نحتاج لتفعيل المجلس الأعلي للعلوم والتكنولوجيا وضم عناصر شابة 40 عاما من الجد والاصرار والمثابرة في مجال البحث العلمي، حتما تكون نتائجها إصابة الهدف، وتحقيق نجاحات عالمية، لإيمانه الكامل بأهمية البحث العلمي ودوره في خدمة البشرية، وجه أبحاثه طوال هذه الرحلة الممتدة للاستفادة من تقنية العلاج الضوئي الديناميكي، الذي أعاد الفضل في استخدامها إلي قدماء المصريين، وسخر أبحاثه لاستخدام »الأكسجين الأحادي» في القضاء علي الأمراض شديدة الخطورة فلُقبته أفريقيا ب »محارب الأؤبئة» بعد نحاحه في اختراع علاج آمن للقضاء علي الملاريا التي تقتل مليون شخص سنويا معظمهم في أفريقيا.. العالم المصري د. محمود هاشم عبدالقادر أستاذ الكيمياء الضوئية وعلوم الليزر بجامعة القاهرة، ومؤسس الجامعة الأوروبية بالقاهرة، والذي يمتلك أكثر من 9 براءات اختراع في أكثر من 170 دولة كشف في حواره ل »الأخبار» عن أسرار رحلته العلمية الشاقة والعثرات التي تعرض لها علي مدار 22 عاما حتي حدثت الانفراجة مؤخرا وبعد دعم من الرئيس السيسي بموافقة الدولة علي تسجيل اكتشافه كبراءة اختراع، ليتحول الاختراع المصري إلي منتج يحمل شعار »اخترع وصنع في مصر» ليفيد البشرية من جهة ويساهم في تحقيق الفائدة للاقتصاد الوطني، ولم يخف د. عبدالقادر خلال حواره مع »الأخبار» أحلامه وطموحاته لتحقيق الاستفادة القصوي من البحث العلمي، من خلال آليات واضحة يكشف عنها في الحوار التالي: • بداية الرحلة.. كيف تكونت فكرة اختراعك لمحاربة الأوبئة؟ - الفكرة ببساطة أن النبات الأخضر يمتص أشعة الشمس وتُحول الطاقة الضوئية إلي طاقة كيميائية في النبات الذي يأخد المياه من التربة ويثبت ثاني اكسيد الكربون من الجو ، وباختصار هذه هي الفكرة التي قمنا بالعمل عليها والبحث، فالأساس وكما نعرف أن الطاقة لاتخلق ولا تستحدث من عدم، وكل ما يحدث أننا نحول الطاقة من صورة لصورة أخري، لو أي مادة تمتص الضوء، وهناك ضوء غير مرئي الأشعة تحت الحمراء،والفوق بنفسجية ولا نراها وهناك المنطقة المرئية وسميت بذلك لأن حساسية فيتامينA.. الموجود في العين يستطيع رؤية هذه المنطقة التي يبلغ طول الموجة فيها من 400 إلي 700، أي صبغة لو تعرضت لضوء ستقوم بتحوله إلي ضوء, والعلاج الضوئي ليس بجديد، فهو موجود منذ أيام قدمائنا المصريين. العلاج الضوئي • ونحن نحاور د. عبدالقادر لفت انتباهنا شجرة تحمل اسمه فسألناه ما حكاية »عبدالقادر تري»؟ - »عبدالقادر تري» ليست اختراعا ولكنها تفصيل للعملية، فجذور الشجرة هم قدماء المصريين واليونانيون والهنود والرومان، وكانوا أول من اكتشف العلاج بالضوء. وتوقف نمو الشجرة بعد ذلك حتي أعادها الألمان للحياة عام 1885، وبدأت الشجرة تنمو مرة أخري علي ثلاثة فروع كل فرع منها غير ضار بالانسان والكائنات الحية،وأول فرع من الضوء مرورا بأكثر من تفرع وصولا إلي أحدث جهاز ليزر، وعلي الناحية الأخري المواد التي تمتص الضوء مثل الكلوروفيل وصولا لأحدث مواد تمتص الضوء يصل الجرام منها إلي 1000 يورو، والفرع الثالث الأوكسجين، ولو اجتمع الثلاثة معا تحدث كارثة. • بماذا تعني كارثة؟ - الأوكسجين الذي نتنفسه طاقته منخفضة، لو علي سبيل المثال نتحدث عن خلايا سرطانية أريد تدميرها، فمع الضوء والأوكسجين والمادة التي تمتص الأوكسجين وهي الكلوروفيل، يتحول الأوكسجين الموجود في الكائنات الحية من... إلي أوكسجين أحادي سام وهو بمثابة قنبلة صغيرة تفتك بالمكان الموجودة به. والاختراع الذي توصلت إليه أننا نجعل المادة التي تمتص ضوء الشمس داخل الهدف الذي نريد التخلص منه، فلو أردت القضاء علي يرقات الناموس أجعلها تتغذي علي الكلوروفيل فيمتص الضوء ثم يتحول O2 إلي أوكسجين أحادي بداخلها فيفتك بها. محاربة الملاريا هذا يعني أنك قمت بدراسة خصائص الملاريا والحشرات الضارة؟ - في البداية كان هدفنا من البحث القضاء علي مرض السرطان، ثم اتجهت إلي مرض البلهارسيا التي يزيد عمرها علي 150 سنة، وكانت ابحاثي تقوم علي وجود مادة تمتص الضوء وتقوم بتحويله إلي أوكسجين ذري أحادي نشط. ولهذا أنا لست عالم ملاريا أو حشرات، ولكنها بالنسبة لي أنبوبة اختبار.. والأوكسجين الأحادي ليس اختراعي، اختراعي هو استخدامه في قطع دورة حياة كائنات حية ضارة كالبلهارسيا والناموس مسبب الملاريا. وهو الأول من نوعه علي مستوي العالم. وعلي سبيل المثال ذباب المنازل نقوم بجذبه، ونجعله يتغذي علي الكلوروفيل من الجرجير أو السبانخ، وبمجرد أن يطير في الشمس يموت، ولقد بدأنا هذا البحث من1995 وقمنا بعمل 39 رسالة ماجستير ودكتوراة وهو جهد كبير، بذله معي الباحثون بمعهد الليزر بجامعة القاهرة. وكيف تستطيع القضاء علي الملاريا؟ كما نعرف أن معظم القارة الأفريقية تعاني أشد المعاناة من هذه الأوبئة، وأؤكد أن هدية مصر لأفريقيا في 2019 هي القضاء علي الملاريا نهائيا لتصبح أفريقيا خالية من هذا الوباء اللعين الذي يفتك بالملايين سنويا في أفريقيا وحول العالم. وأنا لا استخدم عقارا يحمي من الملاريا، فالناموسة لو قامت بامتصاص الدم من شخص مصاب تقوم بنقله لشخص سليم ومن ثم يتحول لوباء، وهناك عقارات تعالج الاعراض وتعطي مقاومة أكبر للشخص المصاب. لكن اختراعنا يقضي عليها من المنبع فنقطع دورة حية اليرقات في أي طور من أطوارها. ما أهم الدول التي شهدت تجربة العلاج المصري للقضاء علي الملاريا؟ - في كمبالا عاصمة اوغندا قمنا بالعمل هناك وأسسنا شركة لتطوير الابحاث المتطورة، وطبقنا علي حيز صغير وحيز كبير والصحافة الأوغندية والعالمية نشرت تقارير في 2008 عناوينها »مصر تحارب الملاريا». ومستشار موسوفيني رئيس جمهورية اوغندا قال: »انتو بتعملوا سحر» وتعاقدوا معنا وحاليا نعمل في اوغندا. ما المجالات الأخري التي يفيد فيها اختراعكم؟ - علي سبيل المثال تعاونت ومن خلال معهد الليزر مع وزارة الزراعة وكانت تبحث عن طريقة للقضاء علي الذبابة البيضاء التي تقضي علي المحاصيل الزراعية وتسبب خسائر فادحة، ووجهنا أبحاثنا أيضا لمواجهة دودة القطن، ثم البلهارسيا واخيرا الناموس، خاصة وما يسببه من أمراض خطيرة تسبب الوفاة منها حمي الضنك وداء »الفيلة». وهل هناك تعاون قائم مع جهات أخري؟ - كان لدينا مشروع مع مزرعة جامعة القاهرة بدأنا ب 4 أفدنة زراعة + فدان فاكهة لمواجهة ذبابة الفاكهة، واتعملت في مزارع كلية الزراعة ونجحت. مركبات النانو وهل تم تطبيق الفكرة؟ - لا.. المشروع انتهي من 2014 وحتي الآن مركبات النانو كمبيدات حشرية طبيعية وهو كنز، وقمنا بتسجيله كبراءة اختراع داخل وخارج مصر، ولم يتم تطبيقه لأنها لم تسجل في وزارة الزراعة. والمشروع يحقق مكاسب كبيرة لمصر، وأنا دائما أرفض المغريات التي تأتني من الخارج، فمنطقي ليس » الفلوس» لانك هتبيع كل جهدك علي مدار السنين ويعتبر بلا مقابل، والبرازيل ايام »زيكا »طلبونا لتغطية مساحة 2 مليون كيلو متر مربع تخيل حجم الاستثمارات. ورفضت لأن الشركة كانت تسعي لشراء براءة الاختراع. بعد كل هذا لماذا 18 عاما لتحصل علي براءة اختراع؟ الباحثون في مصر يواجهون روتينا غير عادي يعطل الابتكار،لكن دائما كنت أحاول واثابر، وبعد18عاما حدثت الانفراجة بعد دعم الرئيس السيسي حتي تم تسجيل براءة الاختراع ليخرج إلي النور، وبدأنا في تحويله إلي منتج يخدم القارة الأفريقية والعالم، وتجربتي الواقعية تكشف مدي التحديات التي يواجهها البحث العلمي في مصر. دعم الاقتصاد كيف نواجه هذه التحديات وما آليات الاستفادة من البحث العلمي؟ - منظومة البحث العلمي تواجه العديد من التحديات أهمها أن البحث العلمي في مصر »ملوش زبون » أو بمعني أدق »زبونه نادر»، وتخطي هذا التحدي يمثل نقلة كبيرة في دعم الاقتصاد الوطني ومن ثم الناتج الاجمالي. وأهم هذه التحديات يتمثل في اكتمال دورة البحث العلمي وانتقالها من مربع النشر الدولي إلي تحويلها إلي نموذج صناعي ومن ثم ناتج يفيد الصناعة والاقتصاد، وأطالب بوجود تشريعات تضمن الحفاظ علي حقوق الملكية الفكرية للباحثين، وتطبيق مخرجات البحث العلمي، كذلك تفعيل المجلس الأعلي للعلوم والتكنولوجيا بمشاركة الخبرات الوطنية من العلماء الذين حققوا إسهامات علمية دولية كبيرة وضم عناصر شابة إليهم، ولابد أيضا من اختصار إجراءات تسجيل براءات الاختراع وتقييمها وتنفيذ مخرجات البحث العلمي ما طموحاتك للغد؟ - »نفسنا نعمل حاجة لبلدنا لوطننا اللي صرف علينا حتي نبقي كما نحن الآن. تعلمنا في مدارس وجامعات حكومية».. ولا يعقل بعد كل هذا ان اقوم ببيع هذا الاختراع لشركة اجنبية ثم تقوم مصر باستيراده بمبالغ باهظة من هذه الشركة، لذلك نصبر ولدينا أمل خاصة في ظل الدعم الكبير من الرئيس السيسي أن ننشئ خطوط انتاج لهذا الاختراع ونصدره نحن للخارج.