سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقديراً للكاتب الكبير لبيب السباعي وبداية من اليوم ، ننشر 40 مقالاً من مجموعة من مقالاته التى سبق وتواصل فيها مع قراء مجلة الشباب خلال السنوات الماضية من خلال عنوانه الثابت " تواصل على ورق " ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسكنه فسيح جناته .
تواصل علي ورق ** قبل نحو نصف قرن قدمت السينما المصرية فيلما شهيرا للفنان الراحل فريد شوقي .. وهو ' جعلوني مجرما ' وكانت قصته عن ضياع وجرائم أطفال الشوارع التي لم تكن وقتها قد أصبحت ظاهرة بل كانت مجرد حكاية متواضعة عن أسباب انحراف بعض الأطفال وظهور عصابات مهمتها استغلال الأطفال المشردين في التسول والنشل في المواصلات العامة ' وبس ' !! وكانت تلك الحوادث في ذلك الوقت كارثة استحقت فيلما سينمائيا واهتماما إعلاميا واسع النطاق معني ذلك أن القضية قديمة والازمة قائمة ونائمة منذ زمن بعيد فكيف لم نلتفت إليها طوال هذه السنوات ولماذا لم ننتبه إلي ضرورة وجود استراتيجية مستمرة ومتواصلة تجنب مصر مخاطر ما وصلنا إليه والذي لم نكتشفه للأسف إلا في عهد التوربيني وبزازة والسويسي بعد أن تحول أطفال الشوارع المشردون من التسول والنشل إلي جرائم الاغتصاب والقتل ؟ ! وإذا كانت هناك استراتيجية كما يقال أحيانا فماذا تحقق منها ؟ وكيف جري كل ما جري في ظل هذه الاستراتيجية ؟ وعندما تقول الاحصائيات الرسمية إن في شوارع مصر نحو المليونين من أطفال الشوارع فمعني ذلك أننا أمام مليوني توربيني قادم في الطريق وتخيل كم مليون طفل سوف يدهسهم المليونا توربيني القادمون؟ الكارثة أن عدد الجمعيات والهيئات والمجالس التي ترفع شعار رعاية الطفولة وحمايتها أصبح تقريبا مساويا لعدد أطفال الشوارع وهذه الجمعيات والهيئات - اللهم لا حسد - تحظي بتبرعات وإسهامات مالية محترمة ومع ذلك فإن دورها في التصدي لهذه الظاهرة غائب تماما !! وهذه الجمعيات مشغولة جدا جدا ولكنها للأسف مشغولة بالمؤتمرات والحفلات والبرامج التليفزيونية والبحث عن تبرعات مالية جديدة !! أطفال الشوارع في مصر تحولوا إلي كارثة وإلي قنبلة لا نعلم متي ستنفجر ومع ذلك للأسف الشديد يتم التعامل مع هذه الكارثة بسذاجة كبيرة ونحن لا نبالغ عندما نقول إن القادم أخطر مما نتصور فعندما يكشف الأمن عصابة من هذا النوع كل 48 ساعة ويصل عدد الأطفال المغتصبين والقتلي إلي العشرات وكل ذلك فقط من توابع عصابة واحدة هي عصابة التوربيني وبزازة فذلك معناه أننا نائمون في العسل وضروري أن هناك عشرات بل ومئات العصابات المماثلة !! وعيب قوي أن يكون المجتمع المصري قبل نصف قرن من الزمان أكثر وعيا وإدراكا لخطورة أوضاع الأطفال المشردين في الشوارع وأن هذا التشرد هو مصنع انتاج المجرمين - وهذا يبدو واضحا حتي من اسم الفيلم السينمائي - أما الآن فمازال كل ما نفعله أمام هذه الظاهرة الخطيرة هو متابعة أنباء الكشف عن عصابات جديدة وتزايد عدد الأطفال المغتصبين والقتلي .. واكتشاف أماكن دفن هؤلاء القتلي .. وبس ! ** نحن مجتمع يهمل الشباب - عمدا علي ما يبدو - ومنذ سنوات و قضايا الشباب وهمومه وأخباره ودوره في المجتمع حتي اليوم من الأخبار الهامشية في الصحافة المصرية دون مبرر أو تفسير مقبول لأن الصحف المصرية - ببساطة وصراحة - لا تهتم بهذا القطاع من المجتمع وتعطي اهتماما عظيما لخبر يقول : إن اللاعب الفلاني قد أصيب بشد عضلي خلال التدريب أكثر من اهتمامها بمؤتمر للشباب أو قضية تؤثر علي مستقبل هؤلاء الشباب أو واقعه .. قضية مثل قضية البطالة لا تحظي بواحد في المائة من الاهتمام الذي تحظي به قضية احتراف اللاعب إبراهيم بعجور في النادي الفلاني .. وهناك عشرات الندوات التي يعقدها الشباب يناقش فيها قضايا مهمة مثل التعليم والصحة والعمل السياسي وغيرها تنشر علي استحياء بسطور في صفحة داخلية وفي زاوية مهملة !! هل يعلم المواطن المصري - وتلك مسئولية الصحافة والإعلام - أن المجلس القومي للشباب مثلا يواصل منذ شهور تنفيذ أول خطة متكاملة للتوعية السياسية وإعداد القيادات الشبابية وترسيخ قيم الولاء والانتماء في أنفسهم وتدريبهم علي قواعد الممارسة الديمقراطية السليمة ؟ ! هل اهتمت الصحافة أو وسائل الإعلام الاخري بمتابعة ذلك ؟ ! أوبتقييم ما يجري بنفس القدر الذي تهتم به بالحوادث او الرياضة ؟ أو حتي بنصف هذا القدر ؟ هل أفسحت وسائل الإعلام مكانا مناسبا لكي تشير إلي أن عشرات الآلاف من شباب مصر يواجه مشكلات وقضايا مهمة علي مستوي جميع محافظات مصر ؟ ! هل حاولت وسائل الاعلام أن تبحث عن نجوم من الشباب في عالم السياسة أو الأدب مثلا .. أم ان النجومية هي فقط للمطربين والممثلين ولاعبي الكرة مع كل التقدير لهم ؟ لقد عاش شباب مصر سنوات طوالا علي هامش الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية ولكن اليوم وفي ظل أوضاع جديدة يشهدها المجتمع المصري الآن حيث يتقدم هؤلاء الشباب إلي مواقع قيادية يصبح ضروريا أن يلقي المزيد من الاهتمام الإعلامي ولو لم يحدث ذلك الآن واليوم فإن كثيرا من الجهد الذي تبذله كل المواقع سوف يضيع دون عائد لأن المستفيد منه وصاحبه وهو الشباب غائب !! لبيب السباعى عدد فبراير 2007 – مجلة الشباب