رغم ارتباطها بالموت إلا أن شواهد القبور تظل توفر مناخا يسمح لفن الخط بالازدهار ، حيث يتفنن الخطاطون في تزيينها بعبارات ، لا تتعارض فيها جاذبية الشكل مع المضمون المرتبط بالغياب . يحدث هذا في مقابر البشر العاديين ، فما بالنا بما يحدث بمقابر الملوك والأمراء؟ في مقابر حوش الباشا بالإمام الشافعي كتب الخطاط مصطفي نوري ددة باللغة التركية شاهد قبر أمينة هانم زوجة محمد علي الكبير ،كما كتب ميرزا سنجلاخ الخراساني شاهد قبر إبراهيم باشا بن محمد علي ، ويعتبر ما كتب علي القبر من أبدع تراكيب القبور في مصر حيث تضمنت التركيبة كتابات بالفارسية وزخارف نباتية جذبت روعتها العديد من الرحالة مثل باسكال كوست الذي رسم صورة لها وأوردها في كتابه عن مصر .وقد استغرقت كتابة هذه النصوص نحو ثلاث سنوات . كما كتب تركيبة وضع القبر أيضا . أما عبد الكريم فايق المولوي فكتب ضريح أم الخديو إسماعيل بمسجد الرفاعي وظهر الخطاطون المصريون بعد ذلك حيث كتب محمد مؤنس زادة وتلميذه محمد جعفر قبر أم الخديو توفيق الذي يقع بدوره بمنطقة حوش الباشا ، أما مدفن الخديو توفيق نفسه الذي يعرف باسم قبة أفندينا فكتبه حسن سري أفندي . وكان شاهد قبر الأميرة فريال والدة الملك فؤاد من نصيب المبدع مصطفي الحريري ، كما كتب الشريط الخطي للحجرة التي دفنت بها بمسجد الرفاعي وقد دفن بها الملك فؤاد نفسه ، وقدكتب الحريري أيضا شريط الحجرة المجاورة التي أنشيء بها فيما بعد قبر شاه إيران . ورغم استعانة محمد علي بالخطاطين الأجانب إلا أن القدر كتب لخطاط مصري أن يشارك في كتابة شاهد قبره بمسجده بالقلعة ، حيث أمر الملك فاروق الخطاط حسين مصطفي الغر بذلك. تبدو الخطوط في كل المقابر السابقة نابضة بالحياة لا تهاب من سطوة الموت ، لتؤكد أن الفن قادر علي البقاء إلي ما لانهاية .