لم يتحمل فراق صديق عمره رسام الكاريكاتير مصطفي حسني ليلحق به في الرفيق الأعلى ويعلن كلمة النهاية لفلاح كفر الهنادوة ومطرب الأخبار وعبده مشتاق وكعبورة.. فقد توفى اليوم الكاتب الصحفي الكبير أحمد رجب عن عمر يناهز 86 عامًا بعد صراع مع المرض.. رحل هذا الكاتب الساخر الذي استمر لأكثر من نصف قرن في إمتاعنا بعموده اليومي نص كلمة.. وبالرغم من مرضه إلا أنه لم يحرمنا منه.. ولد أحمد رجب في 20 نوفمبر 1928، وأثناء دراسته في كلية الحقوق أصدر مع آخرين مجلة أخبار الجامعة، والتي كانت طريقه للتعرف على الكاتبين الراحلين مصطفى وعلى أمين. عمل رجب في مكتب أخبار اليوم في الإسكندرية، ثم انتقل إلى القاهرة، وتولى سكرتارية التحرير واكتشف على ومصطفى أمين مواهبه، ويروى كثيراً من الحكايات عن أخطاء كانت تقع أو مواقف يعلن فيها سياسيون غضبهم من الأخبار فيعلن على أمين فصل سكرتير التحرير أحمد رجب شكلاً، لكنه بقى وظلت أخبار اليوم له مثل الماء للسمك لم يغادرها لينتشر، أو يعيد إنتاج نفسه. وكون رجب ثنائي ساخر مع الفنان الراحل مصطفى حسين، وأخرجا معًا عدد من الرسومات التي كانت تنتقد الواقع بصورة ساخرة، حيث كان رجب هو العقل المفكر الذي يطرح الفكرة ويعبر عنها مصطفى حسين بريشته. وكان الساخر أحمد رجب يحلم منذ طفولته أن يصبح مطرباً مشهوراً - كما ذكر في مقدمة كتابه مطرب الأخبار-، غير أن الحظ لم يحالفه وهداه السبيل نحو بلاط صاحبة الجلالة، فوجد في ريشة الفنان الكبير مصطفى حسين ضالته ليبدعا معاً في رسم شخصية "مطرب الأخبار". وتعاون رجب مع رسام الكاريكاتير الراحل مصطفى حسين وقدما "فلاح كفر الهنادوة"، وهو شخصية كاريكاتيرية من إبداع الكاتب الكبير أحمد رجب وريشة مصطفى حسين ظلت تطل علينا كل أسبوع عبر أخبار اليوم لتخاطب رئيس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب وتنقل له رأي المواطن البسيط تجاه أهم القضايا المثارة، وقال الكاتب أحمد رجب إنه استوحي الشخصية من فلاح بسيط قابله في موقف أتوبيس لم يترك الكاتب أحمد رجب شيئا إلا كان ساخرا منه حتى مرضه، حيث كتب: منذ مدة دعيت أكثر من مرة للاجتماع بالرئيس السيسي، لكن ساقي اليسري الموجوعة تحول دون تلبية الدعوات، وأملت أن أشفي عندما يتم تنصيبه رئيسا، لكن الحظ خذلني، وفي كل يوم أدعو لساقي أن تشفي، لكن طبيبي العبقري صاحب العلاج الطبيعي السحري ضيع علي الفرصة هذا الأسبوع وسافر مع منتخب الكرة لأنه طبيبه منه لله هو والمنتخب. وكتب: شكرا كثيرا لأهلي وناسي الذين أحاطوني بالحب والاهتمام أثناء الوعكة العارضة، داعيا إلي الله أن يجنبهم شر المستشفيات في مصر. وكان أحمد رجب يفتقد لزوجته حيث كتب: كانت لي زوجة محبة تشاركني مر الحياة قبل حلوها،وكانت تملأ الدنيا فرحا وبهجة عندما أفوز بجائزة، وعندما فزت بجائزة النيل أكبر جائزة بعد وفاتها، عدت إلي بيت صامت، وكان غيابها موجعا موحشا، كأنما فارقتني في نفس اليوم، وبكيت كثيراً، نفس الدموع التي انهمرت عندما ذهبت أوقظها ذات صباح أليم فوجدتها في رحاب الله كان الكاتب الكبير مهموما بمصر فكتب: يظهر أن في جسم كل منا جزءا اسمه مصر، لا شفاء من آلامه ولا مسكن، هذا الجزء يضاف إليه عند الفنان مصطفي حسين ساقه العاجزة عن الحركة وتحتاج إلي علاج في الخارج، والساق اليسري عندي المصابة بالعجز عن المشي ويعالجها د.حسام الابراشي، ومع أفراح مصر من يومين خفت عنا الآلام، فأوجاع مصر لا مسكن لها ولا بنج، أما أوجاعنا فيمكن احتمالها وتحويلها إلي رسوم وضحكات. ويبدو أن الراحل كان يشعر بدنو أجله.. حيث كتب منذ عدة أشهر: الآن يا مصر أموت مطمئنا عليك، وعلي أهلي المصريين، إني لا أوصي حاكما صالحا بأهلي، ولكن أوصيكم بحاكم ندر وجوده علي الزمان، وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. ويبدو أنه كان يشعر بإحباط ما حيث كتب: ما جدوي الفرحة إن لم تجد من يشاركك بهجتها؟؟ إن لحظات الانتصار علي الحياة نادرة، فأين راح الذين يحتفون بها ضجيجا مستحبا؟ أين غابت القلوب التي تحيط بك وهي تشع دفئا؟ لا أري أحدا، ولا أسمع أحدا، ليس حولي إلا الصمت. كثير من الصمت. أما عن آخر ما كتب: تسع سنوات استمر الموبايل في الخدمة حتي أدركته الشيخوخة، واشتروا لي تليفونا مليئاً بالأزرار، هذا زر للقاموس، وهذا زر للعمليات الحسابية، وهذا زر لتكييف الهواء، وهذا زر لخرط الملوخية، وهذا زر دورة المياه، وهذا للسيفون، وأعداد لا تنتهي من الأزرار، أما الكلام في التليفون فهو مشكلة المشاكل، الصوت بعيد جدا من يريد الاتصال بي لابد أن يتوافر عنده صبر أيوب.