متى يكف هؤلاء المتحدثون – و خاصة فى القنوات الفضائية – عن الاستخفاف بعقول المشاهدين ؟ ، لقد صدّعوا رؤوسنا بألفاظ و مفاهيم دون أن يبينوا للمشاهدين ما هو المقصود بهذه المفاهيم أو تلك الألفاظ ألم يقرأوا – أو يعرفوا – شيئا عن " التعريف الإجرائى " للمفهوم ؟ فهذا يقول : " أنا ليبرالى " و لا نعرف ماذا يعنى بلفظ " ليبرالى " و ذاك يقول نحن ندعوا إلى " دولة علمانية " و لم يبين لنا ما هى " الدولة العلمانية " من وجهة نظره . و إلى هؤلاء الذين يدعون إلى " دولة علمانية " أقول لهم : العلمانية – بفتح العين – بالإنجليزية ( seculqrism ) و ترجمتها الصحيحة " اللادينية " أو " الدنيوية " و هى دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين و تعنى بها فى جانبها السياسى " اللادينية فى الحكم " و هى إصطلاح لا صلة له بكلمة العلم ( sience ) أو المذهب العلمى ( scientism ) و إن منشأ هذه الدعوة هو استبداد رجال الدين فى أوروبا و تحولهم إلى طواغيت و محترفى سياسة تحت شعار الرهبانية و العشاء الربانى و بيع صكوك الغفران مما كان سببا من أسباب الثورة الفرنسية التى كانت فى بدايتها ثورة على " رجال الدين " ثم تحولت بعد ذلك إلى ثورة على الدين نفسه ، و إذا كان هناك عذر فى أوروبا للثورة على رجال الدين ثم المطالبة بالعلمانية فلا يوجد أى عذر لهذه الدعوة فى الدول الإسلامية لأنه لا يوجد فى الإسلام كلمة " رجال دين " و لكن فيها " فقهاء فى الدين " و لكى أوضح للقارئ الفرق بين دولة لها " مرجعية دينية " و دولة لها " مرجعية علمانية " أضرب هذا المثال : نفرض أن الدولة زرعت مساحة من " العنب " بعد جنيه أرادت " تصنيع " هذا الإنتاج فإما أن تجعله " زبيبا " أو تجعله " خمرا " علما بأن دخلها القومى سوف يزيد مليار جنيه فى حالة " الزبيب " أو مليارين من الجنيهات فى حالة " الخمر " فإن الدولة التى لها مرجعية دينية سوف تفضل الزبيب على الخمر لأنها تؤمن بأن الله سوف " يبارك " فى المليار جنيه أما الدولة العلمانية فهى لا تؤمن أصلا بأن الله " يبارك فى الرزق " لذلك فهى تفضل الخمر على الزبيب . و إن شاء الله سوف أزيد هذا الأمر وضوحا بعد ذلك فى بحث أعده الآن للنشر بعد ذلك تحت عنوان " معركة الوجود بين القرآن و التلمود "