جامعة القاهرة تكريم الراحلين والمتقاعدين والمتميزين من العاملين في يوم الوفاء    استمرار البرنامج التدريبي للمرشحين لشغل المناصب القيادية بمعهد إعداد القادة    الغربية نموذج عالمي للتكتلات الاقتصادية.. المحلة الكبرى للمنسوجات وشبشير الحصة لعسل النحل كنماذج رائدة    محافظ الإسكندرية وسفيرة الولايات المتحدة يبحثان تعزيز التعاون في قطاع النقل البحري    عاجل - مدبولي: رسائل الرئيس في القمة العربية تجسد ثوابت الموقف المصري تجاه قضايا المنطقة    هيومن رايتس ووتش تتهم إسرائيل بتهجير السكان قسريا في سوريا    اتحاد شمال إفريقيا للخماسي الحديث يختار أحمد ناصر نائبًا للرئيس    الداخلية تكشف ملابسات فيديو ظهور شاب تحت تأثير المخدرات في الجيزة    هيثم نبيل يخوض أولى تجاربه التمثيلية في مسلسل لينك    بعد فوزه بالأسد الفضي في فينيسيا.. فيلم صوت هند رجب يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي نوفمبر المقبل    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    وزيرة التنمية المحلية تتابع جاهزية المحافظات لمواجهة موسم الأمطار والسيول    مصر وفرنسا تبحثان إطلاق 100 مدرسة مصرية فرنسية لتعزيز التعليم العام والفني    خلال تصوير برنامجها.. ندى بسيوني توثق لحظة رفع علم فلسطين في هولندا    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    الأزهر للفتوى: يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه في حالة واحدة    عالم أزهري يكشف لماذا تأخر دفن النبي بعد موته وماذا جرى بين الصحابة وقت ذلك    "عليهم أن يكونوا رجالًا".. هاني رمزي يفتح النار على لاعبي الأهلي عقب تراجع النتائج    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    «جوتيريش»: سيذكر التاريخ أننا كنا في الخطوط الأمامية من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني    جيش الاحتلال: قصفنا أكثر من 150 هدفًا في غزة خلال اليومين الماضيين    قبل بدء الدراسة.. تعليمات هامة من التعليم لاستقبال تلاميذ رياض الأطفال بالمدارس 2025 /2026    وزارة العمل: 3701 فُرصة عمل جديدة في 44 شركة خاصة ب11 محافظة    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    أبو مسلم يهاجم ترشيح فيتوريا لقيادة الأهلي    آخرها فيروس «A».. تعرف على تاريخ إصابات إمام عاشور مع الأهلي    «عودة دي يونج».. قائمة برشلونة لمباراة نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    قبل ترويجها للسوق السوداء.. ضبط 13 طن من الدقيق الأبيض والبلدي    24 سبتمبر.. محاكمة متهم في التشاجر مع جاره وإحداث عاهة مستديمة بالأميرية    مصرع شخصين وإصابة آخر فى اصطدام قطار بدراجة نارية بالشرقية    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 7 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    «ڤاليو» تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقًا عبر منصة «نون»    بدء الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي    رسميًا.. موعد نتيجة تنسيق كليات جامعة الأزهر 2025 (رابط)    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    2 أكتوبر.. انطلاق فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان هي الفنون    إسرائيل تعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا| لمدة 48 ساعة    عاجل- انقطاع الإنترنت والاتصالات الأرضية في غزة وشمال القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي    عاجل- الرئيس السيسي وقرينته يستقبلان ملك وملكة إسبانيا في القاهرة اليوم    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في الشرقية    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا بمستشفى قنا العام لتطوير مراكز التميز في خدمات ما حول الولادة    بعد إصابة إمام عاشور.. طبيب يوضح أعراض التهاب الكبد الوبائي وفترة حضانة الفيروس    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    مركز البحوث الطبية والطب التجديدى للقوات المسلحة يستقبل وزير التعليم العالى والبحث العلمى    وزير الري يشارك في احتفال "الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي" بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها    اليوم.. انطلاق سباقات الهجن غرب مدينة العريش    «طلبت الطلاق أمام البنات».. ضبط «جزمجي» أنهى حياة زوجته في الغربية    ارتفاع مخزونات الشركات في أمريكا خلال يوليو الماضي    كندا: الهجوم البري الجديد على قطاع غزة «مروع»    الصورة الأولى للشاب ضحية صديقه حرقا بالشرقية    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    «تتغلبوا ماشي».. مراد مكرم يوجه رسالة إلى إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملوك ودراويش
نشر في الأخبار يوم 13 - 12 - 2011


هل رأي أحدنا شخصا يقف ليقرأ الفاتحة ترحما
علي ملك أو سلطان أو صاحب جاه. أما الصوفية
وأهل العلم فللمصريين تجاههم موقف آخر
رحلة اسبوعية أحرص عليها علي مدار العام أقوم بهامشياً، تبدأ من ميدان القلعة تنتهي خارج سور القاهرة القديم والذي مازال جزء كامل منه يمتد شمال القاهرة القديمة، يتخلله بابان، باب الفتوح الذي كان يعتبر بابا رئيسيا لدخول القاهرة بالنسبة للوفود الرسمية أو من كان يطلق عليهم القصاد الاجانب، أي سفراء الدول والممالك، كانوا يقبلون الارض ثلاثا قبل أن يسمح لهم بالمرور من خلال بوابة الفتوح ليسلكوا الطريق الي القلعة مركز الحكم في مصر منذ العصر الايوبي وحتي القرن التاسع عشر لمدة تتجاوز الستمائة عام.
رحلتي الاسبوعية تلك من ميدان القلعة، أسلك احد طريقين بعد التوقف في مسجدين الاول مسجد ومدرسة السلطان حسن، والثاني مسجد الرفاعي، الطريق الذي يبدأ من شارع سوق السلاح وينتهي عند باب زويلة، المدخل الجنوبي للقاهرة الفاطمية وامامه يلتقي بالطريق الآخر، الذي يبدأ من شارع محمد علي ويعتبر امتدادا لشارع المعز لدين الله، او قصبة القاهرة، أي الطريق الرئيسي الذي كان يشق القاهرة من الجنوب الي الشمال، محاذيا لمسار النيل، الشريان الرئيسي للحياة في مصر وتلك ظاهرة نجدها في جميع المدن القريبة منه، المطلة عليه، فالشوارع تمشي جواره، تحاذيه ولا تتعامد عليه، إنه المرجعية التي تحدد اتجاه الطرق والمدن لتلك الرحلة التي اقطعها سيرا علي الأقدام، اتوقف عند محطات معينة، فمرة أقضي وقتا في مسجد ومدرسة السلطان حسن، أو مسجد الرفاعي، او مسجد قجماس الإسحاقي. أحيانا اتأمل لوحات الخط العربي الرائعة المنقوشة علي الجدران: آيات قرآنية، لوحات تذكارية، فيما يعد أكبر متحف للخط العربي مدون علي الحجر، أو أتأمل الزجاج الملون، المعشق بالجبس، والذي يعيد اكتشاف النور، بما يجعل تلك المساجد ديوانا مفتوحا لكل ما يحتويه الضوء من الوان وتدرجات وأطياف وأحيانا أتأمل التكوين المعماري لكل بناء علي حدة، وأحيانا اكتشف بعض الحقائق الدفينة لعلاقات الناس ببعضهم البعض من خلال تأملاتي في الاضرحة والزوايا والحنايا، أكتشف حقائق دفينة لا تخص العمارة فقط لكن تخص حقائق في السياسة والتاريخ وعلاقات الحاكمين بالحكام.
أتوقف اليوم امام مسجد مهيب، يعد من ناحية العمر حديثاً، فقد بدأ بناؤه في القرن التاسع عشر وتم في القرن العشرين، ويُعرف الآن رسميا بمسجد الرفاعي، انه يقوم في مواجهة مسجد السلطان حسن الذي يعد بحق ذروة فن العمارة الاسلامية في مصر، كأن المهندس العثماني الذي صمم مسجد الرفاعي أراد أن يجاري مسجد السلطان حسن او بلغة النقد الادبي الحديث، يتناص معه، لكن شتان طبعا فمسجد السلطان حسن ليس كمثله بناء.
الرفاعي
ما اتوقف أمامه اسم المسجد، كما ذكرت فإنه معروف بالرفاعي، ولكن لا علاقة له بالاسم الذائع وصاحب البناء أو من أمر بتشييده وأنفق عليه، من يري لوحات كتاب وصف مصر الاشهر الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية، سيري لوحة لمسجد السلطان حسن. في زمن الحملة لم يكن لمسجد الرفاعي وجود، لذلك تبدو الكتلة الهائلة التي تجسد مسجد السلطان حسن. مكان مسجد الرفاعي كان يوجد مسجد فاطمي يعرف بمسجد الذخيرة الذي انشأه متولي الشرطة المعروف بذخيرة الملك جعفر. كان ذلك عام 615 ه - 2211 ميلادية. توضح لنا لوحة وصف مصر ايضا زاوية الرفاعي الصغيرة التي كانت موجودة في المكان وما جاورها من أبنية، يظهر مسجد المحمودية وما جاوره من مبان حتي شارع سوق السلاح. في سنة 6821 هجرية - 9681 ميلادية، قررت السيدة خوشيار هانم والدة الخديو اسماعيل تجديد زاوية الرفاعي، واشترت الاماكن المجاورة لها وهدمتها وعهدت الي المرحوم حسين باشا فهمي وكيل الاوقاف وقتئذ بإعداد مشروع لبناء مسجد كبير تلحق به مدافن لها ولاسرتها وقبتان للشيخين علي ابي شباك ويحيي الانصاري والشيخ علي أبي شباك هو حفيد الشيخ احمد الرفاعي، شيخ الطريقة الرفاعية المدفون في بغداد الآن والمتوفي سنة 875 ه - 2811 ميلادية ولذلك لا توجد علاقة بين اسم المسجد الشائع وبين القطب الصوفي الاشهر الذي يرقد الآن في العراق.
بدأ بناء المسجد عام 9681 ميلادية واستمر العمل سائرا في بنائه حتي ارتفع علي وجه الارض، وكما يذكر المرحوم الدكتور حسن عبدالوهاب في كتابه الصغير، الجميل عن مسجد السلطان حسن فقد توقفت اعمال البناء نحو ربع قرن بعد ان وافت المنية السيدة خوشيار هانم »الوالدة باشا« وأذكر انني رأيت صورا فوتغرافية للمسجد وقت توقف البناء في سنة 5091 من القرن الماضي، استؤنفت اعمال البناء وتمت تحت اشراف المهندس الانجليزي هرتس باشا، تم العمل سنة 1191 وافتتح المسجد بصلاة الجمعة في بداية سنة 0331 هجرية - 2191 ميلادية وسرعان ما عُرف المسجد بالرفاعي، لقد نسيت تماما السيدة خوشيار هانم ونسب البناء الهائل بكل ما حواه الي ذلك الصوفي الدرويش الفقير الشيخ علي أبي شباك، وتقع المقصورة الخشبية التي اقيمت حول ضريحه امام المدخل المهيب للمسجد في مواجهة الداخل مباشرة، وفي حدود ما رأيت لم اعرف مقصورة اقيمت بالخشب المطعم بسن الفيل في مثل رقة وجمال ودقة هذه المقصورة التي يقع داخلها ضريح الشيخ الصوفي المجلل بعمامة خضراء والذي منح المسجد كله اسمه. مسجد الرفاعي معلمة اساسية منه تبدأ مواكب الطرق الصوفية، واحتفالات مولد النبي ومن قبل كانت كسوة الكعبة تعرض في ميدان الرميلة الذي يقع امام المسجد وتحت القلعة، قبل أن توضع في صناديق تحملها الجمال الي مكة.
كلما زرت المسجد اقف مثل معظم المصريين امام ضريح سيدي الشيخ علي ابي شباك لاقرأ الفاتحة علي روحه الطاهرة، وأقضي معظم الوقت لتأمل لوحات الخط الرائعة التي كتبها الشيخ مصطفي الحريري الخطاط، والشيخ عبدالله زهدي. إنها متعة رائعة لا أري خلالها الخط فقط انما أسمع منه الموسيقي ورقة الايقاع.
الشاه نشاه
معظم زوار المسجد تنتهي علاقتهم هنا أمام ضريح الشيخ علي أبي شباك، يقفون في خشوع، يقرأون الفاتحة ترحما قبل او بعد ادائهم الصلاة، ومنهم من يشعل شمعة او يضع نقودا في صندوق النذور، ثم ينصرفون ولا يخطر ببالهم زيارة الاضرحة الملكية التي تقع الي الجهة البحرية، والي الجهة الغربية، بل إن معظم المترددين لزيارة ضريح الشيخ علي أبي شباك يجهلون اضرحة ملوك مصر من ابناء اسرة محمد علي وآخر من رقد إلي جوارهم الشاهنشاه اريا مهر رضا بهلوي، ملك الملوك، شاه ايران، الذي ضاقت به الارض بما رحبت بعد خلعه ومات ليدفن في مكان لم يدر بخلده قط ان يرقد فيه، في هذا الركن القصي من مسجد الرفاعي، حقا.. »وما تدري نفس بأي أرض تموت« - صدق الله العظيم1.
في الحجرة البحرية مراقد اولاد الخديو اسماعيل ابنه علي جمال الدين، وابنته توحيدة هانم وغربي الحجرة ضريح خوشيار هانم منشئة المسجد والمتوفاة سنة 5881 ميلادية، إلي جوارها الخديو اسماعيل، اما القبة الثالثة المجاورة فيرقد تحتها زوجات الخديو اسماعيل ويتصل بهذه القبة حجرة بها قبر السلطان حسين كامل المتوفي سنة 7191 يعلوها سقف ملون.
اخيرا نصل إلي الاضرحة في الزاوية الغربية من المسجد، حيث يرقد الملك فاروق آخر ملوك أسرة محمد علي، يليه ضريح والده الملك فؤاد، يليه ضريح الأميرة فريال شقيقة الملك فاروق، وهذا وضع غريب، ان تدفن سيدة إلي جانب رجلين، فقد جرت العادة علي تخصيص جانب للنساء، وآخر للرجال.
ندخل إلي القاعة التالية، فنري بساطا ايرانيا فاخرا، وارضية مختلفة من الرخام الاخضر الذي تتخلله خطوط حمراء، يشبه الرخام الموجود في ضريح مولانا وسيدنا الإمام الحسين في كربلاء، لكن شتان - والعياذ بالله - بين المرقدين، هنا يرقد شاه ايران، ضريح لا يعلو عن سطح الأرض أكثر من نصف متر، بعكس اضرحة ملوك مصر التي ترتفع إلي ثلاثة أمتار أو أكثر.
هذا الضريح بالذات، ضريح شاه ايران يقصده بعض السائحين الأجانب للفرجة وليس للزيارة، وشتان بين الحالين، ولم يحدث قط ان رأيت -كما ذكرت- أحد أبناء الشعب المصري يقصد أضرحة الملوك السابقين بعد زيارة ضريح الشيخ علي ابي شباك والذي يقيم له الناس مولدا كبيرا في كل عام، هل سمعنا بمولد يقام لأحد الملوك؟ لم يحدث قط، ثمة حاكم واحد يزوره الفقراء في ذكري وفاته، ويقفون علي قبره ليقرأوا فاتحة الكتاب، ويترحمون عليه، انه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهذا يعني ان ذاكرة الشعوب الجمعية لا يمكن خداعها ابدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.