»الأشهر الحرم» فرصة للتأثير والتغيير إذا تم تعظيمها كما أراد الله عز وجل فيمكن أن تحدث أنقلاباً دينياً وأخلاقياً كبيراً في المجتمع إذا تعودنا علي حبس النفس عما لا يرضي الله من الأقوال والافعال وحتي الخواطر. هذه دعوة يوجهها عدد من علماء الدين للاستفادة من الأشهر الحرم يقول الشيخ فكري أسماعيل من علماء الأزهر الشريف أن معظم الناس يغفل عن الأشهر الحرم - إلا من رحم الله - التي حرمها الله سبحانه منذ ان خلق السموات والأرض وجعل لها مكانتها بتحريم القتال فيها إلا للدفاع قال تعالي: »﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)ومن فرط تقدير العرب قديماً وقبل الإسلام لهذه الأشهر أنهم كانوا يتوقفون عن القتال أو الاغارة علي غيرهم من القبائل أو الاستيلاء علي الأموال ونشر العنف وترويع الآمنين وكان الرجل يترك بيته فلا يدخل إنسان ليسرقه ويسافر ولا يجرؤ أحد علي نهب ممتلكاته، ولم يوضح القرآن الكريم اسماء هذه الاشهر الحرم وأنما بينها النبي صلي الله عليه وسلم في قوله: »ثلاث متواليات هن ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وبين شعبان»، ويضيف؟ من المؤسف في وقتنا هذا ان المسلمين لا يقدرون قيمة هذه الاشهر ويؤكد التاريخ ان الحروب تشتعل وقتل الابرياء والابادة ونهب الاموال وإيذاء الآخرين يكره وهذا دليل علي عدم تطبيق منهج الله ونسي المسلمون أو تناسوا حرمة هذه الأشهر وكل الاشهر فنجد القتال دائراً في كل مكان والجرائم ترتكب في كل لحظة من قتل وغش وعنف وفساد وسرقة ولا تتوقف ولو لأربع ساعات وليس لأربعة اشهر وغيرها من مظاهر الافساد في الارض التي تتساوي مع القتال في الأشهر الحرم ويوضح الشيخ فكري تحذير الله سبحانه في قوله »فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ» لأن الاعمال فيها مضاعفة الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر والظلم يشمل كل المعاصي كبيرها وصغيرها وترك الواجبات وفعل المحرمات مما يتعلق بحقوق الخالق والمخلوق قال ابن عباس رضي الله عنهما» تحفظوا علي أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا فإن الحسنات فيها تضاعف والسيئات فيها تضاعف»، فنتجنب أخذ الحقوق فإنها من الظلم والله لا يترك ظلم العباد لبعضهم البعض ونترك الابتداع في الدين سواء في العبادات أو المعاملات قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد». فليحذر كل انسان أن يجد نفسه وقد حمل من الآثام في أشهر قلائل ما قد يحمله عتاة وعصاة في سنوات لأجل هذه المضاعفة وهذه المضاعفة عامة في كل بقاع الارض وليست للمحرمين فقط في الحج أو العمرة أو ممن هم في محيط الحرم. متشدقون بالإسلام ويضيف الشيخ فكري أننا نري البعض يدعي كذباً أو زوراً فهمه للدين ويكون ذلك لطلاقة لسانه وليس لجميل أعماله فيقتل الأبرياء وينهب ويهدد الأمة وفيما سبق كانت الاشهر الحرم لا ترفع فيها الأسلحة ولا يقتل فيها الآمنون ولا تنهب أموالهم ونعتبرها تحت مسمي الاشهر الآمنة التي يكون فيها الاستقرار الأمني واضحاً أما ظلم النفس فيعني مجاوزة الحد والخروج علي المألوف والقيم والإخلاق مما يعد مفسدة للانسانية كلها وعندما نفهم المعني الحقيقي لهذه الاشهر علينا تعظيمها والبعد عن كل شيء حرمه الله حتي يرفع الله عنا غضبه وحين سئل الرسول صلي الله عليه وسلم عن أشد الشهور حرمة عند الله قال: شهر ذو الحجة، ويقاس عليه بقية الأشهر الحرم، وقد عالج الاسلام دوافع ارتكاب المعاصي والجرائم بقاعدة ذهبية ألا وهي: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، وجعل الاعتداء علي النفس البشرية بمثابة عدوان علي الناس جميعاً. ويقول فضيلة الشيخ عمر البسطويسي من علماء الأزهر: كل عام يشهد المسلمون دخول الأشهر الحرم ولكن البعض لا يهتم بها وقد يكون السبب في ذلك الاعتماد علي التقويم الميلادي بدلاً من التقويم الهجري فعلينا إذا دخلت الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ان نعظمها لأن الله سبحانه وتعالي اختصها دون بقية شهور العام فأمر بتعظيمها ونهي عن الظلم فيها قال تعالي: »وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ» ومعني تعظيم حرمات الله اجتناب ما حرمه الله تعظيماً لحدوده والامر بأداء ما طلبه لأنه طريق الفلاح. والله سبحانه وتعالي من حكمته في تحريم القتال في هذه الاشهر ليتمكن الحجاج والتجار والراغبون في الشراء والبيع من الوصول إلي أماكن العبادة والأسواق والعودة بسلام. قال قتادة رضي الله عنه »إن الظلم في الاشهر الحرم اعظم خطيئة ووزاراً من الظلم في سواها وإن كان الظلم علي كل حال عظيماً». ميدان للتنافس ويضيف وفي وقتنا الحاضر علي المسلم أن يحيي هذه الاشهر ويستغل فضلها وذلك بأن أولاً يعقد العزم والنية علي التوبة من المعاصي والذنوب والإنابة إلي الله ويكون ذلك بالاستغفار بالقلب واللسان، وايضاً المحافظة علي العبادات من صلاة الفريضة بادائها في أوقاتها بالاضافة إلي الإكثار من النوافل لجبر تقصيرة في الصلوات المفروضة ايضاً الاكثار من صيام التطوع خاصة صيام العشر الأولي من شهر ذي الحجة فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما العمل في ايام أفضل في هذه العشرة قالوا ولا الجهاد يا رسول الله قال ولا الجهاد إلا رجلا خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء » وكذلك صيام المحرم ويوم عاشوراء فقد حث النبي صلي الله عليه وسلم المسلمين من الاكثار من صيام شهر المحرم حيث قال صلي الله عليه وسلم افضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل». صدقات مادية بجانب هذا تأتي الاعمال الصالحات من اعمال الخير كالصدقات تقدم للفقراء والمسكين سواء كانت صدقات مادية أو عينية بود ورحمة ويختص بها أولاً الاقارب ثم أهالي الحي ثم الآخرين وبر الوالدين وصلة الارحام وتقديم العون للغير وعدم الايذاء سواء للاشخاص أو الشوارع والطرقات. كل ذلك يصحبه رقابة ذاتية للمسلم لله سبحانه وتعالي في كل ما يقوم به من عبادات وطاعات ومعاملات ولا ننسي أن نتفكر في نعم الله علينا في الكون وفي انفسنا مع العزم علي تحمل الصعاب والصبر علي الابتلاءات وجهاد النفس ضد الشهوات وسلامة الصدر من الغل والحقد.. وإذا كان المسلم مستطيعاً فلا مانع من اداء العمرة. ويبقي ميدان التنافس في أعمال الخير قائماً ومتنوعاً قال تعالي »وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَي عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».