حكاية بدأت بعربات الكارو التى تجوب الشوارع والميادين والأزقة والحوارى، وتطورت الآن وأصبحت تنقل بسيارت النقل الكبيرة القمامة من ملايين المصريين ، هذه الحكاية هى امبراطورية الزبالين، عالم ملئ بالمفاجآت والمتناقضات تحكمه مبادئ وقوانين خاصة منذ عشرات السنين، مهنة صعبة وشاقة، يعمل بها عشرات الآلاف من الأسر، وكثير منهم من الأطفال، لكن يتحكم فيا أباطرة كبار حققوا الملايين وسكنوا القصور وركبوا السيارات الفارهة، وهنا قررت "الشباب" كشف أسرار هذه الإمبراطورية والنزول إليها... المشهد الأول .. أكوام من القمامة متراصة أمام البيوت، نساء ورجال وأطفال منهمكون في الفرز والبحث عن كل ذي قيمة بين أطنان مخلفات، تخرج يوميا من البيوت والفنادق والمستشفيات، لتصب في حي الزبالين أو الزرايب بمنشية ناصر، وهنا قررت محادثة أحادهم فقال هانى يوسف جامع قمامة :" تعتبر منطقة منشية ناصر والخصوص أقدم مناطق لتدوير الزبالة فى مصر، حيث يتم جمع القمامة وإعادة توزيعها من جديد، وكانت القاهرة بكل أحياتها يتحكم فيها مجموعة قليلة من أشهر الزبالين الذين استطاعوا كسب ملايين من الجنيهات من وراء هذه التجارة المربحة". ولم تكن هذه المفاجأة الوحيدة، فهناك أسرار خطيرة آخرى لايعرفها إلا القائمون عليها، حيث قرر البعض منهم الإفصاح عنها والخروج من صمتهم فقال محمد أحمد جامع قمامة :" كل واحد من الزبالين الكبار لديه سيارتان نصف نقل وخمس عربات كارو ومجموعة من الحمير تعمل فى منطقة محددة مسبقا لايقترب منها أحد، ويقوم على هذه العملية مجموعة من الأطفال الذين لاتتعدى أعمارهم العشر سنوات، الذين ينتشرون فى كل مكان يجمعون الزبالة من الشقق والمحلات فى أجولة كبيرة جدا، وتوضع على عربات الكارو، ثم يتم إرسال مئات الأطنان من القمامة التى تحمل بين طياتها أسرار المهنة إلى زرائب الخصوص التى يمتلكها أيضا كبار الزبالين، وهنا يأتى دور السيدات المقيمات فى الخصوص يقومون بفرز دقيق للغاية لأطنان من الزبالة مقابل 30 جنيهاً فقط فى اليوم، وفى المقابل كل الأشياء الثمينة التى يجدوها كثيرون في أثناء فرزهم تكون من نصيب كبير الزبالين، فكثيرا ماكانت هناك مشغولات ذهبية ومبالغ مالية ربما أخطأ أصحابها وألقوا بها فى سلة الزبالة". وأضاف قائلا أن الأمر لايتوقف على هذا فحسب " فكبار الزبالين يعنيون أشخاص تشرف على عملية الفرز التى تقوم بيها السيدات، حيث يعطون التوجيهات والأوامر لهم، بحيث يتم جمع أكياس البلاستيك بكل أشكالها وأنواعها بجانب خراطيم البلاستيك، حيث يقدر الطن منها ب3900 جنية، ويتم طحنها وتجميعها وإرسالها إلى شركات البلاستيك التى تعيد تدويرها وإنتاج كل أنواع الصناعات البلاستيكية منها علب الكشرى والأدوات المنزلية وخراطيم الكهرباء، وكذلك علب المياة الغازية حيث يتم جمعها وإرسالها إلى شركات الحديد والصلب لإعادة إنتاجها مرة أخرى، بالإضافة إلى ذلك فرز الأوراق المنتشرة فى القمامة وإرسالها إلى ماكينة الطحن وتصديرها إلى الصين التى تقوم بتدويرها وإعادة تصديرها إلى مصر، على رأسها أوراق الصحف الدشت والكرتون والمعلبات، أما فرز العظم بكل أشكالها الذى يتم تجميعه من الشوارع وبقايا الطعام والحيوانات النافقة فيتم تجميعها وطحنها وتعبئتها فى أجولة كبيرة لشركات العاشر وقويسنا، حيث يعاد تصنيعها مرة أخرى وتستخدم كشمع وطلاء ودهانات .. كل هذه الصناعات المستفاد الرئيسى منها كبار الزبالين فى المنطقة مع الشركات الخاصة التى تتعاقد معاهم سرا فقط، ولا يوجد أى نوع من الرقابة !" المشهد الثانى .. اتجهت لاحد كبار تجار القمامة بالمنطقة - الذين اشتكى منهم رجال النظافة الآخرين - يدعى إسحاق يوسف لإحدثه وأرى إذا كان ماذكر بشأن كبار الزبالين صحيحا، فبدء حديثه قائلا:" تكيف كرولس ابنى مع طبيعة الحياة بهذا المكان، فرغم دراسته بكلية نظم المعلومات، لا يفكر إسحاق بترك عمله بورش والده لإعادة التدوير، فهو يكسب شهريا من عمله هذا 6 آلاف جنيه، لا توجد وظيفة أخرى يمكنها أن تمنحه راتبا مماثلا". وأضاف " يخطأ من يظن أننا نجنى أرباح هائلة من وراء هذه المهنة، فسعر الترخيص يختلف من مكان لآخر على حسب جودة القمامة به، فترخيص المستشفى بألف جنيه، بينما عليك أن تدفع خمسة آلاف جنيه كي تحصل على ترخيص لجمع القمامة من الفنادق، وترتفع قيمة الترخيص لتصل إلى 20 ألف جنيه لجمع القمامة من مكان كمطار القاهرة، بينما يختلف سعر التصريح لجمع القمامة من الوحدات السكنية على حسب عدد الوحدات ومدى رقي المنطقة". وأوضح أنه توارث هذه المهنة من والده وأجداده الذين كانوا يسكنون فى الصعيد قائلا :" جامعو القمامة هم أحفاد مزارعي الكفاف أجدادى الذين هاجروا من صعيد مصر إلى القاهرة في الأربعينات، وتوالت حشود مزارعي الكفاف تتوافد على القاهرة سعيا وراء فرص الرزق وهربا من سوء أداء المحاصيل وشدة الفقر واستقروا في مساكن مؤقتة أحاطت بالعاصمة، وجلب هؤلاء الوافدون نشاطهم التقليدي وهو تربية الخنازير والماعز والدواجن وغيرها من الحيوانات، كذلك اتجهوا إلى البحث الدءوب عن أنشطة أخرى". وأكد قائلا:"أخطأت الحكومة فى التعاقد مع شركات خاصة، لأن الشركات الأجنبية (كتمت على نفسنا) فالحكومة السابقة أخطأت وتعاقدت مع الشركات بعقود طويلة المدى منذ 2002 حتى 2017 بمدة 15 عاماً، وهى شركات أجنبية، فشركة (أما عرب) تعمل فى قطاع غرب وشمال القاهرة، وشركة و(fcc) تعمل فى شرق القاهرة، وهم مجموعة مستثمرين لا يهمهم نظافة البلد بقدر ما يهمهم جمع أرباح،و الشارع المصرى يشهد على ذلك، فتراكم القمامة فى منتصف الشوارع وعلى جوانبها، يؤكد أن هذه الشركات فشلت فشلاً ذريعاً، امتلكوا المعدات والأموال والأجهزة لكن لم يمتلكوا الخبرة، فكانوا يعطون الزبال 10 قروش على كل وحدة سكنية، ويقولون له (أنت بتكسب من القمامة)". وأختتم حديثه قائلا :" كل زبال تحت منزله ورشة صغيرة، فنحن مجتمع نخدم أنفسنا بأنفسنا، وأود أن أقول للحكومة إننا نوفر عمالة كبيرة كان من الممكن أن تكون فى عداد البطالة، فكل طن قمامة يوفر 7 فرص عمل، وهذه المهنة هنا فى مصر تهان بينما فى الخارج يطلقون عليها مهندس النظافة أو (المنظف) لكن هنا يستخدمونها فى السب، وأملى كبير فى الرئيس عبدالفتاح السيسى الذي أعطى الضوء الأخضر لزيادة الاستثمار فى إعادة تدوير القمامة، وهذا كلام جديد لم يصرح به رئيس من قبل، حيث سيمنح مجموعة مستثمرين من العرب بالاشتراك مع الزبالين والقوات المسلحة الفرصة بإنشاء 27 مصنعاً بمحافظات مصر، وجميعها مصانع عملاقة حديثة جداً ستقوم بجمع القمامة المتبقية من الزبالين من مخلفات لا نستطيع تدويرها وإرسالها إلى المصانع لينتجوا منها غازاً طبيعياً وكهرباء وسماداً عضوياً، وهو ماسيغير ملامح هذه المهنة وسيزيد من فرص العمل وسترفع من أجورهم وخاصة الذين يحصلون على أجر قليل فى هذه المهنة".