صدر عن مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية كتاب ديوان الخط العربي في مصر في عصر أسرة محمد علي، في إطار سلسلة كتب جديدة بعنوان دراسات الخط العربي المعاصر، والكتاب من تحرير الدكتور خالد عزب؛ مدير مركز الخطوط بالإنابة، والباحث محمد حسن، ويضم أكثر من 1000 صورة من أندر الصور التي تتعلق بالخط العربي والخطاطين. ويتعرض الكتاب الذي يقع في 550 صفحة إلى الخط العربي وتاريخه في فترة أسرة محمد علي (1805- 1952م)، بوصفه مجالاً معرفياً وتاريخياً رحباً يشمل كل أوجه الإبداع الإنساني ويتسع إلى امكانية فهم تاريخ مصر من خلاله. وقد سعت مكتبة الإسكندرية من خلال هذا الكتاب إلى تقديم محاولات لفهم الخط العربي وما يحف به من المعاني من خلال خمسة فصول اهتم كل فصل منها بمدخل معين. ويشير الكتاب إلى أن فن الخط العربي يعتبر من أبرز الفنون العربية التي ظهرت في الإبداع الفني الإسلامي، حيث حمل الخط العربي باتجاهاته ومدارسه، الخصوصية الحضارية والإنسانية للفن العربي، فبدأ وانطلق فن الخط العربي من الجذور الأولى للكتابة العربية، وبرزت قيمة الكتابة كحامل للنص، واختلفت مهمته عن الكتابة في الحضارات الأخرى وتميز عليها، في تجاوزه لمهمته الأولى من نقل للمعاني والأفكار، إلى مُهِمَّة جمالية أصبحت غاية بحد ذاتها. وتعد دراسة الخط العربي من العلوم المهمّة في مجالات عدة مثل: اللغويات، والآثار، والنقوش، وتاريخ اللغات، وعلم التاريخ، إلى جانب أنه فن خالص من الفنون الإسلامية ويدخل شريكاً في باقي أنواع الفنون. وتعنى سلسلة دراسات الخط العربي المعاصر بتوثيق تراث هذا الفن العظيم، واختارت فترة أسرة محمد علي باشا ليكون محوراً لأول الإصدارات لرصد كتابات تلك الفترة وتوثيقها بشكل فني وتاريخي من خلال المساجد، والأسبلة، والمدافن، والقصور الملكية، إلى جانب المتاحف. ولم يقف الأمر عند كتابات المساجد، بل تعداه ليشمل مخطوطات تلك الفترة وأوائل الكُتب المطبوعة، وأغلفتها وحروف الطباعة الأولى، وأيضاً الدراسات الأدبية والتاريخية التي تتعلق بالخط العربي، التي تُعد من أوائل الدراسات العربية لهذا العلم والفن. وقد حظيت نهضة مصر الحديثة الثقافية في القرن التاسع عشر بالاهتمام من قِبل الباحثين، وذلك بدراسة الكثير من الجوانب الحضارية العديدة التي شهدتها تلك الفترة، ومنها تاريخ الطباعة والصحافة، وحركة التربية والتعليم، وحركة الترجمة، وحركة النشر، هذا إلى جانب الدراسات الشاملة لأسرة محمد علي باشا، إلا أن جانباً هاماً لهذه النهضة وهي الحركة الفنية والتشكيلية عموماً والخط العربي خصوصاً لم يحظ بالدراسات الأكاديمية التي ترصد وتحلل مظاهر وأشكال التطور المادي لهذا الفن في تلك الفترة. وتمثلت في تلك الفترة عناصر عدة جعلتها ثرية بالدراسة والوصف، فمن البداية أسُتقدم كثير من الخطاطين الأتراك والفرس، أمثال سنجلاخ خراساني، وعبد الغفار بيضا خاوري، وعبد الله زهدي، والشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي، وأحمد الكامل آخر رئيس الخطاطين بالدولة العثمانية، وغيرهم، ليكونوا نواة لذلك الفن في مصر، إلى جانب الخطاطين المصريين، فظهرت مدرستان، الأولى التقليدية ويمثلها الفنانون المصريون، والأخرى الحديثة ويمثلها فنانو الفرس وتركيا. وشهدت تلك الفترة أيضاً عمليات إحياء لكثير من الخطوط المندثرة، مثل الخط الكوفي، كما واكبت إنشاء الكثير من المباني التي أصبحت من معالم الخط العربي، ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على المستوى العالمي، مثل سبيل أم عباس، ومسجد الرفاعي، وسبيل الشيخ صالح أبو حديد، وغيرها، هذا بالإضافة إلى الكتب والدراسات التي تعلقت بفنيات وتاريخ الخط العربي، التي كان لها السبق العلمي والفني، وأخيراً بظهور أخر شعار كتابي في العصر الحديث في عهد الملك فؤاد. ويضم ديوان الخط العربي في مصر في عصر أسرة محمد علي تراجم لأبرز فناني الخط العربي من المصريين وغيرهم، مع عمل مسح كامل لآثار هؤلاء الفنانين، من لوحات ومتعلقات شخصية أو رسمية. وقد ساعد في تجميع تلك المعلومات والبيانات عدد كبير من الجهات الرسمية، أبرزها المجلس الأعلى للآثار، والجمعية المصرية للخط العربي، وبعض أسر كبار الخطاطين المصريين. ويتناول الفصل الأول من الكتاب الخط العربي في مصر قبل أسرة محمد علي، ويتعرض لبعض المحاور أهمها دور العثمانيين في الخط العربي، ثم مدرسة الخط العربي في مصر تحت الحكم العثماني من خلال تعليم الخط العربي، والإجازة الخطية، وأدوات وفن الكتابة، ثم محاولة لرصد نتاج المدرسة الخطية المصرية في الفترة العثمانية، كما تناول الفصل الأول تأثير الحملة الفرنسية على الخط العربي في مصر. أما الفصل الثاني، فقد جاء بعنوان الباشا والخط العربي، ويعتبر محاولة لرصد أهم عناصر تأثير محمد علي باشا على الخط العربي، من خلال استدعاء وجلب مجموعة كبيرة من الخطاطين أمثال ميرزا سنجلاخ الخراساني، وعبد الغفار بيضا خاوري، وحسن وفائي وغيرهم من أهم الخطاطين. وتم رصد التأثير في الخط العربي من خلال التعليم، وشكل العمارة والمؤسسات في عصر محمد علي،التي اهتمت بالخط العربي مثل دار الكسوة الشريفة بالخرنفش، ومطبعة بولاق، واختتم الفصل الثاني بأثر اللغة التركية والفارسية على اللغة العربية، وأثر العمارة التركية على الخط العربي. ويضم الفصل الثالث، والذي جاء تحت عنوان أسرة محمد علي والخط العربي: الخط العربي بين التغريب والإحياء مجموعة كبيرة من خطوط المساجد، والأسبلة، والمدافن، والقصور الملكية، إلى جانب المتاحف، وضم عرضا للسير الذاتية لأشهر الخطاطين في تلك الفترة، أمثال عبد الله زهدي، وعبد الكريم فايق المولوي، ومحمد أمين الزهدي، وإبراهيم البغدادي. ويتعرض الفصل الثالث أيضاً لأشهر خطاطي المدرسة المصرية، مثل محمد مؤنس زاده، وحسن سري أفندي، والشيخ مصطفى صالح الغَرّ، ومحمد جعفر، ومصطفى الحريري، ومحمد إبراهيم الأفندي، ومحمد الجمل، ومحمد محفوظ؛ أول من ابتكر خط التاج، ومحمد غريب الغربي، والشيخ علي بدوي، ومحمد رضوان علي، والشيخ محمد عبد الرحمن، ومحمد مرتضى محمد خليل. واختتم الفصل الثالث بعرض لسير أهم خطاطين في تلك الفترة وهم: يوسف أحمد مصطفى بك غزلان، ومحمد حسني، وسيد إبراهيم. وجاء الفصل الرابع من الكتاب بعنوان دور الملك فؤاد في نهضة الخط العربي، فعرض للشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي الذي استدعاه الملك فؤاد ليكتب له مصحفاً ويذهبه، وأمره بإنشاء مدرسة تحسين الخطوط الملكية، إلى جانب دور الخطاط نجيب هواويني بك خطاط الملوك في تأسيس اتحاد الخطاطين العالمي. ورصد هذا الفصل علامات الترقيم في اللغة العربية، ونشأة مدرسة تحسين الخطوط الملكية، ومجمع اللغة العربية وتحسين الكتابة العربية، وفكرة خط التاج الذي أمر الملك فؤاد بالعمل به في المؤسسات والمصالح الحكومية، وآخر شعار كتابي وهو المونوغرام الملكي لأسرة الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق. ويتناول الفصل الخامس والأخير الخط العربي في الإسكندرية، ودور فنان الإسكندرية محمد إبراهيم في ازدهار الخط العربي بها من خلال المدرسة التي أنشأها وطلابه الذين نشروا فن الخط العربي من بعده.