النائب العام يستقبل رئيس وكالة اليوروجست ووفدًا من ممثلي الاتحاد الأوروبي    مستقبل وطن: العامل المصري يمتلك وعيًا سياسيًا قويًا.. واستخدم حقه الدستوري لاختيار ممثليه    الداعية مصطفى حسني يحث طلاب جامعة عين شمس على المحافظة على الصلاة    إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    البحوث الإسلاميَّة: الأزهر يُولِي أبناءه من مختلِف الدول اهتمامًا خاصًّا ورعايةً كاملة    أسعار الذهب اليوم.. تعرف على قيمة أعيرة 24 و22 و21    "المصرية اليابانية" تكرم صحفيي الإسكندرية لدورهم في التنوير الإعلامي وتهدي درع الجامعة للنقيب    الجيزة تعلن تصنيف الشقق اعرف شقتك أى فئة قبل الزيادة فى قانون الإيجار القديم    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    «أوتشا»: التمويل غير كافٍ لتغطية الأزمات الناتجة عن المناخ والصراعات    إعلام فلسطيني: وفاة رئيس الأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ عبد العظيم سلهب    نتنياهو: لن أقدم طلبا للعفو إن كان ذلك يعني الاعتراف بالذنب    "أوتشا": التمويل غير كافٍ لتغطية الأزمات الناتجة عن المناخ والصراعات    عبد العاطي يستعرض مع لجنة العلاقات الخارجية ب«الشيوخ» محددات السياسة المصرية    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    سحب قرعة دور ال32 لكأس مصر السبت المقبل بمشاركة الأهلى والزمالك    وزير الرياضة يبحث مع اللجنة البارالمبية مشروع إنشاء مقرها الجديد    سموحة يحرز برونزية دورى المرتبط لسيدات السلة    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    إصابة 13 شخصا فى حادث انقلاب ميكروباص جنوب بورسعيد    ضبط 3 متهمين فى واقعة إصابة طبيب خلال قافلة طبية بقنا    أمن الإسماعيلية يفحص فيديو طفلة الإشارة    بعد استفاقته من الغيبوبة.. محمد صبحي يوجه رسالة ل نقابة المهن التمثيلية من داخل المستشفى (تفاصيل)    خلال جولته بالمتحف الكبير.. وزير السياحة يوجه بتطوير آليات تنظيم وإدارة حركة الزائرين    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    أغرب عادات الأبراج اليومية.. روتين كل برج    تصريح صادم من المطرب مسلم عن خلافاته مع شقيقته    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    الاعتماد والرقابة الصحية تشارك في مناقشات تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تستعرض جهود مصر في تعزيز الأمن الصحي العالمي    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    تفاصيل جديدة في قضية تنمر الطفل جان رامز    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    دوري المحترفين.. أسوان يفوز على الإنتاج الحربي.. والقناة يتعادل مع بلدية المحلة    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    إعلام فلسطيني: غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على غزة وخان يونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



100 عام علي إنشاء "ديوان الموظفين" فى مصر الشباب " تفتح ملف جمهورية " فوت علينا بكرة "
نشر في بوابة الشباب يوم 21 - 11 - 2015

الصين لديها موظف لكل 300 مواطن .. ونحن لدينا موظف لكل 13 مواطنا ، وبالتالي مصر بها أكبر حكومة في العالم ب 7 ملايين موظف ، وفى المصالح الحكومية تجد ما لا يخطر على قلب بشر، فقد تخر صريعا من الوقوف فى الطوابير .. واحياناً تضطر لدفع رشوة لتنتهى من مصلحتك، وفي الماضي كان الموظف الحكومي يحظى بمكانة مرموقة وعيشة كريمة، حيث إن عمله منحه دخلا كافيا ومعاشا ثابتا وتأمينا مضمونا على صحته، مع امتيازات أخرى مثل مجانية التنقل في وسائل المواصلات العامة، لكن في الوقت الحالي، فقد الموظف الحكومي تلك المكانة المتميزة، مع تدني دخله الذي جعله بطلاً للفيلم الشهير " الموظفون في الأرض " .. كما ارتبطت بهم العبارة الشهيرة " فوت علينا بكرة " ، ومناسبة حديثنا عن الموظفين في مصر هي ذكري نسيها كثيرون .. مرور مائة عام علي وجود مايسمى بديوان الموظفين .
كتب – خالد جلال عباس ومحمد وليد بركات ويسرا الصحفى :
أصل الحكاية
أنشئ ديوان الموظفين في مصر عام 1915 بهدف تنظيم عملهم منذ بدايته وحتى الخروج من الخدمة، وقد ظهرت فكرته عندما تقدم حسين رشدى باشا وزير الداخلية، بمذكرة إلى مجلس الوزراء يقترح فيها إنشاء مجلس أعلى لشئون الموظفين، نظرا لما تكشف عنه المشاكل والمفارقات وأوجه النقص التي تتسم بها اللوائح المنظمة لإلحاق الموظفين بخدمة الحكومة، واقترح وزير الداخلية أن تكون المسابقات هي أساس الاختيار تطبيقا للعدالة ، ووافق مجلس الوزراء آنذاك على المذكرة، وقد صدر الأمر بإنشاء ديوان الموظفين، وكان عبارة عن إدارة صغيرة، ثم تطورت قوانينه حتى أصبحت المسابقات أساس الاختيار فيه، وكانت المرتبات تقدر وتصرف حسب نوع العمل لا وفقا للشهادات التي يحملها الموظف، وفى عام 1944 اضطرت الحكومة إلى " تسعير الشهادات " تحت ضغط ارتفاع نفقات المعيشة .. وتلاشت قوانين الديوان ، وفى عام 1948 أُعيد التفكير من جديد في إنشاء ديوان لشئون الموظفين والمعاشات لكنه أيضا ظل مجرد إدارة صغيرة حتى صدر عام 1951 قانون بإنشاء ديوان مستقل يتبع وزارة المالية، وهو القانون 10 لسنة 1951 وأعطيت له السلطات ليشرف على موظفى الدولة إشرافا تاما، وفى يوليو 1952 بدأ تطبيقه بعد أن جددت اختصاصاته.
قديما .. كانت طبقة الأفندية
في عصر محمد علي كان كل من شارك في البعثات العلمية من غير أبناء أسرة الباشا يلقب بالأفندي ، حتى أن محمد علي عندما كان يكتب لهم يخاطبهم بقوله "قدوة الأمثال الكرام الأفندية المقيمين في باريس لتحصيل العلوم والفنون" وعلى الرغم من أن لقب (أفندي) قد ألغي في تركيا في 26 نوفمبر 1934 فقد ظل يستخدم في مصر حتى بعد 1952 ، وارتبط نشأة طبقة الأفندية ببداية التعليم الحديث في مصر في عصر محمد علي ويمكننا تتبع مسيرة ذلك الجيل من الأفندية المثقفين العصريين جيل تلاميذ رفاعة الطهطاوي ، وظهر موظفون كبار أمثال مصطفى بهجت ابن الفلاح الفقير، الذى نبغ في الرياضيات والهندسة وأسهم في وضع تصميمات القناطر الخيرية، فمنحه محمد علي 1800 فدان...وتحول بعض الأفندية - من خلال الإنعامات من موظفين إلى كبار موظفين ثم إلى كبار ملاك ، وهناك مصدر آخر لملكيات الموظفين تمثل في الاراضي التي كانت تمنح لهم كمعاش عند إحالتهم للتقاعد وفقا للقرار الصادر في نوفمبر 1860، الذي كان يقضي بمنح كل من يرغب من المستخدمين أحيانا بدلا من معاشهم، هكذا كانت الوظيفة مصدراً للثراء، وهو ما دفع الأفندي (الموظف) لإلحاق أبنائه بالمدارس لينالوا قسطا من التعليم يؤهلهم للعمل بالجهاز الحكومي كموظفين ، وهناك نماذج عديدة تكشف لنا أن الأفندية كانوا موزعي الإنتماء على كل الطبقات فمنهم كان أحمد لطفي السيد والده من أعيان الريف الممتلكين لمئات الأفدنة، والدكتور محمد حسين هيكل كان ينتمي لنفس طبقة أعيان الريف، ومنهم محمد علي علوبة الذي شغل والده عدة وظائف حكومية، وكذلك مكرم عبيد الذي كان والده يمتلك ثلاثين فدانا فقط ثم تحول إلى مجال المقاولات فاستطاع من خلالها تكوين ثروة وامتلك 900 فدان أراضي ،
والحياة الزوجية للأفندي كانت تتشكل على حسب رغبات وقيم الرجل التي يفرضها على زوجته، فالعلاقة بين الرجل وزوجته كانت رسميه إلى حد كبير كما أن تقسيم الواجبات والمسئوليات بينهما كانت محددة ومعروفة، بحيث أن الزوج لم تكن له أي مهام داخل البيت، والأفندية في أصولهم الإجتماعية كانوا ينتمون إلى معظم الطبقات المصرية، وإن تركزت غالبيتهم في أبناء الطبقة الوسطي التي كانت تهتم بتعليم أبنائها وإن جزءا كبيرا من طبقة الأفندية قد تعرضت حياتهم العائلية لمشكلات واضطرابات عديدة جعلت الكثير منهم تنتهي حياته العائلية داخل المحاكم الشرعية وكان ذلك يرجع إلى إضطراب الأصول المعيشية بسبب ضعف المرتبات وغلاء المعيشة.
الموظفون في 2015
يقول خالد بهاء ويعمل في أحد البنوك الحكومية بالقاهرة: أعتقد أن معظم الموظفين الحكوميين يعيشون تحت خط الفقر في ظل ثبات المرتبات رغم الارتفاع الشديد لأسعار كل شيء، فالحد الأدنى لرتب الموظف الحكومي شهريا لا يكفيه ، والقطاع الخاص ما زال يحتاج إلى بعض الوقت ، فكثير من العاملين بمؤسسات خاصة يشكون من ساعات العمل الطويلة وعدم توفير تأمينات اجتماعية مناسبة لهم، أضف إلى ذلك ارتفاع عدد العاطلين ، كل ذلك أدى إلى استمرار الرغبة في العمل في القطاع العام، وهو ما اتضخ في الطوابير الطويلة من الشباب عند الإعلان عن أي وظيفة حكومية .
وأتفق على أحمد موظف فى إحد الشركات الحكومية لقطاع الكهرباء مع ماذكره خالد قائلا: هذا الوضع ينطبق على نحو 7 ملايين شخص وهو إجمالي العاملين في القطاع العام، والذين تظاهر الكثيرون منهم في الآونة الأخيرة في مصر احتجاجا على تدني الأجور من بينهم الأطباء وأساتذة الجامعات، فالحكومة تقول إنها تقوم بجهود لرفع تلك الأجور رغم الميزانية المحدودة للدولة ، وتردي وضع الموظف الحكومي المصرى له عدة أسباب، يتمثل اولها فى ضعف الراوتب ، وفقدت الدولة الكفاءة النسبية التي كانت تتمتع بها في السابق، في ظل تدهور الخدمات التي تقدمها وبروز مشكلات أخرى كالفساد والبيروقراطية، ولم تعد بحاجة إلى هذا العدد الكبير من الموظفين في الوقت الحالي في ظل تقليص خدمات الدولة واتساع نشاط القطاع الخاص .
ومن ناحية أخري ، يؤكد اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن الجهاز الإداري في الدولة متضخم جدا حيث أن عدد العاملين بالدولة تعدى ال6 ملايين موظف والغالبية العظمي منهم لا يؤدون العمل المطلوب منهم على الوجه الأكمل .
كما كشفت فوزية حنفى رئيسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة عن أهمية وحتمية وجود قانون جديد يحكم الحياة الوظيفية بعد أن تسبب القانون 47 لسنة 78 لحلقات متعددة من المشاكل الوظيفية أربكت الحياة الوظيفية وتسببت في خلل كبير للهياكل الوظيفية وخاصة في المجموعات الحرفية والفنية والخدمات المعاونة.. وبسبب القانون 47 لسنة 78 حدثت فجوة هائلة في الأجور بين قطاعات الدولة وغابت مفاهيم العدالة الاجتماعية والأجرية.. وتسبب أيضا في فتح أبواب خلفية للتعيين. ووصلت أعداد العمالة من تلك الأبواب إلي حوالي 750 ألف عامل مؤقت سواء بعقود أو علي صناديق أو حتي باليومية.
وأضافت أن موظفي مصر، دولة منفصلة، لها قوانينها، ولا يستطيع مسئول مهما كان حجم سطوته وقوته النجاح دون نيل رضاها، وهى الدولة الأكبر من نوعها فى العالم، إذ لا يوجد فى أى دولة نحو 7 ملايين موظف كما هو الحال فى مصر.. لذلك اتخذت الحكومة خطوات سريعة لمعالجة الترهل والبيروقراطية التى يعانى منها هذا الجهاز بإصدار قانون الخدمة المدنية الجديد. وطرحت الحكومة المسودة الأولى للائحة التنفيذية للقانون للحوار المجتمعى للوصول للصيغة النهائية.
وأشارت الى أن أهم ما يتميز به القانون الجديد هو إجراء مراجعة شاملة لجميع الهياكل التنظيمية للجهاز الإدارى للدولة قبل مارس 2016، للقضاء على مشكلة تعقد الهيكل الوظيفى والقضاء على المحسوبية والوساطة من خلال ميكنة التعيينات، واختيار الكفاءات لقيادة الجهاز.
"مظاليم" و كيلو اللحمة ب4 جنيه
قدمت السينما على مدار تاريخها الطويل الموظف الحكومي إما بأسلوب ساخر جدا .. أو تراجيدي كئيب فالسينما المصرية جسدت حياة الموظفين تجسيدا حقيقيا سواء وهم على مكاتبهم أو خلال المعاناة اليومية في المواصلات وغلاء الأسعار ، ولعل من أشهر تلك الأفلام "معلهش يا زهر" لزكي رستم ، وفى فترة الثمانينات، أنتج فيلم "حد السيف"، وفيه موظف حكومي كبير يعمل في فرقة فنية تقودها راقصة من أجل توفير سبل عيش أفضل لأسرته، لكن الموظف لم يخبر أحدا بطبيعة بتلك الوظيفة الإضافية خشية الفضيحة في المجتمع، وأنتج فيلم آخر في تلك الفترة، هو "الموظفون في الأرض" الذي تناول قصة مدير عام في مؤسسة حكومية، وقد جسد دوره الفنان الراحل فريد شوقي، الذي انتهى به المطاف إلى العمل كمتسول لتحسين دخله، وانتهى هذا الفيلم بمشهد اللقاء بين شحاذين تعرفا على بعضهما البعض عندما قال الأول إنه موظف في وزارة المالية وقال الآخر إنه موظف في وزارة الأوقاف، فكلاهما يعملان في القطاع الحكومي ، فى حين نقل فيلم "عنبر" صورة أخرى للموظف الحكومى الذى كان يحظى بإعجاب الفتيات، فقد قامت فتاة جميلة مدللة فى الفيلم بالوقوف لتختار الشخص المناسب شريكا لحياتها، ولم يكن غريبا أن تتضمن قائمة المتقدمين لها موظفا متباه بأنه قيمة ومركز، وفي وظيفة ميري أي في القطاع العام، أمام تلك الإغراءات، لم تستطع الفتاة أن تقاوم عرض الموظف الحكومي سوى بالقول إنه "كلام جميل ما أقدرش أقول حاجة عنه"..هذه الفتاة هى ليلى مراد، هو أفضل تعبير عن حال الموظف الحكومي في مصر عندما أنتج هذا العمل في أربعينات القرن الماضي مقارنة مع الوقت الحاضر ، وهناك التمسك العنيف بحرفية وروتينية القواعد واللوائح والعجز التام عن إتخاذ القرارات بشكل مستقل أو التفكير بدون تعليمات مسبقة.. نجد أيضا لدينا أساتذة تمثيل التصق أداؤهم بذاكراتنا بسبب هذا النوع من الشخصيات منهم "شفيق نور الدين" ومنهم من سجن بشكل شبه حصري في هذا الدور مثل "رأفت فهيم"، الذي اشتهر بعبارته الخالدة "فوت علينا بكرة يا سيد".. و"أسامة عباس" الذي وضع علامته الشخصية على نمط الموظف المتملق المنافق، ولم يتم كسر الشكل التقليدي لهذا النمط، إلا في حالات محدودة ربما كان أشهرها دور "عماد حمدي" الرائع تجسيدا للموظف العدمى اللامبالي بإنتقادات رؤسائه بسبب إهماله وإدمانه للمخدرات في فيلم "ثرثرة فوق النيل" ، ومع منتصف التسعينيات وبداية الحضور الكبير للشركات عابرة القارات، تواجدت أشكال وأنماط جديدة من الموظفين .
هموم وأحلام علي الورق
حضرة المحترم هي الرواية الوحيدة لنجيب محفوظ وربما في مصر كلها التي عبر فيها عن حال الموظف الحكومي، وإن جاءت في أسلوب شخصية سيكوباتية مثل بطل الرواية، لكنه عبر عن الموظف الحكومي الخارج من بيئة متواضعة وظروف طفولة قاسية، جعلته طوال الرواية يحاول الخروج من بيئته ليصل لمستوى أعلى مهما كلفه ذلك من عناء، فنجدة يقول على قبر والديه (عهد الله أن أنقلكما إلى قبر جديد إذا حقق الله آمالي..)، حيث أفتتح نجيب محفوظ روايته بفتح باب المدير ليدخل منه إلى عالم الرواية، عالم عثمان بيومي بطل الراوية، الذي أنبهر منذ الوهلة الأولى بموكب الإدارة وتمنى مثله، قبل حتى أن يعرف تفاصيل وظيفته، وأنشغل طوال الرواية بذلك الحلم، لتنتهي الرواية بحصوله فعلا على الكرسي لكنه لم يجلس عليه لأن العمر كان أسبق منه، فقد عبر عن نفسه أو وصف حاله بقوله (الأمل طويل والعمر قصير والماضي حقير)، والغريب أن حال الوظائف الحكومية لم تتغير منذ كتبت الرواية عام 1975، بنفس تعقيداتها الروتينية ودرجاتها الوظيفية التي لا تؤمن بالكفاءة وفساد الموظفين، ومحاولة التذلل لمن هم أعلى أملا في أن يصبح مثلهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.