لا أحد يتخيل عند المرور من منطقة المدافن بالإمام الشافعي، وبالأخص عند منطقة تسمى (حوش الباشا) أو (حوش أفندينا) بمنطقة السيدة عائشة أن يجد مثل هذا الجمال فى العمارة والفن الإسلامي الرائع الذي لا ينتبه إليه كثيرون، كما أنه أيضًا لا يوجد على الخريطة السياحية للشركات السياحية أى ذكر ل " حوش أفندينا " الذى صمم خصيصًا ليكون مدفناً للعائلة العلوية، وقد اختاره محمد على باشا فى بدايات القرن التاسع عشر ودفن به معظم أفراد العائلة العلوية داخل مقابر غاية فى الجمال والروعة فى الفن، وجميع التركيبات الرخامية صنعت فى أوروبا علي أيدي أمهر الفنانين خصيصًا للأسرة العلوية، لكن للآسف.. هذه المقابر التى تقع خلف مسجد الإمام الشافعي ، تعيش أسوأ حالاتها حاليا , إذ تواجه خطر السرقة والإهمال , ولا يعرف الترميم طريقه إليها , والعديد منها لم يسجل كأثر , كما أن حراستها غير كافية ، مما يهددها بالضياع , ويحرم قطاع الآثار من تراث يحكي جزءا من التاريخ المصري الحديث , الأمر الذي يتطلب تدخلا عاجلا لإنقاذ هذه المقابر , وتسجيلها جميعا , مع وضع خطة عاجلة لترميمها والاهتمام بها ، وتقع هذه المقابر تحت ثلاث قباب كبيرة الحجم وبجوارها ثلاث أخري متوسطة ، هذه القباب محمولة علي أعمدة حجرية مربعة البناء ، كما أن الأضرحة حظيت بعمارة ونقوش بديعة , بينما مدخل المدفن تعلوه قبة صغيرة تتدلي منها ثريا نحاسية قيمة , وهو يؤدي إلي صالة كبيرة ذات بابين يؤديان إلى حديقة المدفن وحجرة الحارس , وفي نهاية الصالة يوجد باب كبير يؤدي إلي داخل المدفن ، . وأول ما يقابل الزائر ضريح " نور هانم " والدة الخديو عباس , وهو من أضخم وأفخر الأضرحة النسائية بمجموعة مدافن الإمام الشافعي ، وطوله نحو ثلاثة أمتار , وعرضه متر ونصف المتر , وارتفاعه عند الشاهد 4 أمتار , وهو من الألبستر النادر ، ويمزج الضريح مثل معظم مقابر الأسرة المالكة بين البناء الهرمي الذي اتبعه قدماء المصريين , وبين الطراز العربي والإسلامي في نقوشه ووجود شاهد القبر أعلي الضريح . وعلي يسار الضريح يرقد الخديو عباس الأول تحت ضريح يساوي في فخامته وروعة نقوشه ضريح نور هانم , ويتكون أيضا من ثلاثة طوابق منقوشة بأشكال نباتية وعربية جميلة يعلوه شاهد كتب عليه باللغة التركية تعريف بصاحب القبر , والدعاء له , ويعلو الشاهد الطربوش التركي .. وقد أحيط هذا القبر بسور نحاسي ضخم منقوش بأشكال هندسية مفرغة , وبني هذا السور ليفصل بين قبر نور هانم , وقبر الهامي باشا شقيق الخديو عباس وضريحه طابقان من الرخام المزخرف , وقد نقشت عليه الآيات القرآنية ، وتعتبر المقابر الثلاث مجموعة مستقلة تقع بمدخل المدفن تحت احدي القباب الدائرية الكبيرة . كما توجد تحت القبة المجاورة عدة أضرحة لزوجات الخديو عباس , وبعض بناته , وصممت من الرخام الفخم بثلاثة طوابق , ونقشت عليها أشكالاً عربية وهندسية ، وتتميز هذه المجموعة بألوانها الجذابة والمتناسقة , خاصة أضرحة فتحية هانم والأميرة شمس زوجتي الخديو عباس , والأميرتين ملك وانجي زوجتي خديو مصر محمد سعيد باشا الذي يرقد في مكان آخر من المدفن في ضريح لا يقل فخامة عن ضريح الخديو عباس الأول , والي جواره يرقد الأمير أحمد بن إبراهيم باشا , والأميرة عين الحياة والدة محمد سعيد باشا , وكذلك يتضمن المدفن قبر الأمير طوسون باشا ابن سعيد باشا والي مصر وولديه محمد ومحمود , والأمير محمد علي ابن إسماعيل باشا , وبعض أفراد الأسرة مثل رقية هانم والأميرة زينب أبناء يكن باشا شقيق نور هانم زوجة محمد علي , وهناك ضريح يضم الأمير محمود بن محمد سعيد باشا الذي توفي وهو طفل صغير، وأبرز من دفن في هذه المقابر هو إبراهيم باشا ابن محمد علي القائد العسكري الذي قاد الجيوش المصرية حتي وصل بها إلي مشارف القسطنطينية عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك , وضريحه يتكون من ثلاثة طوابق هرمية من المرمر الايطالي , ومنقوش بالكامل من القاعدة الأرضية حتي أعلي الشاهد بأشكال نباتية وعربية علي الطراز الإسلامي ويمثل في بنائه وزخارفه وحدة هندسية متكاملة الشكل في تناسق هو غاية الروعة والكمال ، ويعلو الضريح شاهدان للقبر الأول كتب عليه أبيات الشعر والمدح والرثاء , والآخر كتب عليه تعريف بصاحبه باللغة التركية ويعلوه الطربوش التركي باللون الأحمر . أما في الخارج فتوجد مجموعة من المدافن أشار اليها حارس المكان، وقال عنها إنها تدعى منطقة الغفير، التى تضم العديد من المقابر التاريخية ذات القيمة الفنية والجمالية , وللأسف لم تسجل كآثار , ومثال ذلك قبر الأميرة شويكار بنت إبراهيم باشا الأول .. التى توفيت يوم الاثنين 17 فبراير 1947، وهى على شكل سرير مغطى بملاءة وعليه وسادة، وكل هذا منحوت من الرخام الناصع البياض، وعلى كل من جوانبه باقة ورد منحوتة من كتلة رخام، ليعطى الورد البروز الذى يخدع البصر على أنه حقيقي، وفوق السرير الرخامى التاج الملكى لتشكل المقبرة تحفة فنية فريدة. كما يقال إنه تحت منطقة الغفير يرقد 40 مملوكا من ضحايا مذبحة القلعة ، وأيضًا من أهم الأشياء التى لا يعرفها المصريون عن حوش أفندينا أنه المكان الذى دفن فيه الملك فاروق فى بداية الأمر بعد وفاته.. ثم تم نقل رفاته فى عهد الرئيس محمد أنور السادات إلى مقابر الأسرة فى مسجد الرفاعى فى ميدان القلعة الآن، كما يقع بالقرب منها في مقابر الغفير ضريح الأميرة شويكار، وعلي الرغم من أهمية هذا المقابر التي تضم رفات حكام مصر في عصر تاريخي مهم .. فإنها لا تحظي بالرعاية , فبعد أن تمت مصادرتها صارت فترة في حوزة الأوقاف ثم حاليا تتبع قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلى للآثار .. ويلاحظ مظاهر الإهمال وتصدع القباب من الداخل وتدهور النقوش بها ونزع جداريات كاملة من جدران المقابر وسرقتها بالإضافة إلي سرقة بعض المقتنيات الثمينة مثل قطعة من كسوة الكعبة المشرفة لم تكون مسجلة كأثر !, كما يتضح للعيان آثار الإهمال الذي يتعرض لمقبرة أبناء الخديو إسماعيل للتمليح والتفتت , كما تبدو مظاهر الترميم الخاطئ بالأسمنت والجبس والمواد القابلة للتفاعل مع الرخام والتي تعمل علي تآكل الحوائط والجداريات .