هل أنتهي الأسبوعان .. تهانئي .. هيا أجري بسرعة إلى المطبعة ؛ التي لابد أنك حمت حولها في الحقيقة مئات المرات في خلال الأيام السابقة .. بسرعة .. بسرعة إلى المطبعة .. لتتسلم نسخ كتابك .. ولتضمها إلى صدرك .. ولتشم عبق الورق المخلوط بالحبر .. ولتري الصورة الجميلة على غلافه التي يتوسطها اسمك بالخط ... الأندلسي ربما آه .. الأندلسي .. سيكون هذا جميلاً ! وتصل المطبعة لتجد ضجة العمل والعمال والآلات .. بينما المعلم ؛ بارك الله فيه ؛ جالس على كرسي في وسط الآلات المزعجة ومنهمك في حديث جدي مهم للغاية ؛ فيما يبدو ؛ مع ( أفندي ) محترم يرتدي بذلك أنيقة ويبدو عليه أنه مهندس أو طبيب .. أو ربما شاعر مثلك .. تتقدم نحوه وعلى وجهك ابتسامة واسعة تكشف عن أسنانك البارزة كأسنان الأرنب وتمد يدك إليه تلقائياً لتصافحه .. يقطع المعلم حديثه الجاد مع ( الأفندي ) وينظر لك نظرة باردة خاوية تقول لك بمنتهي الصراحة : " مين الواد ده بقا ؟! " وتستشعر أنه لا يعرفك ( أو لنقل لا يتذكرك أفضل ) فتقدم نفسك له بهدوء قائلاً : " أزيك يا معلم .. أنا فلان .. فلان صاحب كتاب زهرة المساء الشفاف ! " فتلتوي ملامح المعلم الغليظة في شبه إنكار وترتسم على وجهه نظرة من الطراز الذي يقول بوضوح : " عليا الطلاق وتربة والدي ما أعرفه ! " وهنا تُخرج له الإيصال الذي حصلت عليه بعد أن قمت بدفع تكاليف الكتاب بالكامل .. وبمجرد أن ظهر الإيصال في يدك أصبحت فجأة ( معرف بأل ) بعد أن كنت ( نكرة ) ويتذكرك المعلم على الفور وينهض من مقامه العالي ويصافحك بحرارة ثم يضرب على كتفك ( فيكاد يخلعه ) علامة المودة .. ثم يدعوك إلى الجلوس ويحلف عليك مائة يمين بأن تشرب معه كوب من الشاي .. المهم يأتي الشاي بينما يقوم المعلم بتقديمك إلى الأفندي المحترم فتعرف أنه : " حمادة بيه محفوظ ! " فترسم إبتسامة مجاملة على وجهك وتسأل : " شاعر ؟! " فيهتف الأفندي بكبرياء : " أعوذ بالله ! أنا سباك !! " وتتعجب من وجود سباك في المطبعة ، ولكن المعلم يخبرك بأنه هنا لإستلام كروته الدعائية التي قامت المطبعة بطبعها له ( رغم أن هناك آلاف من محلات الدعاية والإعلان التي تقوم بهذه المهمة ، ولكن الأفندي ( السباك ) يفضل التعامل مع المطبعة لأنه زبون قديم فيها ) المهم يمر بعض الوقت في حوار من طراز : "وأزيك كده يا أستاذ ؟! " " وعامل إيه ؟! " " وإزي الأحوال ؟! " ويدور حوار قصير مقتضب بينك وبين " حمادة بيه محفوظ السباك " .. وينهض المعلم خمسمائة مرة ليشرف على سير العمل .. وينادي هذا وذاك ، ويأمر هذا بشيء ويأمر آخر بشيء ثاني ، وينهر ثالث ، ويلعن أبو ( أو ربما أم ) رابع ، ويحلف على خامس بأن يطرده الآن ولا يدعه يبقي في مطبعته دقيقة أخري .. وتمر دقائق ودقائق دون أن تجد فرصة لسؤال المعلم عن كتابك وما تم فيه.. وتكر الدقائق فيكتمل نصف الساعة منذ أن وضعت قدمك في المطبعة دون أن تحين لك فرصة السؤال عن كتابك العزيز ولكن لا تقلق .. أرجوك لا تقلق .. فالفرصة السانحة ستأتي بالتأكيد .. وعندها سيأتيك الخبر اليقين بإذن الله