أصدر د. محمود غزلان المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين بيانا يرد فيه ما قاله الأستاذ محمد حسنين هيكل في حواره مع جريدة الأخبار.. وقال في البيان أنه وجد الرجل يهيم في كل الآفاق ويسهب ويسترسل ويستفيض في الوصف والتشخيص، وحينما يُسأل عن الحل يجيب بأنه لا يدري! وأضاف قائلا: أشهد أن للرجل قدرًا كبيرًا على استخدام اللغة البلاغية والعبارات الرشيقة والأنيقة والاستعراضات الثقافية حتى لو خرجت كثيرًا عن الموضوع، وحتى لا أضيع وقت القارئ سأدخل مباشرةً إلى النقاط التي أود التعليق عليها: يقول سيادته: "ما يواجهنا الآن أوضاع لا تكفي لحلها انتخابات برلمانية ومجلس أعلى للقوات المسلَّحة، ولا مليونيات الشباب، ولا دستور جديد، أو رئيس يُنتخب رئاسيًّا أو برلمانيًّا..".. وفي ظل قوله إنه لا يدري ما هو الحل فإن هذا الكلام يصير محبطًا للكافَّة؛ لأنه يصير كالقول بأن كل جهودكم هي قبض الريح أو حصاد الهشيم أو هباء بلا طائل، وما هكذا يكون كلام الحكماء المثقفين. ثم يقول: "ومن المفارقات أن كل القوى السياسية التي ظهرت على الساحة دفعت مقدمًا تأكيدًا مسبقًا بالتزامها بكل بنود معاهدة السلام وترتيباتها، وبكل ترتيبات الشراكة مع أمريكا، وهي لا تعرف الكثير عنها، وفي الواقع فإن أحدًا لم يكن يطالب هذه القوى بالتسرع إلى نقض شيء أو سحب التوقيع عن اتفاق، لكن هذه القوى السياسية كانت تستطيع أن تعترف بالمواثيق والتعهدات الدولية على وجه العموم، ثم تعطي لنفسها الوقت على مهلٍ لتعرف وتدرس".. وكأن بالأستاذ لم يقرأ ولم يسمع بموقف الإخوان المسلمين من هذه القضية، وقد كرروه مرارًا، وهو أننا نحترم كل الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات السابقة، وإن كان هذا لا يمنعنا من إعادة النظر فيها؛ لتحقيق التوازن والعدل إلى نصوصها وتحقيق سيادتنا على أراضينا والحفاظ على حقوقنا، والحصول على الموافقة الشعبية عليها. وهنا ملاحظة مهمة، وهي أن الأستاذ هيكل يخلط خلطًا كبيرًا بين الحاكم والدولة في عملية توحد سبق أن استنكرناها على السادات، حينما كان يتهم كل من ينتقد تصرفاته بأنهم يشتمون أمَّهم مصر، وكما قال لويس الرابع عشر: "أنا الدولة"، فالأستاذ يكرر بأن مصر التزمت بأن حرب سنة 1973 هي آخر الحروب، وأن مصر أقرت بأن التزامها إزاء "إسرائيل" يسبق أية التزامات دولية أخرى، والحقيقة أن السادات وحكومته هما اللذان التزما بهذا وليست مصر كدولة وشعب، ونسب الأستاذ إلى مصر أنها وقفت ساكتة إزاء احتلال نصف بيروت وضرب غزة والعدوان على العراق، وهذا الهوان إنما هو من النظام الحاكم، أما الشعب فقد تحرك وتظاهر رغم القهر والضرب والسحل في الشوارع. ومع بدايات الثورة ظهرت حملة من مظاهر الخروج من القفص الحديدي ليس من الشعب فحسب، بل من المجلس العسكري أيضًا؛ لأن الثورة فرضت أوضاعًا جديدة، فالتظاهر ضد سفارة "إسرائيل" وإنزال العلَم من فوقها وفتح معبر رفح لأهل غزة وإتمام المصالحة الفلسطينية- نظريًّا على الأقل- ضد إرادة أمريكا و"إسرائيل"، وأخيرًا وليس أخرًا قضية التمويل الخارجي وإحالتها إلى القضاء؛ تعدُّ معاول في جدار العزلة المصرية. ثم يعزو الأستاذ هيكل سوء الفهم الذي نشأ بين المجلس من ناحية وشباب الثورة وعدد من القوى السياسية في الوطن إلى أن الجيش لم تعد له مهمة حماية الدولة بعد اتفاقية السلام والالتزام بأن حرب 1973 هي آخر الحروب، وهو تفسير خاطئ من أساسه؛ فالشعب المصري بكل قواه وشرائحه يحبون جيشهم وزادهم موقفه من الثورة له حبًّا وتقديرًا؛ لدرجة ائتمانه على إدارة البلاد في الفترة الانتقالية، ورفض معظمهم للأفكار والمقترحات التي تحدثت عن مجلس رئاسي مدني، ولكن الذي أنشأ الخلاف الذي وصل إلى حد المطالبة برحيله فورًا لدى مجموعات من القوى والشباب هو سوء إدارته للبلاد التي وصلت إلى حد سقوط شهداء ومصابين جدد، وانتهاك أعراض النساء، وتقديم المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، والتباطؤ في إحالة رموز النظام إلى المحاكمة، وإتاحة الفرصة لهم لتهريب مزيد من الأموال، والتخلص من الوثائق التي تدينهم، ونقض كل الوعود بتسليم السلطة للمدنيين بعد ستة أشهر، وغياب الأمن، والرغبة في التحكم في صياغة الدستور؛ لضمان الحكم من وراء ستار، والاحتفاظ بمميزات اقتصادية كبيرة لهم وللمؤسسة العسكرية، والتسبب في مزيد من التدهور الاقتصادي، وتآكل رصيد العملة الصعبة، وخروج الأموال للخارج وهروب المستثمرين وعدم قدوم مستثمرين آخرين لاستمرار النظام العسكري وغياب الأمن، كل هذه الأسباب أدَّت إلى أزمة الثقة بين المجلس العسكري والشباب وكثير من القوى السياسية. وفي حديثه تطرق الأستاذ هيكل للإخوان المسلمين، ولم يستطع- كدأبه دائمًا- أن يخفي مشاعره نحوهم، فتسربت في تفسيراته للأحداث؛ فهو يؤكد أن هذا التيار- الإخوان- ظهر قويًّا على الساحة بعد ثورة 25 يناير، خصوصًا عندما انفتح المجال أمامه واسعًا بسوء الفهم الذي وقع بين الشباب وبين المجلس العسكري، وهذا الخلاف عطَّل كليهما، وفتح فجوةً أوسع تدفق منها التيار الإسلامي. وهناك أحداث يعلمها هيكل يقينًا، بحكم مراقبته الدقيقة للأحداث في مصر، كما أن هناك أمورًا أخرى لا يعلمها، فيقينًا أنه سمع أن الإخوان قاموا بمظاهرات عديدة في الشوارع والميادين في العقد الأول من القرن الحالي؛ للمطالبة بإصلاحات سياسية، وللاعتراض على قانون الطوارئ، وعلى المحاكمات العسكرية، وعلى التعديلات الدستورية 2007، وعلى الرغبة في تمديد الحكم لحسني مبارك، وعلى التوريث لابنه، وللمطالبة باستقلال القضاء، إضافةً للاحتجاج على العدوان "الإسرائيلي" على لبنان وعلى غزة ومن قبلهما على العراق، وفي كل مرة كان النظام يعتقل المئات من الإخوان من الشوارع إلى السجون؛ حتى بلغ عدد المعتقلين من الإخوان الفترة الأخيرة من حكم مبارك 45000 شخص من الإخوان.. إذًا فالزعم بأنهم كانوا في حالة كمون، كما يقول هيكل، زعم غير صحيح، وكانت الجموع تتفرج عليهم في هذه المظاهرات ولا يشاركهم إلا القليل، ثم إن موقعًا على الشبكة الإلكترونية يخص شباب الإخوان؛ كان يحرِّض الناس على النزول يوم 25 يناير مع مواقع الشباب الآخرين، وقبل الثورة بأيام تم استدعاء جميع مسئولي المكاتب الإدارية في المحافظات في مقارّ مباحث أمن الدولة، وتم تهديدهم بأوخم العواقب لو شاركوا في مظاهرات 25 يناير، وكان ردهم جميعًا ان الرسالة مرفوضة، وأنهم لا يقبلون التهديد، وسمحنا للشباب بأن يشارك في الثورة من أول يوم، دون أن نفرض عليهم ذلك، تحاشيًا لحملة اعتقالات واسعة تشلُّ مفاصل الجماعة، وأنا شخصيًّا- وان كنت لا أحب الحديث عن شخصي وأهلي- نزلت مع أولادي (ثلاثة شباب)، وفي نهاية اليوم 25 يناير جاءني خبر أن أكبرهم شجَّ رأسه، وتم اعتقاله، وعندما ذهبت إليه في النيابة وجدت شبابًا كثيرين من اتجاهات شتَّى، معظمهم من الإخوان المسلمين، وفي يوم الأربعاء 26/1 / 2011 تم اعتقال 34 من قيادات الإخوان، منهم سبعة من مكتب الإرشاد، منهم الثلاثة المتحدثون الإعلاميون باسم الجماعة، وهذا يقطع بمشاركة الجماعة في الثورة من أول يوم، وهو ما سوف نتكلم عنه قريبًا بإذن الله. وهناك نقطة ينبغي أن يفهمها الجميع، وهي أن الحديث عن الشباب على أنهم المجموعات التي ما زالت تتظاهر في الميدان هو حديث غير دقيق؛ ذلك أن عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من شباب الإخوان وغيرهم شاركوا في الثورة وحموها في الأيام العصيبة، ثم ذهب كل منهم إلى عمله أو إلى جامعته ولم ينتظر من أحد جزاءً ولا شكورًا، ولم يتطلع إلى منصب في برلمان أو وزارة، وإنما ثاروا لوجه الله والحق أولاً، ثم لمصلحة بلادهم وشعبهم. أما كلام هيكل عن الخلاف بين المجلس العسكري والشباب والفجوة التي تدفق منها التيار الإسلامي؛ فهو كلام خيالي بلاغي، ليس له ظل من الحقيقة. ثم يكبو الأستاذ كبوةً كبيرةً حينما يحاول الربط بين حالات يستحيل الربط بينها؛ فهو يشبه الشيوعية بشبح كان يحوم حول أوروبا في القرن التاسع عشر ثم يقول: "ذلك تقريبا أقرب مثال تاريخي لوضع التيار الإسلامي بالنسبة لعالمه". فكيف يمكن تشبيه الإسلام الذي هو دين الله الخاتم بعقيدته وعبادته وأخلاقه وقيمه وتصوراته ومعاملاته وأنظمته لمختلف جوانب الحياة، والذي يؤمن به المسلمون ويفتدونه بكل غال ونفيس وعاشوا في كنفه خمسة عشر قرنًا من الزمان ،وكلما زحزحهم عنه استعمار أجنبي أو نظام حكم ديكتاتوري أطاحوا به وعادوا إلى دينهم يتطلعون إلى العيش في ظلاله وتطبيق شريعته، واجتمعوا على من يدعون إليه بتلك الفلسفة الوضعية- الطبقية- الفئوية الحاقدة التي فرضت على بعض الشعوب فرضًا بالحديد والنار، فأفسدت فطرهم، وكدرت عيشهم، وأورثتهم الذل والتخلُّف ولم تصمد رغم ذلك أكثر من سبعين عامًا انهارت بعدها إمبراطوريتهم وكفروا بها وبدعاتها. أما حديثه عن الدور الاجتماعي للإخوان وقصره على أحداث زلزال 1992؛ فهو حديث قاصر؛ فالإخوان لهم قسم البر والخدمة الاجتماعية منذ نشأتهم، وقد قدم خدمات جليلة للمجتمع المصري في كل المجالات، والأستاذ هيكل بحكم احتكاكه المباشر بالإمام البنا والإخوان- كما يقول- وبحكم عمله الصحفي يعلم الكثير عن هذا النشاط. كما ذكر سيادته أن أمريكا قد رفعت حظرًا سياسيًّا كانت تفرضه على الإخوان، ابتداءً من سنة 1979 وحتى 2001، والحقيقة أن الإخوان لم يلتفتوا لأي حظر عليهم؛ لأنهم كانوا- وما زالوا- يعملون لله، ويحملون رسالة، وإن النظام السابق كان يفرض حظرًا وتضييقًا عليهم إلى حد يقارب الخنق، وقد سبق أن ذكرنا أن هناك 45000 الفًا من الإخوان اعتقلوا، وأن آلافًا آخرين عذّبوا، وأن مئات من القيادات سجنوا بمقتضى أحكام عسكرية، وأن عديدًا من الأفراد استُشهدوا تحت التعذيب، ولم نسمع لأمريكا ولا للغرب صوتًا، ولم نرَ موقفًا ضد هذه الإجراءات الظالمة، وأن المرة الوحيدة التي شعرنا فيها بقدر محدود من الحرية هي المرحلة الأولى ونصف المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب 2005، حتى إن هيكل نفسه ذكر من قبل أن مبارك اتصل بشارون يوسطه لدى بوش؛ كي يسمح له بتزوير المراحل الباقية، وقد تمَّ له ما أراد، والدليل على عدم صحة الادِّعاء بأن أمريكا رفعت الحظر السياسي عن الإخوان هو انتخابات 2010 التي أسقط النظام فيها كل مرشحي الإخوان، وعمومًا فنحن لا يعنينا حظر أمريكا أو سماحها، وإنما الذي يعنينا هو إرادة شعبنا وسماحه. ثم يبدي تخوفه من انجرار الإخوان لخطة أمريكا لصراع مذهبي بين السنة والشيعة لمصلحة "إسرائيل".. وليطمئنَّ الأستاذ وغيره إلى أننا لا يحركنا إلا مبادئنا، وإذا كان هناك من جعل من مصر تابعة للشرق تارةً وللغرب تارةً فالإخوان لا يبيعون إرادتهم إلا لله ثم لمصلحة مصر وشعبها، وليعلم أيضًا أننا نعتبر الشيعة طائفةً من المسلمين، رغم الخلافات في بعض الأمور، وبالتالي فلهم ولاء المسلمين، إضافةً إلى أن الإمام البنا من أول من أسس جمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان المقصود الأول منها التقريب بين الشيعة والسنة، ومن ثم فلا مبرر للتخوف. هناك ملاحظة أخرى في غاية الأهمية، وهي أن الأستاذ هيكل في حديثه الطويل لا يكاد يذكر الشعب، وهذا دأب من يطلقون على أنفسهم وصف "المثقفين"؛ فهم يرون في أنفسهم العلم والحكمة والأهلية، ومن ثم يتصورون أنهم وحدهم الجديرون بتقدير كل شيء: الدستور، وخريطة الطريق، والانتخابات؛ لذلك فقد سمعنا تصريحات من عديد منهم تنحي باللائمة على الشعب وتتهمه بالجهل والأمية والتعصب؛ لذلك رأينا الأستاذ هيكل يتجاهل أن الشعب قد استفتي في مارس الماضي على تعديلات دستورية قررت أن نبدأ بالانتخابات قبل الدستور، وكان المفروض من الجميع أن يحترم الإرادة الشعبية، خصوصًا أن الدستور وثيقة يمنحها الشعب لنفسه. ولما كان مستحيلاً أن يجتمع الشعب في صعيد واحد كان من الطبيعي أن ينتخب من يمثلونه، وهؤلاء ينتخبون الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وهو ما وافق عليه الشعب، وإذا كنا لا نعتبر هذه الطريقة مقدسة فإن الطرق الأخرى ليست مقدسة أيضًا، ويكفي موافقة الشعب على طريقة لتحظى بالاحترام المجتمعي من الجميع. أما قوله: "إن الظروف التي سبقت المعركة الانتخابية الأخيرة أعطت للتيار الإسلامي فرصة تزيد على حجمه"،.. فهذا كلام يفتقر إلى الموضوعية وإلى العلمية في المنهج، فما هي هذه الظروف؟ لم يذكرها، وما هو حجمه الحقيقي؟ ومن الذي أدراه أن ما أخذه من فرصة أو أصوات أكبر من حجمه؟! ثم يقول: إن بقية القوى السياسية في مصر غير التيار الإسلامي لم تكن قادرة أو جاهزة"، وهو قول لم يكن يصح أن يصدر عن هيكل، فكيف يكون التيار الإسلامي المُقصى من الحياة السياسية والمحظور بحكم القانون والدستور كما كانوا يقولون والمضيق عليه في كل المجالات والمؤسسات مستعدا وجاهزا وبقية الأحزاب والقوى السياسية غير مستعدة؟.. إنه عذر لا يستسيغه عقل.. وحتى حينما أقر بحق هذا التيار في أن يحكم ما دام ذلك اختيار الجماهير، ذكره في عبارة تشبه قول العامة "وقوع البلاء ولا انتظاره"؛ حيث قال: "لأن مواجهة لحظة قلق وتوجس من مجيء التيار الإسلامي إلى السلطة ساعة أسلم من الحياة في خوف منها طول العمر". ثم يعود مرةً أخرى يستنكر في صورة تساؤلات أن يتسلَّم هذا التيار وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والتعليم، ثم يلقي في طريقهم بشبهات طالما أثارها خصومهم السياسيون في الداخل والخارج، عن وضع المرأة والأقباط، رغم أنهم قد ردُّوا عليها عشرات المرات من قبل. ومن أخطر ما جاء في هذا الحوار الطويل ما يشي بأن الأستاذ هيكل يوافق على أن يكون للجيش دور سياسي في الدستور وفي الحياة السياسية، مستشهدًا بشواهد لا يصح الاستشهاد بها، منها أن "أيزنهاور" و"ديجول" كانا عسكريين، لكن النظام الديمقراطي الصارم في البلدين كان يحكم تصرفاتهما، وتجاهل أن هناك مئات من العسكريين حكموا مئات من البلاد، وكانوا من أبشع المستبدِّين. ثم يستدلُّ بأحداث قام فيها جيش الاحتلال البريطاني بفرض إرادته بالتهديد بالسلاح على السياسة المصرية، وهل يصح الاستدلال بفعل جيش محتل في بلد محتل؟!! وها نحن الآن نرى الأحداث في اليونان ومن قبلها في إنجلترا وفرنسا التي وصلت إلى حد التخريب ولم تواجهها إلا قوات الشرطة، وحتى إذا اضطرت حكومة شرعية ما إلى فرض الأمن بقوة الجيش فهذه حالة ضرورة، تختلف عن إقرار وضعية خاصة سياسية للجيش في الدستور، تخوّل له التدخل مثلما فعل الجيش التركي؛ حيث قام بعدة انقلابات عسكرية ضد حكومات منتخبة؛ بدعوى مخالفة العلمانية، وحكم في أحد الانقلابات على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء بالإعدام وشنقهم، وخفّف الحكم على رئيس الجمهورية فقط لكبر سنه، فهل يريد هذا النموذج؟! وفي الختام بعد أن طال الردُّ أكثر مما كنت أتوقع أورد فقرات جيدة ذكرها الأستاذ هيكل، وأرجو أن يكون مخلصًا فيها، وأن يلتزم بها ويدعو دائمًا إليها. الأولى: "هذه كلها اعتبارات جديرة بأن تراعى، وواجب الجميع يحتِّم عليهم أن يقبلوا برضى طوعي حقيقي دون مناورة ودون عراقيل، ودون تحيُّن الفرص والذرائع؛ لأن التيار الإسلامي له حق الفرصة كاملاً غير مشوب بشائبة؛ بحيث يمكن تقييم أدائه تقييمًا عادلاً ونزيهًا". الثانية: "أكثر من ذلك فإنه لا بد من اعتبار حق الإخوان في الصواب والخطأ؛ فهؤلاء ناس لم يمارسوا السلطة من قبل، وبعض أجهزة الحكم في السابق كان مبرر وجودها في حد ذاته هو الحرب عليهم"، ومن الحق أن يوضع ذلك في الحساب، وإلا فهو التربص وتمني الفشل، وذلك ضارٌّ بالوطن قبل ضرره بالإخوان، هذا مع العلم بأن المشكلات ثقيلة والمواريث مزعجة. الثالثة: "هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية، وهي أن العملية الانتخابية ومجيء مجلس نيابي منتخب انتخابًا حرًّا وشرعيًّا إلى الساحة، سواء بأغلبية إسلامية أو غيرها؛ أضافت في حد ذاتها وبصرف النظر عن أي اعتبار آخر عنصر تأمين وتماسك للبلد". الأخيرة وتتعلق بالسلفيين: "ولست من أنصار التسرُّع برأي في شأنهم، فقد سمعنا بعض التصريحات ورأينا بعض الصور، ولكن الحركات السياسية لا تقاس بفرقعات فردية..".