نشر معهد كارنيجى لدراسات السلام الدولى تقريرا مفصلا حمل عنوان "هل بدأ العد التنازلى للإنقلاب العسكرى فى مصر".. كان الدافع وراء كتابة التقرير هو الإحتجاجات الكثيرة التى يشهدها الشارع المصرى فى الآونة الأخيرة نتيجة الصراع السياسي العنيف وبسبب حالة الإستقطاب بين القوى المدنية والقوى الإسلامية على حساب الاستقرار الأمنى والاقتصادى .. وألمح التقرير أن ثمة نداءات عديدة موجهة للجيش للتدخل مرة أخرى فى الحياة السياسية لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح خاصة وأن الجيش حسبما يقول التقرير لم يخرج من الحياة السياسية بشكل كامل حتى بعد أن أطاح الرئيس مرسى بكبار قادته وذلك لأن الجيش كان ولا يزال شريكا فى ثورة يناير. أشار تقرير معهد كارنيجى إلى أن هناك تشابه كبير فى الظروف والأوضاع السياسية بين ما حدث قبل ثورة يوليو وما يحدث الآن بعد ثورة يناير حيث كانت الأحزاب السياسية وعلى رأسها الوفد قد فقدت الكثير من سمعتها وأصبحت متورطة فى الفساد السياسي والاجتماعى لاحتكارها الثروة والسلطة معا . كما كان الصراع السياسي قد بلغ أشده مما دفع المجتمع لأن يكفر بالحزبية وفى هذا الإطار أيضا كان الاقتصاد المصرى فى محنة .. وبدأ النفوذ الملكى يتغلل أكثر فى إتجاه الجيش وتدخله فى انتخابات نادى الضباط وهنا استشعر الجيش الخطر فقرر أن يتدخل .. وقد رصد التقرير أن هناك قدر من التشابه فيما يتصل بالأزمات والقلاقل السياسية والاجتماعية وفقدان الثقة فى الأحزاب والسلطة. لكن تقرير معهد كارنيجى وصف الانقلابات العسكرية بأنها موضة قديمة فى دول العالم الثالث وعادة ما تحدث فى شهور الصيف لأسباب ربما تتحكم فيها الصدفة أو الترتيبات الداخلية لقادة الإنقلاب، ولكن ما يلاحظ فى مصر أن الذين ثاروا على المجلس العسكرى فى أثناء فترة توليه السلطة هم أنفسهم الذين يطالبونه اليوم بالتدخل لكن القرار لن يكون سهلا بسبب الإحتجاجات والمصادمات العنيفة التى خاضها المجلس العسكرى فى بعض الأحداث التى مرت بها الثورة المصرية.. ونقل تقرير كارنيجى عن مصادر مطلعة فى مصر قولها بأن هناك شعور لدى قادة الجيش بأن هناك نداء للتدخل لكن هذا النداء يجب أن يكون واضحا بشكل كبير وإلا لن يحدث ذلك لأن الضغوط الدولية قد تدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية والإتحاد الأوروبى لمقاطعة النظام الجديد.. لكن أهم ما يلفت النظر فى التقرير هو استناده على فكرة الربط التاريخى بين الماضى والحاضر وهل تتجمع الأحداث كما تجمعت فى الماضى ودفعت لحدوث الإنقلاب .. فى هذا الإطار يقول الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب، جامعة حلون: القراءة التاريخية المبدئية تشير إلى وجود نوع من التشابه بالفعل فى الظروف بين ما قبل ثورة يوليو وما بعد ثورة يناير وذلك من ناحية الإضطرابات والقلاقل وعادة هذه الإضطرابات إذا زادت عن حدودها المقبولة تكون متبوعة برد فعل عسكرى لتغيير الأوضاع وهذا ما حدث قبل ثورة يوليو فمن المعروف تاريخيا أنه منذ عام 1946 حدثت تغيرات سياسية واجتماعية خطيرة فى مصر وزادت القلاقل والإضطرابات بشكل عنيف نتيجة التباطؤ البريطانى عن الرحيل والجلاء تنفيذا لبنود معاهدة 36 وكل فترة كان يتم إقالة الوزارة وتشكيل وزارة جديدة وازدادت معدلات الفقر بشكل رهيب لدرجة أن تقرير الأمن القومى الأمريكى صدر عام 1951 وصف المجتمع المصرى بأنه مجتمع النصف فى المائة أى أن 0,5% فقط يملكون النسبة الأكبر من الخيرات والثروات بينما يرزح بقية الشعب تحت نير الفقر والمعاناة .. خلاصة الرواية التاريخية تشير إلى وجود تشابه فى الفترات التاريخية على صعيد التوتر السياسى والأزمات المتكررة بين الرئاسة والقضاء وبين الرئاسة والإعلام وبين المجتمع والسلطة ناهيك عن الإعتراضات والاحتجاجات المتكررة التى لا تتوقف. ويضيف الدكتور عاصم الدسوقى أن الإنقلابات العسكرية عادة لا يقوم بها الجنرالات لأنهم يتم اختيارهم بعناية فائقة لضمان ولائهم لكن الذى يقوم بمثل هذه الحركات هى القيادات الصغير أو الصفوف الثانية من الضباط التى تؤمن بحتمية التغيير وحاجة المجتمع فعلا للتدخل فينمو بينها هذا الشعور وهذا ما حدث فى ثورة يوليو والتى تكونت من صغار الضباط وقرروا أن تنطلق الحركة فى عام 1955 ولكن الأحداث عجلت بقيامها. ويشير الدكتور عاصم إلى أن حدوث أغلب الانقلابات العسكرية فى الصيف يعد نوعا من المصادفة التاريخية ليس أكثر حتى أن ثورة يوليو نفسها لم يكن مقررا لها أن تقوم فى هذا التوقيت ولكن الأحداث هى التى دفعت الضباط الأحررا للقيام بالثورة مبكرا.