لا جمال يُضاهي طبيعتها التي تُنافس أكبر المحميات البحرية العالمية. شواطئها المرجانية الساحرة جعلjها تحصد عن جدارة لقب "قِبلة غواصي العالم"، لثراء التنوع البيولوجي الذي تضمه محمية رأس محمد والمتمثل في مواردها الطبيعية المختلفة، ما جعل وزارة البيئة توليها اهتمامًا كبيرًا من خلال خطة تطويرٍ شاملة، تضم المحميات الطبيعية الواقعة في محافظة جنوبسيناء، التي يطل معظمها علي الشريط الساحلي لخليج العقبة، ومنها محمية نبق وأبو جالوم ومحمية سانت كاترين. بغية تعظيم استغلالها في السياحة البيئية والدينية، مع بدء عودة السياحة الأجنبية نسبياً. هناك كان في استقبالنا الدكتور محمد قطب مدير عام محميات جنوبسيناء، الذي أطلعنا علي تفاصيل استراتيجية التطوير، التي تهدف كما يُشير إلي تحقيق التوازن بين حماية الموارد الطبيعية والتنمية الجارية في المحافظة. فضلاً عن تحديث خطط الإدارة البيئية المرتكزة علي القيم التي من أجلها أُعلنت المحمية، وبالطبع تعد البيئة البحرية عصب محمية رأس محمد التي تصل مساحتها إلي 353 كيلومترًا، غير أننا نشرف أيضًا علي منطقة الإدارة البيئية للشريط الساحلي لشرم الشيخ بمساحة 100 كيلومتر مربع. وتشمل خطة التطوير التي ننفذها من خلال مشروع الاستدامة المالية للمحميات الطبيعية بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، رفع كفاءة البنية التحتية والإنشاءات بالمحمية، ومنها بوابة الدخول والمقرات المُخصصة للحراس والباحثين البيئيين، بخلاف تجديد اللوحات المعلوماتية والإرشادية لمعالم المحمية. في منطقة مرسي غزلان ينهمك العمال في إتمام أعمال تجديد مركز الزوار بالمحمية، الذي لم يكن مُستغلاً في السابق كما يُخبرني قطب. »جميع الإنشاءات تعتمد علي العمارة البيئية التي تُلائم وتحاكي الطبيعة، وتُستخدم فيها أيضًا خامات طبيعية من الأحجار والأخشاب وسعف النخيل. التصميم الجديد يعتمد علي دمج ثيمات متنوعة جميعها مستوحاة من البيئة وطبيعة الكائنات بها. سيقدم المركز خدمات توعوية وثقافية وتعليمية للسياح والزائرين بطريقة شيقة ومُبسطة، حيث سيكون أول المحطات التي يبدأ بها السياح زيارتهم. ونجهز حاليًا متحفا جديدا ومعرضا تفاعليا للبيئة البحرية، يتيح لهم معرفة المزيد عن أنواع الأسماك والطيور والحيوانات البرية الموجودة بالمحمية، من خلال قواعد بيانات شاملة أعددناها لرفع الوعي البيئي. كما سنعرض بعض الأحراز المضبوطة من عينات لشعاب مرجانية».. نلتقي وليد حسن مدير محمية رأس محمد الذي يُرافقنا في جولة داخلها. »لدينا هنا 68 موقعًا للأنشطة البحرية من الغوص والسنوركلينج والمراكب ذات القاع الزجاجي.» يبادرني وليد مُتابعًا: من أهم عوامل الجذب السياحي بالمحمية التي لا توجد في الأسواق العالمية المُنافسة، الشفافية المُطلقة للمياه التي تجعل مجال رؤية الشعاب المرجانية والأسماك المتنوعة، يصل في بعض المناطق إلي عُمق 30-40 مترًا، وهو ما لا يتوافر بهذه الدرجة في أستراليا علي سبيل المثال التي تضم الحيد المرجاني الأعظم. إلا أن المورد الأهم لدينا يواجه تحديات مُتزايدة، ما جعلنا نعد خطة للإدارة البيئية بالتوازي مع خطة التطوير. فخلال السنوات الأخيرة حدث تغير جذري في نوعية وأنماط الأنشطة داخل المحمية، مع انحسار السياحة الأجنبية قبل عودتها بشكل نسبي مؤخرًا.. هناك الكثير من الأضرار التي يُمكن أن تلحق بالشعاب المرجانية نتيجة الأنشطة التي تُمارس بطريقة غير مُستدامة كما يوضح، مشيرًا إلي أن بعضها ينتج عن الوقوف أو المشي عليها أو كسرها الذي يترتب عليه إتلاف الخلايا الحية للشِعاب. لذا نعمل علي إعادة تنظيم استخدام الموارد الطبيعية، كما أصدرنا قرارًا بعدم السماح بمزاولة المهنة للمرشدين السياحيين ومدربي الغوص هنا، إلا بعد اجتيازهم للبرامج والدورات التدريبية والتأهيلية التي أعددناها بالتعاون مع وزارة السياحة، لتنمية قدراتهم علي قيادة الأفواج السياحية والحفاظ علي موارد المحمية. ونبحث الآن آلية تنفيذه مع جميع الجهات المعنية. فضلاً عن أننا نقوم بدوريات مستمرة لمواجهة أي مخالفات تُرتكب في المحمية، ومنها حوادث شحوط السفن والمراكب علي الشعاب المرجانية وحوادث التلوث بالزيت. حيث نتخذ الإجراءات القانونية ضد المُخالفين، التي تحدد عقوبتها بالغرامة مع تقدير حجم الضرر البيئي الواقع وفق معادلات فنية نجريها. لا يقتصر تفرّد محمية رأس محمد بالتنوع البيولوجي لبيئتها البحرية، ولكن يمتد سحرها إلي المعالم الطبيعية، ذات الأهمية البيئية والتاريخية الفريدة. من أهمها موقع الشق الزلزالي الذي تلمحه ظاهرًا في منتصف اليابس، بفتحاتٍ صخرية متعرِّجة تمتد بشكلٍ طولي، وتتدفق تحتها مياه تعيش بها مجموعات من الأسماك والقشريات رغم بعدها عن البحر. يخبرني مدير المحمية أن طول هذا الشق يبلغ 42 مترًا بينما يصل عمقه إلي 14 مترا، وهو ناتج عن زلزالِ وقع عام 1968، ترتب عليه حدوث كسرٍ في القشرة الأرضية. هذا الشق مُتصل بمياه البحر عبر قنواتٍ ضيقة وعميقة، ويظهر الاتصال في اختلاف منسوب المياه داخله أثناء حركات المد والجزر. وبخلاف المنظر الجمالي الذي يُبهر كل من يزور الموقع، هناك أهمية كبيرة لهذا الشق الذي سمح لنا بمعرفة أكبر بالطبيعة الجيولوجية للمنطقة. بمحاذاة الموقع تظهر قناة المانجروف التي تُعتبر واحدة من أهم البيئات الموجودة بالمحمية، التي تُشكل نظامًا قائمًا بذاته. أتعجّب كيف يُمكن لأشجارٍ أن تعيش علي المياه المالحة، يبادرني: هذه الأشجار تعدُ نموذجًا مذهلاً للتكيف مع الطبيعة، فبلّورات الملح التي نلاحظ تركزها علي أوراق المانجروف، تتكوّن نتيجة لقيام هذه الأوراق بتحلية المياه لإمداد النبات بالماء العذب الذي يحتاجه، في حين أن جذوره الهوائية تساعده علي التنفس. كما تعد من محطات استراحة الطيور خلال مواسم الهجرة، حيث تقع المحمية في مسار رئيسي لهجرتها، ويمر هنا سنويًا ملايين الطيور من أهمها الجوارح والعقاب النسارية واللقالق والبلشونات. لذا نعمل علي تنمية سياحة مشاهدة الطيور وزيادة نقاط المراقبة. نتابع جولتنا إلي »البحيرة المسحورة» وهي من المعالم التي نُسج حولها العديد من القصص بدءًا من تغيُّر ألوان مياهها، ووصولاً إلي التبرك بها باعتبارها تجلب الحظ وتُحقق الأمنيات. »ليس لهذه الأقاويل بالطبع أساسٌ من الصحة، لكنّها تروِّج بشكلٍ خاطئ من قبل بعض المُرشدين السياحيين إلي الزوار.» يوضح وليد مُضيفًا: اسم البحيرة أطلق عليها مجازًا نظرًا لطبيعة تكوينها، لأنها تختفي تمامًا مع انحسار المياه وفقًا لأوقات المد والجزر المتناوبة لتعود وتمتلئ مرة أخري، وخاصة في الجزء الجنوبي منها المتصل بالبحر الذي يمتاز بضحالة المياه، حيث لا يتعدي عمقه أربعة أمتار. نصل إلي موقع »صخرة الأسد» وهو الموقع المُرجّح ارتباطه بقصة لقاء سيدنا موسي بالخِضر منذ أكثر من 3200 سنة تقريبًا. يخبرني أن المنطقة تضم العديد من الشواهد التي ترجّح هذه الرواية. منها الممر المائي المُقابل للصخرة، والموقع الذي يُحتمل أنه كان يضم الرصيف البحري الذي رست به السفينة. فهناك العديد من الدراسات التي قام بها أثريون لتحديد موقع منطقة »مجمع البحرين»، التي خلصت إلي أنها تقع عند التقاء خليجي العقبة والسويس. هذه الدراسات أوضحت تطابق المنطقة جغرافيًا وطبوغرافيًا مع الوصف القرآني. وهناك لجنة من منطقة آثار جنوبسيناء قامت بمُعاينة الموقع والشواهد الموجودة، لإعداد تقارير علمية يُمكن أن نستند إليها في دراستنا للموقع. إلا أننا مازلنا في حاجة إلي مزيد من الدراسة، لنقوم بالترويج للموقع سياحيًا ضمن مجموعة الآثار الدينية والروحانية التي تضمها محميات جنوبسيناء.