عام إلا أيام قليلة مضى من مرحلة ما بعد رحيل نظام مبارك والتي سميت بالمرحلة الانتقالية لكن للحقيقة فهي لم تكن كذلك حيث تحولت لمرحلة انهيارية على كافة المستويات وأتحدى أن يعترف أحد بشفافية بالأسباب الحقيقية لذلك. فجميع الأطراف الموجودة على الساحة المصرية تدعى البراءة والطهارة والصدق وإعلاء قيمة الوطن وأغلب الظن أن الأيام ستظهر أن البلد كانت تحرق نفسها بنفسها للتخلص منا جميعا بعد أن أنهكناها بالتجاوزات على كافة الأصعدة . بدت الصورة بعد 11 فبراير 2011 أكثر من رائعة ..فالجيش والشعب أيد واحدة وشباب25 يناير الحقيقيون ينظفون الميدان ليظهر للعالم في أبهي صورة شكلا ومضمونا.. لكن المشكلة أننا في هذه اللحظة الفارقة نسينا أو تناسينا تفعيل كافة القوانين التي تحفظ هيبة وكيان الدولة .. فكان منطقيا أن تتراجع أهمية هذا الكيان وأهمية تماسكه وقوته ومصالحه العامة أمام مصالحنا الفردية . الكل أصبح يريد وما يريده ليس طلبات بل أوامر ومن يناقشها أما فلول أو ثورة المضادة.. وكل مؤسسات الدولة مدانة و(على رأسها بطحة ) وعليها ثمن للشعب لابد أن تدفعه ولا اعرف منطق قبول هذه المؤسسات لهذه الفكرة المغلوطة لاسيما المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يعد حاميا وشريكا في 25 يناير . ونتيجة القبول المرتبك لهذه الفكرة المغلوطة كان منطقيا أن يحدث الصدام بين بعض الفئات الثائرة من الشعب وبعض المؤسسات والتي كان أولها الشرطة ..والتي تفاقم الأمر معها من قبل قلة من هذه الفئات والتي حاولت اقتحام مقر وزارة الداخلية لكسر هيبتها والقضاء التام على هيبة الدولة المهتزة بقوة بالفعل . وبعد أن تم التعامل بهدوء مريب من جهات التحقيق مع ما حدث فلم نعرف الظالم والمظلوم أو نحسم من الشهيد ومن القتيل من الضحايا .. كان منطقيا أن تقع أحداث مجلسي الشعب والوزراء ويحرق المجمع العلمي ونسمع مؤخرا تهديدات باقتحام مبنى الإذاعة والتليفزيون بعد أيام من مسيرة حاولت الوصول لوزارة الدفاع وما خفي كان أعظم. الفوضى أصبحت واقعنا ونحن جميعا من خلق وفرض هذا الواقع والغريب أن الجميع يرمى على خصومه بأسباب ما نحن فيه أو نبحث عن لهو خفي نلصق به ما نقوم به ولا أعرف لماذا كل هذا التضارب ؟ القانون موجود والمخطىء يعاقب ولا أحد فوق القانون لان 25 يناير لم تعط لأحد صك الغفران الذي يجعله فوق المسألة في أي قضية إذا أخطأ.. أما إذا كان الخطأ من أي فرد من رجال مؤسسات الدولة فلكل مؤسسة قوانينها التي يمكن بها منع تكرار هذه الأخطاء ومعاقبة المخطىء ..لكن أن يكون تشويه وهدم كل أركان الدولة جزء من أهداف البعض فلابد أن نقف أمامه ونقول له عفوا لابد من الحساب لان هذه مؤسساتنا جميعا وليست مؤسسات من يتولون شئونها. الكثيرون يخرجون للشوارع في تظاهرات مطالبين باستكمال أهداف 25 يناير والتي كانت تتلخص في ثلاث كلمات (عيش –حرية – عدالة اجتماعية) .. والسؤال أين هذه الأهداف مما يطالبون به الآن ؟.. أين العيش والحالة الاقتصادية صارت مرعبة ونسب البطالة زادت .. أين الحرية ولا يوجد احترام للرأي والرأي الأخر أو لرأى الأغلبية .. هذا الاحترام الذي يحميها من التحول لدكتاتورية وتجاوزات وبلطجة . عدالة اجتماعية أي عدالة تلك التي نتحدث عنها أو ننشدها ونحن لا نعطى فرصة للبناء على أسس متكافئة ولا نراعى حقوق الوطن والمصلحة العامة، ونسعى لانتزاع حقوق فردية ، وإذا ما أضفنا غياب الثقة وعمليات التخوين والفرز لأبناء المجتمع نجد أنفسنا أمام عملية تقسيم مدمرة لهذا المجتمع . فنحن نقسم بعضنا الآن ونقول فلان مع 25 يناير محدش يقرب له ونحول مجرد استدعاء له أمام النيابة للاستدلال بأقواله في قضية هامة إلي جريمة تستحق التظاهر ضدها .. أو نطالب بإسقاط أحكام قضائية صادرة ضده لأنه خرج من ميدان التحرير أما من نصنفهم بالأعداء فلابد من الإعدام والإقصاء ورفض أي حكم قضائي يصدر لصالحهم ولا يعجبنا .. والجهات القضائية التي نحاول أن نطوعها لأهوائنا لن تصمد كثيرا أمام هذه الضغوط مما لا ينذر بالخير. الأمور سارت من سيء لأسوأ ويبدو أنها ستسير لمزيد من التراجع بعد أن بدأت المناوشات مع مجلس الشعب وبدأنا نسمع عن شرعية الميدان أم شرعية البرلمان وصار الأخوان متهمين ببيع 25 يناير أما جماعات الإسلام السياسي فجميعها تحولت لخليفة للحزب الوطني – من وجهة نظر البعض. أما الرئيس القادم فربنا يستر عليه وعلى بلدنا معه إذ كيف سيمكنه لملمة هذا المجتمع متفسخ البنيان لاسيما وان الأسماء المطروحة حتى الآن لا تبشر بالخير ... فمصر التي يقع فيها منذ أسبوع تقريبا عمليات سطو مسلح على البنوك وشركات الصرافة ويقوم بعض أبناء محافظاتها بقتل مسجلي الخطر بأنفسهم – في غيبة تامة للأمن - وتعليق جثثهم فوق أعمدة الإنارة - كما حدث في أحدى قرى محافظة الشرقية - ستدخل في منطقة أشد أظلاما .. خاصة مع إسهاب الإعلام في الحديث عن وجود لتنظيم القاعدة في جنوبسيناء بل أن البعض بدأ يتحدث عن عودة الظواهري لمصر !! كل هذا يشير إلى أن مصر أصبحت عارية أمنيا أمام العالم ومؤسساتها مستهدفة من أبنائها وعدم اتجاهنا للعمل الجاد حولنا للاهثين خلف البنك الدولي سعيا لقرض بفوائد كبيرة تزيد من أعبائنا الاقتصادية .. يتحدث كثيرون الآن عن توافق القوى السياسية للوصول لحلول للمشاكل السياسية التي تحولت لأمر هامشي بالنسبة للأغلبية إذا ما قورنت مع الأمور الأمنية والاقتصادية.. لذا أظن أن تكاتف القوى الوطنية والوطنية فقط والتي تعمل لصالح هذا البلد هو الأمل في اصلاح ما أفسدن