اشتري أبي وأمي دولاباً خشبياً أنيقاً ، مختارين مكانه في الصالة، وكان له دوران؛ العلوي مفتوح، ووضعا التلفزيون به، أما السفلي، الذي يشمل ضلفتين لإغلاقه، فلم يجدا ما يضعانه به، لذا اقترحت عليهما أن أحفظ فيه ألعابي، ومجلاتي المفضلة، وكتب القصص التي أحبها، وبمجرد موافقتهما، فرحت بأنه صار لي، وقررت تسميته »مكتبتي»؛ أسوة بمكتبة عمي التي خصَّص لها حجرة في منزله، وتزدحم أرففها بعدد هائل من الكتب. حسناً، كيف سأصمم مكتبتي ؟ وضعت المجلات في عمق اليمين، والكتب في عمق اليسار، وأرنوبي بينهما، وفي مقدمة اليمين واليسار، جمعت سياراتي اللامعة من أكبرها حجماً إلي أصغرها في صف واحد بديع، أما في المنتصف تماماً، فكوّنت مكعباتي علي شكل علم بلدنا؛ بألوانه المميزة. ما أروع المنظر الآن. أنا لن أمسه، أو أغلق الضُلف عليه، حتي يستمتع أبي وأمي به تمام الاستمتاع ! لكن في اليوم التالي، صادفت ما لم أحسب حسابه. فمثلاً، اضطررت إلي سحب مجموعة من المجلات كي أقرأها في نور الصباح بشرفتنا، فاهتز نظام المجلات المتراصة فوق بعضها، واحتجت إلي المكعبات كي أشيد بها مبني يشبه المبني الذي شاهدته في إحدي القصص المصورة، كما أخللت بنظام السيارات، حين أخرجت عدداً منها لألعب به، وأعدتها دون اعتبار لمكانها المحدد في الصف وفق حجمها، والحق أني في نهاية اليوم كنت أكثر كسلاً من ترتيب كل ذلك مرة ثانية، لهذا أجلّت الأمر للغد. وفي الغد، تفرغت لإعادة كل شيء في مطرحه بالضبط، حتي لا أفسد المنظر المنسق الذي أبدعته، وواظبت يومياً علي هذا الفعل، حتي يبقي نظامي كما هو دون تغيير. لكن.. مع توالي الأيام والليالي، أصابني الملل من هذا الشكل الواحد. لماذا يجب أن تبقي أشيائي منظمة هكذا ؟ تذكرت ابن خالتي، الذي يعشق الإهمال عشقاً، وكيف يرمي ملابسه وأحذيته، وألعابه ومجلاته، في كوم ضخم وسط غرفته، تظنه في الظلام وحشاً سيأكل من يدخل الغرفة ! صحيح أن الكل يلومه علي ذلك، لكن لا شك أن شكل الأشياء في غرفته.. كان غير تقليدي. لذا، في لحظة ما متمردة، ضربت مكتبتي بيد العبث، وفتكت بنظامها فتكاً؛ المجلات تداخلت مع الكتب حتي كادت شخصياتهم تجد أنفسها في قصص غير قصصها، والسيارات انقلبت كأنها في حادث كبير، والأرنب سقط علي وجهه، لتغطيه المكعبات منهارة فوقه. لقد جلست أمام هذا المنظر الجديد أضحك، وأضحك، كأني أشاهد فيلماً كوميدياً ! مرت الأيام، والمكتبة في فوضي. لكن هل يا تري هذا ما أردته لأشيائي العزيزة ؟! إني كدت في ليلة أسمع المجلات تشكو وضعها الملتوي الذي ثني أغلفتها، وشعرت بغياب ابتسامة أرنوبي ، بل خصامه لي، علي الوضع المتعب الذي اخترته له، أما سياراتي فصارت بطيئة علي غير المعتاد، كأنها تعترض علي الاختلال الذي لحق بحياتها ! صرت في حيرة، أدور سائلاً ماذا أفعل؛ هل أعود للشكل القديم الذي أصابني بالملل، أم أبقي علي هذه الفوضي، التي قد يخرج منها وحش مثل وحش غرفة ابن خالتي ؟! وهنا أنقذتني أمي من هذا الدوار، حين أكدت لي أن النظام جميل جداً، والفوضي قبيحة جداً، لكننا عندما نملُّ من نفس الترتيب، فإن بأيدينا أن نغيره إلي ترتيب آخر ! يااااه .. كيف لم أدرك هذه الحقيقة مبكراً ؟! أنا أملك أن أضع المجلات في المنتصف، وفوقها الكتب، أما السيارات فتتراص من عمق اليمين إلي مقدمته، والمكعبات تفترش اليسار بأسره، كي يرقد الأرنب عليها في سلام . وإذا ما زهقت من هذا المنظر لاحقاً، فالأمر سهل.. سأعيد ترتيب مكتبتي مرة أخري، علي نحو جديد ومختلف. المهم أن يكون هناك نظام؛ حتي يسعد سكان مكتبتي، وترتاح العين ثم النفس، ونبعد عنا وحش الفوضي البغيض.