غالبا ما كان يشهد عيد الأضحى فى مصر حركة رواج كبيرة فى شراء اللحوم والأضاحي، إلا أن هذا الموسم جاء مختلفا تماما بسبب ارتفاع الأسعار سواء للحوم المذبوحة أو الخراف والأبقار الحية. ومن داخل المذبح الآلى بالبساتين الذى يعد مركز بيع اللحوم فى مصر يبدأ كل ما له علاقة بحركة البيع والشراء فى الخامسة فجرا، حيث يذبح كل جزاري مصر هناك الأغنام والأبقار تحت رعاية وزارة الصحة ويتم ختم اللحوم المذبوحة لبيعها فى الأسواق بعد ذلك، وعلى بعد خطوات من المذبح وتحديدا فى "سوق الحتت " يفترش الباعة بضائعهم من اللحوم و "السقط " على أمل أن يجدوا المشترى، والغريب أننا كنا هناك فى العاشرة صباحا تقريبا ومع ذلك كان السوق شبه خاو وعندما سألنا عن السبب جاءت إجابة الجميع واحدة وهى " ارتفاع الأسعار طفش الزباين ". ويبدأ المعلم "على" وهو أحد الجزارين هناك كلامه معنا فيقول : اللحمة هنا تباع بمائة جنيه للضانى و95 للكندوز، ومع ذلك فحركة البيع والشراء لم تتجاوز 7% بسبب ارتفاع الأسعار، فالسوق هنا قبل العيد كان دخوله شبه مستحيل أما الأن فكما ترين الحال واقف والسوق فاضى تقريبا سواء من الزبائن أو الجزارين الذين كانوا يتصارعوا قبل العيد ليأخذوا حصتهم من اللحوم لبيعها فى محلاتهم. ولكن هناك مشكلة أخرى أحب أن أنوه إليها أن نسبة كبيرة من الجزارين فى مصر تستغل الناس أسوأ إستغلال يعنى مثلا أنا أعطيهم اللحوم بحوالي 90 و 85 جنيه الكيلو البلدي، ومع ذلك يبيعونها فى محلاتهم بحوالي 170 و 180 والكبدة الكندوز والبتلو يأخذوها من هنا بحوالي 85 ويبيعونها بحوالي 240 يبقى ده يرضى ربنا، ما كفاية على الناس اللى هما فيه الناس طفشت من وشنا وكلنا حالنا وقف. و يكمل قائلا: تخيلى حضرتك أنا فى الأيام دى كنت أبيع فى اليوم بحوالي 300 و400 كيلو لحمة إنهارده لو بيعت 50 يبقى فضل ونعمة، لذا تجدي البضاعة المعروضة قليلة جدا لإن الناس بتخاف إنها تفسد لإن البائعين هنا ليس لديهم ثلاجات وبالتالى لابد أن يبيعوا بضاعتهم قبل نهاية اليوم وإلا يخسروا الفلوس والبضاعة. وتقول الحاجة " أم محمد " وهى إحدى البائعات التى تفترش الأرض لبيع "السقط" بسوق الحتت : الحال واقف زى ما أنتى شايفه حتى السقط بتاع الغلابه الناس بطلت تشتريه، ما أهو السنة اللى فاتت كانت الفشة والكرشة ب 7 جنيه السنة دى ب 15 والممبار من 15 جنيه ل 40 جنيه واللحمة كانت ب 60 ودلوقتى ب 100، يبقى مين حيفكر يقرب هي الناس هتدفع مصاريف المدارس ولبس وشنط وكراريس ولا حتجيب لحمة دول بقوا يوفروا حتى اللقمة. وحدثتني الست "أم صابر" عن أحد أسرار المهنة قائلة: المصيبة أنه رغم الغلاء الفظيع والغلب اللى إحنا فيه مفيش حد عنده رحمة ولا ضمير، ده فى ناس بتحقن الفشة ميه عشان توزن أكثر قال يعنى إحنا ناقصين قلة بركة، مش كفاية محلات الجزارة اللى معندهاش أى دم ولا ضمير، ده التجار بياخدوا اللحمة من هنا ب 80 ويبيعوها ب 180 يبقى ده يرضي ربنا، يعنى بيكسبوا فى الكيلو 100 جنيه لما الناس طفشت من وشهم ووشنا، منهم لله ده حتى لحمة الرأس اللى كانت السنة اللى فاتت بعشرة جنيه السنة دى ب 30 وبقينا نبيع بالضالين . وبرغم أن السوق كان يخلو من الزبائن تقريبا إلا أننا إلتقينا بأحد الزبائن الذى كان يشترى 2 كيلو لحم ضأن وبسؤاله عن رأيه فى الأسعار قال: طبعا الأسعار مرتفعة جدا وطبيعى أن يضعف الإقبال على الشراء فى ظل دخول المدارس وكثرة إلتزاماتها، ولكن الحقيقة أن الأسعار هنا أرحم كثير من محلات الجزارة، فأنا كنت معتاد أن أشتري اللحوم من أحد محلات منطقة ميدان الجامع بمصر الجديدة، ولكن عندما وصل سعر الكيلو لحوالي 170 و 180 جنيه لم يعد الأمر فى إستطاعتى، فأشار علي أحد أصدقائي بأن أشتري من المذبح نفسه، والحقيقة أننى فوجئت أن نفس المحل الذى كنت أشترى منه يأخذ اللحمة من هنا، بل وبالصدفة من نفس الرجل الذى جئت إليه بالمذبح، وهم يأخذونها ب 80 جنيه ويبيعوها إلينا ب 180 جنيه دون أى ضمير أو إحساس بالناس، لذا قررت أن أشترى من هنا على طول وأحاول أنا وأسرتي أن نتغلب على إلاتفاع الأسعار بالحد من الإستهلاك. أما الحاجة " أم كريم " وهى أيضا من زبائن السوق فتقول : زى ما حضرتك شايفه أن يدوب بشترى كيلو ممبار وكيلو لحمة وفشة، ويدوب كده نقضي بيهم العيد إحنا حنجيب منين يعنى فى الأيام السوده دي الحال بقى صعب جدا وكل التجار سواء جزارين أو غيرهم بيستغلوا الناس أسوأ إستغلال دون أى رقابة من الحكومة، الناس أصبحت فريسة لجشع التجار فى مصر وكل ما الواحد يتكلم يقولوا الدولار، لما إستوينا ومبقناش عارفين نأكل عيالنا ولا نعلمهم ولا نعمل إيه بالضبط، أنا نفسى الرئيس السيسى يبص للناس الغلابة شوية إحنا قربنا نشحت والله حرام كده.