عندما وجدتُ بابها موصدا قبل أيام تعجبتُ، فقد اقترب موعد أذان الظهر، ويُفترض أن يتأهب مسجدها العتيق لاستقبال المصلين. للحظات استعدتُ ذكريات قديمة فى مدرسة صرغتمش، التى زرتها منذ سنوات عدة مرات، عندما كانت محورا أساسيا فى معركة كبرى خاضتها «أخبار الأدب» ضد وزارة الثقافة. قطعتُ شريط الذكريات، وأقنعتُ نفسى بأن ذاكرتى الانتقائية لا تستحضر إلا المشكلات، فقد انتهى ترميم المدرسة الواقعة فى شارع الصليبة بالقرب من القلعة، وذهبتْ المعارك الكبرى إلى غير رجعة. قررتُ الانتقال إلى مسجد أحمد بن طولون الملاصق لها، لأداء الصلاة به وزيارته بعد أعوام من الانقطاع فى أعقاب معركة أخرى، انتهت بالقبض على صاحب الشركة التى قامت بترميمه! يبدو أن تركيبتى الشخصية لا تستحضر إلا المشاكسات، لهذا استعذتُ بالله من وسواسى القهرى، الذى يجعلنى أتوقع دائما وجود أزمة، وعلى باب «ابن طولون» سألتُ الحارس عن سبب إغلاق «صرغتمش» رغم حلول موعد الصلاة، ففاجأنى بأن المدرسة مغلقة منذ نحو عام نتيجة سقوط سقفها! شعرتُ بالصدمة واتصلتُ بمسئول فى وزارة الآثار، وبمجرد أن ذكرتُ اسم المسجد استكمل هو القصة مؤكدا ما سمعتُه. هنا بدأ شريط الذكريات يستعرض قواه، واستعدتُ بقايا معارك قديمة، تكررتْ خلالها تحذيراتنا من أخطاء جسيمة فى عمليات ترميم منشآت القاهرة التاريخية، وكانت الردود الرسمية ترفع دائما شعار: «كل شيء على ما يرام»، لكن الانتقادات أصبحت دولية، مما جعل «اليونيسكو» ترسل خبيرا دانماركيا لتقييم أعمال الترميم، وكتب تقريرا مهما أثبت أن المخاوف مُبررة وليست مجرد اتهامات مُغرضة، لا مجال لاستحضار كل ما ورد فى التقرير هنا، لكن ما يعنينى هو ما ذكره عن مدرسة صرغتمش تحديدا، فقد أكد أن أعمال ترميمها جعلت ردهاتها تشبه حمامات الفنادق! بالإضافة إلى أنها تمت دون أية فلسفة فى مرحلتى التخطيط والتنفيذ، وأن الإشراف على العمل لم يكن ملائما. كان ذلك فى سبتمبر 2001، وقبل هذا التقرير بأسابيع كنتُ قد نشرتُ فى «أخبار الأدب» موضوعا حمل عنوان «ابن طولون يكشف كارثة فى صرغتمش»! بالتأكيد لا أسعى من وراء ما سبق لاستعراض العضلات، وإثبات صحة موقفنا الذى تبنيناه، وفتح علينا نيرانا غير صديقة، غير أن ما يعنينى هو ألا تمر كارثة سقوط السقف مرور الكرام، خاصة أنها وقعت بعد نحو عشرين عاما فقط من ترميم المدرسة. مضى الحادث بدون «حس ولا خبر» لأن مواقع التواصل لم تهتم به، رغم أنه لم يكن الوحيد، فمن أعلى مئذنة ابن طولون رأيتُ المياه الجوفية، تعود لحصار «صرغتمش» وهو ما يعنى أن مشروع الترميم كان وهميا! إن ما جرى ناقوس خطر يستدعى مراجعة كل ما تم من ترميمات فى آثار أخرى، فربما يكون أحدها على وشك الانهيار. كما أن الواقعة تستدعى ضرورة فتح تحقيق قضائى، عن ترميمات تلك الفترة، بعد إهدار ملايين الجنيهات على أعمال صيانة مشكوك فى سلامتها. لابد من وقفة جادة، فالجرائم التى نالت من آثارنا لا ينبغى أن تسقط بالتقادم!