محافظ الدقهلية يتابع من خلال مركز الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة أعمال التصدي لمخالفات البناء    روسيا تتهم أوكرانيا بإرجاء عملية تبادل أسرى الحرب بينهما    إصابة طفيفة تُهدد مشاركة نجم الأهلي في ودية الفريق أمام باتشوكا    الزمالك يستعد للثورة.. موسم جديد بأبطال جدد وأحلام متجددة    دورات تدريبية متقدمة لمنقذي شواطئ الإسكندرية استعدادًا لصيف 2025    المنشآت والمطاعم السياحية تنظم دورة تدريبية في مجالات صحة وسلامة الغذاء    في الذكرى ال 37 على رحيله، أبرز المحطات في حياة القارئ الشيخ إبراهيم المنصوري (فيديو)    وزير الخارجية يلتقى اتصالًا من نظيره القبرصي    الكويت ترحب بقرار منظمة العمل الدولية منح فلسطين صفة "دولة مراقب"    إذاعة الجيش الإسرائيلي: العثور على جثة يُرجح أنها تعود للمسؤول العسكري البارز في حماس محمد السنوار جنوبي غزة    شهباز شريف: باكستان تسعى دائما إلى الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة    ريابكوف: روسيا عرضت على الولايات المتحدة استئناف الرحلات الجوية المباشرة    شعبة الدواجن: هبوط أسعار الفراخ البيضاء بنسبة 25%    النقل: تعاون مع المرور لإقرار مخالفة للمركبات التي تسير داخل حارة الأتوبيس الترددي    بعد رحيل زيزو.. من هو أغلى لاعب حاليا في الزمالك؟    كهربا يدخل حسابات حلمي طولان للمشاركة في كأس العرب    استمرار فتح باب التقدم والحجز إلكترونيًا ل 1800 قطعة أرض صناعية    الداخلية تواصل حملاتها وتتمكن خلال 24 ساعة من ضبط 363 قضية مخدرات و160 قطعة سلاح    خطوات الاستعلام عن نتيجة الصف الثالث الإعدادي الأزهري 2025 برقم الجلوس والاسم    الداخلية ترسم البهجة فى العيد.. رعاية شاملة للأيتام فى مشهد إنسانى مؤثر.. احتفالات وعروض وإنقاذ نهرى.. اشترت ملابس العيد وقدمت الهدايا للأطفال.. وتنفذ برامج المسئولية المجتمعية لتعزيز قيم الانتماء الوطنى.. صور    الداخلية تواصل التيسير على الراغبين فى الحصول على خدمات الإدارة العامة للجوازات والهجرة    قاوم اللصوص فطعنه أحدهم.. تفاصيل مقتل موظف أمن في 15 مايو    في لفتة إنسانية كريمة، الرئيس السيسي يطمئن على أحد الأئمة الحضور بخطبة عيد الأضحى (فيديو)    إعلام فلسطينى: 34 شهيدا فى غارات إسرائيلية على عدة مناطق بغزة منذ فجر اليوم    مها الصغير: كان نفسي عبدالحليم حافظ يحبني ويغنيلي (فيديو)    د.عصام الروبي يوضح معنى" الكوثر ومن هو الشانئ وما معنى الأبتر"    نصائح لمرضى النقرس قبل تناول اللحم.. اتبعها    في ثاني أيام العيد، انتشار الفرق الطبية بساحات وميادين الإسماعيلية (صور)    صحة الأقصر تعلن انتشار الفرق الطبية بمختلف الإدارات الصحية فى عيد الأضحى.. صور    جولة تفقدية لمستشفيات جامعة كفر الشيخ خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    خالد الغندور: 14 لاعبا سيرحلون عن الزمالك    زلزال يضرب إيران بقوة 4.3 على مقياس ريختر    وزير الزراعة يتابع أعمال لجان المرور على شوادر وأماكن بيع الأضاحي وجهود توعية المواطنين    آخر تطورات الحالة الصحية لنجل الفنان تامر حسني    لليوم الثاني.. 39 مجزر يستقبل الأضاحي في مراكز المنيا    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال إجازة عيد الأضحى    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    محافظ أسيوط يعلن عن تشغيل غرفة طوارئ بالتأمين الصحي خلال عيد الأضحى المبارك    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    استقرار أسعار الذهب في مصر خلال ثاني أيام عيد الأضحى 2025 وسط ترقب الأسواق العالمية    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    البابا لاون يُحيي تقليدًا حَبْريًّا اندثر في عهد سلفه    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حميد ركاطة:فكرة العشيرة تنتصر للرداءة وتغرق المشهد بأشباه الكتاب
نشر في أخبار السيارات يوم 14 - 07 - 2018

بقبعته الدولوزية وبشاربه النتشوي الكث، وبضحكته الطفولية يطالعك القاص والروائي المغربي حميد ركاطة، وهو مبدع شامخ مخضرم خابر الكتابة الإبداعية بمختلف أجناسها، كيف لا وهو الذي يعتبر اليوم أحد ألمع الأسماء المغربية التي ذاع صيتها مغربا ومشرقا بأسلوبه الشذري النيتشوي في كتابة القصة والرواية. فهو قاص وروائي ومسرحي من مواليد مدينة مكناس مستشار الهيئة العربية للقصة القصيرة جدا ورئيس جمعية مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام بمدينة خنيفرة، ينشر في مختلف الجرائد والمجلات والدوريات الوطنية والعربية، صدر له : القصة القصيرة جدا قراءة في متون مغربية، المعاني اللامرئية ودلالة الأشياء في شعر محمد علي الرباوي، مذكرات أعمي، أسرار شهريار (بشراكة مع الروائي شريف عابدين)، كما سيصدر له قريبا: جماليات القصة العربية القصيرة جدا، و مسرحيتي اعترافات، وأقنعة شفافة عن دار نشر مقاربات.
• نود أن نتحدث عن البدايات التي قادتك إلي كتابة القصة و الرواية. هل كان شيطان الكتابة كما سماه ذات يوم الشاعر الفرنسي آرثر رامبو هو السبب؟
أم أن هناك ظروفا أخري، هي التي أيقظت فيك فتنة الحكي؟
الحديث عن البدايات بقدر ما يكون حديثاً شائقا، هو في الواقع محاولة لاسترجاع ذكريات زمن ولي ومحاولة لإعادة تذكر حيثيات وأسباب التورط في جنون الكتابة. لقد تساءلت مرارا كيف أصبحت كاتبا في الوقت الذي لم تكن في وسط أسرتي أية بوادر سابقة، لشخص تورط في الكتابة أو ألف كتابا من قبل. كنت أعيش في وسط فني بامتياز مجموعة من العازفين علي آلات موسيقية مختلفة. كما أن مساري التكويني كان من أجل الحصول علي وظيفة ما في النهاية أسوة بأبناء جيلي. لكن ما حدث تم بالصدفة. لقد تورطت في عشق الألوان، فحاولت الرسم، وفي عشق الشعر فحفظت قصائد من الشعر العربي بالقوة لكونه كان مبرمجا في مقرراتنا الدراسية، وكنا ملزمين بالبحث عن تحليل لها مع تقديم نبذة عن الشاعر. فحاولت الكتابة ليس من منطلق العارف بالأصول والقواعد، ولكن كمقلد فاشل، وأحيانا ناقلا لأبيات محورة بالقوة تبدو جلية للناظرين. في ظل هذا الهوس كان للقراءة وإغناء الرصيد اللغوي دور أساسي في تعقب آثار المعاني والسياقات التي كشفت لي عن عالم باذخ الدلالة وعميق المعني. فآمنت أن الشعراء من طينة الملائكة وأن كتاباتهم الساحرة تكتب بأقلام من نور. ولكوني كنت شيطانا صغيرا، خفت من تدنيس قداسة الشعر، فعدلت عن كتابته.. ولم أكن مقتنعا كثيرا بغوايته. ففضلت العودة إلي الرسم ودخول معهد الموسيقي لأتعلم الموسيقي بأصولها وقواعدها. كنت أرغب في تعلم آلة العود التي كنت أعزف عليها، لكن شاءت الصدف أن يفرض علي تعلم آلة الكمان وعوض تعلم الموسيقي العربية انخرطت في تعلم الموسيقي الكلاسيكية العربية التي لم أنه دراستي فيها بسبب تزامنها مع دراستي الجامعية. في سنواتها الحاسمة. وهي الفترة التي سأدمن فيها علي الكتابة، وقد تورطت أكثر عندما عينت في منفاي الجنوبي ليصبح التأمل سيد الموقف وإرهاصات أولي لبداية الكتابة الحقيقية. ما أود أن أشير إليه أن فترة الدراسة الإعدادية، كانت مخصصة لممارسة هواية التمثيل المسرحي، وقد تميزت المرحلة ببداية علاقتي كذلك مع عالم ظل يسكنني للأبد.
• يتوزع منجزك الإبداعي بين كتابة القصة والرواية، والمسرح والنقد الأدبي أين تجد نفسك أكثر؟
وهل يمكن للكتابة الأدبية مثلا، أن تكون جوابا شافيا عن الأسئلة المقلقة التي ترج كيانك من حين لآخر؟
أعتقد أن الكتابة عموما، هي التزام وحب متبادل بين الكاتب والجنس الإبداعي الذي يميل إليه أكثر. بل يتقن كتابته. إذا صح التعبير. ونادرا ما نجد كتابا تميزوا بالتعدد إبداعيا، ويمكن اعتبار هذا الأمر هبة من الله تعالي وفضلا منه. لكن أحيانا نجد أن الكتابة تقترن إضافة إلي الموهبة بتكوين تلعب فيه دورة حياة الكاتب وعلاقاته الإنسانية دورا فعالا، فالانخراط مثلا في العمل الجمعوي مبكرا له اثر بالغ في، نظري، وشخصيا كنت منخرطا في الجمعية المغربية لتنمية الطفولة بمكناس وكان يؤطرنا أساتذة أتوجه لهم بالشكر من هذا المنبر، وكان مقر النطاق الثقافي، حاضنا لمختلف أنشطتنا التربوية. والتي كان لها اثر بالغ في تكويننا. فتعلمنا كيف نناقش أفلاما وثائقية، وأفلاما تربوية، كما ساهم في تكوينها نادي السينما الذي كان يقدم أفلاما بحضور المؤلف أو المخرج أو بعض الممثلين، إضافة إلي ما كنا نشاهده من أعمال مسرحية سواء من طرف جمعيتي المختبر أو رواد الخشبة، أو في إطار المهرجان الوطني، لمسرح الهواة بمكناس. أو بانخراطي في جمعية أسسها طلبة من مدينة مكناس كانوا يتابعون دراستهم بجامعة محمد بن عبدالله بفاس، وكان مخرج الفرقة المسرحية ومبدعها الأساسي، هو المخرج المقتدر ابن السعيدي فوزي. وكذلك من خلال حفلات توقيع الأعمال الأدبية والاماسي الشعرية، التي والاماسي الشعرية، التي كانت جمعيات وازنة بالحاضرة الإسماعيلية تشرف عليها. هذه الإرهاصات هي ما ساهم في تكويني أدبيا دون شعور. ولعل أول ما كتبت بشكل جدي، بعد خربشاتي الشعرية هي الرواية، وبعدها انتقلت إلي القصة القصيرة التي راكمت فيها ثلاث مجموعات لا تزال غير منشورة، فضلت تحويلها إلي أعمال روائية. ثم النقد الأدبي، والمسرح والقصيرة جدا. ولدي العديد من الأعمال النقدية غير المنشورة في نقد متون شعرية وروائية، وقصصية، وفي القصة القصيرة جدا. أتمني أن تري النور إنصافا لكتاب ألفوا أعمالا قيمة جدا . فعندما أتأمل منجزي المتواضع، أجدني، منتصرا، في النهاية، للرواية والنقد. والتراكم هو ما يحسم هذا الجدل. لقد ساعدتني الكتابة علي تصريف مواقفي العديدة إزاء قضايا معاصرة كما كانت نافذة لي للإطلالة علي عوالم إبداعية أخري ضمنتها مسرحياتي وقصصي انتصارا للقيم الفاضلة ولإنسانية الإنسان. نعم اتفق معك لقد ساعدتني الكتابة علي أهم شيء في الحياة: علمتني كيف أقدر ما أفعل وأحترم الآخرين، وان أثق أكثر فأكثر في قدراتي الخاصة، وألا أستسلم أبدا، وأن أموت واقفا كالأشجار في شموخ.
• كيف تنظر إلي واقع الرواية المغربية اليوم؟
ثم إلي أي حد في نظرك تواكب الأقلام النقدية المغربية الأعمال الأدبية، سواء تعلق الأمر بالرواية أم بالقصة أم بالشعر؟
أعتقد أن الحديث عن المواكبة هو أمر فيه بعض القسوة، الإبداع دائما يسبق النقد، بل هو محركه الأساسي. والنقد الجاد عليه الاشتغال علي ما تراكم من المنجز ، لأن وظيفة المواكبة تخص الإعلام والصحافة. الاشتغال علي المنجز المغربي يمكننا النظر إليه من زاويتين: الأولي زاوية الزمالة، والصداقة، والقبيلة، والعشيرة. وهي تعمل بالأساس علي تلميع الصورة وبناء سريع »لكاتب فاشل بقوة»‬، وذلك بمنحه جوائز لا يستحقها من طرف العشيرة، وتلقي عليه أضواء القنوات الإعلامية المأجورة، لكنه مسار ينتصر للرداءة في الواقع ويغرق المشهد بأشباه الكتاب.في حين تخرج فئة أخري من الكتاب من صلب المعاناة، وقد وجدت متاريس عديدة أمامها، بدءا بما يضرب عليها من حصار من طرف الفئة الأولي -وأصحاب القرار من المسترزقين في جمعيات يسيرها أناس لا علاقة لهم بالأدب سوي الأذي والتخريب والاسترزاق ونهب المال العام. ورغم ذلك فإن هذه الفئة من الكتاب (الذين يخرجون من صلب المعاناة) هي التي تنتصر لها كتابتها، لكن من طرف نقاد غير مأجورين، بدورهم يحملون هم الإبداع في محيطهم الكبير والصغير. فتكون مواكبتهم تكريسا للإنصاف والعدالة الثقافية. وهي مواكبة تتجلي في تقديم الأعمال، ونشر دراسات عن المنجز بمنابر لها مصداقيتها، للتعريف بها. وهو ما يساعدها علي الانتشار بعد ذلك. وبالتالي حيازة تأشيرة العبور للوسط الثقافي، وملتقياته، وأماسيه الأدبية والشعرية. وهذا في نظري المتواضع هو الدور الحقيقي للمواكبة النقدية.
المشهد الروائي العربي الجديد، يثير جملة من التساؤلات النقدية المخيفة، وهي أسئلة تفرض علينا إلقاء الضوء علي بعض المصطلحات المشكلة للنقد العربي، ومن بينها ما بات يصطلح عليه ب »‬الرواية الجديدة»، التي بزغ نجمها في فرنسا مع رائدها ميشال بوتور.
ماذا يعني مصطلح الرواية الجديدة لحميد ركاطة؟ ثم كيف تتصور وتتمثل مسار الرواية العربية من الرواية التقليدية إلي الرواية الجديدة مرورا بالرواية الحديثة؟
لعل التحولات السريعة التي مست البنيات الأساسية للمجتمع ومكوناته، لم يسلم منها الأدب عموما. لأن التحول كان تدريجيا في اهتمامه منتقلا من المجتمع نحو الفرد. ومن الكل نحو الجزء. وهو. تحول طال كذلك كل مجالات الإبداع، بظهور أجناس جديدة، أو بالتمرد علي أخري علي مستوي الكتابة في إطار من التجديد والتضمين، والتكسير، والتناول المغاير. أو اعتماد زوايا نظر جديدة إلي عالم اليوم و إلي قضاياه ومتغيراته بشكل كبير . فما حققته الإنسانية من تحول في شتي الميادين، ومنها الإبداع كفيل بأن يجعل كتاب الرواية يتمردون علي قالبها الكلاسيكي، وعلي بنائها، من خلاله اعتماد ممكنات كتابة جديدة تمجد كل ما هو فردي، وننتصر للمختلف والمغاير. وقد لاحظنا كيف أن الكتابات التجريبية قد كانت سباقة في محاولة »‬هدمها للمعبد قبل بنائه» وتقديم بدائلها عبر الزيغ والانفلات من قبضة المألوف. فكان خروجها انتصارا لكل ما هو فني وجمالي، وبدأ التركيز علي جمالية تشييد العالم الروائي والانتصار للذات. كما لم نعد أمام روايات تفسر العالم أو محاولة فهمه، بل أغرقت كثيرا في وصفه والتعبير عن قضاياه. وانحازت لنصرة المهمشين، وقضاياهم، وتوارت بدورها للغياب بدل الحضور. ولنا أسوة فيما قدمته مثلا رواية المغاربة للأستاذ عبد الكريم جويطي، بقسوتها الكبيرة علي المغاربة وبجرأتها العالية جدا في محاولة الكشف عن تاريخ الإخفاق المغربي، وتعرية أقنعة الزيف عن العديد من قضاياه الحساسة والمسكوت عنها. ورواية سدوم لعبد الحميد شوقي في كشفها عن عقد الانتلجانسيا، أو رواية روائح مقاهي المكسيك لعبد الواحد كفيح في كشفها الدقيق عن الانوية الأسرية المفككة في رقعة جغرافية ظلت حبيسة النسيان، وهي نماذج روائية ناضجة جدا في نظري المتواضع، وتشكل انعطافة كبيرة في تاريخ الرواية المغربية الجديدة بالمغرب. كما أن الرواية العربية اليوم، في توجهها الجديد عموما، تحاول أن تنحت لنفسها مسارا مغايرا، بدءا من محاولتها التخلص من معمارها التقليدي، ونهايتها السعيدة، أو الغامضة جدا. باعتماد سارية أساسية تشيد عليها قصة توهمنا بواقعيتها، وتطرز حواشيها بالعديد من القصص الثانوية. إننا في الواقع إزاء تجارب جازفت كثيرا في تقديم منظورها للرواية عموما، واعتقد أن تلك المجازفة كانت عن وعي لتحريك برك السرد الآسنة، وتقديم إشراقات نعتبرها اليوم مؤشرا حقيقيا سيساهم لا محالة في تطوير النقد، والدفع بالنقاد إلي تطوير أدواتهم والتخلي عما تم تجاوزه منها. فلم تعد المصطلحات والتسميات التي قد تطلق أحيانا بشكل اعتباطي، هي ما يمكننا من تحقيق الانتقال في الواقعي، والرقي بالإبداع والنقد معا. لكون تجدر الظاهرة الأدبية وتكرارها في المنجز، هو الكفيل بأن تتخذ كعينة للقياس، أو الدراسة. إننا نجد أنفسنا اليوم أمام كتابات سردية يصعب تصنيفها في خانة الرواية، ومع ذلك يجنسها أصحابها باعتبارها رواية. وأعتقد أن ما نعيشه من طفرة في الكتابة الروائية يجعل من الصعب الكشف عن هوياتها الحقيقية، أو تصنيفاتها العديدة بشكل عادل، أو لائق، دون تمحيص أو تريث. وهو في نظري ما يؤشر نوعا ما أننا نعيش زمن الرواية بامتياز، وهو زمن تعددت فيه القوالب، و الأنماط، ونزح فيه الكتاب نحو رصد التجارب الذاتية التي نجحت أكثر في استقطاب القراء لعوالمها، وبالتالي تحقيق انتشارها الواسع. فتحولات الرواية العربية تمت بعد التشجيع، والاهتمام الذي حازته، بدءا من تشجيع دور النشر، والمسابقات، والجوائز التحفيزية المخصصة لها في كل ربوع البلاد العربية، وفي مختلف المحافل الدولية. وكذلك الاهتمام الذي أعطته لها دول أخري بكونها كتابة قادرة علي تغيير البشاعة، وانتقاد مختلف الظواهر الاجتماعية بصفة عامة.
هل تؤمن بأن هزيمة العرب سنة 1967 ، وما رافقها من تعبير صارخ عن تفسخ وتفتت الأيديولوجيا السائدة آنذاك، وأيضا سقوط العمارة السياسية والثقافية والاجتماعية، تعد بمثابة الخط الفاصل بين مرحلتين مهمتين في حياة ومسار الرواية بالعالم العربي ؟
قد لا أتفق مع هذا الطرح، لأن تحولات الرواية العربية برزت بعد الاستقلال في الكثير من الدول. قد تكون النكسة قد ساهمت في خلخلة بعض الثوابت، لكن استمرار القمع في العديد من الدول العربية التي تحكمت في مقاليد سلطاتها ديكتاتوريات جديدة، جعل الاهتمام يتحول من التحرر من الاستعمار، إلي التحرر من وطأة القمع الداخلي، مع ما طال الإبداع عموما وحرية الرأي، والإبداع الروائي خصوصا من رقابة، دفعت بالكتاب نحو الكتابة رمزا. أو نحو التغريب. كما كانت رسائل الكتاب العرب الخاصة بقضايا شعوبهم، تدرج ضمن قضايا محورية أخري، حاولت أن تحقق وحدة عربية بالالتفاف حول القضية الفلسطينية مثلا، وقضايا تحديد المصير، والتحرر بالنسبة للدول التي تأخر استقلالها نسبيا. فلا يمكننا التحقيب بشكل قاطع بحدث ما أحدث قطيعة، أو تحولا جذريا في مسار ما. مع أن بوادر التغيير في نظرنا قد جاءت بالاطلاع والانفتاح علي المنجز الروائي والنقدي الغربيين وعلي مدارسه المختلفة وعلي الجدل الواسع الذي كان يدور حينها داخل أسوار الجامعات الغربية وفي مختلف المحافل الأدبية وعلي صفحات المجلات المتخصصة في قضايا الإبداع والنقد.الصحوة في مجال الكتابة الروائية تحققت في نظري مع بداية تغير منظومة القيم وتفكك الأنوية المجتمعية العربية وما تسبب فيه الانتقال من الأرياف نحو الحواضر من تدمير البني الأسرية التقليدية، والأنماط القبلية نحو هوامش مدن صفيحية، وتحول في وسائل الإنتاج، وبالتالي تغير في نسيج العلاقات الإنتاجية (بالتحول من الفلاحة إلي الصناعة أو الخدمات... ومن ارتباط بنمط إنتاج فلاحي إلي عمال مأجورين. في حين نجد تحولا مغايرا في الشرق الأوسط بعد ظهور البترول، وبالتالي ما تحقق من طفرة ستكرس نمطا جديدا في علاقات الإنتاج، وتغير في علاقات الأفراد ونمط حياتهم فيما بعد، كمجتمعات نفطية) ووفقا للتحولات التي بات يعيشها المجتمع العربي في مسار انفتاحه علي العالم، وعلي ثقافات الشرق الأدني، وآسيا و أمريكا اللاتينية، وإفريقيا. وسنلاحظ كيف سيتم التماهي مع الظروف الجديدة التي ستساهم في هدم جزء كبير من موروثنا الثقافي، الذي لم ندونه أو نثمنه، فضاع بموت حامليه. وسيدفع البعض الانفتاح علي ثقافة الآخر، إلي إعادة الاهتمام بموروثنا الثقافي الذي ستتم العودة إليه بشكل كبير مع إخفاق البعض في تنميته والبعض الآخر في توظيفه. غير أن قلة هم من انتبهوا إلي قيمته. فوظفوه في سياقات حداثية دون إفراغه من محتواه. فبتنا نلحظ تحولا علي مستوي أساليب السرد وبنياته. ساعد علي تطوير نسبي للمنجز الروائي بشكل من الأشكال. مع نزوح البعض الآخر نحو التشظي للإطلالة علي العالم من كوات صغيرة جدا - وهو أمر جربته شخصيا في روايتي »‬مذكرات أعمي» بتوظيف القصة القصيرة جدا، اعتمادا علي نصوص مترابطة لبناء العالم الروائي، كما أنها تبدو كنصوص مستقلة في المعني كقصص مكتفية بوحدتها الموضوعية. لكن لبناتها تساهم في النهاية في تشييد عالم روائي متشظ. ولعلها كانت محاولة في تقديم أسلوب روائي جديد. فالتطور الذي شهدته الرواية العربية عموما راجع بالأساس إلي وعي الكتاب وإلي رغبتهم في تجاوز السائد، والمطلق، والمقدس، والمدنس، بالانفتاح علي عوالم جديدة بأساليب مغايرة أو غير مسبوقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.