تجذبني دائما سينما الرحلات ؛ ومع كل فيلم أشاهده أضبط نفسي متسمرا في الكرسي الذي أجلس عليه داخل السينما وانا أشاهد هذه النوعية من الافلام ؛ أنفصل عن واقعي تماما وأعيش مع الشخصيات الموجودة في هذه الافلام كأنني أراها تتحرك أمامي في الحقيقة وليس علي شاشة السينما ؛ وهذا ما حدث لي الأسبوع الماضي وأنا أشاهد فيلم»يوم الدين»في عرض خاص مع عدد محدود من الزملاء أعضاء لجنة اختيار الفيلم المصري المشارك في مسابقة الاوسكار لافضل فيلم أجنبي ؛ وطوال ساعتين هي مدة عرض الفيلم شعرت بمتعة ذهنية وبصرية وأنا أتابع رحلة»بشاي»والطفل»أوباما» وثالثهما حمارهما بعد ان قرر »بشاي» العودة الي مسقط رأسه في محافظة قنا بصعيد مصر وقرر الطفل النوبي اليتيم»أوباما» مرافقته في رحلته رغم رفض بشاي لذلك إلا أنه رضخ في النهاية فاحداث الفيلم كلها تدور حول هذا الرجل الذي كان يعيش داخل مُستعمرة للمصابين بالجُذام، وبعد وفاة زوجته المصابة هي اﻷخري بنفس المرض، يقرر أن يغادر المستعمرة وينطلق برفقة صديقه النوبي الصغير بعربة كارويقودها حماره، وخلال رحلة عبر أنحاء مصر في محاولة لمعاودة الاتصال بعائلته من جديد والوصول إلي قريته ؛ ومن يري المشاهد الاولي في الفيلم يعتقد مباشرة انه ينتمي للتراجيديا الحزينة ؛ ولكن سرعان ما يأخذنا مخرج الفيلم - وهوبالمناسبة كاتب السيناريو - الي رحلة مليئة بالمواقف الطريفة والكوميدية ولكن قدمها بروح ميلودرامية يمزج فيها بين انتقاد الواقع المرير وتظرة المجتمع لهؤلاء المرضي والتي تمتلئ بالتوجس والريبة والخوف قدمه باسلوب ساخر واعتمد فيها علي تلقائية بطل القصة الحقيقي وهوبطل الفيلم ايضا وقد اعتمد المخرج علي عفوية البطل في الاداء ليجعل منه حالة انسانية تثير التعاطف وايضا الغضب من نظرة المجتمع اليه والي هؤلاء المرضي ؛ وقدم المخرج رسائل هامة ابرزها تعامل كمساري القطار مع »بشاي» الذي لا يحمل تذكرة للقطار فكان رد بشاي»أنا إنسان» وتصل الرسائل الي ذروتها في مشهد التسامح بين الاديان وهوالواقع الذي تعيشه مصر وهومشهد صلاة »بشاي» مع »أوباما» في المسجد ؛ وعندما يصل بشاي الي مبتغاه ويصل لاسرته رغم ما لاقاه من متاعب واهوال ونظرة المجتمع اليه ؛ يقرر العودة مرة اخري الي مستعمرة الجزام ليعيش فيها بقية حياته بعد ان توصل الي حقيقة قالها لأوباما»لن نصبح متساويين إلا يوم الدين». فيلم»يوم الدين» يستحق بالفعل تمثيل السنما المصرية في مسابقة الاوسكار ؛ لانه فيلم حقيقي وليس مصطنعا يتحدث عن بشر حقيقيين.