كلنا بنحلم .. لكن بالتأكيد أحلامنا مختلفة .. أو بمعنى ادق متفاوتة ، وعندما يصبح الحلم مستحيلا أو دربا من الخيال فهنا يجب أن نتوقف ونشكر الله على ما نحن فيه ونقول .. " إللى يشوف بلوة الناس تهون عليه بلوته " . يعنى حضرتك ساكن فى شقة 3 غرف وصالة بس مشكلتك إنها بعيدة عن شغلك شوية بتكون قرفان ومتضايق .. طيب لو حالك احسن شوية وانت ساكن قريب من شغلك بس المشكلة ان شقتك ضيقة شوية وما بتطلش على واجهة كويسة .. طبعا بتحلم ان شقتك تكون مساحتها كبيرة وبتطل على ناصيتين وكمان على شارع رئيسى ويا سلام لو كان قدامها منظر حلو .. وهكذا تظل تحلم وتحلم لكنك قد تحققه أو لا تحققه .. لكن هل تخيلت أنك تعيش فى منطقة عشوائية أوسع شارع فيها 2 متر فى هذه الحالة أنت من المرفهين لكن تخيل انك تعيش فى حارة جواها زقاق وهى حارة ضيقة جواها عاطفة يعنى بالعافية تدخل بجنبك .. وكمان انت مش هتعيش فى شقة .. لأ فمصطلح الشقة ليس له وجود فى هذا المكان .. فكل أسرة عايشة فى غرفة.. احنا بنتكلم عن ناس عايشين حياة مختلفة تماما فى منطقة اسمها الحيتية وهى منطقة عشوائية بين المهندسين والعجوزة مساحتها حوالى 4 فدادين لكنها ذات كثافة سكانية مرتفعة جدا وطبعا شكلها وناسها مختلفين تماما عن المهندسين والعجوزة .. المنطقة محاطة بأربع شوارع رئيسية وهى شارع الجامع والفلوجة وداير الناحية وعبده مراد ويوجد بالمنطقة 4حارات رئيسية وهى ثابت ومندور وصالح وإبراهيم عمر فى كل واحدة منها حوالى 10 عاطفة ومثلهم أزقة .. بدأنا جولتنا داخل الحيتية فى احدى الحارات ودخلنا بيت قديم مثله مثل حال باقى البيوت فى دوره الأرضى اربع غرف مساحة الواحدة منها 6 متر وحمام صغير متر فى متر .. فى كل غرفة من هذه الغرف تعيش أسرة كاملة أب وأم أطفال .. حلمى محمد حسن 64 عاما يعيش فى غرفة واحدة مع زوجته زوجته روحية إسماعيل إبراهيم وأولاده الثمانية حسن ومنى وأمانى ورضا ونصرة وهانم ومحمد .. عم حلمى أكد قائلا : أعيش فى الحيتية منذ سنة 1970 ، الحمد لله تمكنت من تربية أولادى الثمانية فى غرفة واحدة بناكل وننام وبنعمل كل حاجة فيها .. وكمان أولادى منهم اللى اتجوز ومنهم اللى اتعلم وانا حاسس بالرضا بعد ما طلعتش على المعاش والحمد لله أنا حالى أحسن من غيرى كفاية انى لاقى مكان يلمنى أنا وولادى غيرى فى الشارع ومش لاقيين الأكل .. فى الحجرة المجاورة له التقينا أسرة حسيبة لملوم 52 عاما والتى تسكن فى غرفة هى وزوجها وأولادها الخمسة وكمان لقينا فى الغرفة تليفزيون وغسالة ولوازم المعيشة يعنى كل حياتهم فى الغرفة .. حسيبة تحدثت قائلة : حياتنا كلها فى هذه الغرفة أنا وزوجى وأولادى عشنا أيامنا الحلوة والصعبة هنا ، لكن الجميل فى الحيتية ان كل أهلها عارفين بعضهم وقلبهم على بعض يعنى وقت المشكلة تلاقى الكل جنبك بيساعدك ، ورغم إن المكان ضيق لم اشعر أنا وزوجى ولا أولادنا بالضيق ولكن راضيين بحالنا .. لكن مشكلتى فى ابنتى مستورة وهى عندها مرض فى عنيها اسمه بهست وهو بيصيب فرد فى كل مليون زى ما الدكاترة قالوا المشكلة انها بتحتاج حوالى 2000 لعلاجها شهريا واحنا دخلى الشهرى لا يزيد عن 500 جنيه ، كمان فى مشكلة أكبر أن الدور فى خمس غرف وكل أسرة من 7 إلى 8 أفراد تقريبا فى 30 واحد فى الدور كلهم بيستخدموا حمام واحد .. تركنا السيدة حسيبة وفى مخيلتنا أنه لا يوجد حالات اصعب من ذلك بدأنا نتحرك فى حارات وأزقة وعاطفة فى منتهى الضيق حتى أنك لا تستطيع السير الا بجنبك نفس الحال بالنسبة للأبواب لا تستطيع أن تدخل منها معتدلا .. هذا االمكان بشكل أدق لا يصلح أن يعيش فىه إنسان لكن الظروف أجبرت اسرة ماجدة عبد الحليم جابر 35 عاما أن تعيش فى هذه الغرفة التى وصلنا إليها بعد معاناة داخل الأزقة .. ماجدة تروى قصتها قائلة : أنا حياتى ملخبطة قوى .. أنا اتجوزت فى المكان ده وحياتى يعنى كانت عادية لكن المشكلة ان جوزى مات من خمس شهور وأنا اصبحت مسئولة عن أولادى الأربعة محمد واسماء ومحمود ويوسف ومصاريفهم وايجار الغرفة 150 جنيه فى الشهر والمفروض أن ألبى الطلبات دى كلها من دخلى اليومى وهو 7 جنيه من بيع الجرايد .. رغم ضيق المكان وصعوبة الحياة إلا أنك ستفاجىء عندما تعرف أنه لا يوجد تمليك فى الحيتية فكل الغرف بالإيجار .. عموما استمرت الجولة فى الحيتية وكلما توغلنا فى المنطقة نشاهد حالات إنسانية أغرب .. هنا يجب أن نتوقف فقد دخلنا مكان اشبه بالكهوف أو المغارات لدرجة تجبرنا أن نقول عليه أنه منزل بدائى .. المهم التقينا نبيلة ورضا ومحمد وحسن وهم أخوة المفاجأة أنهم جميعا مرضى نفسيين مات والديهم وهم يعيشون لوحدهم دونما أحد يرعاهم ، فهم يعيشون على الصدقة وعطف الناس عليهم .. نبدأ بحسن هو مريض نفسيا طول حياته نايم لا يستيقظ إلا للأكل فقط ثم ينام مرة أخرى .. أما رضا فمآساتها أكبر لأنها تنام فوق سطح الغرفة فى عز البرد ولا تفارق مكانها ليل أو نهار فهى تجلس القرفصاء ومحاطة بغطاء ولا تتحرك وأتتكلم ولا حتى ترمش .. أما محمد فهو الأخ الأكبر ورغم أنه ايضا مريض نفسى إلا أنه تحدث معنا قائلا : أنا طلعت من المدرسة لأنى ما عرفتش أنجح ، وكمان بحلم أحلام حلوة وأحلام وحشة وبتصور إنى بموت لكن أنا عارف ان الشيطان بيضحك على .. كمان كان نفسى اتجوز بس مش هينفع لأنى غلبان ، بس انت عارف الدنيا عاملة زى الخيارة ، وأنا عملت عملية اللوز بس هى مضيقانى قوى وأنا مخنوق عشان الدكتور قال لى ما تاكلش الجيلاتى !! أما أختهم رضا والتى بدت مشغولة منذ أن دخلنا بتغسل أطباق وبتجهز أكل وكلما اقتربنا منها لنتحدث معها قالت : أنا مشغولة جدا مش فاضية أنا بعمل أكل اخواتى مش فاضية .. المهم سألتها عمرك كام فقالت 20 سنة وما تعطلينش أكتر من كده .. فاطمة على محمد عطية 40 عاما تعيش فى غرفة فى الحيتية تحدثت قائلة : هذه الغرفة ورث أمى أعيش فيها أن واخواتى الأربع البنات لكن دلوقتى أنا عايشة فيها أنا وابنى محمد 17 سنة وأختى بدور وبنتها ياسمين 20 سنة وابنها محمد 18 سنة .. لكن الحمد لله على كل حال ، مشكلتى ان ما عنديش دخل ثابت يعنى عايشين على اللى بناخده من ولاد الحلال أو ممكن أروح أشتغل يوم أنظف شقة لكن مصاريف علاج ابنى كبيرة لأنه بياخد علاج دم كل أسبوع ب200 جنيه .. بعدهما بقليل دخلنا غرفة خالد عبود والذى تحدث قائلا : أسكن أنا وأولادى الخمسة وزوجتى فى هذه الغرفة ، وأنا كانت صحتى كويسة بس عملت حادثة عربية ضربتنى واتعلقت بشكمانها وسحبنى على ألسفلت فأصبت ببؤرة صرع على المخ .. فطلعت على المعاش وبقبض 150 جنيه لكن الحمد لله على كل حال !! بجوارهم قليلا شاهدنا ما هو أصعب من ذلك عشة من الخشب لا تتخطى مساحتها متر فى نصف متر يسكنها رمضان جلال محمد جلال عمره 60 عاما والذى تحدث قائلا : أنا عمرى دلوقتى 60 عاما ولم أتزوج حتى الآن ، ما علينا من موضوع الجواز أنا انسان مريض ومركب شرايح فى رجلى ولا استطيع العمل فى أى مهنة سوى أننى أبيع الجرجير والفجل .. كمان مشكلتى فى مساحة العشة نفسى فى سرير أو مرتبة ونفسى لما أنام أعرف اتقلب لكن لو اتقلبت هبقى بره العشة !!