لم تُحرر مصر سيناء لتتركها لحفنة من الإرهابيين، ولم يضح أبناؤها بدمائهم وأرواحهم، ليتنازلوا عن شبر واحد من أرضها، والجيش الذي وضعها في قلبه، قادر علي تخليصها من دنس الإرهاب، لتبقي مصرية الهواء والأرض والسماء، تضرب أحلام الطامعين، وتستعصي علي كل معتد، مصيره الفناء. كانت إسرائيل أشطر، عندما راودتها أحلام البقاء في سيناء، بعد حرب الأيام الستة سنة 67، وتصورت أن الأوضاع ستهنأ لها، فأنشأت المستعمرات والتحصينات، وحولتها إلي قلعة مدججة بالعتاد والسلاح، وأطلقت أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، وابتدعت عقليات جنرالاتها خط بارليف ومخازن النابالم والنقاط الحصينة، ورسموها بالورقة والقلم، وأقنعوا أنفسهم بأن عبور القناة ضرب من المستحيل. ابتلع الإرهابيون أوهام القوة الكاذبة، وتصوروا أن المرتزقة الذين جاءوا بهم من مستنقعات الإرهاب في شتي بقاع الأرض، يمكن أن تمنحهم حق البقاء في سيناء، وأن يحولوا أرضها المقدسة إلي إمارة للشر، واستغلوا الأحداث الجسام التي مرت بها البلاد، في تخزين الأسلحة والعتاد، والاختفاء في الجبال والأنفاق والجحور، وشن حروب عصابات خاطفة، تختلف تماماً عن حروب الجيوش النظامية. وكما ابتدع رجالنا البواسل، طرقاً أذهلت العالم، لتحطيم خط بارليف وقطع خراطيم النابالم ودك النقاط الحصينة، طوروا قدراتهم القتالية من الحروب النظامية إلي منازلة العصابات الإرهابية، وانتقلوا من مواجهة الطائرات والدبابات والصواريخ والمدرعات، إلي »العملية الشاملة» التي تفتش فوق الأرض وتحت الأرض، لتطهيرها شبرا بشبر، وإعادة تأهيلها بالخير والنماء، بدلاً من الدماء والأشلاء. نمت أحلام الإرهابيين، تحت مظلة سياسية إخوانية، تمثلت في التواطؤ والدعم والتمويل، أملاً في تكوين جيش إرهابي، يحمي »دولة المقطم»، في مواجهة الجيش الذي يحمي »دولة مصر»، ووصلت الخيانة ذروتها، عندما نطق »المعزول» بكلمات تفضح نوايا جماعته في حماية »الخاطفين» و»المخطوفين»، رغم أن الخاطفين إرهابيون قتلة، و»المخطوفين» ضباط وجنود الوطن، فانحاز إلي من يمثله وهم العصابات الإرهابية، وليس جيش مصر. وكما أفاقت إسرائيل من الأوهام، علي صيحات »الله أكبر» التي انطلقت تزلزل الفضاء يوم العبور العظيم، استيقظ الإرهابيون علي ضربات قاصمة، تدك الكهوف والأنفاق والمخابئ، وترسم طريق النهاية لأحلام الشيطان. لم يفهم أهل الشر أن الجيش الذي لم ينم دقيقة واحدة، حتي استرد سيناء من قبضة إسرائيل، هو نفسه الجيش الذي عاهد الله أن يحفظها آمنة هادئة، تنام في أحضان الوطن في سلام وطمأنينة، لنزرعها بسنابل القمح وأغصان الزيتون، وترتبط بالوطن الأم بشبكات الطرق والكباري والأنفاق، تنهي عزلتها إلي الأبد، وترسم فوق ملامحها أروع قصص التضحية والفداء. الجيش الذي يخوض الآن حرباً مقدسة لتطهير سيناء، هو السياج الآمن الذي يحمي ثرواتها ومشروعات التنمية الهائلة التي تنتظرها، بأموال مصرية وسواعد مصرية، تنهي تماماً خططاً مشبوهة، لإدخالها ضمن أفكار مشبوهة، رفضها جيش مصر، في عز سطوة الجماعة الإرهابية، التي خططت للتنازل عن أجزاء منها، مقابل »الإمارة الموعودة»، للمرشد وأهله وعشيرته. لم يفهم أهل الشر أن مصر، ليست الأرض المحروقة في دول الجوار، التي احترقت بنيران »الربيع العربي»، فانقضوا عليها كالفريسة الجريحة، يمزقون أرضها وينتهكون شعبها، ويشطبون هويتها وتاريخها، ويرتكبون أبشع الجرائم التي لم تفعل مثلها أقذر العصابات الهمجية في التاريخ. مصر تختلف، فيها شعب يصبح روحاً واحدة في جسد واحد في أوقات المحن، وجيش تنشق عنه الأرض في لحظات الخطر، عازفاً اللحن الخالد »دع سمائي فسمائي محرقة، دع مياهي فمياهي مغرقة، واحذر الأرض فأرضي صاعقة».