سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تواصل علي ورق
تقديراً للكاتب الكبير لبيب السباعي وبداية من اليوم ، ننشر 40 مقالاً من مقالاته التى سبق وتواصل فيها مع قراء مجلة الشباب خلال السنوات الماضية من خلال عنوانه الثابت " تواصل على ورق " ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسكنه فسيح جناته .
هل تتذكر النكتة القديمة عن بلدياتنا الذي تلقي عشرين صفعة متتالية وكلها ' علي غفلة ' !! هذه النكتة القديمة تشبه تماما تصريحات المسئولين الذين تأتي قراراتهم دائما في الوقت الضائع وعلي شكل ردود أفعال شكلية ورغم أنها رد فعل وليست فعلا وأنها في معظم الأحوال تتعامل مع فعل يوصف بأنه كارثة من الكوارث فهي مع ذلك للأسف ردود أفعال بطيئة جدا ومتأخرة جدا جدا وتنتهي نهاية مؤسفة جدا والغريب بل والمذهل أنها تكشف عن شعور المسئولين بالمفاجأة والدهشة أمام كل كارثة أو حدث منها رغم وقوعه عشرين مرة علي الأقل والأكثر غرابة أن الدهشة حقيقية وأن المسئولين فعلا يفاجأون رغم تكرار الحدث أمام عيونهم مرات ومرات !! مع ذلك فإن التحرك والمواجهة في معظم الأحوال تكون مجموعة من التصريحات يعود بعدها الحال إلي ما كان عليه بعد أن اختفت الدهشة والمفاجأة ويصبح وجود المشكلة أمرا عاديا يتعايش المواطن معه وبطريقة أو أخري يعيد تكييف أوضاعه علي أساس استمرار المشكلة !! هل نتذكر مثلا كيف هبت وسائل الإعلام وانفجرت ماسورة التصريحات من المسئولين كل في تخصصه عند عشرات بل ومئات الأزمات .. هل نبدأ مثلا من حكاية ظاهرة الزواج العرفي بين طلاب المدارس والجامعات .. أم بأزمة نقص مياه الشرب أم حكاية رغيف العيش الغائب عن الناس والمتوافر فقط في التصريحات أم من الظاهرة التي حملت اسم ' دماء علي الأسفلت ' أومصائد الموت علي الكباري خصوصا علي محور 26 يوليو . بلاش كل ذلك هل نتذكر كارثة حكايات أولاد الشوارع والتوربيني وزملائه .. وهل مازلنا نشعر ونحن نتنفس دخان السحابة السوداء في العام العاشر بنفس الدهشة التي شعرنا بها في بدايتها !! ولماذا لم يتحرك المسئولون عن السكك الحديدية إلا بعد أن وقعت بالفعل عشرات الحوادث كان ختامها حادثا كبيرا راح ضحيته عدد كبير من البشر !! لماذا لم يتحرك المسئولون لفحص ملف العبارات إلا بعد كارثة عبارة السلام التي سافر صاحبها بكل اطمئنان إلي بلاد الإنجليز ينعم بالأمان وبفلوس التعويضات عن الغلابة الذين نهشت أسماك القرش أجسادهم الهزيلة بعد أن غرقت بهم العبارة !! وطبعا في كل مفاجأة من هذه المفاجآت تتشكل اللجان العليا التي ينبثق عنها لجان فرعية تناقش الظاهرة المفاجئة وتنتهي بملف توصيات مصيره نفس الرف الذي يضم توصيات جميع الأزمات السابقة . كل ما سبق مر أمام عيني كشريط لفيلم سينمائي رديء وقديم ومكرر وأنا أتابع مسلسل التصريحات التي انهمرت تتحدث عن الإجراءات التي ستتخذ في حكاية ' الهجرة غير الشرعية ' وهو الاسم اللطيف الخفيف المهذب لظاهرة مئات المحاولات لآلاف الشباب للهروب من الوطن .. شباب أصبح حلم حياته مجرد الخروج من حدود الوطن وتسمع عشرات الحكايات في مختلف البرامج التليفزيونية من هؤلاء الذين حاولوا الهرب عدة مرات وتم القبض عليهم وإعادتهم للوطن مرة أخري ويستعدون للهرب للمرة العاشرة وهم طبعا أفضل حالا من مئات غيرهم لقوا ربهم غرقا وهو سبحانه وتعالي أعلم بهم وبظروفهم ونواياهم ورحمته أعظم وأكبر من كل كلام رجال الدين .. وفي حكايات الناجين من الموت تكتشف أن ما جري للعبيد الأفارقة المخطوفين في السفن الأمريكية في القرن الثامن عشر كما وصفتها رواية ' الجذور ' كان نعيما ورفاهية بمقارنته بما جري للشباب المصري الذي يحاول بإرادته الهروب من الوطن .. وعلي هذه الصفحة ومنذ أكثر من عام ولعدة مرات ناشدنا كل المسئولين الانتباه إلي بوادر حالات هروب الشباب اليائس في مراكب الصيد المتهالكة وتكررت النداءات وتكررت الحوادث ولكن كالعادة وبعد غرق مئات الشباب وبعد تزايد هذه الحوادث التي كانت تقع كل عدة أسابيع ثم أصبحت كل ساعات وأصبح خبر غرق مركب صيد وبه عشرات الشباب الذي يحاول ' الهجرة بطريقة غير شرعية ' ساعتها فقط اندهشت الحكومة جدا وفوجئ المسئولون جدا جدا .. وبعدها انهالت التصريحات عن مطاردة السماسرة الذين يتاجرون بتهريب الشباب واعتقال المتورط منهم وإعلان الحرب علي عصابات مراكب الصيد التي تعمل في تهريب الشباب والعمل علي توفير فرص العمل . وأظن والعلم عند الله وفقا للسوابق التي تحدثنا عنها أن هذه الضجة والدهشة والمفاجأة سوف تختفي كلها بعد أيام أو ربما أسابيع وسيعود الوضع إلي ما كان عليه وتبدأ مرة أخري ومن جديد عصابات أخري بعد القبض علي العصابات القديمة في ممارسة نفس النشاط !! نشاط توفير فرصة هروب لمئات من الشباب وهي فرصة في أحسن الأحوال لو نجحت تقذف به إلي عالم مجهول ومستقبل غامض وحياة سيئة أو تعيده إلي أرض الوطن بعد انتشاله من الماء أو تقذف به في أعماق البحر حيث تلتهمه ربما نفس الأسماك التي التهمت أقاربه من ضحايا العبارة رغم اختلاف البحر من الأحمر إلي الأبيض ولكن الظروف لم تختلف !! وسوف تستمر محاولات الشباب للهجرة غير المشروعة لأنه لم يجد فرصة عمل مشروعة تمنحه شعاعا من الأمل في المستقبل يجعله علي الأقل يتمسك بالحياة .. شباب قد يجد في مغامرة تحمل معها الموت أملا أفضل من حياة بلا مستقبل والسبب هو البطالة التي يجب أن نتحرك لمواجهتها بسرعة أكبر من الآن .. مشكلة البطالة لا تحتمل التعامل معها بايقاع التعامل مع السحابة السوداء .. وهو ايقاع ما بعد انتهاء الوقت الأصلي .. مشكلة البطالة التي هي أم المشكلات والتي لا ينفع معها أسلوب العلاج في الوقت الضائع !! لبيب السباعي مجلة الشباب – ديسمبر 2007