عنيت روايتنا (ابن القبطية)، وهى الأولى لكاتبها وليد علاء الدين،بما يمكن أن ينتجه الشكل والمضمون.. هذا المحور الهام الذى يحوى تحته العديد من الإشكاليات والتساؤلات، عن ضرورة تلاؤمهما، أو تضايفهما(إضافة كل منهما إلى الآخر)... إلى غير ذلك، فرغم الرؤى التى عنيت بها الرواية، والتى تبدو متشظية نوعاً ما، فإنها فى النهاية تجتمع فى شعاع واحد مكثف، وهو (موروثنا المصرى فى مواجهة ثقافة التصحر)، ولكن الأمر لا يبدو بالجفاف والمباشرة الفجة الباديان فى عبارتى هذه، بل إن الكاتب قد استطاع إنجاز طرحه هذا من خلال تنويعات عدة على آليات كتابية كانت متحركة باستمرار، انحاز فيها إلى إشارية اللغة، وإلى تفجير الطاقات الإيحائية للعديد من أداءاتها. وإمعاناً فى الحفاظ على الهارمونى بين الشكل والمضمون؛ فقد طرح (وليد علاء الدين) من خلال روايته الموسيقى والشعر والمسرح والتشكيل الحركى والرسم، لينتصر لفكرته - إشارياً - دون اللجوء إلى أية خطابية. من خلال تيمة بسيط عن شاب مصرى (يوسف) مصاب بالفصام، وهو من أب مسلم (حسين) وأم مسيحية (مريم)، ولعل استنفار الطاقات الدلالية لأسماء الشخصيات المعتمدة على مخزوننا التراثى لم يكن على نفس المستوى من الرهافة التى وظف بها الكاتب بقية أدواته. وبما أن الثقافة هى خط الدفاع الأول، فى مواجهة الفكرة الدخيلة (التطرف الإسلامي- التنصير)، الحاضرين فى شخصيتى (منذر وجورج) فإن الكاتب هنا قد احتفى بالفعل الفنى والثقافى ( الكتابة - الموسيقى - الرقص - الشعر - القصة - استدعاء التاريخي...) كأمل أخير فى شفاء البطل من هلاوسه من خلال بحثه عن ال DNA المصرى الخالص. وفيما يلى رصد لتوظيف الفنون بمختلف أشكالها.. •أولاً: الموسيقى والأصوات، ودوزنة أحداث الرواية كلها: كان حضورالموسيقى لافتاً منذ بداية الرواية، خلق الكاتب من خلالها إيقاع صوتى متخيل، مترجماً به للعديد من الإيقاعات النفسية المصاحبة لها فى الأحداث، أو لأبطال العمل. إذ تتوحد حالة البطل بكرسيه بالنغمات التى يبحث عنها، عن الموسيقى هنا ليست خلفية لمشهد، وإنما تقاسم الشخصية بطولة المشهد بكل وضوح. إنه يتوحد به، حتى فى هواجسه الجنسية " نقل يوسف عينيه إلى عوده وتعجب كيف لم ينتبه من قبل إلى أنه يشبه امرأة من أسفل، تساءل إن كان السر فى تسميته بهذا الاسم هو الشبه الذى يحمله بعود امرأة مكتنز! اجتهد فى رقدته لكى يحصى عدداً آخر من الأشياء يتسلى بإيجاد المشتركات بينها، لم يرد إلى ذهنه شيء واحد قادر على أن يثير بداخله شعوراً مغايراً يمسح مرارة كلمات رجل المصعد،فعدم تحققه الموسيقى يوازى هنا عدم تحققه فى الحياة، وعند وعد استطاعته الزواج من أمل. ويتجلى احتفاء الكاتب بحضور الموسيقى كمكون رئيس فى مشهده السردي،ذلك حين يجعلها وحدهامعادلاً سردياً فى العلاقة بين يوسف و(راحيل)حين تقول له: "- بولكا، تعزفها كفا عازف الأكورديون العجوز، كاد كتفاه ينوءان بحمله الذى يتراقص بين ذراعيه كثعبان سمين"، إن الوصف هنا ليس مجانياً، وإنما يحمل إشارات عميقة للغاية تكثف الكثير من مشاعر يوسف المتداخلة، وتفاصيل علاقته ب (راحيل). فالموسيقى هنا تكون حاضرة غالباً لتدشين مواقف ورؤى فكرية للعديد من شخصيات الرواية، أو تأسيس لانحيازاتهاالإنسانية ما، فنجد على سبيل المثال اليهودية التى تسعى إلى تجميع الديانات الثلاث فى رحمها من خلال نطفة يوسف، بعنصريه المسيحى والمسلم فى رحمها اليهودي، تتفق فى الاختيار مع أبيها (اليهودى الديانة، المصرى الأصل والهوى)، فكلاهما ينحاز للموسيقى كلغة:"-أفضل البولكا من دون كلمات، وكذلك كان بابا... صمتتْ طويلاً، وظللتُ معلقاً عينى بتلك الشفتين اللتين تتمتمان منتظراً أن تخرج الكلمات إلى حيز السمع مرة أخرى. أردفت: •وظننت أنك ستفضلها أيضاً." ثم تنتقل إلى الطرف الآخر للصراع الثقافى والذى تؤرخ له بالموسيقى صورة الأم اليهودية الديانة، الصهيونية الهوى: "- لكن ماما كانت تتحدانى بالهافا ناجيلا، وتصرخ فى وجهى " ان يصدح فى زفافك غيرها". واستدعاء (الهافا ناجيلا) هنا ليس إشارة لذوقها الفني، وتركيبتها الإنسانية المختلفة عن (راحيل) وأبيها فحسب، بل هو تأصيل لموقف الأم السياسى والفكرى بالأساس، إذ يشير فى الهامش أن كلمات الأغنية كتبت عام 1917 احتفالاً بانتصار بريطانيا فى الحرب العالمية الأولى فى فلسطين وإعلان وعد بلفور. ويأتى الحضور الأخر الأخير للموسيقى حضورًا بانورامياً، كدأب الرواية فى رسم نهايات بانورامية لكافة عناصرها، "يتهاوى الشبح الثالث بين قدمينا. يعلو صوت حداء صحراوى رفيع، وترتفع دقات طول إفريقية، ونسمع صوت قيثارة فرعونة قديمة، يصاحبها عود شرقى رخيم، ترقص فرس أبى على على صوت مزماره..... ". وغير ذلك من الطاقات التى حمّلها الكاتب لتراكيبه حال الحضور الموسيقى فى السرد، أو أدوات إنتاجها، أو استماعها. وكذلك كان للأصوات حضورا مؤثراً فى صياغة علاقة (يوسف) ب (منصور) الصائغ، الذى اغتصب (أمله) بإطار شرعى (الزواج).وبدأت هذه الصياغة مبكراً فى بدايات الرواية، إذ تبدو الموسيقى هنا كمهرب من تخيلات الانتهاك الجنسى الذى سيطال حبيبة البطل. وفى متفرقات فى مشهد تنتقل فيه عين الرصد بين غرفة (يوسف)ّ، وبين محل (منصور)الذى تزوج(أمل) حياته، مغتصباً إياها بشكل ذى شرعية دينية ومجتمعية، والذى يطل عليه (يوسف) من خلال (نافذته) التى يطل منها على العالم. «صك سمعه صوت الصرير المعدنى الصدئ لباب دكان منصور الصايغ المقابل لمنزله « ص 23، « سحب إليه الطاولة الصغيرة التى طالما صاحبت مقعده المكسور، زفت الغرفة الطاولة إليه بصراخ الخشب على جفاف البلاط». « خيل إليه أنه يسمع صوت منصور قادماً من الشباك:»- تيييييييييفة.. الاصطباحة يا ابن الموبوءة. يضايقه الصوت، نفض رأسه، تلصص حوله بحذر، دقق النظر إلى سن القلم، وعندما وجده قد فقد حدته، التقط الشفرة وراح يشذبه إلى أن صار قادراً على الذبح، ضغط السن على الورقة وكتب: «منصور». وغير ذلك، نجد حضور الصوت كدال نفسى مكثف على حالة متشابكة إلى حد كبير كان يوسف بداخلها، أثناء تواجد (راحيل) فى غرفته، حين يصفها بقوله « هل تتذكر حالتك وأنت تخرج برأسك أخيراً لتصطدم بالهواء، هل تذكر صوت الشهقة التى تخرج رغماً عنك وذلك الألم الحاد الذى يسرى كالأشواك فى رئتيك وحلقك؟ بالضبط هذا ما حدث لى حين تيقنت أنه بإمكانى الآن أن أسترخى من دون أن تتوقف عن الحكي. شهقت محاولاُ تذكر السؤال لأجيبها ولم أفلح. ولكن يبدو أن الشهادة قد رسمت على وجهى ملامح ما، اعتبرتها هى رفضاً واستياءً....». إن صوت (الشهقة) بكل ما فيه من عنفوان الصراع بين الحياة والموت، بين النَفَس كتمه) هو الذى أضفى على المشهد بعداً تخييلياً إضافياً. وكذلك كان وجود الصوت معبراً عن الوجود، فمن ذلك الموقف الذى يدل على وحدة التراث المصرى بين المسلمين والمسيحيين، فتكون حل عقدة الطفل (يعقوب) من خلال أن (أم حسين) وضعت فى حجره التمر والخبز ليأخذه الناسمن حجره بعد الصلاة، ليكون ذلك سبباً فى نطق الطفل، وهو ما يحدث بالفعل فى الرواية. ثم تتجلى الوظيفة الدلالية لهذا الصوت فى بقية المشهد السردي، والذى كان بصيغة الفلاش باك، فى سياق حكاية أم يوسف له عن ملابسات زواجها من أبيه، وموقف أبيها الحكيم، المراهن على (تركيبة حسين الأصلية): «قال جدك لأمي: أليست هذه أم حسين التى ظللت بعد ذلك ترددين شيء لله يا أم حسين» كلما أهلت عليك! وهى ترد عليك: بركات العدرا أم النور... فتضحكان؟ توجهت الأم نحو يوسف راحت تجذب الحبلين وتردد مرة: •شى لله يا أم حسين. ومرة: •- بركاتك يا عدرا يام النور. راح يوسف يجذب جسده مقاوماً الحبلين، بذل كل ما فى طاقته إلى أن أعيته المحاولة فانهار على أرض الغرفة. تحولت نداءات الأم إلى صرخة واحدة : •شى لله. شقت الصرخة الملتاعة فراغ الفضاء واخترقت طبلتى أذنه، أفاق يوسف من غفلته التى طالت.» •ثانياً:الاتكاء على سِيَر (الصورة) و(اللون) كمعادلين موضوعيين يمكن السرد من خلالهما: من الطبيعى ان تحتفى الأعمال السردية بكل ما له علاقة بالإحالة البصرية، أما روايتنا، فقد استندت على (السرد بالصورة واللون)كعماد آلياتى هام، فكان الاحتفاء بأفعال (الرسم) و(التصوير) هنا له أثره الواضح، وكانت الألوان لها حضورها الدلالى القوي، وسنكتفى هنا ببعض الإشارات فقط. فاللون الازرق على سبيل المثال، بكل دلالاته على الاتساع والبراح، والقوة والاعتمادية والاكتفاء، كان ينتقل بين هذه المدلولات وفقاً لوظيفته الروائية التى اختلفت من موضع لآخر، فبداية ممن لون كراسة (يوسف) (الأزرق)والتى يدون فيها هواجسه بناء على نصيحة الطبيب، يبتدئ اتضاح العالم الخاص الذى تحاول الرواية رسمه « من أسفل مخدته، سحب كراسته الزرقاء وقلمه الرصاص، وضع الكراسة على حرف الطاولة وفتح الصفحات............ «. وكذلك توظيف الرواية لتدرجات الأزرق، فيختار منها (السماوي) للتعبير عن الحالة التى نشأت بين (يوسف) ذى الأب المسلم والأم القبطية، و(راحيل) ذى الأب والأم اليهوديين، وما يشير إليه فى التلقى الأولى من الاحتفاء بمفارقة (الإسلام والمسيحية واليهودية) فى رحم واحد. بينما هناك بعد آخر يحتفى بهوى الأب المصرى بامتياز، والذى يمنح شخصيته بعداً آخر، ليجعل منه ثالث أضلاع مثلث (مصر المصرية)، مع (مريم) المسيحية، و(حسين) المسلم، فالأب هنا جزء أصيل - ولو بقلبه - من هذه التركيبة الأصلية. «تجرعت آخر ما حوته الكأس من ثمالة مشروبها الأزرق السماوي، كان صوتها مازال محلقاً فى جو الغرفة مختلطاً بموسيقى البولكا.... «.وكذلك التفاعل الوجدانى مع الأزرق بتجلياته الأبدية اللانهائية، من خلال تصورات / هلاوس يوسف «كان غناء رتيباً مبحوحاً - يا يوسف –استجلب كل الحزن من أعماق روحي. كانت العجائز قد صبغن وجوههن وأيديهن وأذرعهنن بلون أزرق، بدا لى المشهد خارجاً من الماضى السحيق، لم أتمالك نفسى من البكاء». ولعل هذه التأويلات لها ما يعضدها من أحداث الرواية، فاختيار اللون على مدى الرواية لم يكن اعتباطياً، ولعل الحضور الأول كان فى الإسقاط المبدئى على شخصية (أمل)، ولا يفوتنا هنا ملاحظة اختيار الاسم، إذ يسقط على أمل فى ليلة زفافها إلى غيره، «بعينيها المرسومتين بالكحلة، ووجنتيها الملونتن بالأحمر، والعرق الذى أسال خليط الالوان على جبينها ورقبتها، كان فمها أقرب إلى فكم البلة الكبيرة....... تطل من حوافها ورقات الخس الخضراء». ولعل فى الابتداء بالعينين، واختيارها للأسود والوجنتين للأحمر، والعرق كبديل للأبيض ما يمكن تأويله أيضاً. لكن لعلنا سنتجاوزه لنقف عند (الأبيض) ودلالاته قبل وبعد التدوين الذى يقوم به (يوسف) «تأمل كلماته على الصفحة التى كانت بيضاء، دقق فى الأشكال التى تشبه خيوط النمل الدقيقة، رأى بينها حواجز وشجيرت....» إن الابيض هنا ليس مجرد لون،وإنما هو توصيف لحالتى روح يوسف وعقله قبل وبعد الكتابة، أو بمعنى أدق بين ما قبل سرد ما فى حياته،وما بعد هذا السرد. ويتجاوز مع الاتكاء على فكرة التعبير عن اختيار (اللون)، فكرة الضوء والظل، والذى كان لهما حضور طاغٍ منذ بداية الرواية، إذ نجد فى الفصول الستة الأولى اعتماد الكاتب على توظيف الظل بشكل مخاتل، ليراوح به بين الحقيقى والمتخيل، وبين الواقعى والمستدعى من الذاكرة، وركون يوسف فى كثير من الأحوال إلى هذا الظل، وسأكتفى هنا بشاهد واحد «دهمه الرعب دفعة واحدة، زحزح جسمه معيداً إلى الوراء الخطوة التى كان قد تقدمها فبات قرب سريره الصغير الذى انعكس على ملاءته المتسخة ظل العود المعلق فوقه مباشرة.» «أسقط جسمه المتعب، فانهار من علٍ محتضناً ظل العود، بينما عيناه تتابعان الظل الذى انفرد بالحائط مستكملاً رقصته.» وبالتجاور معهما احتل السرد بالصورة الكثير من المساحات السردية، فنجد الكاتب يتكئ عيلها مكثفاً العديد من التواريخ الشخصية كلوحة أمل «أفرغت كل مخاوفى ف لوحات، لعلها تسحب الطاقة السالبة التى يشحننى بها الحلم المكرور، حاولت عبرالألوان الزيتية أن أتنطق...... «، وفى الفقرة التالية فى نفس السياق « أصحو مندفعة صوب لوحاتى المشدودة وألوانى وأرسم امرأة فى جسد غزالة تركض فى طريق بلا نهاية.... «.... « ساعدنى الرسم، اقتنصت الألوان مخاوفى واكتشفت ملامح الأزمة،... ». •ثالثاً:السرد من خلال (الرقص والتشكيلات الحركية): إذ جاء الرقص على مدى مقاطع منفصلة كاشفاً على امتدادته الضاربة بعمق فى تاريخنا الإنسانى بشكل عام، وموروثنا الصوفى والمصرى بشكل خاص، وما يستطيعه الرقص من إقامة حال متكامل، تحضر فيه الروح، ويغيب فيه الجسد ذائباً على عكس الشكل الظاهري، وقد استغل الكاتب هذه الطاقات الدلالية، لتوظيفها فى وصفه رقص يوسف - المريض بالفصام –» تحركّ فتحرك الظل، بدا له أكثر رشاقة، على الأقل من فكرته عن نفسه. انتبه إلى الظل لا يمسك قلماً بيده، أراد أن يختبر الأمر فوضع القلم على الطاولة وترك خطوة إلى الأمام ثم عاد مسرعاً.... ». ويجاوز الرقص هنا كونه وسيلة لتفريغ إلى كونه طاقة فى ذاته، طاقة روحية حقيقية، تترك أثراً حقيقياً، ومن ذلك حديث منصور إلى فاطمة (أم يوسف)»- منذ تحدث الناس عن رقصة يوسف الغريبة تلك، فقدت سيطرتى على أمل «. وفى موضع آخر من نفس المشهد «– أمل التى تدعى الرضا، تحولت إلى كائن آخر منذ أن ذاع سر رقصة يوسف». ولا ننسى أن الرواية أصلت لتلك القيمة، من خلال الإضاءة على البعد التاريخى للرقص فى حياة يوسف نفسه، من خلال التنوير على طاقة الرقص الجاذبة بين أبيه وأمه، لتروى على لسان أمه مريم وهى تصف يوم العرس «يرقص كما ينبغى لرجل مبتهج أن يرقص، أخلع عنى خجلى وأسقط من عينى نظرات الناس وخشيتى من أحاديثهم، ألقى وسط دائرته كما تمنيت أن أفعل يوم عرسنا...... «، ثم تخبره / تخبرنا أمه أن أباه علمه الرقص «علمك أبوك رقصة العصا، وعلمك الرقص بالحصان، أنت الوحد الذى سمح له بأن يمتطى «حسناء»، فرس أبيك الشقراء، كان يقول إنها سوف تعرف دمه فيم وتطيع، كانت حروناً لايمسها فارس سواه...... ».إن الرقص هنا إحدى جينات الحياة، وإحدى مركبات المقاومة الثقافية. وبجانب الاحتفاء بالرقص كان الاحتفاء كذلك بالطاقات الكامنة فى التشكيلات الحركية، وتحميلها العديد مضامين الرواية، إذ تصف فى المشهد الذى تربطه فيه أمه بحبلين يمثلان عنصرى الحياة المصرية، والتى انتهت بانهيار يوسف، لان الزمن صار غير الزمن، فى مشهد غنى بالإحالات والتوظيفات البصرية لعناصره.ص55. أما عن تفجر الطاقة الحركية التى اعتنت بها الرواية، فكانت أوضح تجلياتها ف الحوارات الكلامية والحركية بين (يوسف) و(راحيل)، إذ عجت الرواية بلوحات تشكيلية تعكس التركيبة النفسية لكل من الشخصيتين حال الحركة، أو السكون. ولن يسعنا الحديث هنا عن توظيف الطاقة الشعرية للغة فى أماكن متفرقة من الرواية، سواء فى المقاطع الشعرية الصريحة التى تم توظيفها فى العمل، أو فى هيمنة شعرية اللغة فى إشارات الرواية فى نهاياتها خاصة فى فصولها الاخيرة، من خلال انحرافات لم تكن عفو الخاطر، كما تثبتها نواتجها الدلالية والرؤيوية. وكذلك الفصول التى كتبت بشكل مسرحى رائع، والتى تم التمهيد لها منذ التقرير الافتراضى لحالة يوسف فى بداية الرواية، وحتى نهايتها.