يوليو أم يناير؟ .. أيهما الاحق في الاحتفالات السنوية ، قضية جدلية طُرحت خلال العام الماضي وسط شائعات أن الإخوان في إتجاه مسح الذكرى وشطب ثورة ناصر 52 من الذاكرة المصرية. الدكتور عبدالمنعم سعيد المفكر والمحلل السياسي فى رأيه أن جميع ثورات العالم وُجِدَ بها جدل تاريخي، لأن كتابات "المؤرخين" تكتب من زوايا مختلفة، وغالباً ما يختلف حكم المؤرخ عن حكم السياسي في معظم الثورات، فالإستناد إلى الوثائق والمستندات هي أساس التقييم والتوثيق التاريخي. وعن ثورة 23 يوليو أكد الدكتور عبدالمنعم سعيد أنها ثورة حوَّلَت الأمورالسياسية والاقتصادية بشكل جذري في الدولة، فغيرت نظام الحكم من ملكِّي إلى جمهوري كما غيرت من إتجاهات الدولة فى السياسة الخارجية مع دول الغرب والدول العربية فتم على إثرها الإتحاد مع الدول العربية مثل إتحاد مصر وسوريا، كما غيرت السياسىة الداخلية لها بانفتاح اقتصادي في عصر السادات. اما عن ثورة 25 يناير فقال عبدالمنعم: " أنه من الصعب الحكم عليها حالياً فلم يتحدد الفكر الأيدولوجى والسياسي لها حتى الآن"، وأضاف : "سيكتب التاريخ عن ثورة 25 ينايرأنها حققت انتصار بحَّلِ الحزب الحاكم وتغيير الرئيس" وعن اختلاف المسميات للثورات بالقول أنها حركة أو إنقلاب أو ثورة ، فقال "انا أعتقد انها مجرد ألفاظ، ولكن الثورة الحقيقية هى التي تحدث تغيير جذري في الإتجاهات السياسية الداخلية والخارجية بالدولة بشكل إيجابي، أما إذا تراجعت الدولة أو أبقت الحالة كما كانت عليه فهذا لا يعبر عن ثورة بل مجرد انتفاضة شعبية. وأكد عبدالمنعم أنه من الصعب القول بأن أياً من ثورتي يوليو ويناير تحكمت بها وصنعتها أمريكا، فمن الصعب على الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تحرك القوة العسكرية والجيش المصري فى يوليو، أو الجموع الشعبية في أحداث 25 يناير. وأيد الدكتور عاصم الدسوقي المؤرخ المصري وأستاذ التاريخ المعاصر هذا القول وأكد أن إتجاه السياسة الأمريكية تجاه الثورات يأتي وفق مصالحها فقط ، وأن احتوائها للثورات والتغيرات في أي منطقة بالعالم يأتي وفق مصالحها العليا فإذا لم تتناسب معها حوَّلت هذا التأييد إلي حصار إقتصادي وسياسي، وقد ينقلب الى ضربة قاضية أو حرب. وتابع "الدسوقي" أن التاريخ ذكر تأييد الرئيس الأمريكى لثورة يوليو بعد شهر ونصف تقريباً من قيامها فى أغسطس 1952 ، وعندما نادت الثورة ضد الإستعمار الغربي بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية تغيَير من سياستها تجاه الثورة. فيما نجد هذا التشابه في ثورة 25 يناير حيث أعلنتها أمريكا بوضوح انها مع الثورة الجديدة ولكنها حذرت من المساس بمعاهدة كامب ديفيد وأمن اسرائيل، حينما عبّر شباب الثورة عن رفضهم التطبيع مع إسرائيل على خلفية أحداث السفارة الإسرائيلية، وأكد مرسى بعد توليه، حفاظه على علاقات مصر الخارجية بعيداً عن التوتر الثوري حيث تعهد بالحفاظ على المعاهدات. وعن ما كتبه التاريخ حول ثورة يوليو قال "الدسوقي" أن الثورة بدأت بإنقلاب على السلطة لتصبح السلطة في أيدي الجيش، وكانت ثورة 23 يوليو تسمى "بحركة الجيش" أو "الحركة المباركة " ، إلا أن الأديب "طه حسين" قال عنها :"لا تقولوا حركة بل قولوا ثورة "، فقد نجح الجيش بالوصول الى السلطة. أما عن ثورة يناير فلا يعتبر عاصم الدسوقي أنها حققت نجاحاً يذكر فى التاريخ بجدية، فعلى حد تعبيره لم يصل الشباب الذين قاموا بهذه الثورة منذ أيام 25 يناير إلى السلطة الحاكمة، كما أن استمرار الجمهورية التي أقامها السادات حتى مبارك موجودة، فالذى ذهب مبارك فقط وبقيَّ النظام كما هو. وفي نفس الحديث حول تاريخ ثورتي يوليو ويناير قال الدكتور سعيد اللاوندى خبير العلاقات السياسية وأستاذ الفلسفة السياسية، أن التاريخ يؤكد أن كلتا الثورتين لهما نفس الشعارات ف"عيش وحرية وكرامة اجتماعية " التى نادت بها ثورة يناير هى نفسها شعارات ثورة يوليو وامتداد أيضا لثورتي 1919 وثورة عرابي، وكأنها سلسلة من الثورات لتحقيق العدالة الإجتماعية، وذكر "سعيد" أن الوحيد الذي رفعت صوره في ميدان التحرير وميادين مصر أثناء ثورة يناير هو الزعيم جمال عبدالناصر ، كما أن د.مرسي بخطابه أكد نفس شعارات 23 يوليو مما يؤكد امتداد ثورة 25 يناير من ثورة يوليو لتحقيق كرامة الشعب المصري. وأضاف وقال أن "كلتاهما ثورة عظيمة"، ونفى "اللاوندي" تدخل أمريكا في ثورة يناير ومن يقول غير ذلك فهو إفكٌ وضلال، وتابع أن شباب 25 يناير هم من قاموا بالثورة، والشعب المصري كان يبحث عن "لقمة العيش" وأكد "اللاوندي: أن مباركة دول الغرب للثورات تأتى من منطلق مصلحتها العليا فقط. وعن وصف أداء المجلس العسكري فى كتابات التاريخ ، ودوره فى ثورة يوليو وثورة يناير ، قال : ان بالأولى قام بالثورة، وحمى في الثانية إرادة الشعب، وأن كان يريد إنقلاب على ثورة 25 يناير لكان منذ اللحظات الأولى له في السلطة. وفى النهاية نجد أن الطريف فى الأمر الذي ذكره لنا التاريخ حول" هاتان الثورتان " إستخدام نفس الألفاظ الثورية ونفس الأحداث الزمنية أيضا فى كثير من الأحيان . ففى ثورة يوليو سقط دستور 23 ، وفى ثورة يناير سقط دستور 71، وكان الإخوان المسلمون عنصراً مشتركاً في كلتا الثورتين ففي الأولى بقيادة مرشدها العام في ذلك الوقت حسن الهضيبي، وفي الأخيرة بقيادة حزب "الحرية والعدالة" الذي تزعمه الرئيس محمد مرسي ، وبالرغم من اعتقال الهضيبي عقب ثورة يوليو ، إلا أن فوز مرسى بإنتخابات الرئاسة عقب ثورة يناير كان مفاجأة كبيرة. ونقل لنا التاريخ عن صراع نقل السلطة وإنهاء الفترة الإنتقالية أو امتدادها، وعودة الجيش إلى ثكاناته من عدمه هى نفس أحداث الثورتين. والمفاجأة أن مليونيات أيام "الجُمع" لم تختص بها ثورة يناير فقط أو ثورات الربيع العربي فقد شهدت ثورة يوليو جمعة 27 مايو 1954 ، حيث خرجت حشودا جماهيرية كبيرة من المساجد والمنازل والأحياء الشعبية منددة بقرار مجلس الثورة بإقالة محمد نجيب من منصب رئيس الجمهورية. كما أن إستخدام مصطلحات مثل الفلول، والثورة المضادة هي نفس المصطلحات المستخدمة في الثورتين وهذا ماوثقه لنا التاريخ من خلال الجرائد والمجلات الإعلامية. في النهاية يبقى الجدل قائماً حول ماذا سيكتب التاريخ بعد عشر سنوات من الآن حول ثورة يناير، وما سيتذكره الأجيال نحو ثورة يوليو ... هل سيذكر التاريخ الثورات بكتابات أسطورية أم انه سيجمل عرض الحقائق ؟!