و حزب الله على حساب علاقاته العربية لم ينجح حتى ألان سواء فى قمع المظاهرات كلية أو سواء تبرير ما حالات النزوح الجماعى إلى الأراضى التركية و اللبنانية ، فالجموع الفارة من سوريا نحو تركيا لم تكن هاربة من عدو أو محتل يتصيدها ، بل من جيش و أنظمة امنية من المفترض انها وطنية تعمل على حمايتهم وليس قتلهم ! كما ان الشكوك التى تم إثارتها حول وجود عناصر تابعة للحرس الثورى الايرانى على الاراضى السورية للمساعدة فى عملية القمع و تحجيم المظاهرات و وأد الثورة السورية قد تكون صحيحة ، خصوصا فى ظل تقارب سورى إيرانى قوى جدا فى الفترة الأخيرة بالاضافة الى خروج العديد من المسئولين الايرانين لتدعيم النظام على حساب إرادة الشعب ، وهذا عكس ما حدث تماماً عند تعامل إيران مع الوضع فى البحرين ، وهو ما يدل بكل وضوح على إزدواجية إيران فى تعاطيها مع الثورات العربية.. فلا هى ترفضها تماما ولا هى تقبلها لكل الدول القابعة تحت الذل والاستبداد ، بل تنتقى منها ما يخدم مصالحها لتدعمه ، و ما هو غير ذلك تكون سنداً للنظام الحاكم على حساب الشعب . قد يبدو الأسد واثقاً من أنه قد يتغلب على الثورة السورية ، وقد يكون ميزان القوة فى صالحه على الأقل حتى ألان ، لكن عقارب الوقت تمر بسرعة ، وكلما مر الوقت كلما زادت المظاهرات و زاد الاحتقان .. و من المستحيل ان تعود عقاربها إلى الخلف وهو ما يدل بوضوح على أن القبضة الأمنية لن تحافظ لطبيب الاسنان على عرشه طويلاً ، و ربما هنا قد يتخلى بشار عن ممانعته ليظهر هو الآخر كما ظهر رامى مخلوف سابقا ليؤكد أن أمن إسرائيل و المنطقة لن يتحقق سوى بوجود نظامه و وجوده هو فى سدة الحكم ، فهل سيفعلها بشار ، خصوصاً وأنه طوال سنوات الممانعة السورية لم نرى أى فعل يدل على وجود تلك الممانعة ؟! ، كما أن ممانعة بشار هذه بالفعل قد ضمنت لإسرائيل سنوات طويلة مضت من الامن والاستقرار ، إذن فما المانع من تدعيم إسرائيل لنظام الأسد كى يبقى فى الحكم ؟ ، وما المانع من جعله صديقاً وحليفاً اذا كان هذا سيصب فى مصلحته فى النهاية عن طريق مساعدته على البقاء فى الحكم ؟! أحمد مصطفى الغر