بقيام ثورة 25 يناير - سقط النظام الحاكم بغير رجعة وأصبح لا شرعية له - وسقط الدستور القائم وجميع القوانين المكملة له - وأصبحنا أمام حالة جديدة هي الشرعية الثورية - وهي حالة ليست جديدة علينا فقد أوردها الدستور القائم في المادة الثالثة يقول «السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب وحده السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية علي الوجه المبين في الدستور». الشعب أسقط النظام.. فتهاوت كل أجهزته السياسية والدستورية - وأصبحت الحكومة القائمة حكومة غير شرعية في نظام غير شرعي - بدستور غير شرعي، هذا الدستور الذي تمحور حول شخص واحد هو شخص الرئيس فأصبح يملك كل السلطات وجميع المقومات الأساسية للشعب المصري وانفرد بالسلطة بقيادته بتركيع الدستور أكثر من مرة ليضمن انتقال السلطة لابنه من بعده ولا جدوي لمن ينادي بتعديل بعض مواده، فقد أصبح دستورا مهلهلا لا يصلح لمرحلة ما بعد 25 يناير، وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها. وإذا كانت الشرعية الثورية قد قامت بقيام ثورة 25 يناير فهي تختلف عن الشرعية الثورية التي تلت قيام ثورة يوليو التي كانت من داخل الجيش واستمرت حتي الآن دون أن تتحول للشرعية الدستورية، وإن تحولت بعد رحيل عبدالناصر العظيم إلي مراحل من الإفساد والنهب في ظل نظام حكم الفرد الذي أضاع مكتسبات ثورة 23 يوليو وأرجعنا الآن إلي الحالة التي سبقتها. أصحاب الحق ومن هنا قامت ثورة 25 يناير خرج بها شباب مصر المثقف تقدم بها من صفوف المناضلين من أبناء الشعب وكسر بها حاجز الخوف والخنوع الذي تملك الشعب طوال فترة مبارك، هؤلاء الثوار هم الآن أصحاب الحق في وضع دستور جديد يعبر عن فلسفتهم السياسية وفكرهم الجديد وهي حالة مختلفة تماما عن تلك التي جاء بها الدستور القائم. وقد كشف الحراك السياسي الذي تموج به جميع القوي السياسية والشعبية المعارضة في مصر من رغبة هؤلاء الشباب في اعتناق نظام جديد جمهوري برلماني يقوم علي حرية قيام الأحزاب وتعددها وتداول السلطة والاحتكام إلي نظام جديد للانتخاب يفرز نواب الشعب الحقيقيين. مجلس رئاسي وأمام هذا النظام الغائب وقيام حالة الشرعية الثورية فإن الحكومة القائمة التي شكلها مبارك جاءت من نظام فقد شرعيته ينبغي عليها أن ترحل فورا لأننا الآن أمام مرحلة انتقالية جاءت بها ثورة الشباب في 25 يناير هذه المرحلة قد تستمر سنة أو سنتين يقودها مجلس رئاسي من ثلاثة: ممثل عن الجيش وممثل عن الشباب الذي قام بالثورة وممثل عن القوي الوطنية الفاعلة والتي تقود الحراك الشعبي. هذا المجلس يتولي قيادة البلاد فترة مرحلة الشرعية الثورية ويقوم بتشكيل وزارة وطنية لتيسير أمور الدولة إلي أن تنتقل إلي مرحلة الشرعية الدستورية تشكل أغلبها من الشباب الذي قام بالثورة والقوي الوطنية الأخري ويكون أهم أعمالها إلغاء حالة الطوارئ والإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا قبل وبعد 25 يناير محاكمة المسئولين عن قتل المتظاهرين وتشكيل لجنة قضائية لفتح كل الملفات والتحقيق مع رموز العهد السابق الذين حكموا طوال الثلاثين عاما الماضية ينهبون ويسرقون أموال الشعب وممتلكاته وجمعوا في يدهم الثروة والسلطة وإحالتهم إلي المحاكمة وتشكيل هيئة تأسيسية منتخبة من الشعب تقوم بصياغة دستور جديد يعبر عن طوائف الشعب وأسلوب جديد لانتخاب رئيس الجمهورية في ميدان التحرير قامت الثورة، ولا يمكن الرجوع إلي الوراء، لقد كسر الشباب حاجز الخوف فاندفعت جماهير الشعب بالآلاف ثم بمئات الآلاف ثم بالملايين ترفع صوتها هادرا ومدويا بإسقاط النظام ورحيل مبارك إلي غير رجعة، فإذا ما واجهتها شرطة النظام وبلطجية الحزب الحاكم، زاد ثباتهم وتزايد إعدادهم حتي باتت هذه الجموع بالملايين عجزت السلطة تماما عن إيقافها. إن دعاوي تعديل الدستور في بعض مواده وحل مجلسي الشعب والشوري دعاوي ليس لها جدوي علي أرض الواقع - فليصح النائمون - إننا أصبحنا أمام حالة جديدة لم تعرفها مصر في تاريخها الحديث هي الشرعية الثورية التي تولدت من رحم الشعب المصري وقادها الشباب، وبالتالي فإن هذه التعديلات في الدستور القائم لا ينفع فيها ولا تصلح لهذه المرحلة التي باتت قائمة الآن، أما السلطة القائمة منها سلطة غاصبة لحق الشعب الذي أعلن بسقوطها لقيام شرعية 25 يناير. ولعل أجمل ما قرأت هذا الأسبوع ما قاله الكاتب الكبير صلاح عيسي وسمعته منه منذ فترة، أنه بعد خروجه من المعتقل، كان مفصولا من عمله وسمح له أحد الأصدقاء بإعداد برنامج تليفزيوني بدلا منه لكي يوفر له مصدر رزق نزل من التليفزيون وركب الأتوبيس في الطريق قامت المظاهرات - دعوه للتظاهر معهم - فتظاهر بأنه لم يسمعهم - هتفوا ضد الذين يتهربون من المشاركة - شعر بالمهانة - نزل من الأتوبيس وهتف مع المتظاهرين مش لاقيين العيش الحاف هذه هي حالة المصريين قبل ثورة 25 يناير، ولن تعود بعد الآن. ولا أفهم ما الحكمة من بقاء مبارك حتي تنتهي ولايته في سبتمبر، الرئيس يا سادة أصبح رئيسا سابقا منذ 25 يناير الماضي وإذا كان يدعي أنه يخشي الفوضي إذا رحل فالأصح أن الفوضي قائمة الآن ولن تنتهي إلا برحيله، ما الذي يخشاه مبارك بعد كل الذي حدث. هل هناك أسوأ مما نحن فيه الآن، لقد انهارت بوجوده مؤسسات الدولة تماما، وسالت دماء الشهداء أنهارا لمجرد أنه ينادي برحيله، فلماذا في سبتمبر وليس الآن، هل هو أهم وأبقي من الشعب.