مهندس شاب نجح فى توزيع 41 ألف كتاب مجاناً على الأطفال فى كل المحافظات.. لكن "تعويم الجنيه" أوقف مبادرته غلاء الأسعار جعله غير قادر على شراء الكتب.. ورغم فوزه بجائزة الدولة لأفضل مشروع ثقافى لكنه لم يتلق أى دعم رسمى وائل الإبراشى ومنى الشاذلى صورا تقريرين عن الفكرة.. فلماذا لم يتم عرضهما ؟! منذ نحو 3 سنوات عرضت مجلة "الشباب" لتجربة هيثم عبد ربه وهو كاتب شاب اشتهر بعدد من المجموعات القصصية للأطفال، وهو في الأصل مدرس لغة إنجليزية من محافظة الشرقية, وقد قام بمبادرة تحت اسم" عربية الحواديت" وهي مبادرة تثقيفية تدعو للقراءة وموجهة إلي الأطفال.. وهي تعتمد علي سيارة تجوب جميع محافظات وقري ونجوع مصر لتوزيع الكتب والقصص علي الأطفال مجاناً وتنظيم ورش للحكى، لكن رغم قيمة وأهمية المشروع الذى يقدمه هيثم إلا أنه مهدد بالتوقف.. فما المشكلة؟ هذا ما سنعرفه منه. عندما أجرينا معك حواراً منذ سنوات كان مشروع "عربية الحواديت" فى قمة توهجه.. ما الذى حدث جعله مهددا بالتوقف ؟ منذ أن بدأت مشروع "عربية الحواديت" وأنا أعافر حتى يستمر خاصة بعدما لمسنا أنا وفريق العمل نتيجته على نفسية ووعى الأطفال خاصة فى قرى وجه بحرى والصعيد فنحن وصلنا لقرى بعد أسوان بخمس ساعات لم نكن نتخيل أنها موجودة على خريطة مصر أصلا لدرجة ان الأولاد هناك خرجوا من المدرسة لبعدها عن القرى التى يعيشون بها ومن ثم كانت عربية الحواديت هى البديل عن المدرسة لدرجة أننا كنا ننوى أن نقيم هناك ورشا مدتها لا تزيد على ساعتين فأصبحنا نقضى فى الورشة الواحدة 6 ساعات حتى نعلمهم الحروف الأبجدية كما أننا استطعنا- بمساعدة أهل الخير- أن نرسل لهم قوافل مساعدات نظرا لأن الأطفال هناك فى عز الشتاء يمشون حفاة وليس لديهم ملابس شتوية وبالتالى كنا كلما نرى نتيجة ما نفعله على الأطفال نتمسك بالمشروع أكثر ولكننا مع الوقت وخاصة بعد مشكلة تعويم الجنيه لم نعد قادرين على الاستمرار، فكتاب الطفل كان يتراوح ما بين 10 الى 20 جنيهاً وفى كل مرة ننزل فيها قرية نوزع على الأقل 200 كتاب بالإضافة الى أننا نقيم فى كل قرية لمدة 3 أيام على الأقل ومن ثم فبعد إرتفاع الأسعار الذى ترتب على التعويم تضاعفت أسعار الكتب وأيضا إقامة الفريق مما اضطرنا لأن نقلل عدد الكتب التى نوزعها على الأطفال وعدد الورش أيضا. وقبل التعويم كيف كان يتم تمويل المشروع ؟ بالجهود الفردية فأنا عندى مركز تعليم اللغات خاص بى وكنت أخصص جزءاً من دخله لشراء الكتب ووالدى كان يساعدنى بالتبرع بجزء من معاشه لشراء الأقلام والألوان ولكن مع إرتفاع الأسعار لأكثر من ضعفين وثلاثة لم نعد قادرين على الإستمرار. لماذا لم تعرض مشروعك هذا على وزارة الثقافة؟ حاولت فعلا أن أتواصل مع وزيرة الثقافة ولم أجد أى إجابة كما جاء فريق برنامج "وائل الإبراشى" وصوروا معنا لمدة يوم كامل إلا أن معدة البرنامج بعد ذلك قالت لى: إن الفكرة لا تروق له، ونفس الشىء تكرر مع برنامج منى الشاذلى فبعدما صوروا معنا فى الشرقية قال لى المعد: إنها لا تراها مناسبة للبرنامج، فللأسف معظم البرامج الآن تبحث عن التريند وليس المضمون لدرجة أننى قلت لأحد المعدين اعتبروا الموضوع لله فيكفى أنه يساعد فى تعليم وسعادة أطفال فقراء لاحول لهم ولا قوة. كم عدد الورش التى أقمتها منذ بداية المشروع ؟ نحن وزعنا 41 ألف كتاب وأقمنا 80 ورشة حكى، استطعنا من خلالهم تعليم عدد كبير جدا من أطفال القرى القراءة والكتابة وذلك فى خلال 3 سنوات منذ أن بدأت فى رمضان 2015 ، حيث إنى دائما ما كنت أبحث عن وسيلة تصل بالأدب والثقافة الى أطفال القرى الذين يقطنون بعيدا عن العاصمة والمحافظات الكبيرة ولا يوجد لديهم مكتبة أو مسرح أو مرسم فقررت أن أذهب أنا إليهم إيمانا منى بأننا لو استطعنا أن ننشئ جيلا جديدا محبا للعلم والثقافة والقراءة سنغير مستقبل هذا البلد، وكانت البداية حيث كنت أقف بسيارتى أتصفح مجلة اشتريتها لابنتى فوجدت طفلة تقترب من شباك السيارة وتنظر الى المجلة بشغف فأعطيتها المجلة فقالت لى: إنها لاتعرف تقرأ بالرغم من كونها فى الصف الثالث الإبتدائى وقتها قررت أن أوزع كتبا ومجلات على الأطفال فى الشوارع وسأقرأ لهم وأعلمهم وقد اخترت الأطفال لأنهم المادة الخام القابلة للتشكيل فإما أن تجد صانعا محترفا يخرج أجمل ما فيها أو العكس، فهم البذرة التى تحتاج الى رعاية حتى تطرح بالخير. لماذا اخترت أن تبدأ فكرتك من القرى والنجوع البعيدة عن القاهرة ؟ لأن تلك المناطق هى الأكثر احتياجا للخدمة التى نقدمها من خلال عربية الحواديت حيث إن مهمتنا الأساسية هى سد الفجوة التى يسببها غياب المؤسسات الثقافية فى القرى والنجوع البعيدة والمنعزلة عن دائرة الخدمات التى يحتاجها الأطفال، وأذكر مرة أننا دعينا لإقامة فعالية فى مدرسة أنترناشيونال فوجدنا هناك مكتبة فارهة وأمينة مكتبة متخصصة ومعظم الأطفال يدركون أهمية الكتاب فشعرت أننا لم نضف شيئا ومن يومها قررت أن يكون إختيارنا لأى مكان نزوره قائم على الحاجة الفعلية للمكان لما نقدمه وإلا كانت زيارتنا مجرد تسلية ونحن لانقدم تسلية وإنما نغرس مفهوم أن الثقافة والقراءة مثل الأكل والشرب، وأن العلم هو أهم ما يحتاجه أى شعب فى العالم حتى يتقدم والحقيقة أن مؤسسة "اسمعونا" ساعدتنا كثيرا فى الجولات التى كنا نقوم بها فى الصعيد. حصلت على جائزة الدولة لأفضل مشروع ثقافى.. ألم تجد أى نوع من الدعم بعدها؟ للأسف لم يحدث أى شىء بالرغم أنه من المفترض أن المشروع الفائز بتلك الجائزة تقوم الدولة برعايته بشكل متكامل ونحن بالفعل حصلنا على الجائزة الأولى لأفضل مشروع ثقافى، ومع ذلك "محدش سأل فينا" حتى أصبح المشروع مهددا بالتوقف. ألم تفكر فى الاستعانة بكتب الهيئة العامة للكتاب؟ للأسف معظمها يخلو من المضمون الذى يمكن أن نعلمه للأطفال، وبالتالى هى غير مناسبة سواء لتوزيعها عليهم أو لورش الحكى، خاصة أن تلك الورش تهدف الى توسيع خيال الطفل وتحويل الشخصيات الى رسومات كما نطرح فيها فكرة أو قيمة معينة ونجعلهم يقوموا بتأليف حكايات حولها، وتلك الورش تحقق متعة غير طبيعية للأطفال ونحن نقيمها فى أى مكان فيمكن أن نقيمها فى جرن أو ملعب لدرجة أننا مرة قدمناها أمام ورش ميكانيكا للأولاد الصغار الذين يعملون بها ومن شدة ارتباط الأطفال بها أصبحوا يقطعون مسافة ثلاثة أو أربعة كيلو مترات مشيا ليحضروا ورشة فى قرية مجاورة. ما أهم نقاط الضعف التى كشفتها "عربية الحواديت" عند الأطفال فى القرى؟ أخطرها مستوى التعليم فى مدارس تلك القرى حيث إن الأطفال هناك قد يصلون الى نهاية المرحلة الإبتدائية ولا يستطيعون القراءة؛ لذا كانوا يرفضوا الفكرة ولكن بالتحفيز طلبنا منهم أن يجلسوا مع أصدقاء يقرؤون لهم مما جعلهم يعافرون حتى يجيدوا هم أيضا القراءة واكتشفنا أيضا أن معظم المكتبات فى تلك المدارس إما يشرف عليها غير متخصصين أو مغلقة من أساسه؛ لأنهم يخافون على الكتب لكونها عهدة، أضيفى الى ذلك ما يرسخه بعض المدرسين للأطفال من أن القراءة لأى شىء غير المنهج الدراسى مضيعة للوقت. كيف ترى الدور الذى لابد أن تقدمه الدولة لدعم أطفال القرى والمحافظات؟ أتصور أن دور الدولة معروف ومحدد لكن المشكلة فى آلية التنفيذ يعنى مثلا وزارة الثقافة دورها تثقيف كل فرد فى كل شبر على أرض هذا الوطن وألا تركز كل خدماتها فى العاصمة والمدن الكبرى وهذا يتطلب أن يتحرك المسئولون من مكاتبهم المكيفة ويذهبوا إلى تلك القرى ليحتكوا بالبشر ويسمعوا أحلامهم ومتطلباتهم.