أن تكون إنسانا مثاليا ومعطاء من وجهة نظر كل من حولك فهذا لا يعني في أغلب الأحيان إلا أنك مجرد ضحية يمتص المحيطون بك رحيق حياتك ويعصرون أيامك لخدمة مصالحهم التي تتفاني في تحقيقها لاسيما إذا كانوا من أقرب المقربين إليك, ممن يستطيب لهم دور الضحية الذي تلعبه وهم في أعماقهم يسخرون من سذاجتك التي تجعل سعادتك معلقة بنظرة رضا من الأهل والأصدقاء والأسوأ أن رضاك عن نفسك صار مرتبطا برضائهم عنك. المثير للشفقة أن هذا الرضا الذي تنتظره من الآخرين لن تراه إلا كلما قسوت علي نفسك وطوعتها لرعايتهم وحمايتهم والسؤال: أين نفسك من تلك الرعاية والحماية؟ أين احترامك وتقديرك لذاتك الذي يترجم لسلوكيات ترضيك وتجلب لحياتك السعادة وتسهم في تحقيق طموحاتك وأحلامك مهما كانت بسيطة؟ الجميع بالطبع لديه أسر سواء كبيرة من "والدين وأخوة وأقارب" أو صغيرة "زوج أو زوجة وأولاد" وهناك من يعشق التفاني لدرجة الانصهار في رغبات وأمنيات وأحلام تلك الأسر وكأن الإعلان عن أمنياتهم الذاتية وأحلامهم خطيئة يحاولون تجنبها طلبا لرضا ومحبة الآخرين وهذا قمة الظلم للنفس التي لابد أن تكون محل الاهتمام الأول. يقول رسول الله "صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول", فاذا مَنّ الله عليك بخير أيا ما كانت صورته فانفق منه علي نفسك ثم علي أهل بيتك فأقاربك في حدود ما منّ الله به عليك , لكن أن تمنع عن نفسك الخير بحجة قلته وتسير في طريق الحرام بحجة توفير الحياة الأفضل-كما تعتقد- لأسرتك فهذا قمة الإجحاف بنفسك أولا ثم بها, حيث تشوه فطرتك الطيبة وتحول نفسك لمسخ يمتطيه الجميع بعد أن انحنى أمامهم تحت مبرر الحاجة والعوز أو حتي الرغبة في ترف الحياة , فأن يراك أبناؤك رجلا -أو امرأة محترمة شريفة- أفضل من أن يرونك أفاقا ولصا. تعيش بعض السيدات مع أزواجهن أو الأزواج مع زوجاتهم تحت مبرر "علشان الأولاد" ولا أعرف عن أي أولاد يتحدثون وهم يربونهم في تربة ملوثة بالكراهية والقسوة لا مودة أو رحمة فيها, يتفاني بعض الأبناء في إسعاد آبائهم بالتنازل حياءً عن طموحاتهم وأحلامهم الخاصة فيدرسون ما يملونه عليهم, ثم يعملون في المكان الذي يرضيهم ويتزوجون بمن يوافقون عليه..ونعود للسؤال عن الحياة الخاصة لهؤلاء المضحين علي اختلاف أمثلتهم ونماذجهم وصورهم وما أكثرها حولنا؟ سيمر بهم العمر ثم سيقفون وقد شارف علي نهايته ليدركوا أنهم مروا علي الحياة وشاهدوا أيامها تمضي بهم لكنهم لم يعيشوا هذه الأيام فلا حياة حقيقية خاضوها بل كانوا ضيوفا علي شرف أحلام الغير, كانوا يسيرون أمواتا. وسنجد أسئلتهم تكثر حول ثمن تضحياتهم وأين رد الجميل الذي انتظروه؟ والإجابة التي يهربون من مواجهتها أنه لا أحد أجبرهم علي لعب هذا الدور, فالحياة كانت دائما تتسع لسعادتهم وسعادة المحيطين بهم، فلماذا تنازلوا طوعا عن حياتهم دون أن يطلب أحد منهم ذلك؟ فالأم السعيدة التي تملأ نفسها السكينة هي الأم المثالية لأنها تضفي من روحها المطمئنة علي بيتها وأولادها عكس الحزينة البائسة, والأب المعتز بنفسه وكرامته هو خير نموذج يحتذي به أولاده مهما كانت بساطة حياته, والأبناء أصحاب الطموح والشخصية والآمال العريضة هم مصدر فخر لآبائهم علي المدي الطويل لأنهم ذرية قوية لا يخشون عليها إن تركوها في معترك الحياة. الأنانية والغرور أمراض نفسية يجب علي المصابين بها العلاج رفقا بهم وبمن حولهم وهولاء لايحبون أنفسهم بل يسعون لتدميرها بينما حب الذات بمعناه الصحي الخالي من تلك الصفات المرضية يعني الشغف بأهداف كل فرد في حياته وعدم الانسحاق أمام حبه للآخرين أيا من كانوا, فعندما تري نفسك مقهورة ذليلة غير قادرة علي أن تصرخ وتقول ها أنا ذا, فما أسهل قرارات تحطيمها بالأمراض النفسية والإدمان أو اتخاذ قرارات التخلص منها بالانتحار بعد أن صارت أهميتها تالية لديك لطلبات ورغبات الآخرين منك. كرمنا الله وجعلنا خلفاء له في الأرض ونفخ في كل شخص فينا من روحه الكاملة فلماذا لما نحافظ علي إيماننا اليقيني بقداسة أرواحنا, ألهمنا الله بالقدرة علي تطويع أنفسنا لفجورها أو تقواها فلماذا قررنا سحقها وإبعادها عن مركز الصدارة في حياتنا, كيف حقرّناها لتتحول لمجرد وسيلة لخدمة الأهل والمقربين وهذا إثم لو تعلمون عظيم, فنفسك هي محور وجودك وحياتك فامنحها ما تستحقه من المحبة والاحترام الذي اذا ما شعرت به داخلك فقد ملكت السعادة, حقق لها كل غايتها الشريفة وهذبها إذا ما ضلت الطريق لأنها إذا اهتدت اهتديت أنت للطريق القويم في حياتك وعلاقاتك بالغير وهو ما قال الله تعالى عنه: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَاوَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا".