روجية دال يرسم من وحي الأقصر تحمل تجربة ملتقي الأقصر للتصوير الذي ينظمه صندوق التنمية الثقافية والذي اختتم مؤخرا بحضور وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم، خصوصية منبعها كون المكان بطلا أساسا شريكاً في الحدث، إذ تفرض الأقصر بما لها من سحر خاص وجودا يتجاوز فكرة السطح إلي الأعماق، فحين تستمع إلي الفنانين يتحدثون عن مصادر الإلهام فإن الكلمة المتكررة دائما هو أن للمكان طاقة خفية ملهمة فوق المشهد البصري لتغوص بك إلي الأعماق .. أعماق الحضارة والفكر والتنوير.. وليس هذا فحسب بل أعماق نفسك، وكأن فلسفة المصري القديم وحكمته تتسلل إلي روحك لتنير لك الطريق، فحين تعرف نفسك وتتأملها من الداخل فإن الكون كله يفتح بوابات المعرفة أمام الروح المتعطشة للنور. وتمتزج كل تلك المفردات بلحظة آنية يلتقي فيها أكثر من ثلاثين فنانا من جميع أنحاء العالم، يتبادلون الخبرات الفنية من خلال تواجدهم معا لمدة خمسة عشرة يوميا، يستهلونها بزيارة مكثفة للمعابد ومنها معبد الأقصر ومعبد الكرنك ومقابر وادي الملوك، بخلاف زيارات متعددة للسوق القديم والمدينة الذي يشكل المعادل الحالي للمدينة بمفهومها العصري. ويختلف منتج كل فنان حسب طريقته في امتصاص المحيط البصري وإعادة تصديره علي مسطحه التشكيلي، إذ يفضل البعض الاحتفاظ بالتجربة داخله ليعيد تقديمها فيما بعد كما هو الحال مع الفنانة الإيطالية سونيا تشيكوتي التي قدمت عملين في الملتقي الأخير هما امتداد لتجربتها الفنية دون تأثر مباشر بوجودها في الأقصر حيث أخبرتني أن تلك التجربة سوف تفرض وجودها بلا شك في أعمال مستقبلية، وهو ما حدث أيضا مع الفنانة يلينا تامبوريتش من »صربيا». وذلك علي خلاف عدد كبير من الفنانين الذين ظهر تأثرهم واضحا بمفردات المكان الحالية ومنهم الفنانة الأوكرانية انستازيا بيرني التي تأثرت بمشهد المراكب وقدمتها كبطل أساسي في العملين المنفصلين المتصلين، ولكن التجربة بالنسبة لها ستمتد لما بعد ذلك حيث تنوي زيارة الأقصر فيما بعد لتقديم مجموعة من الأعمال الجديدة من وحي المكان .. كذلك رسم الفنان الفرنسي البريطاني روجيه دال رسما حيا لأحد مشاهد النيل الأقصري، وقد اعتاد روجيه أن يرسم لوحات مباشرة من وحي المكان وتعتبر هذه هي المرة الرابعة التي يزور فيها الأقصر التي ارتبط بها منذ الثمانينات. وقد خرج تأثر الفنانين بحاضر الأقصر علي أكثر من مستوي حيث يستلهم الفنان صالح سنوسي أعماله من وحي مدينة الأقصر حيث يقيم ويعمل، وقدمت الفنانة مرفت شاذلي امتدادا لتجربتها في الاستلهام من جذورها النوبية التي تقترب من روح الجنوب، ولكن من وحي حكاية سمعتها خلال وجودها في الأقصر. كما قدم جمال الخشن عمليه متأثرا بالمشاهد الجنائزية أطلق عليهما اسم »الزهور القاتمة»، وقدمت الفنانة أسماء النواوي عملا ينتمي لتجربتها الفنية مستلهمة فكرة التكرار من فلسفة المصري القديم. وعلي الجانب الآخر ظهر تأثر الفنانين برموز المصري القديم في عدة أعمال ومن بينها الفنانة ايكاترينا جريشاني من روسيا التي تأثرت بطريق الكباش وبطائر حورس، وكذلك حول كل من الفنان عماد أبو زيد والفنان مجدي أنور مسطحاتهم التشكيلية إلي جداريات تحمل بصمة كل منهما وتغوص في فلسفة المصري القديم فيما ينم عن وعي عميق وتجربة فنية ثرية. بينما قدم الفنان إبراهيم خطاب الذي طالما اشتهر بتوظيف الحروفيات في أعماله الفنية ..عملا يختلف عن الشائع في تجربته وهو عمل مستوحي من المعابد المصرية مع التركيز علي حالات الاختزال والمحو والباقي في مقابل الغائب. ومن بين التجارب الفنية الملهمة ذلك الحوار الخفي الذي طرحه الفنان إسلام زاهر علي مسطحه التشكيلي مؤكدا بوعي شديد علي حالة الانفصال بين الماضي والحاضر، وموظفا في أحد عمليه شكلا يذكرنا بالمومياوات أو بالتماثيل التي تركها لنا المصري القديم في إشارة واضحة للحضارة القديمة، ولكنه شكل لا يبدو مكتملا كما تبدو الملامح غائبة في دلالة واضحة عن انفصال حاضرنا عن عظمة الأجداد، ولتتحول التماثيل العظيمة إلي مسوخ صغيرة تباع في الأسواق، في مقابل العمل الثاني الذي وظف فيه رمز الفارس بخوذته وحرمتله في إشارة واضحة للفارس العربي بما له من دلالات عدة تفتح الباب للتأويل خاصة مع قراءة واقعنا الذي ننتمي إليه. وفي الواقع لا يمكن قراءة أعمال الملتقي قراءة واعية دون معرفة كاملة بالخبرات الفنية المخزونة لدي كل فنان، وهو الأمر الذي يتحقق بالفعل من خلال اللقاءات الثقافية اليومية، التي يتعرف من خلالها كل فنان علي تجارب الفنانين الآخرين من خلال طرحه لتجربته الفنية . وقد شارك في ملتقي الأقصر هذا العام 23 فنانا هم : ايكاترينا جريشاني من روسيا، ولينا كافيتشيا من ليتوانيا، وماريا سيديري من اليونان، وثومينتاه مايتي من الهند، وروجير دال من فرنسا، و سونيا تشيكوتي من إيطاليا، وميكي ببوفتش من مونتنجري ويلينا تامبوريتش من صربيا، ومياسة السويدي من البحرين، وليلي السهيلي من تونس، ورولا شمس الدين حلبي من لبنان، وسمير الدهام من المملكة العربية السعودية، وجهاد العامري من الأردن. كما شارك من مصر تسعة فنانون هم: عماد أبو زيد، مجدي أنور، إسلام زاهر، أسماء النواوي، جمال الخشن، عبد السلام سالم، ميرفت شاذلي، صالح السنوسي، إبراهيم خطاب. بالإضافة إلي ثمانية من الفنانين الشباب المشاركين بصالون الشباب الدورة 29، والفائزين بجائزة المشاركة بورشة الملتقي هذا العام، وهم: شيماء الألفي، سارة عادل، حسين ياسين، إسلام الريحاني، سميحة تهامي، ماجي عاطف، صلاح الدين أحمد، فاطمة رمضان. وللحديث بقية ...