مازال الحديث عن مستقبل الصحافة الورقية مستمرا في ظل هبوط مستويات توزيعها إلي درجة الانهيار في بعض المطبوعات.. وتنامي الصحافة الرقمية أو الإلكترونية. البعض مازال متفائلا باستمرار الصحافة الورقية علي أساس أن لها قراءها وأن وسائل الإعلام الحديثة علي مدي التاريخ لا تلغي وجود القديمة منها بل تحقق معا خدمة للقارئ.. وأن لكل وسيلة قراءها.. بينما البعض الآخر علي عكس ذلك يراهنون علي انتهاء الصحافة الورقية خلال عقد أو عقدين علي الأكثر. أهم الأسباب التي أدت إلي تراجع قراءة الصحف الورقية أنها لا تلبي تطلعات »جيل الألفية» وهو الجيل الرقمي الذي أصبح يفهم ويحلل وله القدرة علي الاستيعاب ويبحث عن المعلومة السريعة، فأصبح يشبع رغباته من خلال »صحافة المواطن» المتمثلة في الشبكات الاجتماعية التي يثق فيها ويري أن معلوماتها دون فلترة ورقابة، فالأشخاص العاديون هم الذين يصنعون هذا الإعلام ومن ثم يتفاعلون معه. فبحسب تقديرات أمريكية 90 في المائة من المجتمع الأمريكي يأخذون الأخبار اليومية من مواقع التواصل الاجتماعي. وفي مصر تزداد تلك الشريحة من القراء عاما بعد عام بشكل سريع جدا. ومن الأسباب المهمة أيضا لانحسار الصحف الورقية، أنها لم تغير من محتواها وبقيت تنشر التقارير المطولة التي لم تعد تناسب الجيل الجديد الذي يبحث عن المعلومة المختصرة بالإضافة إلي عدم الاهتمام بالمحتوي التفاعلي مثل الانفو جرافيك والفيديوهات وهو ما يحقق مزيدًا من تفاعل القارئ.. كذلك عزوف الشركات المعلنة عن الإعلان في الصحف الورقية التي تراجع انتشارها وعدم وصولها للجمهور المناسب لتلك الشركات. وقد عالجت بعض الصحف الكبري تلك الفجوة بين ما تقدمه من محتوي وبين احتياجات وتطلعات الأجيال الجديدة من القراء.. فأصدرت مواقع إلكترونية تتضمن نفس المحتوي الذي تقدمه الصحيفة أو المجلة الورقية بإضافات مهمة مثل الفيديوهات والحوارات المصورة وغيرها مما يجذب الشباب.. كذلك أصبح لكل مؤسسة بوابة إلكترونية أو موقع إخباري يتم تحديثه باستمرار في كل لحظة ليحقق السرعة المطلوبة في نشر الخبر وقت حدوثه.. أي أصبحت تلك الصحف الكبري تنافس نفسها بنفسها.. عملا بمبدأ : » كل نفسك قبل أن يأكلك الآخرون ».. وقد نجحت تلك المواقع نجاحا ملحوظا في جذب شرائح جديدة من القراء.. كما خلقت أنماطا متطورة من القوالب الصحفية لم تكن موجودة في الصحف الورقية.. بل وصل الأمر إلي المزج بين الورقية والإلكترونية عندما طبق الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم أسلوب تحويل المحتوي في الصحيفة الورقية إلي محتوي إلكتروني من خلال تطبيق » الواقع المعزز».. أي تعزيز المحتوي الموجود علي الورق بمحتوي إلكتروني يزيد من تفاعل القارئ معه. في اعتقاد الكثيرين أن الصحف الورقية لن تموت، ربما تمرض وتنحسر لصالح الصحافة الإلكترونية والمنصات الرقمية، ولن يغير الدعم المادي شيئًا في تراجعها، ربما يساعدها لفترة من الزمن.. لكن ينبغي علي هذه الصحف أن تغير وتطور من نفسها.. وأن تواكب التطورات التقنية والاهتمام بإدخال الاتجاهات الجديدة للصحافة مثل: صحافة »الموبايل» التي تعتمد علي الفيديوهات التفاعلية، والصحافة الاستقصائية ، وصحافة البيانات، والاستفادة من الفرص التي تقدمها البيانات الضخمة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تسهم في تنوع وجودة المحتوي ودقته. ويري هؤلاء أن تزايد قوة وفاعلية الصحافة الإلكترونية، لا يعني بأي حال من الأحوال انقراض الصحافة الورقية المطبوعة في المستقبل المنظور، فما يحدث غالبًا أن الوسائط الأكثر حداثة، لا تؤدي بالضرورة إلي انقراض الوسائل القديمة. فالصحافة الرقمية لا تلغي دور الصحافة الورقية، وأنهما يمكن أن يتعايشا بعضهما مع بعض، خاصة وأن لكل منهما قارئه الخاص به ومصدره في استقاء الأخبار. بناء صلب سيظل لها عشاقها المستمرون في الاعتماد عليها في استقاء الأخبار والمعلومات.. هؤلاء يرون أن الصحف الورقية هي الأكثر مصداقية، وأن العلاقة بينها وبين الصحافة الرقمية يجب أن تكون قائمة علي التكامل وليس التنافس. وللحديث بقية.