السؤال الذي يطرح نفسه على الساحة المصرية والذي يوجهه الشعب دائماً إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف .. إلى أين أنتم ذاهبون بنا؟؟ فمنذ سقوط نظام الرئيس المخلوع وفي أوج الفرحة العارمة التي عمت نفوس المصريين قبل ابتهاج الشوارع والميادين والساحات بها وإعلان تسليم السلطة في البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة استبشرنا خيراً بالمجلس العسكري وتمددت ثقتهم فيه وزادت إلى أبعد الحدود خاصةً بعد أن حمى الجيش الثورة وحافظ على وحدة الصف ووقف موقفه الذي أشاد به العالم كله حتى أسقطت الثورة الرئيس مبارك، والبيانات الجدية المتواترة التي مثلت الخطاب الإعلامي الموجه من المجلس العسكري إلى الشعب لطمأنته وحثه على حماية مصر والحفاظ على وحدتها ومقدراتها ودماء أبنائها. كما استبشرنا بالدكتور عصام شرف الذي اكتسب شرعيته كرئيساً للوزراء من ميدان التحرير وتحركاته الخارجية التي بدأت تعيد مصر إلى مسار علاقاتها الإقليمية والدولية ودورها الريادي في المنطقة من جديد، وحكومته التي بدأت بالخطى الجدية لإصلاح الاقتصاد والإعلان عن برامج التنمية ومعالجة ملف الاستثمارات الأجنبية وغيرها من مجالات الإصلاح في الدولة فضلاً عن توقيف بعض رموز النظام السابق والقبض على بعضهم بتهم الفساد وإهدار الأموال وقتل المتظاهرين ومحاربة الثورة .. الأمور التي أحيت آمالاً عندنا بعودة مصر لنا سالمة وأن مصر تمرض ولكنها لا تموت وآمالاً أخرى بشروق شمس الحرية والانطلاق نحو الديمقراطية. ولكن ما لبثنا حتى بسطت الغيمة المعتمة التي أطاحت بكل هذه الآمال والأحلام وطمستها في نفوسنا وظهرت علامات اليأس وخيبة الأمل على الشارع .. فانقطعت البيانات الجدية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة .. ونسينا أصوات المتحدثين بها.. وكثرت البيانات الهزلية والوعود والإعلانات الحكومية.. وظهرت يوماً تلو الآخر قضايا فساد عظمى تورط فيها الرئيس المخلوع الذي انتقل إلى مستشفى شرم الشيخ منذ إعلامه بالقضايا التي نسبت إليه وبدء التحقيق معه وما زال يعيش تحت رعاية طبية ملكية ولجان طبية تشكل للإشراف على صحته ولم يقف أمام محكمة معلنة أو غير معلنة حتى الآن فيم يعالج مصابي الثورة على حسابهم الخاص ومنهم من لا يمتلك ثمن العلاج. انعدم الأمن والأمان في الشارع المصري وانتشرت أعمال البلطجة وحمل السلاح وقطع الطرق وترويع الشعب بتدبير وإدارة فلول النظام السابق والحزب الوطني المنحل في ظل تقاعس معظم الضباط في وزارة الداخلية عن أداء واجبهم وممارسة دورهم الآن ونحن في أمس الحاجة إليه ورغم ذلك لم يصدر عن معالي وزير الداخلية أي قرار يدين هؤلاء أو يحيلهم للمساءلة بل إنهم يتقاضون رواتبهم وهم يحاولون إخضاع الشعب وممارسة داء العظمة والكبرياء الذي ثبت أنهم لا يستطيعون العيش دون ممارسته على الشعب فهو حليب الرضاعة الذي كون عظامهم ولحمهم ويسري في عروقهم حتى الآن .. وما زالوا يخيرون الشعب بين القبول بالذل والمهانة وفقدان الكرامة أو القبول بانعدام الأمن وانتشار أعمال البلطجة والترويع وما زال يصعب على وزير الداخلية تطهير الوزارة لأن الأمر يحتاج إلى تغيير جذري لا يستطيع القيام به. انتقل أبناء الرئيس الملخوع ورموز حكمه إلى سجن طره الذي نعلم أنه تم تحويله إلى منتجع سياحي يقطنون فيه يتناولون وجباتهم من فنادق فوق ال 5 نجوم بما نهبوه من ثروات الشعب ومقدراته ولم تعلن محاكمة أحدهم حتى الآن بينما لا يزال المدنيون الذين اعتقلوا منذ انطلاق الثورة يحاكمون أمام المحاكم العسكرية ولا يزال في مصر الأسر التي يتسابق أبنائها على رغيف الخبز من يخطف أولاً ليسد جوعه، فضلاً عن رجال الأعمال الهاربين بعد أن مصوا دم الشعب حتى النخاع ومنهم من تورط بالولاء لأعتى أعداء الدولة وبيع ثراوتها لهم بأبخس الأثمان ولم نستطع الحصول عليهم لمحاكمتهم حتى الآن بسبب هروبهم لدول لم توقع على اتفاقيات تسليم المجرمين أو الحصول على جنسيات دول أخرى هم المستفيد الأكبر في النهاية بالثروات المنهوبة من مصر. أعلنت الأحزاب السياسية في مصر الحرب على بعضها البعض بالتمييز والنقد بل والطعن ومحاولة إنكار بعضها للهوية الوطنية للآخر واتهامه بالمطامع السياسية في ظل غياب برامجها الإصلاحية والتنموية التي تنشأ من أجلها الأحزاب أصلاً وهو الأمر الذي أدى إلى التفريق بينها وعدم وحدة مطالبها وعدم اتفاقها على الرأي، وأضعف الثورة وأثر على وتيرة تحقيق مطالبها بشكل حاد كاد يخنقها وكأنها خطة محكمة تدار بثقافة مؤسسية للإطاحة بالثورة وإبقاء الحال على ما هو عليه وهذا يعني أن مصر كلها مستهدفة من الداخل ربما بإدارة قوى داخلية وربما خارجية. تدخلت في شؤون مصر الدول التي لم تكن تحلم يوماً بأن يسبق صوتها صوت مصر في أي محفل وكانت مصر حامي الحمى لهم وقلبهم النابض والشقيق الأكبر والمرجع الذي لا يستطيعون تدبير أمورهم قبل الرجوع إليه .. تدخلوا في شؤون مصر بداعي دعمهم للاقتصاد ولم يعلم الكثير من أبناء مصر أن هذه الدول هي المستفيد الأكبر من هذا الدعم لأن كل دعمهم استثمارات في أرض مصر الخصبة لكل ما خلقه الله من زراعة وصناعة وتجارة وسياحة وثروات طبيعية وبلد حباه الله وشعب تميز على معظم شعوب الأرض بثروة العقول التي دائماً يحسد عليها، بالإضافة إلى أن اتفاقيات الدعم هذه تفرض علينا استيراد ما لا نحتاجه منهم .. فماذا ينتجون هم لنحتاجه نحن؟؟؟ أثبت القضاء والنيابة أن الفساد مستشري في كل مؤسسات الدولة ومتأصل بجذور عميقة منذ غرسه نظام مبارك ورعاه .. فخرج الضباط قتلة الثوار بكفالات بعد أن كانوا يمارسون عملهم في النهار ويذهبون للمحاكمة في آخره .. وقضت المحاكم ببراءة بعض رموز النظام السابق من تهم إهدار المال العام ولم يراعي المجلس الأعلى الحاكم مشاعر أهالي شهداء الثورة وغليان الشارع عموماً بسبب قرارات النيابة وأحكام القضاء ولم يصدر أي بيان يشفي غليل الناس سوى البيان الهزيل الذي قدمه رئيس مجلس الوزراء عشية يوم جمعة "الثورة أولاً" بل كانت هناك جبهات دفاع عن القضاء ودعوات لفض الاعتصامات. وبعد أن زاد غليان الشارع وأعدت العدة لاعتصام مفتوح في ميدان التحرير وبعض الميادين في المحافظات صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بإقالة جميع القيادات والضباط بوزارة الداخلية المتورطين في قتل الضباط .. القرار الذي تحوم حوله الشكوك من ناحية قبول وزير الداخلية بتطبيقه واعترض عليه أيضاً الضباط والقيادات أنفسهم واعتصموا اعتراضاً عليه. عندما أعلن الثوار أن الثورة قائمة والاعتصام مفتوح حتى تنفيذ كل مطالبها ألقى رئيس مجلس الوزراء بيانه الثاني ليلة أمس والذي أعلن فيه أن هناك تعديل وزاري منتظر وإصرار على إقالة القيادات والضباط المتورطين في قتل الثوار وأوامره لوزير الداخلية بسرعة بسط الأمن ورئاسته شخصياً لصندوق دعم أسر شهداء ومصابي الثورة ومناشدته المجلس الأعلى للقضاء بإعلان محاكمات رموز النظام السابق والعمل على تطهير الإعلام .. وكلها قرارات تحترم ولكنها وعود وحبر على ورق نريد أن نلمسه معمولاً به.. نعم رئيس الحكومة وعد الشعب وطلب فسحة من الوقت للحكومة للعمل ولكن الشعب يريد أفعال لا أقوال. غياب بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعدم تفاعله بالسرعة المطلوبة مع مطالب الثورة وهزلية بيانات رئيس الوزراء أظهر المركزية التي كان يعمل بها نظام مبارك وتعامل المجلس مع الشعب بنظرية الكر والفر السياسي وتعاطيه مع الثورة ومطالبها بالطرق المتبعة قبل الثورة باستثناء القمع العلني للثوار كما أظهر حالة الضعف العام للحكومة ومعظم وزرائها الذين ثبت خروجهم من تحت عباءة الحزب الوطني المنحل والحاكم سابقاً ومحدودية الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء نفسه من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتي رفض اكتساب المزيد منها عندما دعي للنزول إلى ميدان التحرير الذي اكتسب شرعيته منه والوقوف وسط الثوار وتلبية مطالبهم ولكن لم يلبي النداء ولم يحظى بالدعم العلني ما جعل الأمر ينعكس على شخصه بموجات النقد اللاذعة في الشارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت ومطالبته بالاستقالة في هذا الوقت الحرج. الأحداث المذكورة تعني أن جميع مؤسسات الدولة تحتاج إلى تطهير جذري لأن رعاة الفساد فيها متأصلون ويدبرون ويعملون من أجل شيء واحد فقط هو إجهاض الثورة التي دفع الدم ثمناً مسبقاً لها ويريدون القضاء على أحلام الشعب بالحرية والكرامة والإنسانية وإحباط عودة مصر إلى نفسها وشعبها والعالم من أجل مصالحهم الشخصية في ظل ضعف الحكومة وضعف تعاطي المجلس العسكري مع الشعب من أجل الثورة والغموض الواضح وعدم القيام بدور أكثر إيجابية في تلك المؤسسات التي هي بناء المجتمع وشرايين حياته. الإجابة متروكة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لأننا نعلم أنه المتحكم بكل الأمور في البلاد .. الأمر يحتاج إلى مراجعة وإجابة واضحة شافية كافية للشعب تزيح الغيمة وتنثر أشعة النور من جديد حتى يستطيع الشعب معرفة ما يدور في فلك بلاده دون حدوث المزيد من الخسائر التي ترهق الدولة وتؤثر على حياة الناس فاقتصادنا لا يحتمل ثورات جديدة ومقدرات بلادنا لا تحتمل عنف جديد ونتمنى أن نلمس أفعالاً تقودنا لذلك كما نتضرع إلى الله عز وجل أن تظل ثقتنا بكم دائماً.. لذا رجاءً أجيبونا.. إلى أين أنتم ذاهبون بنا؟