كان صلاح جاهين صادقا عندما وصفه بأنه " زى الجن ولا لحظة بيهمد ولا بيوّن .. ده وتر مشدود يابا ..لمسوه من كام ألف سنة ... ولساه بيزن" إنه فنان الشعب وملحن الوطن العظيم سيد درويش، الذى تحل ذكرى ميلاده هذه الأيام، وكالعادة تتحول ذكرى ميلاده أو وفاته لفرصة مثالية للنحيب والبكاء على أطلال فنان الشعب، الذى أهملته وزارة الثقافة طيلة عقود مضت واكتفت بعض المؤسسات الثقافية بتنظيم أمسيات موسيقية عابرة.. وزارة الثقافة تبحث عن قباب وبيجامة فنان الشعب لإقامة متحف يضم مقتنياته لكن المهتمين بتراث الفنان الراحل لم يكتفوا بالتنقيب حول لغز رحيله المبكر وإنما وصل الأمر للبحث عما تبقى من مقتنياته الخاصة لتحقيق شرط وزارة الثقافة بضرورة توافرها من أجل افتتاح متحف خاص لتخليد ذكراه .. هذه المقتنيات تضم "شبشب أو قبقاب أو بدلة أو بيجامة" ولايزال البحث ساريا عنها حتى تتمكن الوزارة من إنشاء متحفه الخاص !.. ربما يدخل هذا الكلام فى إطار النكتة التاريخية، لكن الواقع الصادم سرعان ما يحول النكتة الساخرة إلى لقطة تراجيدية مأساوية عندما نعلم ان منزل فنان الشعب الذى وهب حياته وفنه لمصر، وأبدع أجمل الألحان والكلمات، تحول لخرابة ومقلب زبالة، حيث يقوم الأهالى بإلقاء المخلفات بداخل بعد أن قام أحد الورثة بهدم جدرانه الداخلية تمهيدا لعرضه للبيع بأعلى سعر! رغم مرور أكثر 92 عاما بالتمام والكمال على رحيله ونحو 123 عاما على ميلاده، إلا أن منزل الفنان الراحل لايزال صامدا فى موقعه التاريخى، حيث يقع المنزل الذى تحول لخرابة داخل إحدى الحارات القديمة فى حى كوم الدكة بالإسكندرية، يمتد على مساحة 60 مترا ومبنى من الحجارة والطوب الأحمر وباب خشبى، المشهد يسىء إلى تاريخ الفنان هكذا يرى مثقفو الإسكندرية الذين ناشدوا المحافظة ووزارة الثقافة كثيرا لإنقاذ ما تبقى من المنزل، لكن وزارة الثقافة التى أصدرت أمرا بمنع هدم المنزل، توقفت عن تطويره ولم تتخذ قرارا جادا بإعادة ترميمه وتحويله لمتحف منذ سنوات طويلة، وكان المنزل قائما منذ سنوات قبل أن يقوم أحد الورثة بهدم الكثير من جدرانه حيث لم يتبق سوى الحائط الخارجي الذى يأتى إليه محبو الفنان سنويا للغناء بجواره. وهو يقع ضمن قائمة المنازل المحظور هدمها وصدر القرار بتحويله لمتحف عام 1992 ليضم المقتنيات الخاصة التى تتمثل فى (العود، والعصا، والنوتة الموسيقية) وهو ما لم يحدث حتى الآن. من جانبها أعلنت لجنة حماية التراث المعمارى بالإسكندرية أن المفاوضات فشلت فى تطوير المنزل وأن احد الورثة رفع السعر وساهم مع الحى فى هدم الكثير من الجدران. لكن الحالة السيئة التى يعانى منها ما تبقى من منزل فنان الشعب لم تصرف الأنظار من العشاق والمريدين من الذهاب لساحة المنزل وإعادة تقديم أغنياته، فقد كانت ألحانه وأشعاره وكلماته سابقة لعصرها ونظرا لقيمتها الثقافية والفنية الرفيعة فقد تحولت لأعمال خالدة بالمعنى الدقيق للكلمة بحيث تتناقلها كل الأجيال التالية على جيل سيد درويش وفى مصر الآن عشرات الفرق المسرحية والغنائية التى لا تزال تحرص على تقديمها مهما اختلفت الأذواق وذلك لأن الأعمال الجميلة تبقى دائما. ومن المعرف أن سيد درويش عاش حياة قصيرة بين عامى 1892و 1923، حيث ولد بحى كوم الدكة بالإسكندرية وكان والده المعلم درويش البحر يمتلك ورشة صغيرة للتجارة بالحى وعند بلوغه الخامسة أدخله والده كتاب سيدى الخياش ثم انتقل إلى مدرسة حسن حلاوة فتعلم القراءة والكتابة وحفظ قسطا من القرآن الكريم وفى سن العاشرة التحق بمدرسة شمس المدارس بحى رأس التين حيث تعلم آداء الأناشيد الدينية والقومية وكان يقود الأطفال فى ترتيل الأناشيد .. عاش حياة بسيطة فى البداية لدرجة أنه عمل فى مهنة طائفة المعمار وفى إحدى المرات وهو يدندن أثناء هذا العمل الشاق اكتشفه الممثل أمين عطا الله وضمه لفرقته وفى عام 1914 كون سيد درويش فرقة خاصة به وقدم ألحانه وأغانيه على مقاهى الثغر ثم استقر فى القاهرة بعد ذلك حيث كون فرقته المسرحية عام 1921 وقدم بها أشهر أعماله وأوبريتاته "شهرزاد والعشرة الطيبة والباروكة" هناك دائما مريدون وعشاق كثيرون للابداع الأدبى والفنى والثقافى الجاد ففى عام 1947 أنشأ عدد من كبار مبدعى مصر وعلى رأسهم العقاد وتوفيق الحكيم وعبد المجيد بدر ومحمد على حماد وبديع خيرى جمعية أصدقاء موسيقى سيد درويش بهدف المحافظة على الابداع المصرى الذى لحنه سيد درويش فى العقد الأول والثانى من القرن العشرين وهذه الجمعية لا تزال نشطة وتكثف احتفالاتها فى ذكرى ميلاد ووفاة سيد درويش . حيث يقول إبراهيم حجى، من أعضاء جمعية سيد درويش، أنها تكونت عام 1947 بالقاهرة وكان موقعها فى دار الأوبرا القديمة بالعتبة ثم فى مسرح الريحانى ثم استقرت فى أتيليه القاهرة منذ حوالى 40 عاما ، قامت الجمعية بجمع تراث سيد درويش وكان لها الفضل فى تسجيل أوبريتات العشرة الطيبة وشهرزاد والباروكة وهى حاليا تقوم بنشر هذا التراث العظيم وتعريف الأجيال الحالية به كما ترعى الجمعية فريق موسيقى سيد درويش الذى يتكون من عدد من الشباب تحت إشراف حفيد فنان الشعب الفنان محمد حسن سيد درويش وجمعية سيد درويش هدفها إحياء موسيقى فنان الشعب ورعاية المواهب الشابة ونشر الثقافة الموسيقية والمسرح الغنائى والأشعار الوطنية التى كتبها أعظم الشعراء فى مصر ومنها نشيد بلادى بلادى . وقد تعاون سيد درويش مع بديع خيرى وعدد آخر من أعظم شعراء وكتاب ذلك العصر حيث لحن 4 مواويل و39 موشحا و132 طقطوقة و22 نشيدا وطنيا و24 مونولوج هذا بالاضافة للأعمال المسرحية التى لحنها .. 0 0 0