أقر و أعترف و أبصم بالعشرة كما يقولون أن ثورة 25 يناير حققت ما لم يكن يخطر علي بال أي مخلوق في الدنيا و لا حتي علي بال الثوار أنفسهم الذين عندما تحدثت مع بعضهم - وتحديدا شباب 25 يناير - قالوا لي أن اقصي طموحاتهم كان تغيير الوزارة و تعيين نائب للرئيس يضمن لهم عدم توريث الحكم للسيد جمال مبارك .. لكن ما حدث - هو بالتأكيد إرادة ربنا سبحانه و تعالي التي شاءت لمصر أن تتخلص من فساد ساد و طغي و تحكم و بغي - كان شيئا يفوق الخيال ، فمن منا كان يتصور أن الحكم الذي بقي كاتما علي أنفاسنا و قامعا لحريتنا ومغتصبا لحقوقنا لمدة 30 عاما يسقط خلال 18 يوما فقط ؟! ، في تصوري أن ما حدث يدل علي ضعف النظام السابق وهشاشته وايضا قدرته علي أن يصدر لنا صورة غير حقيقية تعكس لنا مدي قوتة و قدرته علي البطش بكل من تسول له نفسه بمجرد التفكير بالنطق بكلمة واحدة .. ومع الوقت صدقنا تلك الصورة وآمنا بها و استسلمنا لها ، لكن يبدو ان النظام لم يقرأ التاريخ جيدا و للأمانة نحن أيضا لم نكن نعلم او ندرك مدي قدراتنا و قوتنا جيدا ..و لم نعمل بالمقولة و التي لا اذكر من صاحبها ولكن مفادها ان الشعب المصري يستطيع في لحظة واحدة ان يأتي بما لم يتخيله بشر و يغير التاريخ مثلما جاء في ثورة 1919، و هذا ما حدث بالضبط عندما بدأت فكرة 25 يناير بصفحة علي الفيس بوك أدت إلي قيام واحدة من أعظم ثورات العالم و التي تكاد تكون الثورة الوحيدة في التاريخ التي خرجت من العالم الإفتراضي حتي وصلت بنا و بمصر كلها لأعظم الإنجازات التي شهدها هذا الوطن علي مدي 30 عاما ماضية . حتي هنا يبدو كل شيء عظيماً و رائعا ، نأتي اذن لما لم يكن كذلك من وجهة نظري البسيطة حتي و إن اختلف معي الكثيرون وهي الطريقة التي تم بها التعامل مع السيد الرئيس حسني مبارك والذي أقسم بالله العظيم اني اعترف و اعلم تماما إن أخطاءه - سواء كانت عن قصد أو دون قصد - تكاد تكون جريمة في حق نفسه قبل أن تكون في حق الوطن ، و المصيبة الأكبر عندما صرح بنفسه لشاهد عيان تحدث للأهرام يوم الأربعاء 16 فبراير إنه عندما قال خطابه الثاني بعد الثورة كان يعلم إن وقت التصحيح قد فات و لن يعود و انه وافق علي سياسات كثيرة لم يكن يريدها تحت ضغط المجموعة التي كانت تحيط به وأن أسوأ هذه السياسات هي نتائج مجلس الشعب الأخيرة ، و الحقيقة إنه عذر أقبح من ذنب ..و الذنب هنا لا يغتفر لأنه أدي إلي جرائم مخيفة ارتكبت في حق شعب بأكمله وصل الحال بأكثر من 90% من ابنائه الي مرض و جوع وفقر اما ال 10 % الباقين من وزرائه و رجال اعماله وذويهم - هذا ان صح ان نقول انهم من ابناء هذا الشعب - فهم من ينعمون بفيلات و قصور مارينا و السخنة و منتجعات المدن الجديدة و ما خفي كان أعظم ، وأكرر مرة اخري اعترافي بأخطاء سيادة الرئيس و نظامه ..و لكني ضد التطاول عليه بألفاظ لا تصح و أسلوب استخدمه بعض الثوار في حواراتهم التليفزيونية يكاد يقترب من خناقات سائقي الميكروباص في الشارع و لافتات تحمل اشارات اهانة لمن يحملها قبل ان تكون للرئيس مثل " ارحل بقي إيدي وجعتني " ، " إنجز عايز اروح أحلق " ، " انتهي الدرس يا غبي " و اشياء أخري لا يصح ذكرها ، و انا عن نفسي بالرغم من اني كنت أميل في البداية لوجهة النظر التي تقول انه من الأفضل ان يبقي الرئيس لنهاية فترتة الرئاسية إلا أنني بعد الإعلان عن جرائم احمد عز و جرانة و المغربي و باقي الوزراء تغيرت وجهة نظري الي الرحيل الفوري أملا في كشف المزيد من الفساد الذي كنت ادرك وجوده جيدا و لكني لم اكن اتخيل ان يكون بمثل هذه القسوة ، فأقل ما يوصف به فساد النظام السابق انه كان فسادا عنيفا ، و لكني ايضا كنت اتمني لسيادة الرئيس خروجا مشرفا بدلا من هذا الخروج المخزي الذي دفعه اليه دفعا المحيطون به و بعض من خانوه ان كانوا كذلك كما صرح سيادته ، وبالرغم من اني لم أنزل الي ميدان التحرير إلا من أجل انجاز عملي كصحفية و عمري في حياتي ما مشيت في مظاهرات طبعا لأني كنت ممن يستسلمون للأمر الواقع و الذي يقول انه لا أمل في شيء إلا اني اتمني لو أبلغ سيادة الرئيس اعتذاري عن كل ما حدث له و انه مهما كانت جرائمه في حقنا فهو لا يستحق هذه النهاية و انني حتي لو كنت تعرضت يوما لظلما في عهده فالمسامح كريم و عفي الله عن ما سلف ..و انني اتمني له ان يكمل حياته بصحة جيده و يستغفر الله عما ارتكبه في حق وطن لم يكن يستحق من سيادته و لا من رجاله ما فعلوه به و ان يتعامل مع هذه النهاية علي انها قدر قد يغفر الله له بها ذنبا عظيما . نأتي هنا للجزء الأهم وهو : ماذا بعد الثورة ؟! آلا يكفينا ما تعرض له اقتصادنا من خسارة طوال فترة الثورة و الذي يؤكد الخبراء انه وصل الي 310 ملايين دولار يوميا ، آلا يكفينا خراب البيوت الذي تعرض له اصحاب المحلات و المشروعات الصغيرة طوال أيام الثورة ، آلا يكفينا ضياع السياحة ، ما سر كل هذه الإعتصامات و الإضرابات و التي وصلت إلي 35 اضراباً يوميا ، ألم يفكر من يقومون بها انهم يعودون بمصر 10 خطوات إلي الخلف ؟! يا ناس كفاية كده و ياريت و النبي نبدأ نشتغل بقي أحسن الشيء لما بيزيد عن حده .. ينتقلب إلى ضده .