السفير ماجد عبدالفتاح يكشف تفاصيل موافقة 143 دولة على منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة    اتهام جديد ل عصام صاصا بعد ثبوت تعاطيه مواد مُخدرة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    وزير الرى: الانتهاء من مشروع قناطر ديروط 2026    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    نائب بالشيوخ: موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو دوارة : استفدت كثيرًا من خبراتي الهندسية في العمل المسرحي
نشر في أخبار السيارات يوم 25 - 08 - 2018

»رجل المسرح العربي»‬ »‬سندباد المسرح» لقبان من عشرات الألقاب التي حظي بها تجعلك تبحث عن منجزه لتعثر علي إجابة عن سؤالك: لماذا؟ وحين تقف مع كتبه وأعماله تشعر أن هذا الرجل ينتمي إلي البنائين الكبار في تاريخ المسرح المصري.
من سلالة فنية رفيعة، لا تكاد تُسقط سطرًا مما خطت، وعلي عين أحد أبرز كتابها تربي عمرو دوارة؛ ورغم أن فؤاد دوارة كان قد خطط منذ البداية قدرًا مختلفًا لأبنائه؛ مركزه بعيدًا عن الفن والأدب، وإطاره توفير ظروف نشأة مثالية لأطباء ومهندسين وأكاديميين لأسبابٍ يعرفها كل ذي ضمير يتعامل مع الواقعين الفني والأدبي في مصر.
أما عمرو فكما يفر أبطال الدراما من قدرهم الظاهر، إلي قدرهم الحقيقي، عقد معاهدة بسيطة: ليكن لك مهندس يا أبي، ولأكن كما أحب؛ فنانًا مسرحيًّا.. وبذا أنهي دراستيه معًا.. حصل علي الدكتوراه في المجالين، وترقي في الهندسة حتي خرج إلي المعاش، لكن الفن لا تقاعد فيه.
لماذا عمرو دوارة؟ هذا سؤال ظللت أكرره علي نفسي.. فالمسألة ليست حوارا عن المسرح.. وإنما حوار المسرح.. إذن لأضع المعطيات أمامكم؛ أحتاج إلي شخص يمارس العمل المسرحي، ويساهم في تأسيس مهرجاناته المختلفة، ويحقق مقولة السيد أحمد شمس الدين: »‬واد عاشق مسرح».. أحتاج إلي شخص له مؤلفات نقدية وتوثيقية.. من إذن غير صاحب موسوعة المسرح المصري التي تعرض تاريخ مسرحنا منذ إنشائه حتي الآن؟ من غير صاحب الكتب التوثيقية لفناني المسرح المعروفين والمغمورين.. إذن هو عمرو.
حين أعطي طه حسين للعقاد جائزة الدولة في عيد العلم، هاج الأكاديميون والجامعيون وقالوا للبصير: »‬العقاد دون دكتوراه» فقال لهم: »‬كتبه» أو كما قال، وأنا أختار دوارة لمنجزه الفني والنقدي، فكان هذا الحوار.
يميل كثيرون من الكتاب للإحتفاظ بالزوجة وهي مهنة المؤهل الرئيسي، في حين تبقي الحبيبة هي الهواية.. فكيف حسمت قرارك وأنت خريج الهندسة، (1978) نهاية الثمانينيات جواز مرور للثراء السريع؟
أنا بطبيعتي غير تقليدي بل ومغامر أيضا، ومقتنع جدًّا بأن علي الإنسان، بما أنه يعيش حياته مرة واحدة، ضرورة الاستمتاع بكل لحظة فيها، كما أنني مؤمن بأن السعادة ليست في الثراء المادي الذي مهما تحقق وتعاظم فإنه من الممكن أن يزول في ثوان، وإنما السعادة الحقيقية تكمن في تحقيق الذات، وإحساس الإنسان بدوره الفعال في إسعاد الآخرين. لقد حقق لي المسرح تلك المعادلة الصعبة، وهي أن أقدم للناس المتعة وأيضا الفكر فأساهم في نشر الوعي والتنوير والأفكار السامية التي أؤمن بها. وأنا أتفق معك في ذلك التشبيه البليغ وأصدقك القول بأنني أعشق وأحب كل من الزوجة والحبيبة، لأن الهندسة بلا جدال فن رفيع أيضا، ولذلك قد يندهش عدد كبير من الأصدقاء بالوسط الفني حينما يعلمون أنني قد مارست الهندسة حتي وصولي إلي سن التقاعد، وشغلت أعلي المناصب القيادية كوكيل أول لوزارة النقل حتي عام 2015، وكنت أعد أحد الخبراء المتميزين في مجال تخطيط النقل، ولكن في الحقيقة كان ذلك علي حساب حياتي الشخصية وتضحياتي بالعمل من القطاع الخاص للعمل بالقطاع العام (المصانع الحربية) ثم من القطاع العام للعمل بالحكومة (وزارة النقل) حتي أجد الوقت الكافي لممارساتي الفنية كمخرج وناقد ومؤرخ مسرحي.
المفارقات لا تتوقف عند مزاولتك لهواياتك المسرحية بجانب عملك الأساسي كمهندس ولكن علي عكس عدد كبير من المسرحيين استطعت أن تحقق نجاحا في أكثر من مجال كالإخراج والنقد والتأريخ، وأيضا في الإدارة وتنظيم المهرجانات، فكيف تقيم تجربتك ولماذا تقم بتركيز جهودك في مجال واحد؟
أحب الألقاب إلي قلبي لقب »‬رجل المسرح»، فأنا أعشق المسرح ككل بجميع مفرداته، وأصدقك القول لقد استفدت كثيرا من خبراتي الهندسية في العمل المسرحي، كما أن العلاقة التبادلية الطردية بين الناقد والمخرج قد أضافت لي الكثير، خصوصًا أن دراستي الأكاديمية بالمعهد »‬العالي للنقد الفني» قد أتاحت لي فرصة دراسة الفنون التشكيلية والسينما والفلسفة وعلم الجمال والموسيقي الغربية والشرقية. وكثيرا ما يفيد المخرج من الناقد في اختيار النصوص وأيضا في اختيار بقية مفردات العرض المسرحي، وكذلك في نهاية مرحلة الإبداع التلقائي حينما يقوم مرة أخري بتقييم العرض طبقا للتحليل النقدي. ولا أنكر أن المخرج قد أفاد ممارستي النقدية أيضًا حينما أمدني بالخبرات العملية وتفاصيل جميع مراحل الإبداع وراء الكواليس، أما المؤرخ فقد وجدتها ضرورة لاستكمال جهود الأساتذة، فلا يمكننا تطوير أدواتنا والتطلع للغد دون التعرف علي جميع المنجزات والإبداعات السابقة.
وبخلاف كل ماسبق أعتز أيضا بمشاركتي بالتدريس بجامعة »‬جنوب الوادي» لأكثر من عشر سنوات، بالإضافة إلي تأسيسي لعدة فرق مسرحية مهمة كمجانين المسرح (1978)، المسرح الارتجالي (1981)، وكل منهما تعتبر من الفرق المؤسسة التي تحملت عبء تأسيس »‬الجمعية المصرية لهواة المسرح» (1982)، ومن خلال إحساسي بالمسئولية تجاه الأجيال الجديدة كان لابد لي من توظيف خبراتي ومهاراتي الإدارية في تنظيم الورش الفنية والدورات التدريبية وأيضا المهرجانات المحلية والدولية، تلك المهرجانات التي تمنح الفرصة لجيل جديد من المبدعين.
أطروحتك للدكتوراه في فلسفة الفنون بعنوان »‬الإخراج المسرحي بين مسارح الهواة والمحترفين» فلماذا وأنت الأكاديمي الخارج من رحم الهندسة تذهب لمسرح الهواة؟
أنا في البداية ابن بار لمسارح الهواة، فأنا ابن المسرح المدرسي والمسرح الجامعي، ومن خلال تلك المسارح تم اكتشاف موهبتي وصقلها من قبل أساتذة كبار، يكفي أن أذكر أسماء كبار المخرجين الذين ساهموا بدورهم بالمسرح الجامعي خلال فترة السبعينيات وبداية ثمانينات القرن الماضي وفي مقدمتهم الأساتذة/ نبيل الألفي، عبد الرحيم الزرقاني، سعد أردش، كرم مطاوع، سمير العصفوري، حسن عبد الحميد، عبد الغفار عودة، حسين عبد القادر، فهمي الخولي ومجدي مجاهد، ومنهم لم نتعلم علوم وقواعد المسرح فقط بل وتعلمنا أيضا معني الالتزام الفني والعطاء بلا مقابل. وحقيقة أنا أعتز جدا بتجربتي في مسارح الهواة، ويكفي أن أذكر أن عدد العروض الستين التي قمت بإخراجها نصفهم تماما بجميع تجمعات الهواة (المسرح المدرسي/ الجامعي/ العمالي/ مسارح الأقاليم/ مراكز الشباب والفنون/ المراكز الثقافية الأجنبية)، ومن خلال هذه المسارح تعرفت علي جميع أقاليم بلادي سواء كمخرج أو مشارك بالتحكيم أو بالندوات أو مكرما، وتضم قائمة الأعمال التي أخرجتها عروضا بمحافظات: القاهرة/ الجيزة/ الأسكندرية/ الإسماعيلية/ السويس/ القليوبية/ قنا/ الأقصر.
عشت في بيت فني.. فما أهم ملامح هذا البيت؟
الحقيقة أنه منزل أدبي بالدرجة الأولي؛ وذلك نظرا لأن الوالد شيخ النقاد المسرحيين كان يعشق المسرح بوصفه قالبا أدبيا قبل أن يكون عروضا فنية، وربما كان هذا هو الاختلاف - ولا أقول الخلاف - في وجهة نظر كل منا للمسرح، فبرغم اقتناعي الكبير بأهمية النص المسرحي فإنني مازلت أعتقد أنه محض مسودة للعرض المسرحي، وأن المخرج هو المؤلف الحقيقي للعرض. نشأت في بيت يحترم الثقافة والفنون، والمكتبة جزء أساسي في تكوينه. ومن أهم الملامح والدتي المثقفة الحاصلة علي ليسانس اللغة الإنجليزية (زميلة الوالد بجامعة الأسكندرية)، فكانت المراجعات النهائية في أيام إلامتحانات الوالدة في اللغة الإنجليزية والوالد طبقا لتخصصه في اللغة العربية. نشأت في بيئة أدبية بمنزل يحضر إليه كبار الأدباء في سهرات شبه أسبوعية وفي مقدمتهم الأساتذة/ توفيق الحكيم، يحيي حقي، زكي طليمات، د. محمد مندور، أحمد كامل مرسي، نعمان عاشور، ومن الأجيال التالية: ألفريد فرج، سعد الدين وهبة، سعد أردش، كرم مطاوع، أحمد عبد الحليم، صالح مرسي، عبد الله الطوخي، وذلك بالإضافة إلي انتمائي لعائلة »‬دوارة» التي كان رائدها في مجال الأدب والفنون العم الأكبر/ محمد دوارة المؤلف المسرحي والإذاعي، وهو والد كل من الإعلاميين/ عاطف وعلاء دوارة اللذين تعلمت، من خلال صحبتي لهما، الكثير من أصول مهنة الصحافة والإعلام.
ثمة روافد أولي ساهمت في تشكيلك حتي لا تضيع دقيقة من حياتك بعيدًا عن المسرح.. هل هذا صحيح؟ وكيف؟
تعلمت من دراسة الهندسة كيفية تنظيم الوقت، وبخاصة أنني قد تخصصت بمجرد حصولي علي درجة البكالوريوس في كلية الهندسة (جامعة القاهرة) بمجال نظم المعلومات، كما أن إصرار والدي علي إبعادي عن مجال الفن والتحاقي بالكليات العملية قد زادني إصرارا. وإذا كان قد نجح في إبعاد أشقائي الثلاث عن ممارسة الفنون فقد نجحت في إقناعه بإصراري خصوصًا أنني لبيتُ شرطه الأساسي، وهو إعطاء الأولوية للحياة العملية، فكنت أدرس الدراسات العليا في اتجاهين في الوقت نفسه، فأحصل علي ماجستير الهندسة وفي العام نفسه علي ماجستير في فلسفة الفنون، وحدث ذلك أيضا في درجة الدكتوراه.
والحقيقة أنني قارئ نهم بطبعي ومؤمن جدا بالنصيحة التي تنص علي »‬ضرورة أن تعرف شيئا عن كل شيء، وأن تعرف كل شيء عن شيء»، وقررت أن يكون هذا الشيء هو المسرح حياتي وهوايتي، والهواية الثانية في حياتي هي السفر والتجوال، وقد أفادتني كثيرا بالإطلاع علي أهم التجارب المسرحية عربيا وعلميا، وأعتز بلقب »‬سندباد المسرح العربي» الذي أطلقته الصحافة العربية علي لكثرة مشاركاتي وإسهاماتي بالمهرجانات المسرحية المختلفة.
يراك كثيرون في عدة أدوار، وتري أثرك الأكبر في مسرح الهواة، وموسوعة المسرح.. وبما أنك ابن للفلسفة فأنت ابن للمسرح، وكلاهما يُمَكنُك من الاقتراب من النفس.. كيف تقيم دورك في مسرح الهواة وفي موسوعة المسرح؟
حقيقة أعتز جدا بجميع أدواري وإسهاماتي بصفة عامة، وبخاصة كل مسرحية قمت بإخراجها من المسرحيات الستين التي شرفت بإخراجها أو بإصدار من مؤلفاتي الثلاثين، فكل منهم يعد خطوة وإضافة مهمة في مسيرتي الفنية، ولكن مما لا شك فيه أن تأسيس »‬الجمعية المصرية لهواة المسرح» عام 1982، وتأسيس مهرجاناتها الثلاثين وإدارتها ومن بينها خمسة عشر مهرجانا عربيا تعد خطوة هامة بل ووثبة في مساري الفني، فقد قمت بتأسيس الجمعية ولا يوجد كيان واحد يجمع »‬هواة المسرح» ويعبر عنهم!!، قد لا يدرك الجيل الجديد من الهواة أهمية ذلك لأن فرص العمل متاحة أمامهم حاليا بعدة منافذ رسمية والأهم أنهم يتمتعون باعتراف جهات عديدة. ولكن يجب أن نتذكر أن »‬الجمعية المصرية لهواة المسرح» قد تأسست قبل »‬مركز الهناجر للفنون» بعشر سنوات (تأسس 1992)، وقبل »‬مركز الإبداع» بعشرين عاما (تأسس عام 2002). أتذكر أنني حينما حاولت تجميع فرق لهواة لم تكمن الصعوبة في عدم اعتراف المؤسسات الرسمية فقط وصعوبة إقناعهم بل وفي صعوبة إقناع الهواة أنفسهم الذين أصابهم الإحباط وفقدوا القدرة علي الحلم، ومن المفارقات أنني قد أضطررت إلي التواصل مع »‬الاتحاد الدولي للهواة بالدنمارك» وبعض فرق الهواة العالمية قبل أن ننجح في إشهار الجمعية التي استغرق تأسيسها بثلاثمائة عضو مؤسس أكثر من عام!!، واليوم أحمد الله كثيرا فقد أصبحت تضم ما يقرب من عشرة آلاف هاو بمختلف أقاليم »‬مصر» وفي جميع مفردات العرض المسرحي.
هذا وتعد »‬موسوعة المسرح المصري المصورة» وثبة هائلة ليس في تاريخي فقط بل في مجال الموسوعات المسرحية وفي مجال التوثيق والتأريخ المسرحي بصفة عامة. لقد قضيت أكثر من ربع قرن في إعدادها، وذلك لأن من المفترض أن الموسوعات عمل جماعي ومؤسسي، ويتطلب كثيرًا من الجهد والوقت والأموال، وقد تحملت كل ذلك مستعينا بتخصصي وخبراتي في مجال نظم المعلومات وأيضا بخبرات ببعض المتخصصين في مجالات الترميم والتصنيف والتوثيق والبرمجة، ويكفي أن أذكر أنها خمسة عشر جزءا وتتضمن أكثر من سبعة عشر ألف صفحة، وسبعة آلاف وخمسمائة مسرحية وأكثر من عشرين ألف صورة فوتوغرافية.
هل تطمح في تحويل موسوعتك إلي وسيط إلكتروني تفاعلي علي غرار جود ريدز.. ولماذا؟
فعلا من المخطط لتعظيم الاستفادة من »‬موسوعة المسرح المصري المصورة» تحويلها إلي وسيط الكتروني، وإن شاء الله سيتضح من خلال النسخة الإلكترونية مدي أهميتها ومدي قدرتها علي توفير الجهد والوقت لجميع الباحثين، ويكفي أن أذكر أن الجزء الخامس عشر يحتوي علي خمسة مداخل (فهارس) بعناوين(أسماء): المسرحية/ الفرقة/ تاريخ الإنتاج/ المؤلف/ المخرج، وبالتالي يستطيع الباحث في ثوان الكشف عن جميع العروض التي قدمتها إحدي الفرق خلال فترة نشاطها، أو تحديد إجمالي العروض التي قدمتها جميع الفرق خلال عام أو حقبة زمنية محددة، وذلك بالطبع بخلاف البحث عن جميع إنتاج مؤلف محدد أو مخرج. هذا ولا بد من الإشارة إلي أن الوسيط الألكتروني عبر الموقع المحدد سوف يتيح أيضا - وباشتراطات خاصة - الحصول علي نسخ عالية الجودة من تلك الصور المسرحية النادرة التي تتضمنها الموسوعة سواء للعروض أو لأهم المبدعين بجميع المفردات المسرحية.
تميل في إخراجك - وربما أكون مصيبًا - إلي النصوص الشعبية، ونصوص المقاومة، علي أن يجتمع فيها قيمة مضافة، فمسرحية »‬السلطان يلهو» علامة مائزة في المسرح العربي، و»‬ملك الأمراء» اكتشاف لنقطة بكر في التاريخ المصري.. فكيف تختار نصوصك؟
اختياري للنصوص هي احساسي بقدرتي علي توصيل خطابها لدرامي بصورة سلسة مع قدرتي علي تحقيق تلك المتعة السمعية والبصرية المنشودة. وما لا يعرفه الكثيرن أنني بدأت حياتي المسرحية مؤلفا لأول النصوص التي قمت بإخراجها وهو »‬شباب علي الطريق» لمنتخب جامعة القاهرة عام 1973 وكنت ما زلت طالبا في نهاية المرحلة الثانوية، لم يكن هناك بالطبع من يمكنه الاقتناع بنصي لإخراجه، ولكنني مع اتساع قراءاتي المسرحية اكتشفت عددا كبيرا من النصوص التي تتفق مع أفكاري وكتبت بجودة عالية فقررت توصل خطابها الدرامي للمشاركة في نشر الوعي وقيم الخير والحق والجمال. كنت خلال تلك الفترة مرتبطا بطلبة الجامعة ومشاركا معهم بمظاهرات 1968 لرفض الأحكام الصادرة ضد قيادات الطيران وأيضا مظاهرات عام الضباب للمطالبة بضرورة الثأر وإزالة آثار هزيمة 1967. خلال رحلتي قدمت عدة عروض يمكن إدراجها تحت مسمي »‬مسرح المقاومة» ومن بينها: »‬النار والزيتون» و»‬سليمان الحلبي» لألفريد فرج، و»‬المحروسة 2015» لسعد الدين وهبة، و»‬يا بهية وخبريني» و»‬الذباب الأزرق» لنجيب سرور، وذلك بالإضافة لبعض النصوص الاجتماعية ومن بينها: »‬الحالمة والحواجز» و»‬خداع البصر» لأمير سلامة، »‬سوق الشطار» لمختار العزبي، »‬بيت المصراوي» و»‬ممنوع الانتظار» لعرفة محمد، »‬النيل والفرات» لمحمد الصعيدي، ومما سبق يتضح تعاملي مع كل أجيال المؤلفين تقريبا. وهذا الاتجاه بالطبع لم يمنعني من تقديم عدد من العوض التجريبية ومن بينها عروض المونودراما: »‬شيبوب» وهو أول نصوص عصام الشماع، »‬حلم أسمه شفيق»، »‬الممثلة التي عشقت نجيب محفوظ»، و»‬رجالة بشنبات»، وبعض العوض العالمية ولعل من أهمها: »‬الحصان إيكواس» لبيتر شافر وكان هذا أول تقديم لنصوصه بمصر. وبالفعل أعتبر عروضي الأربعة: »‬السلطان يلهو» لمحفوظ عبد الرحمن، »‬ملك الأمراء» لفكري النقاش»، »‬خداع البصر» لأمير سلامة، »‬يوم من هذا الزمان» لسعد الله ونوس من أهم ما قدمت بشهادة النقاد والنجاح الجماهيري، خصوصًا وقد حظي بعضها بفرصة تمثيل »‬مصر» ببعض المهرجانات العربية.
أخرجت خمس مسرحيات فقط للأطفال ومع هذا حازت عددًا كبيرًا من الجوائز العربية والعالمية.. كيف تفسر ذلك؟ والأهم لماذا توقفت؟
الإخراج للأطفال لا يختلف كثيرا عن الإخراج للكبار، فأسس ونظريات الإخراج واحدة والخبرات المتراكمة بمسارح الكبار تفيد بلا شك في مجال عروض الأطفال، ربما يحتاج الأمر فقط إلي ضرورة الحرص في اختيار النصوص الموجهة للأطفال طبقا لأسس تربوية، وأيضا دراسة سيكولوجية الطفل وكيفية جذب انتباهه بصفة مستمرة عن طريق الإيقاع المنضبط - ولا أقول السريع - الذي يتناسب مع طبيعة النص. وأعتقد أنني اكتسبت خبرات في هذا المجال من خلال تحملي مسئولية التدريس (النظري والعملي) لطلبة وطالبات كليات التربية النوعية ورياض الأطفال بجامعة جنوب الوادي لمدة عشر سنوات.
والحقيقة أنني أعتز جدا بتجاربي الإخراجية لمسارح الأطفال، وقد حصلت في أول مسرحية لي عام 1996 علي الجائزة الأولي في الإخراج بعرض »‬العصا السوداء» بمهرجان »‬توياما الدولي لمسارح الأطفال» باليابان، وهو أكبر مهرجان للأطفال علي مستوي العالم، وهو ما شجعني علي تكرار التجربة بإخراج عرضين لقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية هما: »‬عصفور خايف يطير» تأليف/ محسن مصيلحي، »‬قطار الحواديت» تأليف/ فؤاد حجاج، ثم المشاركة مرة أخري بعض »‬حقوق الأبناء» عام 2000 لتحصل فرقة »‬فرسان المسرح» بالجمعية المصرية لهواة المسرح» علي درع المستوي الأول مع ثلاث دول (هي: اليابان والصين وألمانيا).
وحاليا أقوم بإعداد ثلاثة عروض جديدة للأطفال أحدهما لمسرح العرائس والثاني عرض أقنعة أما الثالث فهو عرض بشري ويندرج تحت تصنيف »‬مسرحة المناهج» للشهادة الإعدادية.
منذ بدايات كتاباتك تميل إلي أن يكون للأرشيف مكانٌ بارز فيها، فأول كتاب عن فؤاد دوارة، وها أنت تنهي موسوعة المسرح المصورة، ولديك ثلاثون سيناريوها لأفلام تسجيلية.. فهل خططت لهذا منذ البداية.. أم تجمع القطرات علي نحو معين هداك إلي توسعة النهر؟
دراستي لنظم المعلومات جعلتني أعرف مدي أهمية توافر المعلومات والبيانات بالشكل المناسب وبالقدر المناسب وبالسرعة اللازمة. وأثناء دراستي الأكاديمية للحصول علي درجتي الماجستير والدكتوراه عانيت كثيرا من نقص وغياب المعلومات التوثقية اللازمة. لذلك حرصت علي إعداد أول موسوعة مصورة للمسرح المصري، وأثناء إعدادها قمت بتقديم بعض الكتب المهمة في مجال النقد والتوثيق، ولعل من أهمها: »‬فؤاد دوارة عاشق المسرح الرصين» (المركز القومي للمسرح)، »‬شموع مسرحية انطفأت بلا وداع»، (الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ، »‬يوسف وهبي فنان الشعب» (هيئة قصور الثقافة)، »‬هناء عبد الفتاح فارس التجريب المسرحي (مطبوعات المهرجان القومي السادس - 2012)، »‬حكاية المسرح القومي» (هيئة قصور الثقافة - 2013)، »‬أحمد عبد الحليم قائد فيلق الفنانين العرب» (دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع - 2013)، »‬ملك مطربة العواطف ومسرحها الغنائي» (المركز القومي للمسرح - 2014)، »‬محمود الألفي وعالمه المسرحي» (دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع - 2015)، »‬كرم مطاوع .. مؤلف العرض المسرحي» (مطبوعات مهرجان شرم الشيخ الدولي للشباب)، وذلك بخلاف خمسة عشر كتابا تذكاريا للمركز القومي للمسرح لكبار المسرحيين (ومن بينهم: سميحة أيوب، د: كمال عيد، عايدة عبد العزيز، رجاء حسين، ليلي طاهر، سميرة عبد العزيز، مديحة حمدي، نادية رشاد، هناء الشوربجي)، وذلك بخلاف كتابة المادة العلمية والسيناريو لعدد كبير من الأفلام التوثيقية. وأنا أحرص علي أن تتضمن تلك الكتب بخلاف المادة التوثيقية ومجموعة الصور المسرحية النادرة علي رؤية نقدية.
أين يقع كتابك »‬حكاية المسرح القومي» من تاريخك؟ وما حقيقة ما أثير حول الكتاب ساعة صدوره؟
هذا الكتاب ليس فقط من أهم كتبي ولكنه بشهادة النقاد إصدار غير مسبوق بالمكتبة العربية، فهو يجمع بين التوثيق والتحليل والرؤية النقدية. حاولت من خلاله أن أعطي صورة بانورامية كاملة لتاريخ »‬المسرح القومي» منذ نشأته وحتي عام 2015، وحين نذكر المسرح القومي فإننا نتحدث عن كل من الفرقة التي تأسست كأول فرقة حكومية بالشرق الأوسط عام 1935، وعن المبني الذي خصص للفرقة منذ عام 1942. وقد حاولت من خلال فصوله تضمينه بمجموعة من الجداول والقوائم المهمة التي توثق أسماء كل المديرين للفرقة/ المؤلفين الذين قدمت أعمالهم/ المخرجين/ أهم النجوم/ مع بيان كامل بكل العروض التي قدمتها الفرقة. وذلك مع تحليل نقدي لبيان عدد العروض المحلية والعروض العربية وأيضا العروض العالمية المترجمة.
وقد تعرضت لبعض التهديدات من قبل البعض برفع قضايا علي لإصراري علي تسجيل بعض الحقائق التاريخية - بكل الشفافية - عن أداء بعضهم حينما قاموا باستغلال نفوذهم أثناء فترة إدارتهم للفرقة، ولكنهم بالطبع لم يستطيعوا تنفيذ تلك التهديدات لأنها جميعا وقائع حقيقة محددة وتم توثيقها بجميع التفاصيل. وأعتقد أن الرد العملي علي هؤلاء هو نفاد الطبعة الثانية التي صدرت وبها ملحق يتضمن عددا كبيرا من مقالات الإشادة بالكتاب، وأيضا حصولي عام 2017 علي جائزة النقد الأدبي من »‬اتحاد الكتاب مصر» عن هذا الكتاب.
أكثر من سبعة آلاف مسرحية من 1870 حتي 2015، هذا جهد فريق بحثي تدعمه مؤسسة قوية.. فكيف قمت به؟ وكيف يمكن الحفاظ عليه؟
حينما شرعت في هذا المشروع لم أجد ترحيبا من الجميع، لأنه مشروع قومي (ثقافي وفني) يحتاج للتفرغ ولكثير من الجهد والوقت والأموال، والعائد الأدبي لن يظهر إلا بعد عدة سنوات، كما أن العائد المادي قد لا يتحقق علي الإطلاق. وأجمع المتخصصون أن إصدار مثل تلك الموسوعات مهمة المراكز البحثية والمؤسسات وليس الأفراد. ولكن من خلال خبراتي بالعمل المؤسسي بمصر وافتقادها للسياسات الثقافية وعدم وجود خطط قومية سواء متوسطة أو بعيدة المدي، بالإضافة إلي ارتباط خطة النشاط السنوي بأشخاص المديرين وتوجهاتهم الشخصية، خصوصًا في غياب التنسيق بين المراكز البحثية المختلفة، قررت الشروع فورا في البدء وتحمل جميع النفقات وتشكيل فريق بحثي من مجموعة المتخصصين كل في مجاله، وقمت بتدريب بعض الشباب علي كيفية البحث عن المعلومات والصور وكيفية التصنيف والفهرسة، وأحمد الله أنني استطعت استنساخ كل المقالات والأبحاث والتحقيقات والصور المسرحية الموجودة بأرشيف الصحف والمراكز البحثية، وذلك بالإضافة إلي تجميع أكبر عدد من مقتنيات الرواد.
هذا واقترح للمحافظة علي هذا الجهد الكبير تشكيل لجنة متخصصة بالمركز »‬القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية» تكون مهمتها إصدار طبعات جديدة منقحة ومزيدة كل خمس سنوات، بحيث يضاف إليها بالطبع - وبالأسلوب نفسه - الإنتاج المسرحي خلال تلك السنوات الخمس بالإضافة إلي بعض الصور والمعلومات التي أمكن الحصول عليها بعد طباعة آخر طبعة.
يري د.كمال عيد أنك أعدت الريادة للمسرح المصري بهذه الموسوعة، وأنها وضعت مصر مع ثلاث دول فقط قامت بمثل هذا الجهد الجبار.. مع ذلك فأين الموسوعة من المهتمين والدارسين والفنانين؟
هذه شهادة غالية جدا خاصة وأنها لأستاذ أكاديمي كبير وموسوعي ارتبط اسمه بالموضوعية، والحقيقة أن »‬موسوعة المسرح المصري المصورة» إنجاز غير مسبوق علي مستوي العالم كله، فمما لا شك فيه أن المكتبة العالمية تذخر ببعض الموسوعات المسرحية المتخصصة، ولكن هذه الموسوعة غير مسبوقة علي مستويين الأول أنها »‬مصورة» أي تتضمن - بخلاف البيانات الأساسية لكل عرض - ثلاث صور لكل عرض توضح اختلاف المنظر المسرحي وأيضا جميع النجوم المشاركين، والثاني أنها جامعة شاملة من بدايات المسرح المصري عام 1870 وحتي عام 2015، وليست توثيقا وتأريخا لحقبة زمنية محددة فقط.
وأهمية الموسوعة أنني قمت بتجميع أجزاء الصورة الممزقة لحياتنا المسرحية، فللأسف لا يوجد لدينا ذاكرة مسرحية، وحتي مذكرات الرواد تضمنت أغلبها كثيرا من المغالطات بالإضافة إلي تعظيم دور بعض الشخصيات علي حساب منجز بعض الفنانين الآخرين. ويضاف إلي ذلك أن هناك فترات زمنية افتقدنا خلالها وجود مجلات مسرحية أو فنية متخصصة، وبالتالي افتقدنا خلالها أقلام النقاد وجهود الموثقين.
أسست عام 1982 فيما يشبه معاكسة التيار - ويبدو أن هذه هوايتك - »‬الجمعية المصرية لهواة المسرح»، ها هي تحتفل بمرور ما يزيد علي ربع القرن.. فلم قمت بذلك؟ وهل تحقق لك ما أردت؟
جاءت فكرة تأسيس الجمعية حينما كنا في »‬المسرح الجامعي» نبذل جهدا كبيرا لمدة ثلاثة أشهر للتقديم عرض مسرحي، ثم يقدم للأسف لمدة يوم واحد فقط في إطار المسابقة التي تنظم في نهاية العام الدراسي - قرب موعد الامتحانات - فلا يتاح للطلبة فرصة مشاهدتها!!، وحينما كنا نحاول الخروج بعروضنا خارج أسوار الجامعة كانت العقبات الإدارية تواجهنا من كل ناحية، فقمت بأخذ المبادرة بتأسيس فرقة »‬مجانين المسرح» من منتخبات جامعات القاهرة وعين شمس وحلوان، وقدمنا عروضنا بقصور الثقافة ومسرح السامر والشوارع والميادين، ولكن المشكلات البيروقراطية والمتطلبات الأمنية استمرت، فكان لا بد من مواجهتها بتنظيم أكثر قوة وفي إطار شرعي فقمنا بتأسيس »‬الجمعية» ونجحنا في أن نحصل علي الإشهار الدولي بعدما حصلنا محليا علي اعتماد توصيفها بأنها »‬الممثل الشرعي الوحيد لجميع هواة المسرح بالعاصمة والأقاليم».
وقد أثبتت التجربة أن »‬الجمعية قامت بدور ريادي في اكتشاف عدد كبير من المواهب الشابة في جميع مفردات العرض المسرحي، وصقلها من خلال الدورات التدريبية والورش الفنية، وإلقاء الضوء عليها من خلال دعم عروضها وتنظيم المهرجانات المسرحية المتخصصة (المونودراما/ التجريبي/ الإستعراضي/ الشعبي/ الضاحك/ العالمي/ الطفل). ويكفي أن نذكر أنها أول من قدم مهرجانا للمسرح التجريبي بالوطن العربي عام 1986 - قبل المهرجان الدولي بعامين، وكذلك أول من قدم مهرجانات للمونودراما. ويمكن من خلال رصد أسماء النجوم الذين قدمتهم الجمعية لأول مرة معرفة مدي مساهماتها في تنشيط لحركة المسرحية، وعلي سبيل المثال في مجال التمثيل كل من: ممدوح عبد العليم، عبلة كامل، خالد صالح، خالد الصاوي، ياسر ماهر، عمرو عبد الجليل، ماجد الكدواني، حنان شوقي، محمد رياض، محمد ممدوح، هشام عطوة، وكذلك في مجال التأليف: عصام الشماع، هشام السلاموني، محمود الطوخي، نادر صلاح الدين، أحمد هيكل، يحيي جاد، حمدي عبد العزيز، محمود جمال، محمد عز، وفي مجال الإخراج: حسن الجريتلي، عاصم رأفت، ماهر سليم، أحمد مختار، أسامة رؤوف، مازن الغرباوي، محمد جبر، طارق سعيد، عمر الشحات.
ما رؤيتك ل »‬مهرجان المسرح العربي» بدوراته الخمس عشرة؟ وكيف يمكن أن يقدم الجديد للمسرح العربي؟
نجح مهرجان »‬المسرح العربي» خلال دوراته الخمس عشرة وبشهادة عدد كبير من المتخصصين والنقاد في إبراز الوجه المشرق للمسرح المصري والعربي، ويكفي أن نسجل حقيقة مهمة وهي أن دوراته قد تكاملت وانتظمت - حتي مع قيام ثورة يناير عام 2011 - ولم تتوقف مثل دورات كل من المهرجان »‬القومي للمسرح المصري»، ومهرجان »‬القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» الذي توقفت للأسف لمدة خمس سنوات كاملة!!. كما يجب التنويه إلي أن هذ المهرجان يعتمد علي روح التطوع وبالتالي لم تزد ميزانية أي دورة من دوراته عن ستين ألف جنيه فقط شاملة إقامة وانتقالات أكثر من مائة مسرحي عربي.
والمتتبع لدورات المهرجان يمكنه من خلال رصد الشعارات الخاصة بكل دورة تسجيل مدي الدقة في اختيار تلك الشعارات التي تعبر عن هوية المهرجان (ومن بينها علي سبيل المثال: »‬هواة للمسرح عشاق للوطن»، »‬مسرح عربي حفاظا علي الهوية»، »‬مسرح عربي لمواجهة التحديات»، »‬قضايا واحدة ومسرح بلا حدود»، »‬حرية التفكير وجماليات التعبير»، »‬تأكيدا للتضامن وتحفيزا للإبداع».
كذلك يمكن من خلال الرصد تسجيل أسماء رؤساء لجنة التحكيم العربية (والتي تتكون سنويا من ستة مبدعين من كبار المسرحيين العرب)، حيث تولي رئاسة اللجنة كل من الأساتذة: حمدي غيث، محفوظ عبد الرحمن، د.كمال عيد، سعد أردش، محمود ياسين، نور الشريف، محمد صبحي، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، د.هاني مطاوع، محمود الحديني، أشرف عبد الغفور، مديحة حمدي.
ويحسب لدورات المهرجان المتتالية حرصها سنويا علي مشاركة عشر فرق عربية تمثل كبري الفرق المسرحية العربية ومن بينها علي سبيل المثال: القومية (العراق)، سويسي فنون (تونس)، نقابة الفنانين (سوريا)، المسرح الحر، طقوس (الأردن)، المعهد العالي للفنون المسرحية، مسرح الشباب (الكويت)، معهد الفنون الجميلة (لبنان)، المسرح الوطني (الجزائر)، القومية ببنغازي (ليبيا)، فرقة الناصرة (فلسطين).
وأعتقد أن الجديد هو ما نحاول تحقيقه حاليا من خلال تأسيس بعض الروابط المسرحية وتوقيع ميثاق التآخي مع بعض المهرجانات والفرق العربية، بهدف تنسيق الجهود وتنظيم الورش المسرحية المشتركة وتبادل الخبرات، كما نسعي لتقديم عرض يشارك في بطولته نخبة تمثل مختلف الأقطار العربية. وقد تم بالفعل توقيع ميثاق التآخي مع كل من: فرقة »‬مسرح الخليج العربي» (الكويت)، »‬المسرح الحر» (الأردن)، »‬مهرجان مستغانم» (الجزائر).
هل أثرت ثورة يناير علي مسيرة المسرح المصري؟ وما عوامل ظهور ازدهار نوعي في المسرح، وإن لم يتجاوز العاصمة -؟
التأثير الحقيقي لثورة يناير علي المسرح لم يظهر حتي الآن، وما ظهر كان فقط بعض المحاولات الشبابية التي يمكن أن نطلق عليها مراهقات مسرحية، وبالتالي لم نجنِ حتي الآن أي ثمار فعلية سواء في بنية النصوص أو الرؤي الإخراجية أو الحياة المسرحية بصفة عامة. واستنساخ الثورة في بعض العروض الحماسية التي قدمت في عجالة بعد الثورة مباشرة كانت مجرد انفعالات شبابية، ولذلك فقد تشابهت تلك العروض كثيرا في ترديدها لشعارات الميدان وعرضها لبعض المقتطفات المصورة من الخطابات السياسية أو للمظاهرات في الشوارع والميادين. كنت أعتقد أننا بعد الثورة لن نحتاج إلي إعادة تقديم نصوص ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وإلي إعادة توظيف »‬الرمز»، ولكن من يتتبع الخريطة المسرحية الآن - بعد الثورة بستة أعوام - فسيكتشف إعادة تقديم بعض نصوص توفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور ونجيب سرور وآخرين، وذلك لأنها نصوص أكثر نضجا وأكثر تعبيرا عن الواقع الانساني بصفة عامة، خصوصًا وأنها ابتعدت عن المباشرة واستخدمت الرمز.
والظاهرة التي أري ضرورة التصدي لها حاليا هي الفهم الخاطئ لمقولة »‬موت المؤلف المسرحي» الذي كان من أخطر مظاهره العبث بالنصوص تحت مسميات »‬الدراماتورج» و»الإبداع الجماعي» و»نتاج ورشة الارتجال أو »‬الإعداد» و»الكولاج» وغيرها من المسميات التي تسعي إلي تقديم فرجة مسرحية ولكنها للأسف تفتقد في أغلبها للحبكة الدرامية محكمة الصنع التي تخاطب عقول المشاهيدن وتؤثر في وجدانهم.
والمتتبع للحركة المسرحية حاليا يمكنه رصد أن فرق القطاع الخاص قد اختفت بصورة كاملة تقريبا، وأنه قد حل محلها تلك الاسكتشات الكوميدية التي تقدم بالفضائيات، والتي تعتمد في أغلبها علي الارتجال والإسفاف، كما أن مسارح الدولة قد اعتمدت خلال السنوات الأخيرة علي الشباب بصفة عامة خاصة بعدما غاب عنها النجوم لكثرة ارتباطهم بالدراما التلفزيونية. وبالتالي فقد استمر »‬هواة المسرح» في حمل راية الإبداع خلال الألفية الجديدة سواء من خلال أعمالهم المستضافة بمسارح الدولة أو من خلال المسرح الجامعي وأيضا بفرق هيئة قصور الثقافة بجميع الأقاليم، وكذلك من خلال عدد كبير من الفرق الحرة والمشهرة والمستقلة والتي ينظم لها سنويا أكثر من مهرجان لعل من أهمها: مهرجان »‬المسرح العربي»، مهرجان »‬روابط»، مهرجان »‬شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب».
يبدو لي أن رحلتك الثرية مع المسرح المصري والعربي علي المستوي الزمني والجغرافي والفني والتوثيق جعلتك تضع يدك علي بعض أزماته.. فما أهمها؟
بالصراحة الشديدة المعهودة عني أؤكد أن أزمة المسرح في حقيقتها أزمة إدارة. فمصرنا الغالية وكذلك جميع الدول العربية الشقيقة تمتلك طاقات متميزة جدا وبأعداد كبيرة في جميع مفردات العرض المسرحي، ولكن للأسف لا توجد الإدارة الحاسمة التي تستطيع أن تخطط وتشرف علي التنفيذ بدقة وتواجه المعوقات كما تقوم بحل المشكلات. نحن نتمتع بطاقات رائعة في التمثيل والإخراج والتأليف والسينوغرافيا والموسيقي، كما أن الدولة ترصد سنويا ميزانيات ضخمة يمكن توظيفها جيدا إذا أخلصت النوايا، وليس معني ذلك أنني لا أطالب بزيادة تلك الإعتمادات المالية ولكنني فقط أري ضرورة ترشيد أوجه صرفها أولا. أن معظم وزراء الثقافة للأسف انتهجوا مبدأ عدم تعيين القيادات المسرحية والاكتفاء بانتدابهم أو تكليفهم بالمهام لضمان استمرار ولائهم والاستجابة لتوجيهاتهم وطلباتهم، وبالتالي أصبحت جميع القيادات غير قادرة وهي لا تشعر بالأمان علي اتخاذ الأفعال والقرارات الصحيحة، البعيدة عن المجاملات.
وأضيف إلي ذلك مظاهر أزمة المسرح أيضا أزمة النقد المسرحي وإغلاق »‬مجلة المسرح» الشهرية، وكذلك تقلص مساحات النقد المسرحي بالصحف بل وأيضا إلغاء بعض الصفحات المسرحية المتخصصة بعدد من الصحف والمجلات.
من هذا السؤال ينبثق سؤال آخر.. كيف يخرج المسرح من أزماته؟
- يمكن للمسرح الخروج من أزماته بتحقيق فكرة تواصل الأجيال وتبادل الخبرات، بمعني عدم إقصاء بعض المتخصصين بل علي العكس يجب إتاحة الفرصة لكل المخلصين الراغبين في المشاركة الفعلية للنهوض بالمسرح، وبالتالي يجب التدقيق الشديد عند اختيار القيادات بكل دقة، فما أحوجنا إلي قيادات مسرحية بأياد غير مرتعشة، تعمل طبقا لخطط قصيرة ومتوسطة المدي والأهم بعيدة المدي لتستطيع تطوير البنية الأساسية، والمقصود بذلك ليس فقط دور العرض والأجهزة الفنية والورش ولكن الأهم العنصر البشري بتطويره باستمرار والعمل علي إرسال بعض الموهوبين للتدريب بالخارج أو استقطاب بعض الخبراء الأجانب والتعاقد معهم لتنظيم ورش فنية متخصصة.
وذلك مع ضرورة إعادة تشكيل لجنة المسرح بالمجلس الأعلي للثقافة، بحيث تضم كفاءات حقيقة مشهود لها بالموضوعية والقدرة علي التخطيط، وذلك علي أن تمنح كل الصلاحيات للإشراف علي تنفيذ توصياتها بكل دقة.
نفترض أن هناك صانع قرار مهتم بجعل المسرح المصري علي غرار المسارح الأوربية ومتجاوزًا لها.. ووقته لا يسمح بأكثر من ثلاث دقائق تلخص فيها أسباب نجاح هذه المسارح وهي صالحة لنا.. فماذا ستقول له؟
- ضرورة تنمية روح الانتماء، سواء الانتماء للوطن أو للمهنة، بحيث يشعر كل مسرحي بأهمية دور المسرح في تنمية المجتمعات وأيضا بأهمية دوره - مهما كان صغيرا - في عجلة الإنتاج المسرحي. وأن يحرص علي غرس عادة الذهاب إلي المسرح لدي النشء وعلي نشر الوعي المسرحي بصفة عامة. وأن يقوم بوضع خطة للتجوال بأكبر عدد ممكن من العروض بأماكن التجمعات الطبيعية (بالمدارس والجامعات والمصانع والميادين والقري) لتقديم الخدمات المسرحية لمستحقيها، مع إلغاء جميع مظاهر العشوائية بحياتنا المسرحية والاعتماد علي الخطط المنهجية التي يضعها كبار النقاد والمتخصصين مع الحرص علي تنفيذها بكل دقة، وذلك مع عدم الاستجابة لشروط ومتطلبات النجوم والسعي إلي تكوين كوادر فنية جديدة بمختلف مفردات العرض المسرحي، وذلك عن طريق صقل المواهب الحقيقية من خلال تنظيم الدورات التدريبية والورش المسرحية المتخصصة، مع إلقاء الضوء علي الموهوبين الشباب لخلق نجوم جدد قادرين علي الابتكار والتجديد، وأولا وأخيرا الاهتمام بالنص المسرحي فهو العمود الفقري والأساسي للعرض المتميز، وذلك بالحرص علي عدم إنتاج إلا النصوص التي توافق عليها اللجان المتخصصة التي تميز بحبكتها محكمة الصنع، والتي يمكنها تحقيق جناحي الإبداع المسرحي في كل عرض، والمقصود بذلك تكامل الشكل والمضمون، عن طريق تقديم خطاب مسرحي جاد وملتزم ومن خلال إطار فني بديع ومبهر يحقق للمشاهد كلا من المتعة السمعية والبصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.