رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    تجديد اتفاق التعاون الفني والمالي بين مصر وفرنسا بقيمة 4 مليارات يورو    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في الإسكندرية اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    التمويل غير المصرفي في مصر يسجل 773 مليار جنيه خلال 7 أشهر    نقابة الصحفيين المصريين: الاعتداء على أسطول الصمود عمل إرهابي.. وفرض مبادرات إذعان دولية على المنطقة استمرار لنهج الانحياز للعدوان الصهيوني    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    بلجيكا تطلب تعهدًا من قادة أوروبا بتقاسم المخاطر    تعرف على تداعيات الإغلاق الحكومي الأمريكي على الأسواق.. فيديو    مصادر طبية في غزة: 20 قتيلا في قصف إسرائيلي على عدة مناطق في القطاع منذ فجر اليوم    الأهلي يكثف من تحضيراته استعدادًا لمواجهة كهرباء الإسماعيلية    الأزمات تتوالى.. لاعبي الزمالك تهدد بالتصعيد وعدم خوض المران    ياسين منصور نائبًا.. محمود الخطيب يعلن قائمته النهائية    موعد مباراة الزمالك والشارقة الإماراتي في كأس العالم لكرة اليد للأندية 2025    «ابقوا اطمنوا عليه لأنه في حالة صعبة».. شوبير يكشف تفاصيل حالة عمرو زكي    انقلاب سيارة نقل وإصابة السائق ورفيقه بمنطقة الواحات    عرض سيدتين فى واقعة فيديو التهديد بأعمال دجل بالشرقية على النيابة العامة    اختراق صفحة مجمع اللغة العربية على «فيسبوك» ونشر محتوى خادش للحياء يثير استياء المتابعين    القومي للسينما يعلن عن مسابقة سيناريو ضمن مشروع "جيل واعي – وطن أقوى"    لو بتدوري على راجل صادق.. «5 أبراج مايعرفوش الكذب»    مجلس إدارة الرعاية الصحية يوافق على إنشاء وحدتين لزراعة النخاع بمجمع الأقصر الدولي ومجمع السويس الطبي    مديرية تعليم الجيزة تكشف موعد فتح فصل حالات الإصابة بفيروس HFMD    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 112 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    رابط التقييمات الأسبوعية لوزارة التربية والتعليم 2025-2026 وخطة الاختبارات الشهرية    مجلس الشيوخ يوافق على استقالة 14 عضوا لعزمهم الترشح فى انتخابات النواب    رئيس مجلس الشيوخ: الرئيس السيسى يقوم بجهود عظيمة فى بناء الإنسان المصرى    مبابي يقود قائمة يويفا.. وصراع شرس مع هالاند وهويلوند على لاعب الأسبوع    في أول عرضه.. ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم فيها إيه يعني    احتفالات قصور الثقافة بنصر أكتوبر.. 500 فعالية بالمحافظات تعكس دور الثقافة في ترسيخ الهوية المصرية    مبابي ينصف جبهة حكيمي بعد تألقه اللافت أمام برشلونة    محافظ أسيوط: مراكز ومحطات البحوث شريك استراتيجي في تطوير الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    ضربات أمنية متواصلة لضبط جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الداخلية تضبط 100 حالة تعاطٍ للمخدرات وقرابة 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    قبل فتح باب الترشح السبت.. الشروط والمستندات المطلوبة لعضوية مجلس النواب    أرتيتا: جيوكيريس يتحسن باستمرار حتى وإن لم يسجل    جامعة سوهاج توقع مذكرة تفاهم مع "Woosong" الكورية للتعاون الأكاديمي والبحثي    مفهوم "الانتماء والأمن القومي" في مناقشات ملتقى شباب المحافظات الحدودية بالفيوم    من الهند إلى المدينة.. رحلة شيخ القراء في المسجد النبوي الشيخ بشير أحمد صديق    حقيقة فتح مفيض توشكى والواحات لتصريف مياه سد النهضة.. توضيح من خبير جيولوجي    سويلم يشهد فعاليات ختام سلسلة محاضرات "الترابط بين المياه والغذاء WEFE Nexus"    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا للرئيس السيسي (التفاصيل)    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    مد فترة استقبال الأعمال المشاركة في مسابقة «النصوص الدرامية القصيرة جدًا» حتى 7 أكتوبر    سبب تعرض كبار السن للنسيان والاكتئاب.. طبيبة توضح    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    جنة أم نار.. هالاند يتحدث بصراحة عن خوفه من الموت    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    بقرار جمهوري، مجلس الشيوخ يفتتح اليوم دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    الدكتور محمود سعيد: معهد ناصر قلعة الطب في مصر وحصن أمان للمصريين    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة المدنية بين الليبرالية والمرجعية الإسلامية (1)
نشر في المصري اليوم يوم 07 - 05 - 2011


كتب د.عمرو احمدين
مما لا شك فيه أن هناك الكثير من الغموض الذي لا يزال يكتنف معني الدولة المدنية الحديثة و آلية تحقيقها علي الرغم من كل ما كتب و قيل و نشر في هذا الشأن في الآونة الأخيرة في ظل الحديث عما يجب أن يكون عليه شكل النظام السياسي في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. و إذا أمعنا النظر جيداً في الأسباب الحقيقية وراء هذا الغموض، سنجد أنه لا ينبع بالأساس من غموض في تعريف الدولة المدنية بقدر ما ينبع إما من جهل المتحدثين عنه بحقيقة مفهومها و آليات تحقيقها و كيفية تطبيقها أو بسبب تعمدهم عدم الوضوح و الغموض و الضبابية أو إخفاءهم لنواياهم الحقيقية بإستخدام مفردات و ألفاظ في غير مكانها أو بممارسة نوع من المراوغة الكلامية في الحوار بغية تحقيق مصالح شخصية أو مكاسب حزبية سياسية و استمراء العامة من الناس للتصويت لهم في الإنتخابات التشريعية المقبلة. و لاستجلاء الأمر و استيضاحه، نقول أن هناك الآن تياران اساسيان فاعلان في المشهد السياسي المصري: التيار الإسلامي و التيار الليبرالي. أما التيار الإسلامي فأعني به هنا تيار الإسلام السياسي الذي يدعو صراحة في كل مناسبة إلي قيام الدولة المدنية بمرجعية إسلامية تستند إلي مباديء الشريعة الإسلامية كمظلة تشريعية ثابتة تدور في فلكها منظومة القيم والأعراف المجتمعية و تتحرك في اطارها جميع التشريعات و القوانين الوضعية التي تمر من خلال السلطة التشريعية المنتخبة في الدولة بحيث لا تصطدم بتلك المباديء أو تتعارض معها. أما التيار الليبرالي فأقصد به هنا جميع القوي و الأحزاب السياسية التي تصف نفسها بالليبرالية و أجمع معها في هذا السياق التيار اليساري و العلماني و أغلبية الأقباط مع علمي اليقيني بإختلاف المرجعية الفكرية و الأيدلوجية التي ينطلق كل تيار منها.
و في هذا المقال، سأحاول فك الإلتباس و استجلاء الأمر و بيان مكمن الخلاف و الإختلاف بين كل من التيارين السياسين، الليبرالي و الإسلامي، في تعريفهما للدولة المدنية في محاولة للخروج بتعريف الدولة المدنية من مرحلة العشوائية المصطلحية التي يمر بها الآن و الوصول به إلي نوع من الدقة التعريفية وذلك عن طريق فصل تعريفه الإصطلاحي عن الوظيفي و الذي قد يختلف من تيار سياسي إلي آخر. كما سألقي الضوء أيضاً علي معني المرجعية الإسلامية في الدولة المدنية و ما إذا كانا يتكاملان أو يتعارضان مع بعضهما البعض. و أخيراً سألقي الضوء علي ماهية النظام السياسي في الدولة الإسلامية مبيناً خصائصه التي يتميز بها و كيف يمكن أن يستوعب في ظل اطاره الحضاري الواسع كل المذاهب الفكرية و الأيديولوجيات الأخري.
تعريف المصطلحات
---------------------
و قبل الشروع في التعرف علي معني الدولة المدنية من منظور الأحزاب الليبرالية و الإسلامية، فإنه من الضروري أن نحرر أولاً مجموعة من المصطلحات السياسية الشائعة من توظيفها السياسي و هو الهدف من هذه الفقرة.
الدولة المدنية:
----------------
تقوم الدولة المدنية علي عدة ركائز رئيسية:
1) الشعب هو مصدر السلطات الثلاثة في الدولة (التشريعية و التنفيذية و القضائية) بمعني أنه يوكل من بين افراده من يحكمه و يقوم برعاية شئونه السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و يمارس السيادة عليه. و تأتي هذه السيادة بأن يتنازل كل فرد في المجتمع - بكامل ارادته و برضا كامل - عن شيء من سيادته التي يمارسها علي نفسه لصالح كيان يسمي "الدولة أو المجتمع" لتمارس من خلال تلك السيادة "الممنوحة لها "مهامها في نظام الحكم و فرض القانون بالقوة الجبرية.
2) توزيع السلطات الثلاثة في الدولة بين مؤسسات و كيانات سياسية و اقتصادية و إجتماعية مستقلة و الفصل بينهم بما يضمن عدم احتكار الحاكم لها أو استغلال أي منها في تحقيق مصالح شخصية أو إشباع أهواءه و رغباته في الخلود علي كرسي الحكم إلي أن تفيض روحه إلي بارئها.
3) التداول السلمي للسلطة بحيث تنتقل من حاكم إلي آخر بعد فترة زمنية محددة.
4) التمثيل العادل لكل أفراد المجتمع و طوائفه المختلفة في مؤسسات تعبر عن آراءه و مشاكله و همومه و تحقق آماله و طموحاته.
5) إيجاد آلية يتمكن الشعب بواسطتها من مراقبة الحاكم و محاسبته حال خطأه و بل عزله عن منصبه إذا لزم الأمر.
و الدولة المدنية بهذا المعني هي علي النقيض من الدولة الدينية التي يحكم فيها رجال الدين بمقتضي الحق الآلهي بعيداً عن الإرادة الحرة للشعب الذي لا يمكنه في هذه الحالة أن يراقب حاكمه فيما يفعله أو أن يحاسبه إن أخطأ لما لديه من سلطة مطلقة.كما أنها أيضاً بهذا التعريف هي علي النقيض من الدولة العسكرية التي يحكم فيها رجال العسكر جميع المؤسسات و الكيانات في الدولة و تتركز جميع السلطات في أيديهم.
الديمقراطية:
-------------
الديمقراطية يمكن تعريفها بأنها مجرد الآلية أو الوسيلة التي توصل اليها العقل البشري الحديث ليتمكن بواسطتها التعرف علي ارادة المواطين في الدولة و اتاحة الفرصة الكاملة لهم أن يمارسوا حق الإختيار الحر لممثليهم في مؤسساتها و كياناتها المختلفة بنزاهة و شفافية كاملين. و ما الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية إلا مجموعة من الترتيبات و التنظيمات التي تحقق الديمقراطية علي أرض الواقع. كما يمكن ايضا تعريف الديمقراطية بأنها قيد علي الحرية المطلقة للفرد، تكبح جماحها و تمنع تحولها إلي حالة من الفوضي المجتمعية. و بمعني ثالث، الديمقراطية هي حكم الأغلبية الذي يمنع الأقلية الحاكمة التي تملك رأس المال أو النفوذ أو السلطة من الإستبداد بالقرار الذي يخص الجماعة.
المواطنة:
----------
المواطنة هي مبدأ من مباديء إدارة الدولة والمجتمع و تعني المساواة الكاملة أمام القانون بين كل من يحمل نفس جنسية الدولة ممن يقيم علي أرض الوطن أو كان من المغتربين، في كل الحقوق والواجبات لاسيما الحقوق المدنية والسياسية و المواطنة بهذا المعني، تمنع التمييز بين المواطنين علي أساس اللون او الدين أو العرق أو النوع.
المرجعية:
-----------
لفظ المرجعية من الألفاظ التي تلتبس علي الكثير من الناس فهم دائماً ما يتساءلون عن مضمونها و محتواها. و بتبسيط لا يخل بالمعني، فإن المرجعية تعني المصدر الأساسي للتشريع في الدولة. و في هذا المجال، يمكن تصنيف المرجعية إلي صنفين أساسين: الاول المرجعية الدينية أو العقائدية و الثاني العلمانية أو الدنيوية أو اللادينية. و تنقسم العلمانية بدورها، بحسب تعريف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، إلي علمانية جزئية و أخري شاملة. فالعلمانية الجزئية، فهي كما يطلق عليه الدكتور المسيري، العلمانية الأخلاقية أو العلمانية الإنسانية و هي التي تؤمن بالقيم المطلقة كتلك الموجودة في الكتب السماوية أو المذاهب العقائدية. و من الجدير بالذكر في هذا السياق، أن هذا النوع من العلمانية هو السائد في معظم الدول العربية. أما العلمانية الشاملة فهي كما يعرفها الدكتور المسيري "هي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية." و هذا النوع من العلمانية هو السائد في معظم الدول الغربية و إن إختلف تطبيقه من دولة إلي أخري بإختلاف المرجعية الثقافية و منظومة القيم و الأعراف السائدة و التاريخ و الجغرافيا. و علي النقيض من المرجعية العلمانية، فإن المرجعية الدينية هي التي تستند في التشريع إلي مباديء دين أو معتقد معين فعلي سبيل المثال يسنتد التشريع في مصر إلي مباديء الشريعة الإسلامية كمظلة تشريعية ثابتة تدور في فلكها منظومة القيم والأعراف المجتمعية و تتحرك في اطارها جميع التشريعات و القوانين الوضعية التي تمر من خلال السلطة التشريعية المنتخبة في الدولة بحيث لا تصطدم بتلك المباديء أو تتعارض مع أصل من أصولها أو ثابت من ثوابتها. و في حقيقة الأمر، هذا التعريف للمرجعية الإسلامية يكاد يكون متطابقاً مع تعريف العلمانية الجزئية، فسنجد أنه في حالة مصر علي سبيل المثال، بينما تستمد الكثير من القوانين و التشريعات مشروعيتها من مباديء الشريعة الإسلامية ما زال هناك البعض منها مستوحا من القانون الفرنسي.
الليبرالية:
----------
قبل أن نعرف مصطلح الليبرالية يجب أن ننبه علي أمر هام. إنه نظراً لنشأة فلسفة الليبرالية تاريخياً في أوروبا في في ظل بيئة علمانية شمولية تجعل من الإنسان مركزاً للكون كما سبق و عرفناها فإن كل تعريفات الليبرالية المتاحة، تفترض عملها في إطار علماني صرف تكتسب معه مدلولها السلبي الذي يرتبط أساساً بالعلمانية. فأصبحت الليبرالية مقترنة أو مرادفة للعلمانية مع اختلافهما في محتوي كل منهما. فماذا تعني الليبرالية؟ سأستعير هنا تعريف الليبرالية كما جاء في موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة " هي مذهب فكري يركز على الحرية الفردية، ويرى وجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها. ولهذا يسعى هذا المذهب إلى وضع القيود على السلطة، وتقليل دورها، وإبعاد الحكومة عن السوق، وتوسيع الحريات المدنية. ويقوم هذا المذهب على أساس علماني يعظم الإنسان، ويرى أنه مستقل بذاته في إدراك احتياجاته. " و لكنه، و كما سيتضح لاحقاً في الجزء الثاني من هذا المقال أنه يمكن تطبيق مباديء الليبرالية كحرية التعبير و التفكير و غيرها في إطار اسلامي لا يسمح بتغول الفكر العلماني في المجتمع و يمنع تفشي مبادئه التي يدعو إليها. و بالتالي يمكن القول أن هناك نوعان من الليبرالية: ليبرالية علمانية أو أخلاقية تجعل من حرية الفرد قيمة مطلقة لها قدسية لا يمكن المساس بها أو الإقتراب منها و تعمل الدولة بجميع سلطاتها علي حمايتها و ليبرالية لاعلمانية أو سياسية تمنع إستبداد الأغلبية الحاكمة في الدولة بالاقليات الدينية أو العرقية فيها و الليبرالية بهذا المعني السياسي ليبرالية حميدة تتوافق و مباديء الشريعة الإسلامية .
الدولة المدنية في المنظور الليبرالي
-------------------------------------
و إذا بدأنا بتعريف التيار الليبرالي للدولة المدنية، نجد انه يقوم بالأساس علي ثلاثة مباديء أساسية: المواطنة و سيادة القانون و حقوق الإنسان. أما المواطنة فهي مساواة جميع المواطنين في الحقوق و الواجبات أمام القانون رغم الإختلاف الديني أو العرقي أو بسبب اللون أو الجنس أو غيره من مواطن الإختلاف بين مواطني الدولة الواحدة. فعملا بمدأ المواطنة، تنتفي الهوية الدينية لكل من المسلمين و المسيحيين و تصبح جنسية الدولة المصرية هي العامل المشترك الوحيد الذي تستمد منه المواطنة شرعيتها و التي مبقتضاها يتمتع المسلمون و المسيحيون بنفس الحقوق و الحريات و يلتزمون بأداء ذات الواجبات المنصوص عليها في الدستور. أما سيادة القانون فتعني أن يصبح القانون سلطة مطلقة يعلو سلطانه فوق كل صاحب نفوذ أو سطوة أو رأس مال بحيث لا يفرق بين غني و فقير، رجل أو إمرأة، مسلم أو مسيحي، طالما أنهم جميعاً يتمتعون بحقوق المواطنة. كما يعلي التيار الليبرالي من قيم حقوق الإنسان و يرفع من شأن كرامته و ينادي بسن قوانين و تشريعات تؤمنه ضد كل من يحاول المساس بانسانيته أو نزع آدميته و يدعو إلي تجريم كل من يقوم بأفعال من شأنها إمتهان كرامته. و الجدير بالذكر هنا أن أصحاب التيار الليبرالي لا يفصحون عن مرجعية الدولة التي يأملونها: هل يريدونها ليبرالية "علمانية شمولية" علي غرار النموذج الروسي، لا تفصل التشريع في الدولة عن الدين فحسب، بل هي علمنانية كارهة لجميع للأديان، طاردة له، يقتصر الدين فيها علي الحياة الخاصة للفرد و لا يحق له أي للفرد أن ينتقل بمظاهر تدينه من الحياة الخاصة إلي الحياة العامة و إلا يكون قد ارتكب جرما يعاقب عليه القانون. أم أن الليبراليون يريدونها دولةليبرالية "علمانية" علي غرار النموذح الأمريكي يسمح للفرد أن يمارس حرياته الدستورية بأن يخرج بمظاهر دينه، كارتداء المسلمات للحجاب أو النقاب أو ارتداء المسيحيين للصليب، من الحياة الخاصة إلي الحياة العامة لكن مع إقصاء الدين تماماً عن كل ما يتعلق بسلطان التشريع في الدولة و الإحتفاظ بمرجعيتها العلمانية في هذا الإطار؟
الدولة المدنية من منظور التيار الإسلامي
------------------------------------------
و إذا انتقلنا إلي تعريف التيار الإسلامي للدولة المدنية، تجده فضفاضاً بعض الشيء، لا يرتكز علي أسس ثابتة يمكن الإستناد إليها. فنجدهم تارة ينادون بالدولة المدنية التي يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات، و هو من ينتخب حاكمه و ينصحه و يقومه و يعزله إن لزم الأمر ذلك بموجب العقد الدستوري التوافقي بينهم و بينه و تارة اخري يلمحون في بطن تصريحاتهم الصحفية أو الإعلامية برغبتهم في قيام الدولة الدينية التي يدعي فيها الحاكم ملكيته للتفويض الآلهي أو الإرادة الربانية للحكم و أنه هو وحده دون الناس من يملك حق التشريع في الدولة بمقتضي الصلاحيات الممنوحة له مباشرة من قبل الوحي السماوي. و في هذا السياق، يقول أصحاب التيار الإسلامي، أنهم يسعون وراء تأسيس دولة مدنية بمرجعية إسلامية للتشريع فيها. و لكنهم في حقيقة الأمر يقفون عند هذا الحد و لا يعطون تفاصيلاً كافية لرؤيتهم الشرعية في الكثير من القضايا الشائكة كتلك المتعلقة علي سبيل المثال لا الحصر، بتولي مرأة أو مسيحي رئاسة الجمهورية، بموقفم من البنوك التي يعتقد الكثيرون منهم أنها بنوك ربوية لا يمكن أن تظل عصب الإقتصاد و شريانه الرئيسي في ظل مرجعية إسلامية، بموقفم إزاء إقامة الحدود كقطع يد السارق و رجم الزاني و الزاني، رؤيتهم لمستقبل السياحة ف مصر، و غيرها من القضايا التي يحتاج فيها المجتمع المصري و هو مقبل علي عهد جديد في تاريخه سوف يتشكل فيه مستقبله و مستقبل ابنائه و أحفاده لسنوات طوال قادمة، إلي شفافية كاملة و مكاشفة و مصارحة لا مواربة و مراوغة و الإفصاح عن كل ما تخفيه الصدور أو تبطنه القلوب من نوايا و اغراض.
و بعد هذا العرض و بالنظر إلي كل من التعريف الإصطلاحي و الوظيفي للدولة المدنية علي التوازي، يتبين لنا أن الدولة المدنية من المنظور الليبرالي، هي دولة مدنية ليبرالية تقوم علي أساس المواطنة و لكنها بدون مرجعية واضحة بينما هي علي الناحية الأخري، من منظور الأحزاب الإسلامية، دولة مدنية بمرجعية إسلامية لم يتضح بعد ما إذا كانت تقوم علي أساس المواطنة الكاملة أو الليبرالية السياسية. و من ثم فإنه من الضروري بمكان، أن نستوضح معني المرجعية الإسلامية بصورة أكثر تفصيلاً و أعم نظرة تسمح لنا بأن نتعرف علي حقيقة مضمونها و ما تشتمل عليه من خصائص و ملامح للنظام السياسي الذي تقوم عليه و هو ما سنتطرق له في الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.