العيد فى الأرياف والقرى المصرية لايزال يحتفظ بالكثير من التفاصيل الإنسانية النابعة من البساطة والعادات والتقاليد .. لكن الجديد فى أعياد ما بعد الثورة هى أن التيارات والأحزاب السياسية تستغل هذه المناسبة فى الدعاية لبرامجها والدفاع عن مواقفها .. ففى مركز سمسطا بمحافظة بنى سويف اشتعلت حرب المنشورات بين التيارات الإسلامية والمدنية، وعقب صلاة العيد قام الإخوان والسلفيون بتوزيع منشورات وبيانات حول أهدافهم السياسية كما قام حزبا مصر القوية والدستور بتوزيع منشورات تدافع عن مدنية الدولة. يقول منشور الإخوان أن العيد نهضة فكما أن العيد فرحة ورحمة فهو أيضا يجب أن يؤدى بالأمة للنهضة والرفعة، فتلك المناسبة التى توحد الأمة تدعونا لأن نحقق مراد الله منا، ولكى نكون خير أمة أخرجت للناس لابد أن ننهض ونتقدم ولابد أن تسود بيننا روح التنافس والعلم، إن الدول التى يسودها الإسلاميون مثل تركيا وماليزيا استطاعت أن تتقدم بسرعة كبيرة بشعوبها تحيا حياة كريمة وذلك ما نرجوه لمصر خلال سنوات أقل .. ولن نتحدث عن تلك النهضة إلى بذل الجهد والتعب لننتج ونصنع كل ما نحتاجه، إن الأمة التى لا تنتج ما تأكله وتلبسه أمه ضعيفة لايمكن أن تتحكم فى قراراتها، وإذا استمرت لغة الإضرابات وتعطيل المصانع عن الانتاج ومطالبة الجميع فى وقت واحد برفع الأجور وتحسين العمل فستسقط الدولة ولن تقوم لنا قائمة يجب أن يكون الإصلاح تدريجيا بعد فساد ونهب لموارد الدولة استمر عشرات السنين. 4 5 وقالت الدعوة السلفية فى منشورها " بعد أن من الله على شعب مصر بزوال الطغيان والاستبداد خرج علينا مستبدون من نوع آخر يريدون أن يطمسوا هوية الأمة وأن يقرروا باسمها ورغما عن إرادتها مبادىء تتصادم مع شريعتها تحت شعارات براقة " الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية". وهى شعارات معسولة فضفاضة لم تعرف البشرية منهجا متوازنا محققا لها على الوجه الصحيح إلا فى ظل الشريعة الغراء ونحن نرى كيف يروج للفواحش تحت مسمى حرية الابداع وكيف يطعن فى الثوابت تحت مسمى الفكر وكيف يهدد نظام الأسرة تحت مسمى المساواة .. ووزع الشيخ حازم أبو إسماعيل رسالة قال فيها " إلى شارع المصرى الكريم الذى لا يركع لغير الله. وفى ظل هذا الصخب لا تزال الحياة بسيطة لم تتأثر مطلقا بمعارك السياسة .. فعلى بعد 200 كيلو متر جنوب العاصمة الصاخبة بالأضواء يمكننا أن نرى بأنفسنا حدوتة مصرية خاصة جدا تشتهر بها قرية استقرت منذ القدم فى حضن الجبل . القرية تسمى نزلة قفطان باشا الغربية التابعة لمدينة سمسطا بمحافظة بنى سويف، هذه القرية تتحول يوم العيد إلى مزار سياحى وترفيهى رغم بساطتها الشديدة .. السر فى ذلك يرجع لوجود مقام الشيخ أبو هشيمة الذى يحظى بمكانة خاصة فى قلوب البسطاء فيتجمع الناس فى ساحته من كل مكان ويتبادلون التهانى ويتناولون الوجبة الرسمية فى هذا اليوم وهى السمك المقلى!! 6 خادمة المقام العجيب تدعى الحاجة إحسان وهى إمراة بدوية مسنة ورغم ما أصاب ذاكرتها من ضعف إلا أنها لا تزال تتذكر الكثير من حواديت الماضى والكثير أيضاً من أسرار هذا المقام وعادات البسطاء يوم العيد فيه حيث قالت لنا: الشيخ سره باتع ده واسمه طبيب "المبالى" يعنى اللى مريض واللى تعبان من دنياه ييجى يزور الشيخ والعبد سبب وربنا هو الذى كتب.. كتب الخير لأهل الخير وترك الشر يلعن فى أهل الشر.. الشيخ كان من أولياء الله الصالحين من أيام الجدود وأستشهد فى الحرب أيام المماليك وهو أصلاً من بلاد الغرب لكننا لا نعرف له أهل ولا نسب .. وفى يوم العيد الناس تأتى للزيارة وتسلم على بعض فى رحابه وتصالح بعضها فى ساحته! ولو واحد تعبان أو مهموم ينزل بئر الشيخ ويشرب من المياه المبروكة ويبلل جسده أو يدفن نفسه فى رمال صحراء الغرب الدافئة حيث يشفى بإذن الله.. وتذكر الحاجة إحسان أن الشيخ له كرامات كثيرة خاصة فى أوقات الأزمات والشدة لدى بعض الناس وعن آخر كرامة من كراماته حسبما قالت لنا أنه خرج من مقامه وساعد سيدة مسنة فى أن ترفع حملاً ثقيلاً بجواره وقد حكت هذه السيدة الحكاية لجميع أهالى العزبة وصدقها البسطاء بالفعل . لكن اللافت للنظر هو أن الشيخ أبو هشيمة أشبه بمصدر رزق سياحى لسكان القرية من البسطاء الذين يسكنون على حافة الجبل بلا أى خدمات أو موارد اللهم إلا مساحة خضراء من الأرض الزراعية حيث يفد إلى القرية المئات من سكان القرى والمدن المجاورة وفى يوم العيد وهو يوم الزيارة الموعود يتحول سكان القرية إلى النشاط التجارى فى أبسط صوره فهناك من يحول العربة الكارو التى يستعملها فى الزراعة إلى دكان متنقل لبيع لعب أطفال وهناك من يحولها إلى مطعم بسيط لقلى السمك حيث تعد وجبة السمك المقلى هى الوجبة المفضلة والشعبية لدى سكان أبو هشيمة .. هذا وعقب صلاة العيد توجه المصلون إلى منازلهم استعدادا للنحر كما قام بيت مال المسلمين فى مدينة سمسطا والذى تم إنشاؤه حديثا بذبح شاة كبيرة لتوزيعها على الفقراء، وأعلنت المساجد عن حاجتها لجلود الأضاحى لمن يرغب فى التصدق بها. هذه هى تفاصيل العيد فى واحد من أبسط القرى المنسية فى مصر والتى إن دلت على شىء فإنما تدل على أن هناك كنوزاً بشرية وحكايات وعادات وتقاليد لم نكتشفها بعد والتى رغم بساطتها إلى أنها تمثل حدوتة مسلية.. حيث أن السياسة لم تفسدها بعد.